الأمثال المفضل الضبي / ج1
خاص ألف
2014-10-07
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال الطوسي: أخبرنا محمد بن زياد ابن الأعرابي أبو عبد الله عن المفضل الضبي قال:
زعموا أن ضبة بن أد بن طابخة
بن الياس بن مضر بن معد
وكان له ابنان يقال لأحدهما سعد والآخر سعيد، وأن إبل ضبة نفرت تحت الليل وهما معها، فخرجا يطلبانها، فتفرقا في طلبها، فوجدها سعد فجاء بها، وأما سعيد فذهب ولم يرجع، فجعل ضبة يقول بعد ذلك إذا رأى تحت الليل سواداً مقبلاً أسعد أم سعيد فذهب قوله مثلاً.؟؟ثم أتى على ذلك ما شاء الله أن تأتي لا يجيء سعيد ولا يعلم له خبر، ثم إن ضبة بعد ذلك بينما وهو يسير والحارث بن كعب في الأشهر الحرم وهما يتحدثان إذا مرا على سرحة بمكان فقال له الحارث: أترى هذا المكان؟ فإني لقيت فيه شاباً من هيئته كذا وكذا - فوصف صفة سعيد - فقتلته وأخذت برداً كان عليه، ومن صفة البرد كذا وكذا - فوصف صفة البرد - وسيفاً كان عليه فقال ضبة: ما صفة السيف؟ قال: ها هوذا علي، قال: فأرينه، فأراه إياه فعرفه ضبة ثم قال إن الحديث لذو شجون ثم ضربه حتى قتله، فذهب قوله هذا أيضاً مثلاً.فلامه الناس وقالوا قتلت رجلاً في الأشهر الحرم فقال ضبة: سبق السيف العذل فأرسلها مثلاً. وقال الفرزدق يخاطب الخيار بن سبرة المجاشعي:
أأسلمتني للقوم أمك هابل ... وأنت دلنظى المنكبين بطين
خميص من المجد المقرب بيننا ... من الشنء رابي القصريين سمين
فإن تك قد سالمت دوني فلا تقم ... بدار بها بيت الذليل يكون
ولا تأمنن الحرب إن اشتغارها ... كضبة إذ قال الحديث شجون
الدلنظى: الضخم؛ والهابل: الثاكل؛ يقال شنئته أشنأه وشنأة أي أبغضته، والقيصرى: الضلع التي تلي الخاصرة، وأنشد لامرأة:
فيا رب لا تجعل شبابي وبهجتي ... لشيخ يعنيني ولا لغلام
ولكن لعل قد علا الشيب رأسه ... ؟ بعيد مناط القصريين حسام
واشتغارها: انتشارها وتفرقها؛ وفي بعض الحديث أن امرأة افتخرت على زوجها فقال لها: ذهب الشغار بالفخار، يقال شغر الكلب رجله اذا رفعها ليبول.
وزعموا أن المستوغر بن ربيعة
بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم عاش زماناً طويلاً
وكان من فرسان العرب في الجاهلية، فزعموا أن رجلاً شاباً من قومه كان له صديق يقال له عامر، وكان ذلك الفتى يقول لعامر إن امرأة المستوغر صديقة لي وإني آتيها، وإنه يطيل الجلوس في المجلس حتى لا يبقى أحد إلا قام، فأحب أن تجلس معه حتى إذا أراد أن يقوم تمطيت وتثاءبت ورفعت صوتك تسمعني، فأنصرف من عند امرأته من قبل أن يفجأنا ونحن على حالنا تلك، وإنما كان ذلك صديقاً لأم عامر، فكان الفتى يشغله بحفظ المستوغر ليخالف الفتى إلى أم عامر فيكون معها، فإذا سمع التثاؤب خرج، ففطن المستوغر لعامر وما يصنع، فاشتمل على السيف، حتى إذا لم يبق أحد غيره وغير عامر قال: ألا ترى والذي أحلف به لئن رفعت صوتك لأضربن عنقك، قال: فسكت عامر، فقال له المستوغر: قم، فقاما إلى بيت المستوغر فإذا امرأته قاعدة بين بنيها، قال: هل ترى من بأس؟ قال: لا أرى من بأس، قال له المستوغر: انطلق بنا إلى أهلك، فانطلقا، فإذا هو بذلك الفتى متبطناً أم عامر في ثوبها، فقال له المستوغر: انظر إلى ما ترى، ثم قال لعلني مضلل كعامر فارسلها مثلاً، ومما زاده في هذا الحديث ما قاله المستوغر: إن المعافى غير مخدوع.
وزعموا أن الاضبط بن قريع
بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم
كان يرى من قومه وهو سيدهم بغياً عليه وتنقصاً له فقال: ما في مجامعة هؤلاء خير، ففارقهم وسار بأهله حتى نزل بقوم آخرين، فإذا هم يفعلون بأشرافهم كما كان يفعل به قومه من التنقص له والبغي عليه، فارتحل عنهم وحل بآخرين، فإذا هم كذلك، فلما رأى ذلك انصرف وقال: ما أرى الناس إلا قريباً بعضهم من بعض، فانصرف نحو قومه وقال: أينما أوجه ألق سعداً فأرسلها مثلاً.
ألق سعداً أي أرى مثل قومي بني سعد. ومما زاده قوله: في كل واد بنو سعد.
وزعموا أن ضرار بن عمرو
بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة
أغار على كلب ثم على بني عدي بن جناب من كلب، فأصاب فيما أصاب أهل عمرو بن ثعلبة أخي بني عدي بن جناب، وكان صديقاً لضرار بن عمرو، ولم يشهد القوم حين أغير عليهم، فلما جاءهم الخبر تبع ضرار وكان فيما أخذ من أهله يومئذ سلمى بنت وائل الصائغ، وكانت أمه له وأمها وأختين لها، وسلمى هي أم النعمان بن المنذر ابن ماء السماء، فلما لحق عمرو بن ثعلبة ضراراً قال له عمرو: أنشدك المودة والاخاء فإنك قد أصبت أهلي فارددهم علي، فجعل ضراراً يردهم شيئاً شيئاً حتى بقيت سلمى وأختاها، وكانت سلمى قد اعجبت ضراراً، فسأله إن يردهن، فردهما غير سلمى، فقال عمرو بن ثعلبة: يا ضرار: أتبع الفرس لجامها فأرسلها مثلاً، فردها عليه ومما زاده قوله: والدلو رشاءها.
وزعموا أن عمرو بن عدس
بن زيد بن عبد الله بن دارم تزوج بنت عمه دخنتوس بنت لقيط بن زرارة بن
عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم
بعدما أسن، وكان أكثر قومه مالاً وأعظمهم شرفاً فلم تزل تولع به وتؤذيه وتسمعه ما يكره وتهجره وتهجره حتى طلقها، وتزوجها من بعد عمير بن معبد بن زرارة وهو ابن عمها، وكان رجلاً شاباً قليل المال، فمرت إبله عليها كأنها الليل من كثرتها فقالت لخادمتها: ويلك انطلقي إلى أبي شريح - وكان عمرو يكنى بأبي شريح - فقولي له فليسقنا من اللبن، فاتاها الرسول فقال: إن بنت عمك دختنوس تقول لك اسقنا من لبنك، فقال لها عمرو قولي لها الصيف ضيعت اللبن. ثم أرسل إليها بلقوحين ورواية من لبن، فقال الرسول: أرسل إليك أبو شريح بهذا وهو يقول: الصيف ضيعت اللبن، فذهبت مثلاً فقالت وزوجها عندها، وحطأت بين كتفيه، أي ضربت: هذا ومذقة خير فأرسلتها مثلاً. والمذقة شربة ممزوجة.
وزعموا أن خالد بن مالك بن ربعي
بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم ابن مالك بن حنظلة بن مالك كان عند
النعمان بن المنذر
في الجاهلية، فوجده قد أسر ناساً من بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، فقال: من يكفل بهؤلاء؟ فقال خالد: أنا كفيل بهم، فقال النعمان : وبما أحدثوا، قال: نعم وإن كان الأبلق العقوق، فقال له النعمان: وما الأبلق العقوق؟ قال: هو الوفاء، فذهب الأبلق العقوق مثلاً، قال الشاعر:
فلو قبلوا منا العقوق أتيتهم ... بألف أودية من المال اقرعا
أي تام.
طلب الأبلق العقوق فلما ... لم يصبه أراد بيض الأنوق
وزعموا أن كبيس بن جابر بن قطن
بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة
كان عارض أمة لزرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة يقال لها رشية، وكانت سبية أصابها زرارة من الرفيدات، ورفيدة قبيلة من كلب فولدت له عمراً وذؤيباً وبرغوثاً فمات كبيس وترعرعت الغلمة، فقال لقيط بن زرارة: يا رشية من أبو هؤلاء؟ قالت: كبيس بن جابر، وكان لقيط عدواً لضمرة بن جابر أخي كبيس، قال: فاذهبي بهؤلاء الغلمة واقصدي بهم وجه ضمرة وأخبريه من هم، فانطلقت بهم إلى ضمرة فقال: ما هؤلاء؟ قالت: هم بنو أخيك كبيس بن جابر، فانتزع منها الغلمة - ثم قال: الحقي بأهلك، فرجعت فأخبرت أهلها الخبر، فركب زرارة وكان حليماً حتى أتى بني نهشل فقال: ردوا علي غلمتي، فشتمه بنو نهشل وأهجروا له، فلما رأوا ذلك انصرف حتى أتى قومه فقالوا له: ما صنعت، قال: خيراً، والله ما زال يستقبلني بنو عمي بما أحب حتى انصرفت عنهم من كثر ما أحسنوا إلي، ثم مكث عاماً ثم أتاهم فأعادوا عليه أسوأ ما كانوا فعلوا، فانصرف، فقال له قومه: ما صنعت؟ قال: خيراً، قد أحسنوا إلي بنو عمي وأجملوا، فمكث كذلك سبع سنين يأتيهم كل سنة فيردونه أسوأ الرد، فبينما بنو نهشل يسيرون ضحى إذ لحق بهم لاحق فأخبرهم أن زرارة قد مات، فقال ضمرة: يا بني نهشل إنه قد مات حلم إخوتكم اليوم فاتقوهم بحقهم، ثم قال ضمرة لنسائه: قمن أقسم بينكن الثكل، وكانت عنده هند بنت كرب بن صفوان بن شجنة ابن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وامرأة سبية يقال لها خليدة من بني عجل، وسبية من بني عبد القيس، وسبية من الأزد من بني طمثان، فكان لهن أولاد، غير خليدة، فقالت لهند - وكانت لها مصافية: ولي الثكل بنت غيرك فأرسلتها مثلاً.
فأخذ ضمرة شقة بن ضمرة وأمه هند، وشهاب بن ضمرة وأمه العبدية، وعنوة بن ضمرة وامه الطمثانية، فأرسلهم إلى لقيط بن زرارة فقال: هؤلاء رهن لك بغلمانك حتى أرضيك منهم، فلما وقع بنو ضمرة في يدي لقيط أساء ولايتهم وجفاهم وأهانهم، فقال في ذلك ضمرة بن جابر:
صرمت إخاء شقة يوم غول ... وإخوته فلا حلت حلالي
كأني إذ رهنت بني قومي دفعتهم إلى الصهب السبال
فلم أرهنهم بدمي ولكن ... رهنتهم بصلح أو بمال
صرمت إخاء شقة يوم غول وحق إخاء شقة بالوصال
يريد إخائي شقة فحذف الياء، فأجابه لقيط بن زرارة:
أبا قطن إني أراك حزيناًوإن العجول لا تبالي خدينا
أفي أن صبرتم نصف عام بحقنا ... وقبل صبرنا نحن سبع سنينا
العجول: التي مات ولدها.
وقال ضمرة بن جابر:
لعمرك إنني وطلاب حبي وترك بني في الشطر الأعادي
لمن نوكى الشيوخ وكان مثليإذا ما ضل لم ينعش بهادي
ثم إن بني نهشل طلبوا إلى المنذر بن ماء السماء أن يطلبهم إلى لقيط، فقال لهم المنذر: نحوا عني وجوهكم، ثم أمر بخمر وطعام، ثم دعا لقيطاً فأكلا وشربا، حتى إذا أخذت الخمر فيهما قال المنذر للقيط: يا خير الفتيان ما تقول في رجل اختارك الليلة على ندامى مضر؟ قال: وما أقول فيه؟ أقول إنه لا يسألني الليلة شيئاً إلا أعطيته إياه غير الغلمة، قال له المنذر: وما الغلمة؟ أما إذا استثنيت فلست قابلاً منك حتى تعطيني كل شيء طلبته، قال: فذلك لك، قال: فإني أسألك الغلمة أن تهبهم لي، قال: سلني غيرهم، قال: ما أسألك غيرهم، فأرسل لقيط إليهم فدفعهم إلى المنذر، فلما أصبح لامه أصحابه فقال لقيط في المنذر:
إنك لو غطيت أرجاء هوةٍ ... مغمسة لا يستبان ترابها
أرجاء البئر: نواحيها، والهوة: البئر، مغمسة: خفية مظلمة.
بثوبك في الظلماء ثم دعوتني ... لجئت إليها سادراً لا أهابها
وأصبحت موجوداً علي ملوماً ... كأن نضيت على حائض لي ثيابها
قوله: يطلبهم إلى لقيط يقال أطلبني حاجتي أي أسعفني على طلبها، واحلبني أي أعني على الحلب، وألمسني حاجتي أي التمس معي، وقوله: نضيت يقال نضا الرجل ثوبه إذا نزعه، قال امرؤ القيس بن حجر الكندي:
تقول وقد نضت لنومٍ ثيابها ... لدى الستر إلا لبسة المتفضل
وأرسل المنذر إلى الغلمة وقد مات ضمرة، وكان ضمرة صديقاً له، فلما دخل عليه الغلمة وكان يسمع بشقة ويعجبه ما يبلغه عنه، فلما رآه المنذر قال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فأرسلها مثلا - قال الكسائي: الطوسي يشدد الدال ويقول المعدي ينسبه إلى معد - قال له شقة: أسعدك إلهك إن القوم ليسوا بجزر - يعني الشاء - إنما يعيش المرء بأصغريه، بقلبه ولسانه، والجزر: جمع جزرة وهي الشاة، فاعجب الملك كلامه وسره كل ما رأى منه فسماه ضمرة باسم أبيه، فهو ضمرة بن ضمرة، وذهب قوله إنما يعيش الرجل بأصغريه مثلاً.
زعموا أن تقن بنت شريق
أحد بني عثم من بني جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم
كانت تحت رجل من قومها، وكان أخوها الريب بن شريق من فرسان بني سعد وأشرافهم، وكانت لها ضرة، ولضرتها ابن يقال له الحميت. فوقع بين تقن وضرتها شر فاستبتا وتراجزتا، فغلبتها تقن وشتمتها شتماً قبيحاً، فلما سمع ذلك الحميت اخذ الرمح فطعن به في فخذ تقن فأنفذ فخذها، فلما رأى ذلك أبوه - وكره ان يبلغ أخاها - قال: اسكتي ولك ثلاثون من الإبل ولا يعلم بذلك أخوك، قالت: فأخرجها، فأخرجها فوسمتها بمسيم أخيها الريب بن شريق وألحقتها بابلها، فكانت في إبلها ما شاء الله. ثم إن سفيان بن شريق أخا الريب ورد الماء بابله، فلقى الحميت على الماء، فكان بينهما كلام، فضربه الحميت، وكان في عنق سفيان بن ريق قروح فادمى تلك القروح، فأتى سفيان أخاه الريب فذكر له ذلك، فركب الريب فرساً له يقال الهداج ثم لحق الحي وهم سائرون، فقال: من أحس من بكر أورق ضل من إبلي؟ فيقولون: ما رأيناه، ويمضي حتى لحق بالحميت وهو يسير في أول سلف الحي، فقال: هل أحسست من بكر أورق ضل من إبلي، قال: ما رأيته؛ ثم ان الريب ألقى سوطه كأنه وقع منه، فقال للحميت: ناولني سوطي، فأكب يناوله السوط فقال: أعركتين بالضفير - الضفير: السير المضفور، والضفير موضع، ثم ضربه بالسيف على مجامع كتفيه ضربةً كادت تقع في جوفه، ثم مضى على فرسه، فذهب قوله: أعركتين بالضفير مثلاً. يقول: أعركتين مرة على أخي ومرة على أختي. وقال الريب بن شريق:
بكت تقن فآذاني بكاها ... وعز علي أن وجعت نساها
سأثأر منك عرس أبيك إني ... رأيتك لا تجأجىء عن حماها
يعني بالعرس هنا تقناً، يقال جأجأ بابله، إذا حثها على الشرب.
دلفت له بأبيض مشرفي ... الم على الجوانح فاختلاها
دلفت: من الدليف وهو مشي سريع في تقارب خطو.
فان يبرا فلم أنفث عليه ... وان يهلك فآجال قضاها
وكان مجرباً سيفي صنيعاً ... فيا لك نبوة سيفي نباها
رأيت عجوزهم فصددت عنها ... لها رحم وواقٍ من وقاها
وخفت الصرم من حفص بن سودٍ ... وأتبعت الجناية من جناها
الحفص: من قبيلة الحميت، وكان صديقاً للريب بن شريق.
زعموا أن مالك بن زيد
مناة بن تميم
كان رجلاً أحمق، فزوجه أخوه سعد ابن زيد مناة النوار بنت جد بن عدي بن عبد مناة بن أد ورجا سعد إن يولد لأخيه. فلما كان عند بنائه أدخلت عليه امرأته انطلق به سعد حتى اذا كان بباب بيته قال له سعد: لج بيتك، فأبى مالك، فعاتبه مراراً فقال له سعد: لج مال ولجت الرجم - الرجم: القبر - فأرسلها مثلاً، ثم إن مالكاً دخل ونعلاه معلقتان في ذراعيه فلما دنا من المرأة قالت له ضع نعليك قال: ساعداي أحرز لهما فأرسلها مثلاً، ثم أتي بطيب فجعل يجعله في استه فقالوا له يا مالك ما تصنع؟ قال " : استي اخبثي فأرسلها مثلاً. فولدت النوار لمالك بن زيد مناة حنظلة ومعاوية وقيسا وربيعة، فقال الشاعر الفرزدق:
ولولا إن يقول بنو عدي ... ألم تك أم حنظلة النوارا
إذن لأتى بني ملكان قول ... إذا ما قيل انجد ثم غارا
ليس في العرب ملكان - بالفتح - إلا ملكان بن هند بن جرم في قضاعة.
زعموا أن أم خارجة بنت سحمة
بن سعد بن عبد الله بن قذاذ بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار
البجلية - وهي أم عدس
كانت تحت رجل من اياد، وكان أبا عذرها، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فخلعها منه دعج بن خلف بن دعج بن سحيمة بن سعد بن عبد الله بن قذاذ بن عبد الله بن سعد بن قذاذ وهو ابن اخيها فتزوجها بعده عمرو بن تميم، فولدت له أسيد بن عمرو بن تميم، والعنبر بن عمرو، والهجيم، والقليب. ثم خلف عليها بعده بكر بن عبد مناة من كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، فولدت له: ليث بن بكر، والحارث بن بكر والديل بن بكر؛ ثم خلف عليها مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، فولدت له: غاضرة بن مالك، وعمرو بن مالك، وولدت في قبائل العرب.
زعموا أن الخاطب كان يأتيها فيقول: خطب، فتقول نكح، فقيل: أسرع من نكاح أم خارجة فصار مثلاً. وزعموا أن بعض ولدها كان يسوق بها يوماً فرفع لهم راكب، فقالت:ما هذا؟ فقال ابنها: إخاله خاطباً، فقالت: يا بني هل تخاف أن يعجلنا إن نحل، ما له ال وغل، فصار مثلاً.
وزعموا أن رجلاً كانت له صديقة وكان لها زوج غائب، فكان صديق تلك المرأة يأتيها فيصيب منها، فجاء زوجها ولم يعلم به صديقها، وجاء الصديق كعادته فوجد الزوج مضطجعاً بفناء البيت، فحسبه المرأة، فرفع برجليه، فوثب إليه الرجل فأخذه ودعا بالسيف ليقتله، وهو جار معاوية بن سنان بن جحوان بن عوف ابن كعب بن عبشمس بن سعد بن زيد بن تميم، فنادى المأخوذ: يا معاوي ابن سنان هل أوفيت؟ - يقال وفى الرجل واوفى بمعنى واحد - فسمع معاوية فظن انه مكروب حين سمع صوته فنادى: نعم وتعليت أي زدت على الوفاء فذهب مثلاً، فقال له زوج المرأة: أمنحباً أي ناذراً قال: نعم - المنحب: المراهن. والمنحب الدائب أيضاً.
زعموا أن خالد بن معاوية
بن سنان بن جحوان بن عوف بن كعب بن عبشمس بن سعد
ساب رجلاً من بني عثم - وهو من بني جشم بن سعد بن زيد مناة ابن تميم - عند النعمان بن المنذر، فقال لهم خالد وهو يرجز بهم:
دوموا بني عثم ولن تدوموا ... لنا ولا سيدكم مرحوم
إنا سراة وسطنا قروم قد علمت أحسابنا تميم
في الحرب حين حلم الأديم فذهب قوله حلم الأديم مثلاً.
وقال خالد وهو يرجز بهم:
إن لنا بآل عثم علماًأستاه آم يعترين لحما
أفواه أفراس أكلن هشماً ... إذا لقيت انفحياً وخما
منهم طويلاً في السماء ضخماً ... لا يحتر النازل إلا لطما
تركتهم خير قويس سهما القويس: القوس الرديئة، والحتر: العطية، أي لما هجوت رؤساءهم صاروا أذلة فكيف بغيرهم، فذهب قوله خير قويس سهما مثلاً.
قال أبو عبد الله: يريد تركت من هجوته وهو ذليل فإذا كان ذليلاً وهو خير قومه فأي شيء حال قومه؟ وقال خالد وهو يرجز بالمنذر بن فدكي أخي بني عثم وكان سيدهم يومئذ عند النعمان:
فان عين المنذر بن فدكي ... عينا فتاة نقطت أمس هدي
فرجز به شاعر بني عثم، فعقر به خالد بن معاوية، ومع خالد أخ له، فاستعدوا عليهما النعمان، فقال خالد: أبيت اللعن، أنا أركب وأخي ناقة، ثم نتعرض لهم كما تعرضوا لنا، فإن استطاعوا فليعقروا بنا، فأعجب ذلك النعمان وقال: قد أعطاكم بحقكم، قالوا: قد رضينا، قال النعمان: أما والله لتجدنا ألوى بعيد المستمر فأرسلها مثلاً.
الألوى: المانع لما عنده، والمستمر: استمرار عقله وحزمه.
فاكتفل خالد وأخوه ناقتهما بكفل وتأخر أحدهما على العجز وجعل وجهه من قبل الذنب، وتقدم أحدهما إلى الكتف، فجعل كل واحد يذب بسيفه مما يليه فلم يخلصوا إلى أن يعقروا بهما فأتى النعمان فقال: أبيت اللعن قد أعطيناهم بحقهم فعجزوا عنه فنظر النعمان إلى جلسائه فقال: أترون قومه كانوا يتبعونه بأبلخ جهول، فأرسلها مثلاً.
زعموا أن السليك بن السلكة التميمي
ثم أحد بني مقاعس - ومقاعس: الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة - كان من أشد فرسان العرب وأنكرهم وأشعرهم، وكانت أمه سوداء، وكانوا يدعونه سليك المقانب - والمقنب ما بين الثلاثين إلى الخمسين - وكان أدل الناس بالأرض، وأجودهم عدواً على رجليه لا تعلق به الخيل، زعموا أنه كان يقول: اللهم إنك تهيء ما شئت لما شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفاً كنت عبداً، ولو كنت امرأة كنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة، أي لا أهاب أحد.
فذكر أنه افتقر حتى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر عليه فيذهب بابله، حتى أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة، فاشتمل الصماء - واشتمال الصماء أن يرد فضل ثوبه على عضده اليمنى ثم ينام عليها - فبينا هو نائم إذ جثم عليه رجل من الليل فقعد على جنبه فقال: استأسر، فرفع السليك إليه رأسه فقال: إن الليل طويل وأنت مقمر فأرسلها مثلاً. ثم جعل الرجل يلهزه ويقول: يا خبيث استأسر، فلما آذاه بذلك أخرج السليك يده فضم الرجل ضمة إليه ضرط منها وهو فوقه فقال له السليك: أضراطاً وأنت الأعلى فأرسلها مثلاً. ثم قال له السليك: من أنت؟ قال: أنا رجل افتقرت فقلت لأخرجن فلا أرجعن حتى استغني فآتي أهلي وأنا غني، قال: فانطلقي معي. قال: فانطلقا حتى وجدا رجلاً قصته مثل قصتهما، فاصطحبوا جميعا، حتى اتوا الجوف - جوف مراد الذي باليمن - فلما أشرفوا على الجوف، إذا نعم قد ملأ كل شيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضهما فليحقهم الحي، فقال لهما السليك: كونا قريبا حتى آتي الرعاء فاعلم لكم علم الحي أقريب أم بعيد، فإن كانوا قريباً رجعت إليكما، وإن كانوا بعيداً قلت لكما قولاً أوحي به لكما، فأغيروا؛ فانطلق حتى أتى الرعاء فلم يزل يتسقطهم حتى أخبروه بمكان الحي، فإذا هم بعيد إن طلبوا لم يدركوا، فقال لهم السليك: ألا أغنيكم؟ فقالوا: بلى، فتغنى بأعلى صوته فقال:
يا صاحبي إلا لا حي بالوادي ... إلا عبيد وأم بين اذواد
آم: جمع أمة العشر، ثم إماء لما بعد العشر.
أتنظرن قليلاً ريث غفلتهم ... أم تعدوان فإن الريح للعادي
فلما سمعا ذلك أتيا السليك فاطردوا الإبل فذهبوا بها فلم يبلغ الصريخ إلى الحي حتى مضوا بما معهم. وزعموا أن السليك خرج ومعه عمرو وعاصم ابنا سري بن الحارث بن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم يريد أن يغير في أناس من أصحابه، فمر على بني شيبان في ربيع والناس مخصبون في عشية فيها ضباب ومطر، فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت عظيم، وقد أمسى، فقال لأصحابه: كونوا بمكان كذا وكذا حتى آتي أهل هذا البيت فلعلي أصيب لكم خيراً أو آتيكم بطعام، فقالوا فافعل، فانطلق وقد أمسى وجن عليه الليل، فإذا البيت بيت يزيد بن رويم الشيباني، وهو جد حوشب بن يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم، وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت، فأتى السليك البيت من مؤخره فدخله، فلم يلبث أن أراح ابن له ابله، فلما أن أراحها غضب الشيخ وقال لابنه: هلا كنت عشيتها ساعة من الليل؟! فقال ابنه: إنها أبت العشاء، فقال: العاشية تهيج الآبية فأرسلها مثلاً.
العاشية: التي تتعشى، تهيج آبي العشاء فيتعشى معها. ثم غضب الشيخ فنفض ثوبه في وجوهها إلى مرتعها وتبعها الشيخ حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها، وجلس الشيخ عندها للعشاء فغطى وجهه في ثوبه من البرد، وتبعه السليك، فلما وجد الشيخ مغتراً ختله من ورائه ثم ضربه فأطار رأسه وصاح بالإبل فاطردها، فلم يشعر أصحابه - وقد ساء ظنهم به وتخوفوا عليه - حتى اذا هم بالسليك يطردها، فطردوها معه فقال السليك:
وعاشية رج بطان ذعرتها بصوت قتيل وسطها يتسيف
فبات لها أهل خلاء فناؤهم ومرت بهم طير فلم يتعيفوا
وباتوا يظنون الظنون وصحبتي ... إذا ما علوا نشزاً أهلوا وأوجفوا
وما نلتها حتى تصعلكت حقبة ... وكدن لأسباب المنية أعرف
وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني ... إذا قمت يغشاني ظلال فأسدف
زعموا أن العيار بن عبد الله الضبي
ثم أحد بني السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة وفد هو وحبيش بن دلف وضرار بن عمرو الضبيان على النعمان فأكرمهم وأجرى عليهم نزلا، وكان العيار رجلاً بطالاً يقول الشعر ويضحك الملوك، وكان قد قال قبل ذلك:
لا أذبح النازي الشبوب ولا ... أسلخ يوم المقامة العنقا
لا آكل الغث في الشتاء ولا ... أنصح ثوبي إذا هو انحرقا
ولا أرى أخدم النساء ول - كن فارساً مرة ومنتطقا
وكان منزلهم واحد، وكان النعمان بادياً، فأرسل إليهم بجزر فيهن تيس، فأكلوهن غير التيس، فقال ضرار للعيار - وهو أحدثهم سناً - ليس عندنا من يسلخ لنا هذا التيس فلو ذبحته وسلخته وكفيتنا ذلك فقال العيار فما أبالي أن أفعل فذبح ذلك التيس ثم سلخه، فانطلق ضرار إلى النعمان فقال: أبيت اللعن هل لك في العيار يسلخ تيساً؟ قال: أبعد ما قال؟ قال: نعم،فأرسل إليه النعمان فوجده يسلخ تيساً، فأتى به فضحك به ساعة؛ وعرف العيار أن ضراراً هو الذي أخبر النعمان بما صنع، وكان النعمان يجلس بالهاجرة في ظل سرادقة، وكان كسا ضراراً حلة من حلله، وكان ضراراً شيخاً أعرج بادناً كثير اللحم، فكست العيار حتى إذا كانت ساعة النعمان التي يجلس فيها في ظل سرادقة ويؤتى بطعامه عمد العيار إلى حله صرار فلبسها، ثم خرج يتعارج، حتى إذا كان بحيال النعمان وعليه حلة ضرار كشفها عنه فخرىء، فقال النعمان: ما لضرار قاتله الله لا يهابني عند طعامي؟ فغضب على ضرار، فحلف ضرار أنه ما فعل، قال: ولكني أرى العيار وهو فعل هذا من أجل أني ذكرت لك سلخة التيس، فوقع بينهما كلام حتى نشائما عند النعمان. فلما كان بعد ذلك ووقع بين ضرار وبين أبي مرحب أخي بني يربوع ما وقع تناول أبو مرحب ضراراً عند النعمان والعيار شاهد فشتم العيار أبا مرحب ورجز به فقال النعمان للعيار: أتشتم أبا مرحب في ضرار، وقد سمعتك تقول له شراً مما قال أبو مرحب؟! قال العيار أبيت اللعن وأسعدك إلهك: إني آكل لحمي ولا أدعه لآكل فأرسلها مثلاً، فقال النعمان: لا يملك مولى لمولى نصراً.
وزعموا أن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة
وكان خطيباً كثير المال عظيم المنزلة من الملوك، وانه كان مع بعض الملوك فقال له: إنه قد بلغني عن أخيك نهشل بن دارم خير، وقد أعجبني أن تأتيني به فأصنع خيراً إليه، وكان نهشل من أجمل الناس وأشجعهم، وكان عيي اللسان قليل المنطق، فلم يزل ذلك الملك بمجاشع حتى اتاه بنهشل، فأدخله عليه وأجلسه، فمكث نهشل لا يتكلم، وقد كان أعجب الملك ما رأى من هيئته وجماله، فقال له الملك: تكلم، قال: الشر كثير، فسكت عنه، فقال له مجاشع: حدث الملك وكلمه، فقال له نهشل: إني والله ما أحسن تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البروق، فارسل: شولان البروق مثلاً.
البروق: الناقة التي تشيل ذنبها تري أهلها انها لاقح وليست بلاقح.
زعموا أن شهاب بن قيس
أخا بني خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم
خرج مع خاله اوفى بن مطر المازني، ومعه رجل آخر من بني مازن يقال له جابر بن عمرو، فكانوا ثلاثة، وكان جابر يزجر الطير، فبينما هم يسيرون إذ عرض لهم اثر رجلين يسوقان بعيرين ويقودان فرسين، قالوا: فلو طلبناهما، قال جابر: فاني أرى أثر رجلين يسوقان بعيرين شديد كلبهما الفرار بقراب أكيس فأرسلها مثلاً، وفارقهما. ومضى أوفى بن مطر وشهاب في اثر الرجلين وكان على أوفى بن مطر يمين لا يرمي بأكثر من سهمين، ولا يستجيره رجل أبداً إلا أجاره، ولا يغتر رجلاً حتى يؤذنه، فهاجا بالرجلين وهما في ظل طلحة، واذا هما من بني أسد ثم من بني فقعس، فلما رأى اوفى أحدهما قال له: استمسك فانك معدو بك، أي محمول، فقال الاسدي: انك لا تعدو بعير أمك وانما تعدو بليث مثلك يجد بالمصاع كوجدك فقال اوفى بن مطر: يا شهاب ارم فان يده في غمة، قال الاسدي:
لا تحسبن أن يدي في غمه ... في قعر نحي أستثير حمه
ليس لواحد علي منه ألا ولا اثنين ولا أهمه
إلا الذي وصى بثكل أمه
فقال اوفى بن مطر:
دع الرماء واقترب هلمه ... إلى مصاعٍ ليس فيه جمه
فذاك عندي ابن العجوز الهمه
نصب ابن على النداء. فرى أوفى بن مطر الاسدي فصرعه، ورمى شهاباً الاسدي الآخر فصرعه، فقال الآخر: جواراً يا أوفى، فقال له: على مه؟ قال: على أحد الفرسين وأحد البعيرين وعلى أن نداوي صاحبينا، فأيهما مات قبل قتلنا به صاحبه، فواثقا على ذلك، وانطلقا بهما وهما جريحان، حتى نزلا على وشل بجبلة الذي يقال له شعب جبلة، فمكثوا بذلك أربعتهم زماناً يغيرون ثم يأتون بغنيمتهم على جبلة فيقسمونها، فقال اوفى بن مطر في ذلك لجابر بن عمرو يعيره فراره:
إذا ما أتيت بني مازنٍ ... فلا تسق فيهم ولا تغسل
فليتك لم تدع من مازن ... وليتك في البطن لم تحمل
وليت سنانك صنارة ... وليت قناتك من مغزل
ونيط بحقويك ذو زرنبٍ ... جميش يوكل للفيشل
تجاوزت حمران من ساعةٍ ... وخلت قساساً من الحرمل
فمن مبلغ خلتي جابراً ... بأن خليلك لم يقتل
تخاطأت النبل أحشاءه ... وأخر يومي فلم يعجل
كان مر باع مالك بن حنظلة في الجاهلية في زمان صخر بن نهشل بن دارم لصخر، فقال له الحارث بن عمرو بن آكل المرار الكندي: هل أدلك يا صخر على غنيمة على أن لي خمسها، فقال له صخر: نعم، فدله على ناس من أهل اليمن، فأغار عليهم صخر بقومه فظفروا وغنموا، وملأ يديه من الغنائم وأيدي أصحابه؛ فلما انصرف قال له الحارث: أنجز حر ما وعد فأرسلها مثلا، فادار صخر قومه على أن يعطوه ما كان جعل للحارث فأبوا عليه ذلك، وفي طريقهم ثنية متضايقة يقال لها شجعات فلما دنا القوم منها سار صخر حتى وقف على رأس الثنية وقال: أزهت شجعات بما فيهن - وأزمت أي ضاقت - لا يجوزن أحد بذمة صخر، فأرسلها مثلاً. فقال حمرة بن ثعلبة بن جعفر بن يربوع: والله لا نعطيه شيئاً من غنيمتنا، ثم مضى في الثنية، فحمل عليه صخر بن نهشل بن دارم فقتله، فلما رأى الجيش ذلك أعطوه أجمعون الخمس، فدفعه إلى الحارث بن عمرو فقال في ذلك نهشل بن حري بن ضمرة بن جابر بن قطن بن دارم:
نحن منعنا الجيش إن يتأبوا ... على شجعات والجياد بنا تجري
حبسناهم حتى أقروا بحكمنا ... وأدي أنفال الخميس إلى صخر
زعموا أن النمر بن تولب العكلي
كان أحب امرأة من بني أسد بن خزيمة يقال لها جمرة بنت نوفل، وقد أسن يومئذ، فاتخذها لنفسه وأعجب بها، وكان له بنو أخ فراودها بعضهم عن نفسها، فشكت ذلك إلى نمر وقالت: إن بني أخيك ربما راودني بعضهم عن نفسي، ولست آمنهم إن يغلبوني فقال لها النمر: قولي لهم وقولي إن أرادوا شيئاً من ذلك، وقالت جمرة: إني سأكفيك ما كان قولاً فأرسلتها مثلاً، تقول إن كان القول فاني سأكفيك القول.
زعموا أن جارية بن سليط
بن الحارث بن يربوع بن حنظلة بن مالك
وسليط هو كعب، وانما سمي سليطاً لسلاطة لسانه - كان أحسن الناس وجهاً وأمدهم جسماً،وانه أتى عكاظ وكانت من أشهر أسواق العرب في الجاهلية، فأبصرته جارية من خثعم فأعجبها، وتلطفت له حتى وقع عليها، فلما فرغ قالت: انك اتيتني على طهر وإني لا ادري لعلي سأعلق لك ولداً فموعدك فصال ولدي إن حملت لك، فسمى لها اسمه،حتى وافى عكاظ لرأس ثلاثة أحوال، فوجدها قد ولدت غلاماً وفطمته، فأقبلت الجارية معها أمها وخالتها يلتمسنه بعكاظ حتى رأته الجارية فعرفته، فلما رأته قالت الجارية: هذا جارية، قالت أمها: بمثل جارية فلتزن الزانية سراً او علانية. ثم دفعن إليه الغلام فسماه عوفاً فشرف وساد قومه، وهو عوف الأصم. فذكر أن بني مالك بن حنظلة وبني يربوع تخايلوا يوماً فقام عمرو بن همام ابن رباح بن يربوع يخايل عن بني يربوع فقال الناس: ادخلوا عوفاً الأصم البيت فإنه إن علم بما بينكم وشهد المخايلة أهلك هذين الحيين وأبى ذلك، فأولجوا عوفاً قبة من قباب الملك لكيلا يسمع ما بينهم فظفر بنو مالك، ونادى مناد أين عوف؟ فقالت امرأته: عوف يرنا في البيت فأرسلتها مثلاً، فسمع عوف الكلام فوثب فإذا الناس فئتان يتخايلون، وضرب خطم فرس الملك بالسيف وهو مربوط بفناء القبة، فنشب السيف في خطم الفرس وقطع الرسن، وجال في الناس فجعلوا يقولون جهجوه جهجوه أي ازجروه وكفوه، فذلك قول متمم بن نويرة في يوم جهجوه:
وفي يوم جهجوه حمينا ذماركم ... بعقر الصفايا والجواد المربب
قال العجاج:
لقد أرني ولقد أرني غراً كآرم الصريم الغن
قوله أرني من الرنو وهو النظر الدائم، أي يلهو، جهجه به وهجهج به حبسه ومنعه، والصفايا من النوق الغزار، الواحد صفي.
أغار جبيلة بن عبد الله أخو بني قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة ابن تميم على إبل جرية بن أوس بن عامر أخي بني أنمار بن الهجيم بن عمرو بن تميم يوم مسلوق، فاطردوا ابله غير ناقة كانت فيها مما يحرم أهل الجاهلية ركوبه، وكان في الابل ابن أخت جرية، وكان فيها فرس لجرية يقال له العمود، وكان مربوطاً بعرادة، فاجتذبها فبقيت في طرف رسنه، فذهب وذهب القوم بالابل غير تلك الناقة الحرام، فإنهم أخرجوها وكرهوا أن تكون في الابل لأنها حرام، وبلغ جرية الخبر، فإذا القوم قد سبقوا بالابل غير تلك الناقة الحرام، فقال جرية لابن أخته: رد علي الناقة لعلي اركبها في أثر القوم، قال: إنها حرام، قال جرية: حرامه يركب من لا حلال له فركب في أثر القوم حتى أدركهم، فأقبل عليه جبيلة فاختلفا بينهما طعنتين فقتله جرية وأحرز القوم الابل فذهبوا بها، وذهب قوله: حرامه يركب من لا حلال له مثلاً. وقال جرية في ذلك:
إن تأخذوا إبلي فان جبيلكم ... عند المزاحف ثوبه كالخيعل
الخيعل: النطع والبيت من أدم والنقبة تلبسها الجارية من أدم.
أنحى السنان على مجامع زوره ... إذا جاء يزدلف ازدلاف المصطلي
نرمي برامحنا خصاصة بيتنازالت دعامة أينا لم ينزل
إذ ينسلون بذي العراد وفاتني فرسي و لا يحزنك سعي مضلل
ومفاضة زغف كأن قتيرها حدق الأساود لونها كالمجول
تضفو على كف الكمي كما ضفا ... سيل الأضاء على حبي الاعبل
أبغي نكيثة نفسه بمهند كعصا الجديدا في سنان منجل
المفاضة: الدرع الواسعة، والقتير: مسامير الدرع، وقال ابن الأعرابي: المجول: الفضة، الاعبل: الجبل الابيض، والحبي: ما تحبا أي اجتمع وحبي الاعبل: ما اتصل منه وحبا بعضه إلى بعض أي دنا، والأعبل: حجارة بيض، والاضاء: الغدران الواحدة اضاة فإذا كسرت في الجمع مددت وإذا فتحت قصرت، والجديداء: أثوب الحائك الذي يجده يقطعه، ومنجل: واسع الطعن، وعين نجلاء واسعة.
زعموا أن زرارة بن عدس
بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك
رأى يوماً ابنه لقيطاً مختالاً وهو شاب فقال: والله انك لتختال كأنك أصبت بنت قيس بن مسعود بن قيس بن خالد ومائة من هجائن المنذر بن ماء السماء، قال: فان لله علي لامس رأسي غسل ولا أشرب خمراً حتى آتيك بابنة قيس ومائة من هجائن المنذر أو أبلي في ذلك عذراً، فسار لقيط حتى أتى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد، وكان سيد ربيعة وبيتهم، وكان عليه يمين إلا يخطب إليه إنسان علانية إلا ناله بشر، وسمع به، فأتاه لقيط وهو جالس في القوم، فسم عليه ثم خطب إليه علانية، فقال له قيس: ومن أنت؟ قال: أنا لقيط بن زرارة، قال: فما حملك على إن تخطب إلي علانية؟ قال: لأني قد عرفت إني إن اعالنك لا أشنك وان أناجك لا أخدعك قال قيس: كفؤ كريم لا جرم والله لا تبيت عندي لا عزباً ولا محروماً، ثم أرسل إلى أم الجارية: إني قد زوجت لقيطاً القذور بنت قيس فاصنعيها حتى يبتني بها، وساق عنه قيس، فابنتي بها لقيط وأقام معهم ما شاء الله أن يقيم، ثم احتمل بأهله حتى أتى المنذر بن ماء السماء فأخبره بما قال أبوه، فأعطاه مائة من هجائنه، ثم انصرف إلى أبيه ومعه بنت قيس ومائة من هجائن المنذر. وزعموا أن لقيطاً لما أراد أن يرتحل بابنه قيس إلى أهله قالت له: أريد أن ألقى أبي فأسلم عليه وأودعه ويوصيني، ففعلت، فأوصاها وقال: يا بنية كوني له أمة يكن لك عبداً، وليكن أطيب ريحك الماء حتى يكون ريحك ريح شن غب مطر - والشن طيب الريح غب المطر - وان زوجك فارس من فرسان مضر، وأنه يوشك أن يقتل أو يموت، فإن كان ذلك لا تخمشي وجهاً ولا تحلقي شعراً. فلما أصيب لقيط احتملت إلى قومها وقالت: يا بني عبد الله أوصيكم بالغرائب شراً فوالله ما رأيت مثل لقيط لم يخمش عليه وجه ولم يحلق عليه رأس، ولولا أني غريبة لخمشت وحلقت، فلما انصرفت إلى قومها تزوجها رجل منهم فجعل يسمعها تكثر ذكر لقيط، فقال لها: أي شيء رأيت من لقيط قط أحسن في عينك؟ قالت: خرج في يوم دجن وقد تطيب وشرب فطرد البقر وصرع منها وأتاني وبه نضج الدماء والطيب ورائحة الشراب، فضممته ضمة وشممته شمة، فوددت أني كنت مت ثمة، فلم أر قط منظراً أحسن من لقيط، فسكت عنها زوجها حتى إذا كان يوم دجن شرب وتطيب ثم ركب فصرع من البقر، فأتاها وبه نضج الدماء والطيب وريح الشراب، فضمته إليها، فقال: كيف ترينني أنا أحسن أم لقيط؟ فقالت: ماء ولا كصداء فأرسلتها مثلاً. وصداء ركية ليس في الأرض ماء أطيب منها مذكورة بطيب الماء قد ذكرها الشعراء، قال ضرار بن عتبة السعدي:
فاني وتهيامي بزينب كالذي يخالس من أحواض صداء مشربا
يرى دون برد الماء هولاً وذادة إذا شد صاحوا قبل أن يتحببا
يتحبب: يشرب حتى يروى، وقط إذا أريد بها الكفاية كسرت مثل قولك: كسبت درهماً فقط، وإذا أريد الدهر رفعت كقولك ما رأيت قط. قال حبيب بن عيسى: الحديث أنه كان بين لقيط بن زرارة وبين رجل من أهل بيته يقال له زيد بن مالك ملاحاة فغيره زيد بتركه النكاح وقال: إن أكفاء أهل بيتك يرغبون عنك، ومن غيرهم من العرب عنك أرغب، فلما زوجه قيس قال:
ألم يأت زيداً حيث أصبح أنني ... تزوجتها إحدى النساء المواجد
عقيلة شيخ لم يكن لينالها سوى عدسي من زرارة ماجد
إذا اتصلت يوماً بنسبتها انتهت ... إلى آل مسعود بن قيس بن خالد
كأن رضاب المسك دون لثاتها على شبم من ماء مزنة بارد
لها بشر صافي الأديم كأنهلجين تراه دون حمر المجاسد
إذا ارتفعت فوق الفراش حسبتها شريجة نبع زينت بالقلائد
متى تبغ يوماً مثلها تلق دونهامصاعد ليست سبلها كالمصاعد
كان سعد بن زيد مناة بن تميم وهو الفزر وكانت تحته الناقمية فولدت له فيما زعم الناس صعصعة أبا عامر - قال شريح بن الأحوص وهو ينتمي إلى سعد:
تمناني ليلقاني لقيط ... أعام لك ابن صعصعة بن سعد
وقال المخبل:
كما قال سعد إذ يقود به ابنه ... كبرت فجنبني الأرنب صعصعا
وأكثر في ذلك شعراء بني عامر وبني تميم - فولدت له هبيرة بن سعد، وكان سعد قد كبر حتى لم يكن يطيق ركوب الجمل، إلا أنه يقاد به ولم يملك رأسه، فقال سعد وصعصعة يوماً يقود به جمله: قد لا يقاد بي الجمل أي قد كنت لا يقاد بي الجمل، فذهب مثلاً. وكان سعد كثير المال والولد، فزعموا أنه قال لابنه يوماً هبيرة بن سعد: اسرح في معزاك فارعها، قال: والله لا أرعاها سن الحسل، وهو ولد الضب ولم يوجد دابة قط أطول عمراً منه، وسن كل دابة يسقط إلا سن الحسل، قال: يا صعصعة اسرح في غنمك، قال: لا والله لا أسرح فيها ألوة الفتى هبيرة ابن سعد - ألوة وألوة وألية بمعنى - فغضب سعد وسكت على ما نفسه، حتى إذا أصبح بالمعزى بسوق عكاظ والناس مجتمعون بها فقال: ألا إن هذي معزاي فلا يحل لرجل أن يدع أن يأخذ منها شاة، ولا يحل لرجل أن يجمع منها شاتين، فانتهبها الناس وتفرقت فيقال: حتى يجتمع معزى الفزر فذهبت مثلاً. وقال شبيب ابن البرصاء:
ومرة ليسوا نافعيك ولن ترى ... لهم مجمعاً حتى ترى غنم الفزر
وقال حبيب بن عيسى: كان من حديث الفزر مع امرأته الناقمية أنه قال لصعصعة في يوم الناقمية فيه مراغمة له: اخرج يا صعصعة في معزاك، فقالت أمه: لا يخرج صعصعة ويقعد كعب، اخرج يا هبيرة، قال: لا والذي يحج إليه على الركاب، قال: فاخرج أنت يا كعب، قال: وألية الفتى هبيرة لا أفعل، فألح على صعصعة فقالت أمه: ليس لك من شيخك إلا كده، فاخرج والله ما تصلح لغيرها، قال: إذاً والله أحسن رعايتها اليوم، فخرج حتى اضطرها إلى أصل علم، ووافق ذلك نفور الناس من عكاظ، فجعل لا يمر به جمع إلا حبسهم حتى إذا توافى بشر كثير أمرهم فانتهبوا غنمه، وسخطت الناقمية ما صنع ففارقته، فذلك قوله:
أجد فراق الناقمية فانتوتأم البين يحلولي لمن هو مولع
لقد كنت أهوى الناقمية حقبة وقد جعلت أقران بين تقطع
فلو لا بنياها: هبيرة إنه بني الذي يشفي سقامي وصعصع
لكان فراق الناقمية غبطة ... وهان علينا وصلها حين تقطع
وزعموا أن سعد بن زيد مناة بن تميم
كان تزوج رهم بنت الخزرج بن تيم الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة، وكانت من أجمل الناس، فولدت له مالك ابن سعد وعوفاً، وكان ضرائرها إذا ساببنها يقلن: يا عفلاء فقالت لها أمها: ساببنك فابدئيهن بعفال فسابتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها، فقالت: يا عفلاء، فقالت ضرتها رمتني بدائها وانسلت فأرسلتها مثلاً. وبنو مالك بن سعد رهط العجاج، وكانوا يقال لهم بنو العفيل، فقال اللعين المنقري وهو يعرض بهم:
ما في الدوائر من رجلي من عقل ... عند الرهان وما أكوى من العفل
وزعموا أن عمرو بن جدير
بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة
كانت عنده امرأة معجبة له جميلة، وكان ابن عمه يزيد بن المنذر ابن سلمى بن جندل بها معجبا، وان عمرا دخل ذات يوم بيته فرأى منه ومنها شيئاً كرهه حتى خرج من البيت، فأعرض عنه، ثم طلق المرأة من الحياء منه، فمكث ابن جدير ما شاء الله لا يقدر يزيد بن المنذر على أن ينظر في وجهه من الحياء منه ولا يجالسه، ثم أن الحي أغير عليه، وكان فيمن ركب عمرو بن جدير، فلما لحق بالخيل ابتدره فوارس فطعنوه وصرعوه ثم تنازلوا عليه، ورآه يزيد بن المنذر فحمل عليهم فصرع بعضهم، وأخذ فرسه واستنفذه، ثم قال له: اركب وانج فلما ركب قال له يزيد: تلك بتلك فهل جزيتك فذهبت مثلاً.
وزعموا أن عمرو بن الأحوص
بن جعفر بن كلاب
كان أحب الناس إلى أبيه، فغزا بني حنظلة في يوم ذي نجب، فقتله خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل ابن نهشل، فزعموا أن أباه الأحوص بن جعفر - وهو يومئذ سيد بني عامر - قال: إن أتاكم الحماران طفيل بن مالك وعوف بن الأحوص يتحدثان ثم مضيا إلى البيوت فقد ظفر أصحابكم، وان جاء يتسايران حتى إذا كانا عند أدنى البيوت تفرقا فقد فضح أصحابكم وهزموا، فاقبلا حتى إذا كانا عند أدنى البيوت تفرقاً، فقال الاحوص: الفضيحة والله، ثم أرسل إليهما فأخبراه الخبر، فكان مما زعموا أن الأحوص إذا سمع باكية قال: وأهل عمرو قد أضلوه فأرسلها مثلاً؛ فيزعمون إن الأحوص مات من الوجد على عمرو ولم يلبث بعده إلا قليلاً، فقال لبيد بن ربيعة في ذلك وفي عروة بن عتبة وقد قتله البراض:
ولا الأحوصين في ليال تتابعا ... ولا صاحب البراض غير المغمر.
نهاية الجزء الأول
ألف / خاص ألف /
يتبع ...
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |