عن خليفة المسلمين الذي يُقتل إخوتَه ؟!
خاص ألف
2014-09-21
في القرن الخامس عشر و تحديداً في عهد السلطان محمد الفاتح , و استنادا إلى دراسة أكاديمية محكّمة و توثيق تاريخي "1" أصدر أهل الفتوى من مشايخ المسلمين فتوى في مجموعة القانونامه تنص على : " وأي شخص يتولى السلطة من أولادي ، فمن المناسب ان يقتل الاخوة من أجل نظام العالم ، وأجازه أكثر العلماء فليعملوا به " " 2" و كلمة قانونامَه في العثمانية تعني " كتاب المراسيم ".و قد سار على هذا التقليد العديد من خلفاء المسلمين ( سلاطين آل عثمان ) و بلغَ هذا الأمر ذروتُهُ مع السلطانْ محمد الثالث (1595-1603 م ) الذي قتل أخوتهُ جميعاً و عددهمْ تسعة عشر أخا. و سليمان القانوني الذي قتل ابنه البكر مصطفى و ابنه بايزيد و احفاد بايزيد بتأثير من زوجته روكسلانا " فقد وقعت في عهده احداثاً شنيعة ، اصبحت علامات سوداء في تاريخ هذا السلطان "3" ..الخ
و لكن لماذا و ما فائدة طرح هذه القضية الآن ؟!
في ذلك سأورد العديد من النقاط:
أوّلاً : تاريخ العثمانيين و من قبلهم العباسيين والفاطميين و الامويين و الراشدين , هو تاريخ بشر , و يجري عليهم ما يجري في سنّة التاريخ على البشر , من صراعات سياسية و فضائل و مخازي و انجازات و اخفاقات , و هذا أمر طبيعي , و لكن الاشكالية تكون عندما يُضْفِي تيار الاسلام السياسي الراهن , و قطاعْ عريض من الثقافة العربية الاسلامية هالةً من التقديس و التمجيد عليهم - بالتصريح أو التلميح أو بالاستخدام الانتقائي للذاكرة - أو يدعو المجتمعات الاسلامية اليوم لاستنساخ تجارب تجاوزها الزمن , تحت حجّْ و مبرراتْ من قبيلْ احياء دولة الخلافه ..و اقامة دولة الاسلامْ.
ثانياً : إن شريعة قتل الأخوة ليستْ بتقليد خاص , و حصري للسلاطين العثمانيين بل هو تقليد شائع في الامبراطوريات السابقة كالفارسية و البيزنطية , و لكن الجديد و الخطير في الأمر,هو استصدار تشريع يُرخِّصْ ذلكَ اعتمادا على آيات قرآنية !
ثالثاً : هذا يطرح تساؤلات جدّيه , حول علاقة الدين بالسياسة , و استغلال الحاكِم (خليفة المسلمين) للنصوص المقدّسة ( قرآن كريم و أحاديث نبويّه ) , و استخدامهِ لرجال الدين , لتبرير مشروعيّه السلطة و إضفاء الشرعيّه على أعمال و جرائم هدفها الاول و الاخير بقاءه في السلطة , و التخلص من الخصوم ..لكي تكون جرائم القتل و الذبح التي يقوم بها حلالْ ! و بمباركة من "خليفة الكون " طالما هو "خليفة المسلمين " و الوكيل الالهي بتسيير أمور المسلمين! بما يسيء للمعتقد الايماني بالله –سبحانه و تعالى - بحدّ ذاتهِ.
رابعاً : هذه الفتوى و مثيلاتها , تتناقض مع الفهم الحيوي للعقائد و منه العقيدة الاسلامية التي تعتبر القتل العمد من الكبائر ( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ , وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ , إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) الاسراء 33) . ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم , خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) النساء 93
خامساً : قالَ ليْ صديقي كيف تتَّهِمْ رجلا صالحا ,جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة في الثناء عليه يا هذا ؟! اتقي الله! ألم تسمع بحديث النبي (ص) الذي رواه الامام أحمد في مسنده :( لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش ( أم أنّك لا تقرأ إلا الذي تريده !!
التعقيب:
-الحديث عن السلطان محمد الفاتح من جهة السلوك العقائدي و الاخلاقي , و ليس من جهة الحديث عن شخصية محمد الفاتح كقائد عسكري و سياسي كبير.
-تقليد قتل السلطان لأخوتهِ و أقاربهِ , و تشريع هذا القتل بمبررات قرآنية ,هو بالنهاية جريمة غرضها الحفاظ على سلطة دنيوية , و هذا التشريع جريمة بحدّ ذاتهِ تساوي جريمة القتل إن لم تكن أكبر منها , و هذا سلوكْ مُدان أخلاقيا , و من يقوم بذلك ليس من أفاضل الناس , بمقياس عموم الناس , و منهُ عموم المسلمين .
-درجة توثيق و مصداقيّة الفتوى و التشريع الذي صدر في عهد محمد الفاتح بخصوص قتل الاخوة كبيرة , فهو موجود ضمن أرشيف الوثائق الرسميه و قوانينها , و بما يقره أهل الاختصاص في التاريخ. بينما القول المنسوب الى النبي الكريم هو قول آحاد على ذمة رجل و من ثم سلسلة شفوية , و قد جرت كتابته بعد مائتي سنة على وفاة الرسول , فقد توفي أحمد ابن حنبل عام 241 للهجرة , و لا يَخفى امكانية الخطأ البشري الغير مقصود في هكذا جهد لنقص المعلومات , أو امكانية الاختلاق و التحوير ممّن عاشوا بعد الرسول خاصة أنّه وجدت عدة محاولات لغزو القسطنطينية على يد معاوية بن ابي سفيان و سليمان بن عبد الملك و غيرهم ..و هذا ما من شأنه اعطاء مشروعية دينية و قداسه للأمراء و القادة.
-الانطلاق من النصوص القرآنية و الأحاديث , و تفصيل الواقع و كتابة التاريخ على أساسها , هو قصور في فهم النصوص , و قصور في فهم الواقع و التاريخ معاً , و هو بمثابة وضع للعربة أمام الحصان , كمن يُشرعِن الاسترقاق الآن يحتجّْ على ذلكَ بآيات قرآنية و أحاديث ؟!
-في النهاية سأورد قول آخر منسوب للنبي في ذات موضوع ( فتح القسطنطينية
) و لكنّه غير مشهور و متداول كالأوّل:
فقد روى أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص , "بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً : قسطنطينية أو رومية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مدينة هرقل تفتح أولاً ، يعني قسطنطينية . ""4"
فوفقا لهذه النبوءة سيتم فتح روما بالإضافة لفتح القسطنطينية , و الآن ينتصب المسجد الكبير في روما – و هو أكبر جامع في أوربا كلها - الى جوار الفاتيكان , و يستطيع أي مسلم أن يصلي ما يشاء ,و يقرأ القرآن جهارا , و يأخذ كتاب مسند الامام احمد ليقرأ ما يشاء من الصفحات هناك في عقر دارهم من دون غزو و لا فتح ! شريطة أن يحمل الجنسية الايطالية أو يحصل على فيزا دخول للاتحاد الاوربي , و كما يقول المثل العربي " دونها خرط القتاد ".
ربّما يكون الهروب و الحصول على هذه الفيزا المعادل الموضوعي ل ( فتح روما ) على الصعيد الفردي , في زمن هربت فيه خيرة شباب المجتمعات الاسلامية الى الغرب (الديمقراطي العلماني الكافر ), تاركين أوطانهم بعد أن استحوذتْ على عقولنا – كمسلمين - عقلية الغزو و أخلاقَ الغزاة !
*
الهوامش:
1":شريعة قتل الأخوة في نظام الحكم آل عثمان 1520-1617 م- م. د. بشرى ناصر هاشم الساعدي - الجامعة المستنصريَّة / كلية الآداب -قسم التاريخ.-مجلة مركز بابل –العدد الثاني – ك 1 - 2011 م
"2": Kanunname Halil Inalcik, the Encyclopeadia of Islam , vol: E.J.Brill, Leiden, 1975, PP.562-563.
"3": احمد عبد الرحيم مصطفى ، في أصول التاريخ العثماني ، دار الشروق ، ط1، القاهرة ، 1982، ص 148.
"4": رواه أحمد ( 2/ 176 ) والدارمي في السنن ( 503 – ط دار المغني ، و ابن أبي شيبة في المصنف ( 19088 – فضل الجهاد ، والحاكم في المستدرك – الفتن والملاحم ، وأبو عمر الداني في السنن الواردة في الفتن ( 609 ) والطبراني في الأوائل ( 61 ) وابن أبي عاصم في الأوائل ( 108 ) ، وعبد الغني المقدسي في كتاب العلم ( 2/30 / 1 ) وقال : حديث حسن الإسناد ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي
وهو كما قالا كما ذكر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ( الصحيحة رقم (( 4 ))
http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=56395
08-أيار-2021
11-تموز-2020 | |
28-نيسان-2018 | |
29-كانون الأول-2017 | |
23-كانون الأول-2017 | |
تعقيبا على قول مازن أكثم سليمان .....والشعر السوري في زمن الثورة و الخراب |
18-تشرين الثاني-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |