Alef Logo
الآن هنا
              

تجليات الواقع في رواية “فرانكشتين في بغداد” د. فالح الحمراني

2014-09-27

حينما تختم قراءة رواية “فرانكشتين في بغداد” الحاصلة على “البوكر العالمي للرواية العربية” لهذا العام، يداهمك الشعور بالاحباط والمرارة لمصائر تلك المجموعة من الشخصيات التي عايشتها وعانيت همومها ومحنها وربما، وجدت من تعرفهم وسطها طيلة فترة القراءة. انها مجموعة من الشخصيات التي طحنتها الاحداث المروعة في العراق منذ وقوعه تحت الاحتلال الامريكي وصعود نخب للحكم غير مؤهلة اخلاقيا ومهنيا لادارة البلاد، فخلقت اجواءا تقترب في حالات منها الى الى صور الرعب والطريق المسدود في بحث الانسان العادي عن حقه بالعيش بأمن وسلام بحياة كريمة. انها شاهدة ادبية على واقع تخطى حدود الواقع ويشع العراق فيها على كافة مستوياتها اللغوية ونمطية الشخصيات وتلاوين الطعام والمكان.

يستعير احمد السعدواي الاسطورة الخيالية الشهيرة التي خلقت شخصية “فرانكشين” بكل تنوعاتها وتأويلاتها النصية والسينمائية ليسحبها على العراق في احلك مراحل تاريخه الحديث، ويفجر من خلالها ما خفي وراء ذلك الواقع والواجهات النفسية للشخصيات التي تتكيف له له باحثة عن موطء للوقوف عليه للتنفس والاستمرار في الحياة. ولكن يالخيبة الجميع. ان التجربة القصصة للجوء الى ماوراء الواقع كشكل فني، لتجسيده بكل فداحته لها جذور عميقة في الاداب العالمية، بما في ذلك في الادب الروسي ونتلمسها بسطوع كلاسيكيا في اعمال نيقولاي جوجول لاسيما في قصصه “الأنف” و”المعطف” وحديثا في قصص الاديب الروسي الكبير ميخائيل بولغاكوف ” الماستر ومرغريتا” و ” وقلب كلب” وانتشرت اكثر في ادب ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وما بعد الحداثة وتجلت باعمال فيكتور بليفين وفلاديمير سوروكين ويوري مماليف… ان رواية العراقي احمد سعداوي باسلوبها وحبكتها، يمكن ان تنتسب الى ما يسمى ب “الواقعية الميتافيزيقية”، بقدرتها على الكشف عن مكامن الواقع كحالة ماساوية تعمل ضد الانسان / المواطن وارادته وتتجاهل خياراته وتجعله بيدقة شطرنج لا حول ولاقوة لها في مواجهة الاعصار الي حركته “قوى غاشمة” لياخذ بطريقة بكل ما هو ويطفأ وهج النفوس وتطلعاتها ويختطف لحظات السعادة والفرح ويجعل الانسان من دون أمل ولاطموح وتحوله الى هارب بما في ذلك من نفسه. يعيش حالة اختناق. الانسان كحالة ككائن عاجز عن مواجهة القدر والمصير. ان الوظيفة الاساسية للاسطوري في العمل الادبي تنحى الى البلوغ بهذه او تلك من الظاهر حتى نهياتها المنطقية.

يوزع احمد سعدواي شخصياته على مجموعات صغيرة تكون كل منها انعكاسا ورؤية للمرحلة التاريخية / الاجتماعية التي تشكلت في 2006، حيث تصاعد العنف اللاعقلاني وغابت القيم وظهر على الافق نموذج مشوهه للانسان في العراق، تتداخل في مصائرها التي تكون متناقضة احيانا لكنه يخرج بها بمصير واحد. ويكون شبيه صنيعة “فيكتور فرانكشتين ” الاسطوري الذي سيطلق عليه اسما عراقيا ” الشِسمة” او الذي لا اسم له، هو السند الذي تتأسس عليه اركان الرواية وباعث تطور احداثها وشخصياتها. ان ” الشٍسمة ” الذي لا اسم له هو نتاج تجميع اعضاء من فارقوا الحياة نتيجة االتفجيرات الارهابية، وينهض بروح غريبة احد ضحايا الاعمال الارهابية للانتقام، لكنه يتحول بالنهاية الى اداة قتل عشوائية القتل من اجل القتل، انه ايضا صورة للقوى القديمة في المجتمع العراقي التي جُمعت اجزاؤها التي تهشمت بعد الاطاحة بالنظام السابق، لإستعادة الماضي والانتقام من الاحتلال ومن برايها وقف وراءه، ولكن باستعمال الوسائل القديمة وبدون طرح بديل اكثرة واقعية يستجيب لروح الحاضر، ولا قدرة على الحياة وبقيت عاجزة، وتحولت بعض تياراتها الى ممارسة القتل المجاني، والتدمير اللامبرر. ان “هادي العتاك”( العتيق)، الذي يمتهن شراء الادوات العتقية لتجديدها وبيعها بسعر اكبر، هو نسخة فرانكشتين الذي يجمع اشلاء “الذي لا اسم له” بدوافع انسانية محضة، ولكنه جمعه من ” اشلاء” عتيقة كما هي بضاعته فلم يحقق مشروعه الانساني بل وراح ضحيته، ليكون هو الجاني.ولم يحقق المسخ الذي لا اسم له عدالة الشارع بعد ان تبدد الامل باحقاق عدالة السماء والقانون.

ان المثقف العراقي في “فرانكشتين في بغداد ” يلوح مغلوب على امره. فجمهرة الصحفيين والمصوريين والكتاب ينخرطون في الوضع الاجتماعي ـ التاريخي، لتاكيد الذات وتحقيق الطموحات الشخصية والاغتراف من ملذات المال والجنس والمظاهر، انهم لا يطرحون مشروع التغيير ورسم البديل في الواقع الكالح الذي يرسمونه يوميا في صحفهم ومجلاتهم ويظهرون على شاشات التلفزيون لتقيدم تحليات عنه.

المرأة في الواقع العراقي الذي يرسمه احمد سعداوي هي الضحية الاكبر في مجتمع بلغ به جنون الرجال الى مستويات لا تقدر. وتتوزع نساءه الى معسكرين كبيرين، تنضوي في الاول الامهات العجائز اللواتي كن دائما عماد العائلة، واللواتي من المعسكر الثاني وجدن انفسهم على هامش المجتمع فرحن يمارسن بيع الجسد او الروح لمواصلة الحياة ولو في اطار النخبة. وتظهر العجوز “اليشو” الآثورية التي تنتظر ابنها الذي غيبته الحرب مع ايران قبل عشرين سنة ليبث النظارة في حياتها ويعيد مجد الدار، وتعتصم في بيتها القديم العريق، بيت الاجداد الذي يوحي بمتحف الأثريات. ان المرأة تنتسب الى اقدم شعب سكن العراق ( الاشوريين) وبيتها هو بالذات صورة العراق الذي تحاول صيانته، ولكن المضاربين والمحتالين يحومون حولها لبيعه لهم، للاستيلاء عليه كغنيمة، ضمن التطور المنطقي للاحداث فالمسيحية “الاثورية ” تترك بيتها ليس عن ارادة ولا رغبة، وسرعان ما يعصف به انفجار ارهابي ليدمره نهائيا، ويجد فرج الدلال الذي اشتراه من العجوز انه ارتكب غلطة بعقد الامال التجارية عليه، لانه كان منخورا وهشا من الداخل ولاح في واجهته عامرا وقويا وقوي الاركان.انه العراق الحديث.

لم تجد حتى الشرائح الاجتماعية الطفيلية التي راحت تعتاش على مخلفات الوضع الذي خلقته حالة الاحتلال والاقتتال الطائفي، مكانا لها في الوضع التاريخي الاجتماعي الجيد. فيترك صاحب فندق العروبة وفرج الدلال ايضا بغداد ويعودون ايضا الى مواطنهم القييمة وكذلك الصحفي محمود السودادي ويختفي السعيدي، وتنهار احلام رئيس لجنة سرور . ان الوضع الي يتشكل يعصف بكل اشرائح والقوى وبالانسان وقيمة وثوابته.ان نور التضامن الانساني والعناية بالاخر يلوح فقط في علاقة الشماس يوشيا بالعجوز ايليشو حيث يحنو عليها ويقدم لها ما يسهل عليها العيش وسط تلك الاجواء المأساوية.ان النظام السياسي في رواية احمد سعدواوي يرتسم كاصداء على جسد الواقع الممسوخ وتظهر شخصيات من دون اسماء وبوجوه متجهمة تثير الرعب ويتوجس منها الانسان شرا.


عن مجلة أدب وفن .







تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow