الأمثال المفضل الضبي / ج4
خاص ألف
2014-12-03
زعموا أن المنذر بن ماء السماء
لما هلك وترك عمراً وقابوساً وحساناً وامهم هند بنت الحارث بن آكل المرار الكندي، والأسود بن المنذر وأمه امرأة من تيم الرباب، وعمراً الأصغر وأمه أمامة، وبنين غيرهم لعلات، وأن عمراً ملك بعد أبيه المنذر، وكان عمرو يدعى محرقاً لأنه احرق اليمامة، فاستعمل عمرو أخاه قابوساً على ما بدا له من عمله، وكان له الريف سواد العراق، فغضب عمرو بن امامة فلحق باليمن، يريد إن يستنصرهم على أخيه عمرو ويغزو بهم، فقال عمرو بن أمامة في ذلك:
ألإبن أمك ما بدا ... ولك الخورنق والسدير
فلأمنعن منابت الضم ... ران إذا منع القصور
بكتائب تردي كما ... تردي الى الجيف النسور
إنا بني العلات تقضى دون شاهدنا المور
فنزل عمرو في مراد، فملكوه وعظموه، فتغطرس وجعل يريد إن يستعبدهم، فقتلوه - قتله ابن الجعيد المرادي - فقال في ذلك طرفة بن العبد:
أعمرو بن هند ما ترى رأي معشرٍ ... أفاتوا أبا حسان جاراً مجاورا
دعا دعوةً إذ شكت النبل صدره ... امامة واستدعى بذاك معاشرا
فغزاهم عمرو بن هند حين بلغه قتل عمرو بن امامة، فظفر بهم فقتل فيهم أكثر، وأتى بابن الجعيد سالما فلما رآه قال: بسلاح ما يقتلن القتيل فأرسلها مثلاً، ثم أمر به فضرب بالعمد حتى مات.
وزعموا أن براقش
ابنة تقن كانت امراة لقمان بن عاد، وكان بنو تقن من عاد أصحاب إبل، وكان لقمان صاحب غنم، وكان لا يطعم لحوم الابل، فأطعمته امرأته براقش من لحوم الإبل فنحر إبلهم التي يحتملون عليها فأكلها ثم قاتل إخوتها على إبلهم، فقيل: على أهلها تجني براقش، فأرسلت مثلاً.
وزعموا أن لقمان بن عاد
كان زوج أخته رجلاً من قومه ضعيفاً أحمق، فولدت له فاحمقت وأضعفت، فلما رأت ذلك أعجبها أن يكون لها ولد، له مثل أدب لقمان أخيها ودهاؤه، فقالت لامرأة لقمان: إني أمسيت الليلة على طهر، فهل لك على إن أجعل لك جعلاً على إن تخليني وأخي فاكون معه الليلة؟ فقالت: نعم، فسقته حتى سكر، فباتت معه، فحملت له، فولدت غلاماً فسمته لقيماً، فلما أفاق من سكره وبات عند امرأته من الليلة المقبلة قال: هذا حر معروف وكنت البارحة في حرٍ منكر فذهب قوله مثلاً، قال النمر بن تولب العكلي يذكر عجائب الدهر:
لقيم بن لقمان من أخته ... وكان ابن أختٍ له وابنما
ليالي حمقت فاستحصنت ... إليه فغر بها مظلما
فأحبلها رجل نابه ... فجاءت به رجلاً محكما
وزعموا أن لقيما خرج من أحزم الناس وأنكرهم
وأنه خرج هو لقمان مغيرين، فأصابا إبلاً، فحسد لقمان لقيماً فقال له لقمان: اختر إن شئت فسر بالليل وأسير أنا في النهار، وان شئت فأقم بالنهار وأسير أنا بالليل، فاختار لقيم إن يسير بالليل ويقيم بالنهار، واختار لقمان إن يسير بالنهار، فأخذ لقيم حصته من الإبل، فجعل إذا كان بالنهار رعى إبله ونام، حتى اذا كان بالليل سار بابله ليله حتى يصبح، وكان يرعاها بالنهار ويسير بالليل، وكان لقمان يسير بالنهار فتشغل ابله بالرعية عن السير وينام الليل، فجعلت إبله لا ترعى كثيراً فضمرت، وأبطأ في السير فسبقه لقيم، فلما أتى أهله نحر جزوراً فأكلوها، وكان للقمان ابنة يقال لها صحر، فخبأت له من الجزور لحما تتحف به لقمان إذا جاء، فلما جاء لقمان طبخته أو شوته، ثم استقبلته به قبل أن ينتهي إلى الحي، فلما طعم من اللحم قال: ما هذا؟ قالت: من لحوم العريضات أثراً، قال: ومن أين لك هذا؟ قالت: جاء لقيم فنحر جزوراً، وكان لقمان يحسب أنه قد سبق لقيماً، فلما أخبرته أسف، فلطمها لطمة قال بعض من يحدث: ماتت منها، وقال بعضهم: ألقى أضراسها، وقال الناس: ذنب صحر أنها أتحفته وأكرمته وصدقته فلطمها، فصارت مثلاً.
وقال خفاف بن ندبة السلمي:
وعباس يدب لي المناياوما أذنبت إلا ذنب صحر
وكيف يلومني في حب قوم ... أبي منهم وأمي أم عمرو
وزعموا أن لقمان بن عاد
كان إذا اشتد الشتاء وكلب أشد ما يكون شد راحلة موطنة لا ترغوا ولا يسمع لها صوت فيشتدها برحلها ثم يقول للناس، حين يكاد البرد يقتلهم: ألا من كان غازياً فليغز، فلما شب لقيم ابن أخته اتخذ راحلة مثل راحته فوطنها فلما كان حين نادى لقمان من كان غازياً فليفز قال لقيم أنا معك إذا شئت، فلما رآه قد شد رحلها ولم يسمع لها رغاء قال لقمان: كأن برحل باتت، قال لقيم: وبرحلها باتت لقم، فذهب قولاهما مثلاً.
ثم أنهما سارا فأغارا فأصابا إبلاً، ثم انصرفا نحو أهلهما، فنزلا فنحرا ناقة، فقال لقمان للقيم: أتعشي أم أعشي لك؟ قال لقيم: أي ذلك شئت، قال لقمان: اذهب فارع إبلك حتى النجم قم رأس، وحتى ترى الجوزاء كأنها قطا نوافر، وحتى ترى الشعرى كأنها نار، فإلا تكن عشيت فقد آنيت، فقال له لقيم: نعم واطبخ أنت لحم جزورك، فإز ماء واغله حتى ترى الكراديس كأنها رؤوس شيوخ صلع، وحتى ترى الضلوع كأنها نساء حواسر، وحتى ترى الوذر كأنها قطا نوافر، وحتى ترى اللحم غطياً وغطفان، فالا تكن أنضجت فقد آنيت؛ فانطلق لقيم في إبله، ومكث لقمان يطبخ لحمه، فلما أظلم لقمان وهو بمكان يقال له شرج - وهو اليوم ماء لبني عبس - قطع سمرات من شرج فأوقد النار حتى أنضج لحمه، ثم حفر دونه خندقاً فملأه ناراً ثم واراها، فلما أقبل لقيم إلى مكانهما عرف المكان وأنكر ذهاب السمر فقال: أشبه شرج شرجاً لو إن أسيمرا، فأرسلها مثلاً.
ووقعت ناقة من إبله في تلك النار فنفرت، وعرف لقيم إنما صنع لقمان النار لتصيبه، وإنما حسده، فسكت عنه، ووجد لقمان قد نظم في سيفه لحما من لحم الجزور وكبداً وسناماً حتى توارى سيفه، وهو يريد إذا ذهب لقيم ليأخذها أن ينحره بالسيف، ففطن له لقيم فقال: في نظم سيفك ما ترى يا لقم، فأرسلها مثلاً.
وحسده لقمان الصحبة فقال: القسمة فقال لقمان: ما تطيب نفسي أن تقسم هذه الإبل إلا وأنا موثق فأوثقني، فأوثقه لقيم، فلما قسم الإبل سوى القسمة وبقي من الإبل عشر أو نحوها، فجشعت نفس لقمان، فنحط نحطة تقطعت منها الانساع التي هو بها موثق، ثم قال لي الغادرة والمتغادرة والأفيل النادرة فذهب قوله مثلاً. وقال لقيم قبح الله النفس الخبيثة، هو لك، ثم افترقا.
والغادرة: الباقية، والأفيل تصغير إفال: الولد الصغير من الإبل.
وزعموا أن ابن بيض
كان رجلاً من عاد تاجراً مكثراً، فكان لقمان يجيز له تجارته ويجيزه ويعطيه في كل عام جارية وحلة وراحلة، فلما حضر ابن بيض الموت خاف لقمان على ماله، فقال لأبنه: سر إلى أرض كذا وكذا، ولا تقارن لقمان في أرضه فإن له في عامنا هذا حلة وجارية وراحلة، وضع للقمان فيها حقه، فإذا هو قبله فهو حقه عرفناه له واتقيناه به، وإن لم يقبله وبغي أدركه الله بالبغي والعدوان، فصار الفتى حتى قطع الثنية بأهله وماله، ووضع للقمان حقه فيها، وبلغ لقمان الخبر، فلحقهم، فلما كان في الثنية وجد فيها فأخذه وانصرف وقال سد ابن بيض الطريق فأرسلها مثلاً. وقد ذكر ذلك شعراء العرب وقالوا فيه، قال عمرو بن أسود الطهوي:
سددنا كما سد ابن بيضٍ سبيله ... فلم يجدوا فرط الثنية مطلعا
وقال عوف بن الاحوص العامري:
سددنا كما سد ابن بيض فلم يكن ... سواها لذي احلام قومي مذهب
وقال المخبل السعدي:
لقد سد السبيل أبو حميد ... كما سد المخاطبة ابن بيض
زعموا أن رجلاً من عاد كان لبيباً حازماً
يقال له جد نزل على رجل من عاد وهو مسافر فبات عنده، ووجد عنده أضيافاً قد اكثروا من الطعام والشراب قبله، وإنما طرقهم جد طروقاً، وبات وهو يريد الدلجة من عندهم بليل، ففرش لهم رب البيت مبناةً - والمبناة: النطع - فناموا عنده، فسلح بعض القوم الذين كانوا يشربون، فخاف جد أن يدلج فيظن رب البيت أنه هو فعل، فقطع حظه من النطع الذي نام عليه، ثم دعا رب المنزل حين أراد إن يدلج وقد طواه فقال: هذا حظ جدٍ من المبناة، فمن المبناة، فأرسلها مثلاً، يقول انظر اليه فيه شيء مما تكره. وقد ذكرته العرب في أشعارها، وقال مالك بن نويرة:
ولما أتيتم ما تمنى عدوكم ... عدلت فراشي عنكم ووسادي
وكنت كجدٍ حين قد بسهمه ... حذار الخلاط حظه بسواد
وقال خراش بن شمير المحاربي:
ألا يتقي من كاس إن ضاع ضائع ... وكل امرىء لله بادٍ مقاتله
فيأثر بالتقوى ويحتاز نفسه ... إذا بادر الميقات حينا يغاوله
كما احتاز جد حظه من فراشه ... بمبراته في أمره اذ يزاوله
زعموا أنه كان بين لقمان بن عاد وبين رجلين
من عاد يقال لهما عمرو وكعب ابنا تقن مغاورة
وكانا من أشد عادٍ وأدهاها وأنكرها، وكانا ربي إبلٍ، وكان لقمان رب غنم، فأعجب لقمان الإبل، فأرادهما عنها فأبيا أن يبيعاه، فعمد إلى ألبان غنمه من ضأن ومعزى فجمع لبناً كثيراً ثم أتى تلعة هما بأسفلها، فأسأل ذلك اللبن وفيه زبد كثير وأنافح من أنافح السخل، فلما رأيا ذلك قال: إحدى سحيبات لقمان هي، فلم يلتفتا إلى ذلك ولم يرغبا في ألبان الغنم، فلما رأى ذلك لقمان قال: خر خرير الانفح والنقد المذبح، اشترياها ابني تقن، أقبلت ميسا، وأدبرت هيسا، وملأت البيت أقطاً وحيساً، اشترياها ابني تقن، إنها الضأن تجز جفالا، وتنتج رخالاً وتحلب كثبا ثقالاً، قالا: انصرف لا نشتريها يا لقم، إنها الابل حملن فأثقلن، وزجرن فأعنقن، وبغير ذلك اقلعن، بغزرهن اذا قظن فلما لم يبيعاه الابل ولم يشتريا منه الغنم جعل يراودهما، وكانا يهابانه، وكان يلتمس إن يغفلا فيشد على الابل فيطردها فلما كان ذات يوم اصابا ارنباً وهو يرصدهما رجاءة إن يصيب غفلتهما فيذهب بالابل، فأخذ أحدهما صفيحة من الصفا فجعلها في أيدهما ثم جعل عليها كومة من التراب، فملا الأرنب، فلما أنضجاها نفضا عنها التراب فأكلاها ولما رآهما لقمان لا يغفلان عن إبلهما ولم يجد فيهما مطمعا لقيهما ومع كل واحد منهما جفير مملوء نبلاً، وليس معه غير سهمين، فخدعهما فقال: ما تصنعان بهذه النبل الكثيرة التي معكما؟ إنما هي حطب، فو الله ما أحمل غير سهمين، فان لم أصب بهما فلست بمصيب، ثم قال رميت فرميت، وأثنيت فأثنيت، الى ذلك ما حي حي أو مات ميت، فأرسلها مثلاً. فعمد إلى نبلهما فنثراها غير سهمين، فعمد الى النبل فحواها، فلم يصب لقمان فيهما بعد ذلك غرة. وكانت فيما يذكرون لعمرو بن تقن امرأة فطلقها فتزوجها لقمان، فكانت المرأة وهي عند لقمان تكثر إن تقول: لا فتى إلا عمرو فأرسلتها مثلاً، فكان ذلك يغيظ لقمان ويسؤوه كثرة ذكرها عمراً فقال لقمان: قد أكثرت في عمرو، فو الله لأقتلن عمراً، فقالت: انك لن تفعل، وكانت لابني تقن سمرة عظيمة يستظلان فيها حتى ترد إبلهما فيسقياها، فصعد فيها لقمان، واتخذ فيها عشاً، ورجا أن يصيب من ابني تقن غرة فلما وردت الإبل تجرد عمرو واكب على البئر يستقي، فرماه لقمان من فوقه بسهم في ظهره، فقال: حس، إحدى حظيات لقمان ثم أهوى إلى السهم فانتزعه، فرفع رأسه في الشجرة فإذا هو بلقمان، فقال: انزل، فنزل، فقال: استق بهذا الدلو، فزعموا إن لقمان لما أراد إن يرفع الدلو حين امتلأ نهض نهضة فضرط، فقال له عمرو بن تقن: أضرطاً آخر اليوم وقد زال الظهر؛ فأرسلها مثلاً. ثم إن عمراً أراد أن يقتل لقمان، فتبسم لقمان، فقال عمرو: أضاحك أنت؟ فقال لقمان: ما اضحك إلا من نفسي، أما إني قد نهيت عما ترى، قال: ومن نهاك؟ قال: فلانة، قال: أفلي عليك إن وهبتك لها لتعلمنها ذلك؟ قال: نعم فخلى سبيله، فأتاها لقمان فقال: لا فتى إلا عمرو، قالت: أقد لقيته؟ قال: نعم قد لقيته فكان كذا وكذا، ثم أسرني فأراد قتلي، ثم وهبني لك، فقالت: لا فتى إلا عمرو.
زعموا أن لقمان كان يقول
إذ أمسى النجم، قم رأس، ففي الدثار فاخنس، وسمناهن فاحدس، وأنهش بنيك وأنهس، وإن سئلت فاعبس. احدس: أضجعها فاذبحها، وأنهس: أي أطعم بنيك، خنس في البيت: اذا قعد. وقال: إذا طلعت الشعرى سفراً - أي عشيا - ولم تر فيها مطراً، فلا تغذون إمرةً ولا أمراً، وأرسل العرضات أثراً، يبغينك في الأرض معمراً. سفرا: غروب الشمس قبل إن يغيب الشفق، يقول لا تغذون جذعاً جدياً ولا عناقاً على هذا القليل.
زعموا أنه كان لرجل من طسم كلب
فكان يسقيه اللبن ويطعمه اللحم ويسمنه ويرجو إن يصيد به او يحرس غنمه، فاتاه ذات يوم وهو جائع فوثب عليه الكلب فأكله فقيل: سمن كلبك يأكلك، فذهب مثلاً.
وقال بعض الشعراء:
ككلب طسم وقد ترببه ... يعله بالحليب في الغلس
ظل عليه يوماً يفرفره ... إلا يلغ في الدماء ينتهس
يفرفره: أي يحركه برأسه ويقطعه. وقال مالك بن أسماء:
هم سمنوا كلباً ليأكل بعضهم ... ولو ظفروا بالحزم لم يسمن الكلب
وقال عوف بن الاحوص لقيس بن زهير العبسي:
أراني وقيساً كالمسمن كلبه ... فخدشه أنيابه وأظافره
زعموا أن لقمان بن عاد
جاور حياً من العمالقة، وهم عرب، فملأ عساً له لبنا، ثم قال لجارية له: انطلقي بهذا العس إلى سيد هذا الحي فأعطيه إياه وإياك أن تسالي عن اسمه واسم أبيه، فانطلقت حتى أتتهم، فإذا هم بين لاعب وعامل في ضيعته ومقبل على أمره، حتى مرت بثمانية نفر منهم عليهم وقار وسكينة، ولهم هيئة، فقامت تتفرس فيهم أيهم تعطي العس، فمرت بها أمة، فقالت لها جارية لقمان: إن مولاي أرسلني إلى سيد هذا الحي بهذا العس، ونهاني أن أسأل عن اسمه واسم أبيه، فقالت لها الأمة: إني واصفتهم لك فخذي أيهم شئت او ذري، وفيهم سيد الحي، فقالت الأمة: أما هذا فبيض مرض مرضة وقد أسنت القوم فعدل مرضه عندهم إسناتهم، وقد كانوا يريدون المسير فأقاموا عليه فأوسع الحي دقيقاً نفيضاً، ولحما غريضاً، ومسكا رفيضاً، وكساهم ثياباً بيضا. وأما هذا فحممة: غذاؤه في كل يوم بكرة سنمة، وبقرة شحمة، ونعجة كدمة؛ وأما هذا فطفيل: ليس في أهله بالمسرف النثر، ولا البخيل الحصر، ولا يمنع الحي من خير إن اتمروا. وأما هذا فذفافة: طرق الحي حشاً من الليل، وولدان الحي يتحدثون عنده، فقام مشتملاً وسنان ثملاً إلى جذعان الإبل، وهو يحسبها جندلاً فقذفها إليهم قذفاً لأولها زحيف، و لآخرها حفيف، ولأعناقها على أوساطها قصيف. وأما هذا فمالك: أولنا إذا دعينا، وحامينا إذا غزينا، ومطعم أولادنا إذا شتونا، ومفرح كل كربة أعيت علينا. وأما هذا فثميل: غضبه حين يغضب ويل، وخيره حين يرضى سيل ، في أهله عبد، وفي الجيش قيد، ولم تحمل اكرم منه على ظهورها إبل ولاخيل، و اما هذا ففرزعة إن لقي جائعاً أشبعه، وان لقي قرناً جعجعه - أي رمى به إلى الأرض - وقد خاب جيش لا يغزو معه. وأما هذا فعمار صوات جار لا تخمد له نار للطي عقار اخاذ ووذار فناولت العس مالكاً وكان سيدهم. فقال: من أنت يا جارية؟ قالت: جارية لقمان بين عاد، قال : وكيف هو؟ قالت: شيخ كبير وهو بخير، قال: ويلك وكيف بصره؟ قالت: كليل، و الاله لقد كل بصره، واسترخى سفره، فما يبصر إلا شفا - أي شيئاً قليلاً - وانه على ذلك ليعرف الشعرة البيضاء بين صريح اللبن والرغوة، قال: فما بقي من قيافته؟ قالت: هو والله لقد ضعف بصره، واشتبهت الآثار عليه، وانه على ذلك ليعرف اثر الذرة الأنثى من الذرة الذكر، في الصفا الأملس في ليلة ظلمة ومطر، قال : وكيف أكله؟ قالت: قليل، والاله لقد ضرسه، وانطوت أمعاؤه وما بقي من أكله إلا انه يتغذى جزوراً ويتعشى آخر، و يأكل بين ذلك جذعة من الإبل، قال : فما بقي من رمايته، قالت: قليل، والاله لقد ضعف عضده ، وارعشت يده، وما بقي من رمايته إنه إذا رمى لم تقم رابضة، ولم تربض قائمة، ولم تمسك مخطاة ولدا قال: ويلك كيف قوته؟ قالت: والاله لقد رق عظمه، وانحنى ظهره، وضعفت قوته، وكبرت سنه، ومابقي من قوته إلا انه إذا غدا في إبله احتقر لها ركيةً فأرواها، وإذا راح احتقر لها ركية فأرواها. وهؤلاء أيسار لقمان وإياهم عنى طرفة بقوله:
وهم أيسار لقمان إذا ... اغلت الشتوة ابداء الجزر
وقال أوس بن حجر:
أيسار لقمان بن عاد سماحة ... وجوداً إذا ما الشَّول أمست جرائرا
زعموا أن رجلاً مضى في الدهر الأول
كان له عبد لم يكذب قط، فبايعه رجل ليكذبنه، وجهلا الخطر بينهما أهلهما ومالهما، فلما تبايعا قال الذي زعم ان العبد يكذب لمولى العبد: أرسله فليبت عندي الليلة فانه يكذبك إذا أصبح، فأرسله مولاه معه، فبات عنده، فأطعمه لحم حوار، وعمدوا إلى لبنٍ حليب فجعلوه في سقاء قد حزر، فخضخضوا ذلك اللبن الحليب فسقوه، وفيه طعم الحليب وفيه حرز السقاء، فلما أصبح الرجل احتمل وقال للعبد: الحق بأهلك، فلحق العبد حين احتمل القوم ولما يسيروا فلما توارى عنهم العبد حلوا مكانهم في منزلهم الذي كانوا فيه، وأتى العبد سيده فقال له: ما قروك الليلة؟ فقال: أطعموني لحما لا غثاً ولاسميناً، وسقوني لبناً لا محضا ولاحقيناً، قال: على أية حال تركتهم؟ قال: تركتهم قد ظعنوا فاستقلوا، فما أدري أساروا بعد أو حلوا: وفي النوى يكذبك الصادق، فأرسلها مثلاً، وأحرز مولاه مال الذي بايعه وأهله.
زعموا أن النعمان بن المنذر
اتخذ مجلساً قريباً من قصره بالحيرة، فجعل تحته طاقات
وجصصة، فكان أبيض، وكان ذلك المجلس يسمى ضاحكاً لبياضه، وكان النعمان فرس يقال له اليحموم، وقد ذكرته العرب في أشعارها ، قال لبيد بن ربيعي:
لو كان شيء في الحياة مخلداً ... في الدهر أدركه أبو يكسوم
والحارثان كلاهما ومحرق ... والتبعان وفارس اليحموم
وقال الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته ... بنعمته يعطي القطوط ويأفق
ويجبى إليه السّيلحون ودونها ... صر يفون في أنهارها والخور نق
ويأمر لليحموم كلّ عشيةٍ ... بقيت وتعليق فقد كاد يسنق
وكان للنعمان أخ من الرضاعة من أهل هجر يقال له سعد القرقرة، وكان من أضحك الناس وأبطالهم، وكان يضحك النعمان ويعجبه، وسعد الذي يقول:
ليت شعري متى تخب بي النا ... قة نحو العذيب فالصيبون
محقباً زكرة وخبز رقائق ... وحباقاً وقطعة من نون
فزعموا أن النعمان قعد في مجلسه ذات يوم ضاحكاً، فأتي بحمار وحش، فدعا بفرسه اليحموم فقال: احملوا سعداً على اليحموم و أعطوه مطرداً وحلوا عن هذا الحمار حتى يطلبه سعد فيصرعه، فقال سعد: أنى إذن أصرع عن الفرس، ومالي ولهذا؟ قال النعمان: والله لتحملنه، فحمل على اليحموم، ودفع إليه المطرد، وحلّي الحمار ، فنظر سعد إلى بعض بنيه قائماً في النظارين فقال: بأبي وجوه اليتامى، فأرسلها مثلاً، فالقى الرمح وتعلّق بمعرفة الفرس، فضحك النعمان، ثم أدرك فأنزل، فقال سعد القرقرة:
نحن بغرس الودي اعلم من ... ا بقود الجياد في السلف
يا لهف أمي وكيف أطعنه ... مستمسكاً واليدان في العرف
قد كنت أدركته فأدرني للصيد جدّ من معشر عنف أي ادركني عرق من آبائي الذين كانوا عنفاً للخيل، أي يكن له فروسية.
زعموا أن مسافرين أبي عمرو أمية بن عبد شمس
مرض واستسقى بطنه، فداواه عبادي وأحمى مكاويه، فلما جعلها على بطنه، ورجل قريب منه ينظر إليه، جعل ذلك الرجل يضرط، فقال مسافر: قد يضرط العير والمكواة في النار فأرسلها مثلاً.
زعموا أن ضرار بن عمرو الضبي
ولد له ثلاثة عشر ولداً وكلهم بلغ إن كان رجلاً ورأساً، فاحتمل ذات يوم، فلما رأى رجالاً معهم أهلوهم وأولادهم سره ما رأى من هيئتهم، ثم ذكر في نفسه انهم لم يبلغوا ما بلغوا حتى رقَّ وأسنَّ وضعف أنكر نفسه، فقال: من سرَّه بنوه ساءته نفسه، فأرسلها مثلاً، فقال:
إذا الرجال ولدت أولادها ... فانتفضت من كبر أعضادها
وجعلت أوصابها تعتادها ... فهي زروع قد دنا حصادها
زعموا أن طفل بن مالك بن جعفر بن كلاب
كانت تحته امرأة من بني القين ابن جسر بن قضاعة، فولدت له نفراً منهم يزيد وعقيل، فتبنت كبشة بنت عروة بن جعفر عقيلاً، وكانت ضرتها ، فعرم بعض العرامة على أمه ففرَّ منها فأدركته وهو يريد إن يلجأ إلى كبشة، فضربته أمه، فألقت كبشة نفسها عليه ثم قالت:ابني ابني، فقالت القينية: ابنك من مّضى عقبك، فأرسلتها مثلاً، فرجعت كبشة وقد ساءها ما قالت القينية فولدت عامر بن الطفيل بعد ذلك.
زعموا أن عصام بن شهير الجرمي
كان أشد الناس بأساً، أبينهم لساناً، وأحزمهم راياً، ولم يكن في بيت قومه، وكان من صلحائهم، وكان على عامة أمر النعمان، قال: قائل من الناس: وكيف نزل عصام بهذه المنزلة من النعمان وليس في بيت قومه وليس بسيدهم؟ فقال عصام:
نفس عصام سوَّدت عصاماً ... وجعلته ملكاً هماماً
وعلَّمته الكرَّ والإقداما ... وألحقته السادة الكراما
وعصام بن شهير الذي يقول له النابغة:
ألم اقسم عليك لتخبرني ... أمحمولٌ على النعش الهمام
فاني لا ألومك في دخولٍ ولكن ما وراءك يا عصام
زعموا أن رجلاً من العرب
خطب إلى قوم من العرب فتاة لهم، ورغب في صهرهم، وكانت فتاتهم سوداء دميمة، فاجلسوا له مكانها امرأة جميلة، فأعجبته فتزوجها، فلما دخلت عليه إذا المرأة غير التي رأى، قال: ويلك من أنت، قالت: فلانة ابنة فلان، اسم المرأة التي تزوج، قال: ما أنت بالتي رأيت، قالت: علقت معالقها وصرَّ الجندب فأرسلتها مثلاً، فإن كنت أنت فلانة فالحقي بأهلك فأنت طالق.
زعموا أن زهير بن جناب بن هبل الكلبي
وفد إلى بعض الملوك ومعه أخوه عدي بن جناب، وكان عدي يحمق، فلما دخلا شكا الملك إلى زهير - وكان ملاطفاً له - إن امه شديدة الوجع، فقال عدي اطلب لها كمرةً حارة، فغضب الملك وأمر به أن يقتل، فقال له زهير: أيها الملك إنما أراد عدي ان يبعث لك الكمأة، فأنا نستحبها ونتداوى بها في بلادنا فأمر به فرد فقال له الملك: زعم زهير إنما أردت كذا وكذا، فنظر عدي إلى زهير فقال: اقلب قلاّب. فأرسلها مثلاً.
زعموا أن سليحاً من قضاعة
طلبوا غسان في حرب كانت بينهم، فأدركوهم بالقسطل، فقالوا: يوم كيوم القسطل، فذهبت مثلاً.
زعموا أن امرأة كانت بغياً تؤاجر نفسها
وكان لها بنات، فخافت أن يأخذن ماخذها، فكانت إذا غدت في شانها قالت: احفظن أنفسكن، وإياكن إن يقربكن احد، فقالت إحداهن: تنهانا أمنا عن الغي وتغدو فيه، فذهبت مثلاً، فقالت الأم: صغراهن مراهن أي أنكرهن وأدهاهن.
زعموا أن قوماً تحملوا وهم في صفر
فشدوا عقد حبلهم الذي ربطوا به متاعهم، فلما نزلوا عالجوا متاعهم فلم يقدروا على حله إلا بعد شر، فلما أرادوا ان يحملوا قال بعضهم: يا حامل اذكر حلاً، فأرسلها مثلا.
زعموا أنه لما غزا المنذر بن ماء السماء
غزاته التي قتل فيها قطع به الحارث بن جبلة ملك غسان، وفي جيش المنذر رجل من بني حنيفة ثم أخذ بني سحيم يقال له شمر بن عمرو، كانت أمه من غسان، فخرج يتوصل بجيش المنذر، يريد أن يلحق بالحارث بن جبلة، فلما تدانوا سار حتى لحق بالحارث، فقال: أتاك ما لا تطيق، فما رأى ذلك الحارث ندب من أصحابه مائة رجل اختارهم رجلاً رجلاً ثم قال: انطلقوا غلى عسكر المنذر فاخبروه أنا ندين له ونعطيه حاجته، فادا رايتهم منه غرة فاحملوا عليه، ثم أمر لابنته حليمة بنت الحارث بمركن فيه خلوق، فقال: خلقيهم، فجعلت تخلقهم حتى مرَّ عليها فتى منهم يقال له لبيد بن عمرو، فذهبت لتخلقه، فلما دنت قبلها، فلطمته وبكت، أتت أباها فأخبرته قال: ويلك اسكتي فهو أرجاهم عندي ذكاء قلب، مضى القوم وشمر بنت عمر الحنفي حتى أتوا المنذر، فقالوا له: أتيناك من عند صاحبنا، وهو يدين لك ويعطيك حاجتك، فتباشر أهل عسكر المنذر بذلك وغفلوا بعض الغفلة، فحملوا على المنذر فقتلوه ومن كان حوله، فقيل: يوم حليمة بسر، فذهبت مثلاً، قال النابغة وهو يمدح غسان: ولاعيب فيهم غير أن سيوفهم بهنَّ فول من قراع الكتائب تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجارب
وزعموا أن سهيل بن عمرو أخا بني عامر لؤي
كان تزوج صفية بنت أبي جهل ابن هشام، فولدت انس بن سهيل ، فخرج معه ذات يوم خرج وجهة فوقفا بحزورة مكة، واقبل الاخنس بن شريق الثقفي قال: من هذا؟ قال سهيل: ابني، قال: حياك الله يا فتى؟ أين أمك؟ قال: أمي في بيت أم حنظلة تطحن دقيقاً، قال أبوه: أساء سمعاً فأساء الإجابة، فلما رجعا قال أبوه: فضحني اليوم ابنك عند الاخنس، قال كذا ، قالت : إنما ابني صبي، قال: أشبه امرؤ بعض بزة، فأرسلها مثلاً.
زعموا أن رجلاً بينما هو في بيته
إذا جاءه ضيف فنزل ناحية فجعلت راحلته ترغو، فقال رب البيت، من هذا الذي آذانا رغاء راحلته ولم ينزل علينا فيستوجب حقَّ الضيف: فقال الضيف: كفى برغائها مناديا.
زعموا أن رجلاً أتى امرأة يخطبها
فأنعظ وهي تكلمه فجعل كلما كلمته ازداد انعاظاً، و جعل يستحيي ممن حضر من أهلها، ويقول، ويضع يده على ذكره: إليك يساق الحديث، فأرسلها مثلاً.
أغارت بنو فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد ن خزيمة على ناس من بني كلاب بن ربيعه بن عامر بن صعصعة، فأصابوا إبلاً من إبلهم فاقتسموها، فصار لشأن بن الأشد ين عمرو بن دثار ين فقعس لقحتان، وصارت لبني حذلم بن فقعس بكرة، أمها إحدى لقحتي شأس ، فجعلها بنو حذلم في إبلهم ، فجعلت تجالد إلى أمها عند شأس، فعمد شأس وقد نزلوا بوادي طلح فأحرق من شجره ثم لطخها حتى اسودت، فجاء ينو حذلم ينشدون بكرتهم فقال لهم شأس: هذه بكرتكم، فغضبوا وقالوا: أتستخرمنا؟ قال: إنكم لا تعقلون، قالوا: بل أنت لا تعقل، قال : فان شئتم نافرتكم على نهبي ونهبكم إنها بكرتكم، ففعلوا، فغسلها بالماء فعرفوها، فأخذ نهبهم. فأتوا خالد بن عمرو بن حذلم وكان يسمى الكيس فذكروا ذلك له، فقال: انتم ضيعتم نهبكم، قالوا: بل أنت تريد ان تخذلنا، قال: بل أعلم من القوم مالا تعلمون: فإذا لقيتم أول غلامٍ من بني دثار بن فقعس يعلم إنكم جئتم: في هذا الأمر قاتلكم، فانطلق معهم فلقوا غلاماً من بني دثار بن قفعس فقال لهم: هلم فلنحلب لكم، قالوا: لا حاجة لنا في لبنكم، قد ظلمتم وقطعتم، قال : وفي أي أمرٍ انتم؟ قالوا: في الإبل التي اخذ شأس، فأخذ سهماً فرمى خالداً فأخطأه وأصاب واسطة الرحل، فركض خالدٌ جملة وقال قد أخبرتكم الخبر: وقال يابوين ما اكيسني فأرسلها مثلاً.
بوين: تصغير بان،وقال في ذلك خالد:
لعمري لقد حذرتكم ونهبتكم ... وابنأتكم ان لاغنيمة في شاس
ولست بعيدٍ يتقي سخط ربه ... إذا لم تلمني في مجاملة الناس
؟؟؟؟
زعموا أن دغة بنت معنج
كانت امرأة من جرهم، فتزوجها رجل منهم قبل ان تبلغ المحيض، فحملت ولم تشعر بالحمل لحداثة سنها فأخذها الطلق أهلها سائرون، فنزلت منزلاً فانطلقت تبرز، فولدت وهي تبرز، فصاح الصبي، فرجعت إلى أمها فقالت: ياأمتاه، هل يفتح الجعرفاه، قالت: نعم ويدعو أباه، فأرسلها مثلاً، فقيل أحمق من دغة.
وزعموا أن دغة
كانت قد بلغت مبلغ النساء من الشرف والعقل،فحسدها ضرائرها إن أنساع بعيرها كنّ يلفين حمراً تزهر وتئط فقلن: إنا نخاف ان يمر بنا الرجال فيسمعوا هذا الأطيط، فيظنوا ان بعضنا قد أحدث - فلو دهنت أنساعك فلم تئط كان ذلك أمثل، فعمدت إلى طرف نسعتها فدهنتها، وخافت ان يكن حسدنها حمرة سيورها وجمالهن، فدهنت طرف السنعى لتنظر كيف يكون، فاسودما دهنت ، فعرفت ما أردن بها فكفت، فلقينها فسألنها: كيف رأيت الدهن للنسعة؟ قالت: هين لين وأودت العين، فأرسلتها مثلاً، تقول ذهب حسنه وحمرته ونبت العين عنه.
زعموا أن رهطاً من قوم دغة
تجاعلوا على نسائهم أيتهن أطوع لهم فأعظموا الخطر، فقالوا: يأمر كل رجلٍ منكم امرأته تنزل على هذه القرية من النمل تنتعش، فجعلت امرأة الرجل منهن إذا مرت على القرية فأمرها زوجها ان تنزل ابت، حتى مررن كلهن، ثم مرت دغة فقال لها زوجها: انزلي على هذه القرية، ففعلت، فقال لها خادمها: أتنزلين من بين هؤلاء النساء على هذا النمل؟ أنت أضعفهن رأياً، فقالت: القوم ما طبّون ويروى ما أطبون أي ما أبصرهم فأرسلتها واخذ زوجها الخطر الذي كانوا خاطروا عليه، وكان فيما ذكروا الخطر على أهل الرجل وماله.
زعموا أن قوماً من العرب
كانت لهم ماشية من إبل وغنم، فوقع فيها الموت فجعلت تموت فيأكل كلابهم من لحومها، فأخصبت وسمنت، فقيل: نعم كلب من بؤس أهله، فذهبت مثلاً.
زعموا أن ناساً من العرب
كانت لهم في مملكتهم شدة، فكلفوا أمة لهم طحيناً او عدوها إن لم تفرغ منه ضربوها، فطحنته، حتى إذا لم يبق إلا مالا بال به ضجرت فاختنقت حتى قتلت نفسها، فقيل كالطاحنة فذهبت مثلاً، يضرب للذي يكسل عن الأمر بعد اتضاحه.
زعموا أن زهير بن جناب بن هبل الكلبي
وفد عاشر عشرة من مضر وربيعة إلى امرىء القيس بن عمرو بن المنذر ابن ماء السماء فأكرمهم ونادمهم وأحسن إليهم، وأعطى لكل واحد منهم مائة من الابل، فغضب زهير فقال: قد تخرج الخمر من الضنين.
فغضب امرؤ القيس فقال: أو مني يا زهير؟ قال: ومنك، فغضب الملك فاقسم لا يعطي رجلاً منهم بعيراً، فلامه أصحابه فقالوا: ما حملك على ما قلت؟ قال: حسدتكم إن تجعوا إلى هذا الحي من نزار بتسعمائة بعير وأرجع إلى قضاعة بمائة من الإبل ليس غيرها.
زعموا أن المتلمس صاحب الصحيفة
كان أشعر أهل زمانه، وهو أحد بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار، وانه وقف ذات يوم على مجلس لبني قيس بن ثعلبة، وطرفة بين العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة يلعب مع الغلمان، فاستنشد أهل المجلس المتلمس فلما أنشدهم اقبل طرفة بن العبد مع الغلمان يسمعون، فزعموا ان المتلمس أنشدهم هذا البيت:
وقد أتناسى الهم عند احتضاره ... بناج عليه الصيعرية مكدم
الصيعرية سمة يوسم بها النوق باليمن دون الجمال، فقال طرفة: استنوق الجمل، فأرسلها مثلاً، فضحك القوم، وغضب المتلمس ونظر إلى لسان طرفة وقال:ويل لهذا من هذا يعني نفسه من لسانه، كذا رواه المفضل وإنما الخبر بين المسيب بن علس الضبعي وبين طرفة.
زعموا أن عمرو بن المنذر بن امرىء القيس، وكان عم النعمان ، وكان يرشح أخاه قابوس بن المنذر - وهما لهند ابنة الحارث بن عمرو الكندي آكل المرار - ليملك بعده، فقدم عليه المتلمس وطرفة فجعلهما في صحابة قابوس، وأمرهما بلزومه، وكان قابوس شاباً يعجبه اللهو، وكان يركب يوماً في الصيد فيتركض فيتصيد، وهما معه يركضان حتى يرجعا عشية وقد لغبا، فيكون قابوس من الغد في الشراب فيقفان ببابه النهار كلّه فلا يصلان إليه، فضجر طرفة فقال:
وليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثاً حول قبتنا تخور
من المزمرات أسبل قادماها ... وضرتها مركنة درور
يشاركنا لنا رخلان فيها ... ويعلوها الكباش فما تنور
لعمرك إن قابوس بن هند ... ليخلط ملكه نوك كثير
قسمت الدهر في زمن رخي ... كذاك الحكم يقسط أو يجور
لنا يوم وللكروان يوم ... تطير البائسات ولا نطير
فأما يومهن فيوم سوء ... تطاردهن بالحدب الصقور
وأما يومنا فنظل ركباً ... وقوفاً ما نحل وما نسير
وكان طرفة عدواً لابن عمه عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد، وكان عبد عمرو كريماً عند بن هند، وكان سميناً بادناً فدخل مع عمرو الحمام، فلما تجرد قال: لقد كان ابن عمك طرفة رآك حين قال ما قال، وكان طرفة هجا عبد عمرو قبل ذلك فقال:
ولاخير فيه غير أن قيل واحدٌ ... وأن له كشحاً إذا قام أهضما
يظل نساء الحي يعكفن حوله ... يقلن عسيب من سرارة ملهماً
له شربتان بالعشىِّ وشربة ... من الليل حتى آض جيشاً مورماً
كان السلاح فوق شعبة بانة ... ترى نفخاً ورد الأسرة أسحما
ويشرب حتى تخمر المحض قلبه ... وإن أعطه أترك لقلبي مجثماً
فلما قال ذلك قال له عبد عمرو: ما قال لك شر مما قال لي ثم انشده قول طرفة:
وليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثاً حول قبتنا تخور
قال عمرو: وما أصدقك عليه - وقد صدقه، ولكن عمراً خاف ان ينذره وتدركه له الرحم - فمكث غير كثير ثم دعا المتلمس وطرفة فقال: لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما، وسركما أن تنصرفا، قالا: نعم، فكتب لهما إلى عاملة على هجر ان يقتلهما، وأخبرهما أنه قد كتب لهما بحباءٍ ومعروف، فأعطى كل واحد منهما صحيفة، فخرجا وكان المتلمس قد أسن فمر بنهر الحيرة على غلمان يلعبون المتلمس: هل لك أن تنظر في كتابنا فان كان خيراً مضينا له، وإن كان شراً القيناه، فأبى عليه طرفة، فأعطى المتلمس كتابه بعض الغلمان فقراه عليه فاذا فيه السوأة، فالقى كتابه في الماء وقال لطرفة: اطعني وألق كتابك، فأبى طرفة ومضى بكتابه حتى أتى به عامله فقتله، ومضى المتلمس حتى لحق بملوك جفنة بالشأم، فقال في ذلك المتلمس:
من مبلغ الشعراء عن أخويهم ... نبأ فتصدقهم بذاك الأنفس
أودى الذي علق الصحيفة منهما ... ونجا حذار حبائه المتلمس
ألقى صحيفته ونجت رحله ... عنس مداخله الفقارة عرمس
؟؟
زعموا أن أخوين
كانا فيما مضى في ابل لهما فأجدبت بلادهما، وكان قريباً منهما وادٍ فيه حية قد حمته من كل واحد، فقال أحدهما للآخر: يا فلان لو أني أتيت هذا الوادي المكلىء فرعيت فيه ابلي وأصلحتها، فقال له أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أحداً لم يهبط ذاك الوادي إلا أهلكته؟ قال: فو الله لأهبطن، فهبط ذلك الوادي فرعى إبله به زماناً، ثم إن الحية لدغته فقتلته، فقال أخوه: ما في الحياة بعد أخي خير و لأطلبن الحية فأقتلها أو لأتبعن أخي، فهبط ذلك الوادي فطلب الحية ليقتلها، فقالت: ألست ترى أني قتلت أخاك، فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي فتكون به وأعطيك ما بقيت ديناراً في كل يوم، قال: أ فاعلة أنت؟ قالت: نعم، قال: فإني أفعل، فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضيرها، وجعلت تعطيه كل يوم ديناراًُ فكثر ماله ونبت إبله، حتى كان من أحسن الناس حالاً، ثم ذكر أخاه فقال: كيف ينفعني العيش وأنا انظر إلى قاتل أخي فلان، فعمد إلى فأس فأحدّها ثم قعد لها فمرت به فتبعها فضربها فأخطأها ودخلت الجحر ووقع الفأس بالجبل فوق جحرها فأثر فيه، فلما رأت ما فعل قطعت عنه الدينار الذي كانت تعطيه، فلما رأى ذلك وتخوف شرها ندم، فقال لها: هل لك في: ان نتواثق ونعود إلى ما كنا عليه، فقالت: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك وانت فاجر لا تبالي العهد. فكان حديث. الحية والفأس مثلاً مشهوراً من أمثال العرب. قال نابغة بن ذبيان:
ليهنأ لكم إن قد نفيتم بيوتنا ... مكان عبدان المحلى باقره
فلو شهدت سهم وأفناء مالك ... فتعذرني من مرة المتناصرة
لجاءوا بجمع لم ير الناس مثله ... تضاءل منه بالعشي قصائره
وإني لألقى من ذوي الضغن منهم ... وما اصبحت تشكو من الشجر ساهرة
كما لقيت ذات الصفا من حليفها ... وكانت تديه المال غباً وظاهره
تذكر أنى يجعل الله جنةً ... فيصبح ذا مال ويقتل واتره
فلما توفى العقل إلا اقله ... وجارت به نفس عن الخير جائره
فلما رأى إن ثمر الله ماله ... وأثل موجوداً وسد مفاقره
أكب على فأس يحد غرابها ... مذكرةٍ بين المعادل باتره
فقام لها من فوق حجر مشيد ... ليقتلها أو يخطىء الكف بادره
فلما وقاها الله ضربة فاسه ... وللبر عين لا تغمض ناظره
تندم لما فاته الذّحل عندما ... وكانت له إذا خاس بالعهد قاهرة
فقال يمين الله أفعل إنني ... رأيتك مسحوراً يمينك فاجره
أبى لي قبر لا يزال مقابلي ... وضربة فأس فوق رأسي فاقره
نهاية الكتاب .
ألف / خاص ألف /