الخادمون في الأرض.
خاص ألف
2014-09-10
ضحك ضحكته[1] الجميلة التي أحبها من وجهه الذي مثل " سماء الصيف" قالها له الروائي محمد عبد الحليم عبد الله ، وقال موجهًا الكلام لنا نحن طلاب الفرقة الرابعة في كلية دار العلوم: تقولون أن الغرب مادي والشرق روحاني ولكن أنا لا أري في الشرق روحانية مثل التي في الغرب، هناك الراهبات يهجرن بلادهن الطيبة النقية إلي غابات أفريقيا ومناطق الكوارث الطبيعية يُعلمن الأطفال القراءة والكتابة ويعشن معهم في المناطق الصعبة ويجلبن لهم الغذاء والمياه النقية أضف إلي ذلك الأدوية المجانية والأطباء علي مستوي متميز، أنا لا أجد هذا ، وتصرخون بكلام كله غباء وتقولون أنهن مبشرات.. ساعتئذ تغير وجه سماء الصيف وتكاثرت الغيوم فيه قائلا بلهجته العامية الجميلة: طب يا عم ما تروح تعمل زيهم وبالمرة تنشر الإسلام بس إحنا مش ورانا غير التعوجه علي خلق الله. وختم كلامه بابتسامة يائسة.
وخدمة الإنسانية متعددة متنوعة ، فهناك نشر المعرفة وتصحيح مسار الوعي الجماعي، وهذا ما سأخصه بقليل من النظر في السطور التالية ،ثمة أمور يجب التوقف عندها في مجال الخدمات في بلادنا من لدن كل رجل يريد أن يعمل في مجتمع ضيع القيم وتناهي فيه الإنسان إلي أحوال غير محمودة.
إذا توقفنا بإزاء شخص في أي مكان وسألناه عن العبادة لوجدناه مثل الآلة يكرر كل ما حفظه عن الوعاظ دون أن يدري كنه الموضوعات والألفاظ التي تأتي علي لسانه، ويتمادي إلي حصر العبادة داخل دائرة الشعائر الدينية المعروفة، وهذه قضية شغلت الكل حتى أن المفكر الإسلامي زكي نجيب محمود كتب يقول : يعود العالم الإسلامي إلي قوته إذا هو جعل العبادة تتسع في معناها حتي تشمل بكل جدية واهتمام محاولات الكشف العلمي عن أسرار الكون كشفًا لا يقتصر علي مجرد العلم في ذاته بتلك الأسرار بل يجاوز ذلك إلي تحويل العلم إلي عمل في مجالات التطبيق الذي ينشط به الإنسان في حياته العملية[2].هذه قضية.
وقضية ثانية وهي التي أعرفها " بثقافة السماع" فإذا رمقنا مجلس نعرفه بحلقة علم ، واقترح أمير المجلس أو قائد المجموعة أن يقول كل فرد في الدائرة معلومة جديدة ، وقال أحدهم أنه مجموع العدد خمسة و العدد ثلاثة يساوي تسعة ، وانجذب الكل ناحية المعلومة الجديدة فسألوه: من أين أتيت بهذه المعلومة. فنراه يرد قائلا أنه سمعها في المكان الفلاني أو شاهد أحدهم يقولها علي شاشة التلفزيون ، ولا يحق لنا أن نتخيل ساعتئذ أنه سيفاجئ الكل ويقول أنه طالع في هذه المسألة كتبًا كثيرة وقرأ فيها مؤلفات أبي موسي الخوارزمي . وأصبح السماع بديلا عن حلقات العلم ومؤلفات العظماء، أصبح الشاعر هو من رتب الأبيات علي وزن وقافية ولا نلتفت ناحية الكلمات الصادمة التي تمجها الآذان ولعل الشاعر لم يقرأ الشوقيات أو رسالة الغفران.
وضاع المجتمع وسط ضياع العلم ، كنا في الماضي نشاهد عالم موسوعي نذكر اسمه في الأبحاث العلمية المختلفة المجالات مثل ابن رشد كان قاضي القضاة في الأندلس درس الطب والرياضيات وكان فقيهًا وله مؤلفات في الفقه وكان فيلسوفًا حكيمًا وله مؤلفات في الفلسفة وكان مترجمًا أمينًا حتى أن علماء الغرب شهدوا أنه عندما ترجم المؤلفات الأجنبية نقلها بأمانة ولم يغير فيها علي الرغم من كونها قد تخالف عقيدته في أحايين كثيرة، رحم الله علماء الزمان الخالي.
وقضية ثالثة هامة، توقف العقل عن الفكر والنظر، والذي يشاهد هذه الأمة يقول أن قرآن هذه الأمة هو الذي أمرها بالجهل فالدين هو السبب في التخلف الحضاري الذي تعيش فيه.. لكن القرآن نقي من هذه التهم لأنه القائل" أفلا يتدبرون" ..."استخدام القرآن للفظ التدبر هنا بدلا من التفكر له مغزى لا يجوز أن يغيب عن الأذهان، فإذا كان التدبر في هذا الأمر بصفة عامة معناه التفكر فيه فإن هناك من غير شك فرقًا بين التفكر والتدبر فالقرآن الكريم حين يذكر المعني الواحد بألفاظ مختلفة فإنه لا يفعل ذلك لمجرد التكرار بأسلوب مختلف وإنما يأتي ذلك قصدًا لإبراز معني جديد ..... فالتدبر في الأمر يعد تفكرًا وزيادة ذلك لأن التفكر يعني تصرف العقل بالنظر في الأدلة والظواهر الإنسانية والكونية، بينما التدبر يمتد إلي ما هو أبعد من ذلك فهو تصرف العقل بالنظر في عواقب الأمور"[3]
ويصبح المتهم الوحيد في قضية التخلف الحضاري هو الفرد المسلم وذلك جاء من وراء النشأة وقديمًا قالوا:" من لم يشغل النفس بالحق شغلته بالباطل" ويتربي الطفل ولا يتيسر له من العلم إلا القليل، وفي طريق العمر ينتظره فلان أو علان يجذبه ناحيته فيُركب في عقله شكلا معينا وطريقة معينة حتى يتبدي للمجتمع وحشًا مرفوضًا ، لكنه معذورًا لأنه لم يجد من يوضح له فلما كان العقل عنده أرض بائرة جاءه من زرع فيها أفكارًا مغايرة لقيمنا ومستوردة، وتوجّب علي كل خادم في مجال المعرفة والعلم أن يجعل الناس تعي الدنيا ويساعدهم علي إعمال العقل والنظر. وقديمًا سمي العقاد - عملاق الأدب العربي - كتابًا له باسم : التفكير فريضة إسلامية
وقضية رابعة يستشعرها كل من تعمق في جموع الناس والشباب وهي أن حلقات العلم والمحاضرات والندوات وحمل الكتب الكثيرة فوق الأعناق كل هذا لا يعني إلا التفقه في الدين حتى إذا وجدنا شخصًا آخر يحدثنا عن العلم المغاير أو العلوم الكونية التي هي غير علم الحديث وأصول الفقه تتملكنا رجفة لأننا ساعتها نفهم أنه يطالبنا بترك الدين وهذا أمر مغاير للحقيقة. إن التمسك بحفظ علوم الدين فقط هو الذي أورثنا الجهل في ظلمات متتالية أو عصور متوالية، لأن الأمة الحقيقية هي التي تحفظ العلم بفروعه المختلفة والدين و" تتمسك بهذين المحورين : الإسلام الذي هو منبع الخير في أمتنا والعلم الذي هو أداة التقدم والنهضة في حاضرنا ومستقبلنا"[4]
وخلاصة القول أننا أصبحنا بجدارة علي هامش الحضارات وتأكدت أوربا أنها صاحبة الحضارة المركزية ، وحتى نحصل علي العزاء في الفقيد نزعق ونقول أنهم كفار ونحن أصحاب محمد أهل الجنة ولكن هل يُرضي محمد أن يقف يوم القيامة بين يدي الله ويأمره الله أن يبين له أمته وفضلها التي ستدخل به الجنة ، فيقف النبي وهو يغرق في بحار الخجل ويقول : يارب هذه أمتي وهي علي قسمين قسم آمن بي وقسم كفر بي، فأما المؤمنون بي الذين قسمّوا أنفسهم فرقًا وتحاربوا وتقاسموا الشتائم ولم يقدموا للإنسانية نفع ، وأما الكافرون فهؤلاء هم الذين خدموا الإنسانية حتى أن الأسلحة والطائرات والأطعمة ووسائل الراحة كان المؤمن يأخذها من الآخر. ولك أن تتخيل رد الله حول هذا البيان ، وأستغفر الله أن أكون مطالبًا بتطبيق المشروع الأوربي ولكن متي نتوقف عن طلب المساعدات ونبدأ نحن في خدمة الإنسانية جمعاء.
[1] - محمد حسن عبد الله الناقد الأدبي المعروف له الكثير من المؤلفات منها: الإسلامية والروحية في أدب نجيب محفوظ ويعمل أستاذ للنقد الأدبي بكلية دار العلوم جامعة الفيوم.
[2] - رؤية إسلامية ص6 / الهيئة المصرية العامة للكتاب
[3] - د. محمود حمدي زقزوق/ الدين للحياة ص 39/مكتبة الأسرة 2010
[4] - مقولة علي لسان نجيب محفوظ في مقالة للدكتور أحمد كمال أبو المجد أوردها في مقالة له "حول أولاد حارتنا" نشرت مع الرواية نفسها /دار الشروق 2006
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |