نقد / احتفاء بأوغار و (قدّاس سرياني)
2006-06-04
- 1 -
أطلّ أوغار من بلاد شبيهة بذاكرة تموج بأثقالنا وآلامنا ,حاملاً
حكمته وأسلوبه النيتشوي , أطلّ من بلاد الأسئلة الضاغطة سألناه قال : " البلاد التي يشتهي الجميع طعنها , الأعداء و العشّاق " ؟ّ!
-2-
خميرة الكلام تنضج بالمتلقي بلا اكتمال , مبلولة بذاتية الشاعر ونفسه .
آثر أوغار على تحريك خميرة سابقة في ذاكرة المتلقي , أنضجها كما يريد , فاختار طقوسه ونصوصه من ذاكرتنا , بدءً من أوغاريت حتى قانا وأرض كنعان , و اختار أبطالاً دائمي التجوال في دمائنا من جلجامش حتى صلاح الدين , مروراً بطائر الفينيق .
وأوغار المثقل بعشقه يبدأ حكايته بالماء , و بعلٌ في الذاكرة عائم في عالم مائي لا يهدأ , يتفتق على مطر بللنا طويلاً , الماء في نصوص أوغار يموج حيناً , يصارع الموت , يخرج الحنطة ويهدأ حيناً في رحم الذاكرة والعروق الجنينية الأولى , وفي الحالتين ماؤه لا يقبل موعظةً أو قيود , سمعناه يصرخ : " أيها الشاعر يا أخي أضواء المدينة ماء والقمر إله الماء , له البحر يسجد ... الأرض كرة والكون فسيح والقيود سخافة " . وينتقل أوغار إلى صلواته وترانيمه كي تنهض الزهور ويلعب َ العشب حول الماء " ويغني في الأحشاء جنين " .
ومن دفاتره يطلّ أناسٌ عديدون علّهم متربصون في صباحاته و مساءاته وعلى عتبة كل لحظة , فالأعمى يشير إلى العماء قاصداً منابع الحزن الأولى والمعرفة الأولى , ينقلنا إلى عالم النفرّي الرحب والمتشابك , والنبي الشيخ يبحر خارج اللذّة يغرف من عتمه دماً يذروه بياضاً وعشقاً وشقاء فيقول : " العارف والمعرفة واحد , أما الذي يبصر فهو أعمى وأما الذي امتنع عنه الضياء فهو العارف لأنه في البصر تغيب الرؤيا وفي السواد تكون " .
-3-
وأوغار العاشق بين ثلاثة وجوهٍ عبرت وشكّلت خلفية شقيّةً لوجهٍ رابع : وجه يطارده من بلادٍ منفية , وآخر ليس له امتلاك حبّة رملٍ منه أو قبله , ووجه أخير رماه كنفاية , لكنه يبحث عن وجهه الرابع وكأنه يرغب أو يريد إحلال التوازن والكمال .
والإنسان , والشاعر على الخصوص يغامر بعشقه وينتظر ويقتحم باحثاً عن وجه قد يكون وجه أمه , وجه الأم هو الوجه الرابع لأوغار , وجه فينيقي لامرأة يناديها بأم العالم ويقول :
" صارت النبع وأصل الرسالة لأنها تاريخ التاريخ .لأنك الهواء صرت خصيمة الأرض والسماء " .
وبقصيدة المرأة الفينيقية التهبت لغة أوغار بالرغبة واللون والعالم وبدأ يحتفي بخفقان المكان حوله كمن يهتدي رضيعاً إلى أمه وثديها .
-4-
في قداس الموت - وهو عنوان الفصل الرابع من الكتاب - صورة متآكلة من الزمن , لكنها تنبض بالحياة والحب , توحي بموت يعادل الحياة , إنها الصورة التي نراها في ألواحه الطينية المعتّقة وعبرها نلمح مدرحية الكون في جدلية سمّاها بالغياب والحضور , نرى دماءً أُبيحت وقامت وعتماً تراقص عبر الضوء حاملاً هموم أرضه وأمته على قدر نهوضها وارتكاسها , ولم تدهشني منه قسمة الكون عند فلسطين حين صرخ : " فلسطين الصراط , شفيعة القيامة , قسّامة الخلق مؤمن وكافر ".
رحل إلى قانا وبعد أيام جاء وفي يديه صور المجزرة وعلى وجهه رأيت حزناً أوسع من الكون , أضيق من جسدٍ متناثر في قانا يقول :" قانا عين العالم , صهيل الصراخ نبع الدماء الرضيعة ....لأنني من قانا فدمي أكثر نقاوة..... "
- 5-
في فصله الأخير يميل أوغار إلى التقريرية فيما قد يوحي باختمار تجربته الداخلية, فجاءت قصائده تمتمات بأسلوب أدونيسي , لكنه عرضها بشفافية راقية وثوب ناعم جميل ينضح بالحركة , فامتدت هذه التمتمات من إعلاء الكلمة عبر إعلاء اللون إلى الصوت / النغمة وطرح أسئلة تفضي إلى أجوبة هي أسئلة كما يقول , ولعلّ أجمل ما قاله في هذا الفصل هو :
" أعطني سؤالاً حقيقيا ًواحداً وخذ أجوبة العالم ".
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |