إيروسية المبنى في المسرح النسوي/ حميد عبد المجيد مال الله
2014-10-11
تقترح الناقدة سو إلين كيس تحليلاً ايروتيكياً مثيراً للتفريق بين التراجيديا والدراما النسوية . مفاده ان الفارق بينهما يعود الى الأداء الجنسي الذكوري متمثلاً بالتطهير : الذروة . والأداء الجنسي النسوي متمثلاً بالنشوة المتتابعة .يندرج التحليل ضمن مدخل نقدي حديث هو النظرية النسوية
من بين مداخل أكثر حداثة ، وأكثر مهاجمة للمناهج النقدية ( المقدسة ) السائدة . في مقدمــة تلك المناهج : النظرية النسوية Fiminist theory ، والنظرية الشاذة Queer theory والتاريخية الجديدة New historicism والمادية الثقافية Cultural material .
منذ ستينيات القرن العشرين ، يتداول الفضاء الفكري والثقافي مصطلـــحات تقترن بها مفردة
( النسوي ) كما الإبداع النسوي ، والأدب والفن والمسرح ... والنقد النسوي ، والريادة النسوية . كذلك انثوية الكتابة ، وانثوية اللغة ، وخنثويتها أيضاً! في مجابهة وتضاد مع نسق وسلطة الذكورة . كأطروحة جنسوية مستقلة عن ( الفكرة المطلقة للإبداع الأدبي والفني ، سواء أكان مصدره الرجل أم المرأة . (
تشير الأديبة الأردنية سميرة خريس الى أن ( لأدب النساء خصوصياته الأنثوية النابعة من طبيعة المرأة وأسلوب حياتها، كالنبش في أعماق الطبيعة السيكولوجية والجنسية . ومحاولات تجاوز الحرام الجنسي : العري والفضح والتلصص والاعتراف ... الى الحرام السياسي )
عن المسرح النسوي تؤكد باحثة متخصصة ان البناء المسرحي فيه ذو ذرى متعددة ومتوالية . وتعزو ذلك الى ان التجارب التي تعايشها المرأة : الشباب – الحب ّ – الزواج – الولادة – سنّ اليأس ... و ... و .... بصرف النظر عن معايشتها وتتبعها . أو تخطي إحداها والقفز للاحقة – فإنها من منظور علم نفس المرأة ، ومن إحساس المرأة بها ، تتجزأ في الزمن ، وتمنحه شكلاً دائرياً . أما بالنسبة للرجل ، فالزمن خطي ينحدر قرب النهاية . مما يمنحه شكلاَ هرمياً . لذلك ينصرف البناء الدائري بتعرجاته التي توصف باللولبية في الدراما النسوية الى النهاية المفتوحة .
ترى سو إلين كيس ان ( المسار الهرمي في التراجيديا / المأساة أصلاً صورة طبق الأصل من التجربة الجنسية للذكر ! التي تبدأ من المداعبة ، وإغراء الطرف الآخر ، ثم إثارته ، وصولاً الى القذف –Ejaculation الذي يقابل التطهيرCatharis بينما أسلوب المرأة ( قد يصاحبه العديد من ذرى النشوة المتتابعة Orgasms من دون أدنى تركيز على القذف . وبلا حاجة الى تضمين ذروة Climax وحيدة ... )
من سمات المسرح النسوي السعي إلى خلخلة تركيبة ( النوع – الجنس ) بتبادل الأدوار ، وخلق شخصيات لا مألوفة ( دون حاجة الى دمغها بالشذوذ ) كما تقتصر ( المؤلفة: كاتبة الفضاء النصي على بناء شخصيات نسائية غالباً ) ويضأل دور الرجل ، وقد يغيب تماماً . أو يستحضر من خلال حوار النساء ، دون حضور فعلي له . وفي حالات يحطّ من شأنه . ويغلب دور (الأمومة)
على السمات الأخرى للمسرحية النسوية انها تؤسس على نص نسوي لكاتبة ( امرأة ) وكذلك تكون مخرجة العرض المسرحي وتوزع الأدوار التمثيلية على ممثلات فقط .. بوادر مماثلة بانت الآن في مسرحنا العراقي من خلال تأسيس فرقة نسوية لا تضم عناصر من الجنس الآخر . في كتابه ( قراءة استدلالية في المسرح الكردي ) يوثق المؤلف بشار عليوي – لدىّ نسخة مهداة اليّ من المؤلف – هذا التأسيس ورد نصاً ( فرقة أصدقاء كزيزة – في كردستان ، فرقة مسرحية نسوية .. تضم مجموعة من الفنانات . ترأس الفرقة الفنانة كزيزة ابنة الفنان المسرحي عمر علي أمين .. الفرقة تقدم أعمالاً مسرحية تعالج هموم المرأة ، وما يكتنف عوالمها الداخلية ) من نتاجاتها ( ثلاث نساء وليلة واحدة ) تأليف وإخراج كزيزة . تمثيل ( هه وال عثمان وبناز نجم الدين وكاني بيشتوان ) يطرح العرض هموماً حياتية ، ويقترح حلولاً لها . عرضت المسرحية في مهرجان المسرح الكردي في السليمانية 2008 والمتابع لحركتنا المسرحية رصد عرضاً مماثلاً في بغـــــداد تقف خلفه الفنانة القديرة د. عواطف نعيم .. هذه النواتات الرائعة مواكبة لتطور المسرح في العالم ، وكتعبير فني عن حق المرأة العراقية في الحياة والحرية ، ورد فعل على الفحولة المفرطة المهيمنة اليوم على مجتمعنا بتابوات منافقة سوغت جرائم ذبح النساء ، يقف خلفها ( ماسكات ) فضحها الشاعر احمد شوقي في ثلاثينيات القرن الماضي في قصيدته الهجومية :
برز الثعلب يومـاً في ثياب الناسـكينا
ومشى في الأرض (يهذي) ويسبّ الناكرينا
خاب من صدّقَّ يوما أن للثعـــلب دينا
لمزيد من التعرف على ملامح المسرح النسوي اخترت مسرحية ( أهداف ضرورية ) كمثال لمسرح نسوي من لون ( فن الواقع ) ليس من خلال ( المحاكاة ) بل من خلال ( إعادة إنتاجه ) بإجراء ( تدوير درامي ) لوقائع – حكايات – مقابلات أجرتها المؤلفة مع عدد من النساء البوسنيات في مخيم اللاجئين أثناء زيارة المؤلفة الى يوغسلافيا حيث أقامت في المعسكر معهن وعاشت مقابلات مكثفة بشكل يومي وأنتجت لوناً مسرحياً مبتكراً .
شخصيات المسرحية من النساء ، ويرد ذكر الرجال بالشكل التالي : ( على قادة حرب الميليشيات أن يستلقوا على أريكة العلاج النفسي .. لأنهم هم المجانين.. ) لدينا تجارب سيئة مع الصحفيين .. جعلونا في الصحف نبدو كالمخابيل .. ) وفي أثناء القتال في هاييتي، كان الأطباء النفسيون يفرون كالذباب .. ) ( .. أوغاد استولوا على مزارعنا وأراضينا وبقراتنا .. )
( تسعون بالمائة من نجوم الفن العاملين في الأفلام الأمريكية ، يعانون من مشاكل عاطفية خطيرة .. هل لديك مرضى منهم في نيويورك ؟ ) .. ( أعتقد انهم القادة .. ان هؤلاء الرجال صنعوا هذه الحرب لتعطشهم الى السلطة ... ) .. ( كان هناك جندي مخلط – بوسني صربي - حزّ عنق أمه ليثبت للجيش الصربي انه واحد منهم ! ) .. ( يقتحمون المكان ، يلبسون الأقنعة ... رائحتهم نتنة ، يحملون مناجل ... يضربون رأس والديّ العجوزين الجالسين على الأريكة . ) .. ( الدم في كل مكان .... الكثير منه ... صراخ .. وأجساد ميتة بلا رؤوس .. )
مثال أخير من هذه الفظائع هناك وهنا ! ( .. كيف يمكن للجار الصديق أن يتحول إلى غريب متوحش ؟ كيف يمكن تفسير ذلك ؟ ) تشكو امرأة مسنة من استيقاظ الغريزة المتوحشة حتى داخل الأولاد ( .. لقد ضربني بعصاه .. وأنا التي أرضعته من صدري عندما كان طفلا .. وامه مريضة !! ) ( يغتصب الجنود السيدات الصغيرات ... ) يصور مشهد مسرحي أماكن يتحاشاها المسرح الآخر غالبا كالحمّامات ، ففي المشهد الثاني يجري هذا الحوار بين الطبيبة النفسانية الأمريكية ومساعدتها داخل مخيم اللاجئات البوسنيات المغتصبات في حرب 1992 .
جاي أس : هناك آثار أقدام كبيرة وقذارة في الحمام .
ميليسيا : ( ضاحكة )
لقضاء الحاجة .. نعم . تتقرفصين لقضاء الحاجة .
جاي أس : فوق آثار الأقدام ؟
ميليسا : نعم . في الواقع انه أفضل !
جاي اس : أفضل ؟
ميليسا : للقولون .. !
جلاي أس : لا أعتقد ان القرفصة في آثار الأقدام القذرة ستجعل مني طبيبة نفسية أفضل . ..,
ونقدم علامات الفعل الأيروسي بفضاعة متناهية في كلام حوار امرأة شابة مغتصبة .
الشابة : صدري يؤلمني يتوق الى إرضاع صغيرتي .. بينما هم يمزقون قميصي .. يلبسون أقنعة سود ، تصعد روائحهم النتنة بالقاذورات واللحم .. يمزقون قميصي ، يجذبون صدري .. تقول أصواتهم : سنريك كيف تصنعين أطفالاً حقيقيين .. سنملؤك بالنوع الصحيح من الأطفال .. فستاني ينشق من منتصفه .. بينما أنا أتمزق ...
النقد الموجه الى التحليلين النفسي والأيروتيكي إنهما أغفلا أن المسرحيين الرجال ! أبدعوا أشكالاً حداثية في المبنى لا تلتزم قط بالمسار الهرمي الكلاسيكي .
المصادر
1 -مسرحية ( أهداف ضرورية ) تأليف ك أيف انسلر ترجمة د. ابتهال الخطيب مراجعة د. نهاد صليحة . مقاربة تاريخية د. سيد الأمام – التحليل الفني د. نديم معلا – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – العدد الخامس عشر مايو 2010
2 - قراءة استدلالية في المسرح الكردي تأليف بشار عليوي تقديم أ.د فاضل خليل كركوك 2009 سلسلة منشورات الجمعية الثقافية الاجتماعية في كركوك .
عن جريدة تاتو.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |