عن سعيد عقل وسوريا وفلسطين والإسلام / فارس يواكيم
2014-12-28
قيل الكثير في سعيد عقل. في حياته وبعد مماته كـُتب الكثير عن الشاعر وعن صاحب المواقف السياسية. في هذا المقال، لن أتناول موضوع شاعرية سعيد عقل، ولن أصدر حكماً على مواقفه السياسية، لكني سأضيء على التباسات هذه المواقف، بناء على ما خبرته من الشاعر الراحل، وعلى قراءتي المتأنية لقصائده.
أثار سعيد عقل الجدال حول مواقفه من سوريا ومن العروبة عموماً والقضية الفلسطينية خصوصاً، ومن الإسلام. في بعض هذه المواقف نقلة من طرف إلى الطرف النقيض، ما يدفعني إلى اعتبار أن السائد عند سعيد عقل هو الشاعر أولاً وأخيراً، وأن المفكر الذي أراد أن يكونه، لا يتعدى حدود الحالة الشعرية، بما فيها من ارتهان إلى الانفعال، أكثر من كونها وليدة فكر ناضج. إنها غالبا رد فعل وليست فعلاً في ذاته.
الحنين العاطفي إلى سوريا
لم يكن سعيد عقل يحب الحديث عن علاقته بالحزب القومي السوري الذي انتمى إليه لفترة قصيرة في ثلاثينات القرن الماضي، شأنه شأن الكثيرين من مثقفي ذلك العصر (جان داية، "ملحق النهار" 6 كانون الأول 2014). وهو ناظم مشروع نشيد للحزب يقول فيه: صخب البحر أم الموج السخيّ/ أم بلاد تملأ الدنيا دويّ/ سوريا يقظة ملء المدى/ بسمة ملء الربيع/ سوريا فوق الجميع".
بصرف النظر عن الجدال في شأن انتماء سعيد عقل إلى الحزب القومي السوري، فلقد ظل حب سوريا موضع اهتمام عنده. بل إن فكرة القربى الروحية بين البلدين، لبنان وسوريا، ظلت ترنّ في أبياته، في قصائده الرائعة عن سوريا، التي غنّتها فيروز بألحان الأخوين رحباني، على رغم أن الشاعر كرس اهتمامه الأكبر إلى لبنان الفينيقي، وكان من أشد دعاة "القومية اللبنانية".
يستهل الشاعر قصيدة "سائليني" بالمودة الفائقة: سائليني حين عطـّرتُ السلامْ/ كيف غار الوردُ واعتلّ الخزامْ/ وأنا لو رحت أسترضي الشذا... لانثنى لبنان عطرا يا شآمْ". ومن أبياتها: "حُرُماتٌ بيننا أنقى سنىً... من ذرى الحرمون أو طهر الغمامْ/ قد سقينا بالدم المجد معا... ومعا خضنا المجالات الكرامْ" (...) "قل لذاك الليث في آجامه: واحدٌ نحن إذا الشام تـُضامْ" (الليث هو سلطان باشا الأطرش). قمة حرمون، أو جبل الشيخ، ليست مجرد نقطة التقاء جغرافي، بل هي النقطة الجامعة، كما يردد سعيد عقل في قصيدة "شآم يا ذا السيف": "ثلجُ حرمونَ غذانا معاً... شامخاً كالعزّ في القببِ/ وحّد الدنيا غدا جبلٌ... لاعبٌ بالريح والحقب". في هذه القصيدة أيضاً: "أنا صوتي منك يا بردى... مثلما نبعك من سحبي (...) و"شآمُ، أهلوك إذا هم على نُوَبٍ... قلبي على نـُوَب". البيت الأخير يتكرر معناه بصياغة أخرى في قصيدة "بالغار كُلّلت" التي ختامها: "يا شامُ، لبنان حبي... غير أنيَ لو توجَّعُ الشام، تغدو حبيَّ الشامُ". وفي مطلع "قرأت مجدك" يقول: "قرأتُ مجدك في قلبي وفي الكتب... شآم ما المجد؟ أنت المجد لم يغـِبِ/ إذا على بردى حورٌ تأهلّ بي... أحسستُ أعلامكِ اختالت على الشهب". وفيها بيت يقول: "شآم... لفظ الشآم اهتز في خلدي... كما اهتزاز غصون الأرز في الهدب". وتبدأ قصيدة "نسمت" بـ"نسمت من صوب سوريا الجنوبُ... قلتُ: هلَّ المُشتهى، وافى الحبيبُ" وفيها: "مثلما السهلُ حبيبي يندري... مثلما القمة يعلو ويغيبُ/ وبه من بردى تدفاقهُ... ومن الحرمونِ إشراقٌ وطيبُ".
للعرب، لا للقومية العربية
اشتهر سعيد عقل بموقف سلبي من "القومية العربية" تردد صداه في موقفه من اللغة العربية الفصحى. اعتبر أن كل لغة غير محكية هي لغة ميتة، وأن اللغة العربية الفصحى هي كاللاتينية لا يتحدث بها أحد. وإنه لمحقّ في اعتبارها غير متداولة، لكنها في الواقع لا تزال لغة الكتابة والأدب. ذهب سعيد عقل إلى حد اعتبار اللهجة العامية اللبنانية لغة، وكان يريد أن يتم الاعتراف باللغة اللبنانية المحكية. لكنه يعلم أن اللغة لا يكفيها أن تكون محكية، بل مكتوبة أيضاً، لذلك نحت لها ألفبائية مستوحاة من الأحرف اللاتينية، معدّلة لتستوعب المصوّتات غير الموجودة في اللاتينية مثل الضاد والصاد والقاف والعين والغين. جلب هذا المشروع لصاحبه غضب الكثيرين في العالم العربي، إذ اعتبروا الأمر مساساً بالجانب المقدس في اللغة العربية، ولم يحظ بتأييد عموم اللبنانيين، على رغم صدور كتب بهذا الحرف وديوان للشاعر نفسه "خماسيات".
لا أتصور أن سعيد عقل على رغم دعوته إلى اللغة اللبنانية، كان يكره اللغة العربية الفصحى. معظم إبداعه بها، وهو يمتلك أسرارها وتعمّق في تراثها. بل إن سعيد عقل، هو مؤلف نشيد جمعية "العروة الوثقى": "للنسور ولنا الملعبُ/ والجناحان الخضيبان بنورْ: العـُلا والعربُ/ ولنا القول الأبيّ... والسماح اليعربيْ/ والسلاح... ولنا هزُّ الرماح/ في الغضوب المشمسِ/ ولنا هزُّ القنـَى/ قببا زُرْقَ السـَّنـا/ ولنا صهلة الخيل، من الهند إلى الأندلسِ".
في قصائده السورية نفحات "عروبية" أشهرها قوله في "سائليني": "ظمئ الشرق فيا شام اسكبي... واملئي الكأس له حتى الجمامْ/ أهلك التاريخ من فضلتهم، ذكرهم في عروة الدهر وسام/ أمويون، فإن ضقت بهم، ألحقوا الدنيا ببستان هشام". في القصيدة نفسها أبيات تحيي ثورة سوريا في العام 1925 ضد المحتل الفرنسي: "طوّفي بي ذكرياتي طلقةً... واغنمي أطياب ذياك الوئامْ/ وامرحي بين دمشق وحمى تلكم الصفحة من رِفعة هامْ/ خطـّها صيدٌ أباةٌ غصبوا حقهم، والحق غصبٌ أو حِمامْ/ غالبوا السيف عريقا حدّهُ، فانثنى السيف وفي الحدّ احترامْ/ هذه الغوطة أوفى تربة بهم، أم جبل النبك القدام/ (...) أُسـُدَ الثورة وسّدتم ثرىً، هو من مشرقنا الأرض الحرامْ/ طيّبته من جنوب نفحةً، عبقت من ضاربٍ في الأفق، سامْ/ جبلٌ يجمع في أصلابه دعة السفح إلى عزّ السنامْ/ (...).عاد سعيد عقل إلى ثورة 1925 في "قرأت مجدك" وفيها: "شآم أرض الشهامات التي اصطبغت بعندميّ نمته الشمس منسكبِ/ ذكرت في الخمس والعشرين ثورتها، ذاك النفير إلى الدنيا أن اضطربي/ فكـّي الحديد يواعدك الألى جبهوا لدولة السيف سيفا في القتال ربي/ وخلفوا قاسيونا للأنام غدا، طورا كسيناء ذات اللوح والغلبِ". أما "بالغار كـُلـّلتِ" فقد أهداها "إلى سوريا عقب بطولات تشرين"، ومطلعها: "بالغار كُلّلتِ أم بالنار يا شامُ؟... أنتِ الأميرةُ تعلو باسمك الهامُ/ (...) ختام تشرينَ هل ناسٍ أوائله، إذ هبّ يعتصر العنقود كرّامُ/ يا شام ذقت مذاقا... ما يكون إذا بملء كفـّك دفقا أُفرغَ الجامُ/ أقول: "خالدُ" شجَّ الشعر مندفعا، وخطّ "طارقَ" فوق البحر رسامُ".
المندد بالاحتلال الفرنسي لسوريا، والمهلل لبطولتها في "حرب تشرين" ضد إسرائيل، هو الراثي المتعاطف يوم مات باسل الأسد من دون أن يتحول إلى بعثي. كتب سعيد عقل قصيدة قصيرة، عنوانها "تبكيه قالت": "تبكيه قالت... وإن يُغزى الحمى... ترِدُ... أدري، أجبتُ ويبكي صنـّوه الأسدُ (...) شعب بكى، أوَ أبقى لا يحركني نبلٌ... أنا السيف لا غمد ولا غمدوا".
القضية الفلسطينية
من أكثر المواضيع إثارة للجدال في مواقف سعيد عقل السياسية، آراؤه في القضية الفلسطينية. وكما في غيرها عنده، انتقلت من نقيض إلى آخر. حتى لا يكاد المرء يصدّق أن قائل القولين هو الشخص ذاته. في خريف 1968 صدرت أسطوانة تضمنت أغاني فيروز عن فلسطين، عنوانها "القدس في البال" وكانت الكلمة على غلاف الأسطوانة بقلم سعيد عقل، وفيها: "شعوب بأسرها تغنّي مع الجيوش المتلهفة إلى اليوم العظيم، يوم إحقاق الحق، هذه الإوجاع والمناجاة والجراح السائلة كالدماء وكدموع الغضب. "اليوم وليس غداً" سنستمر نهتف حتى يشاء الله وتستجيب البطولة. وسيبقى الحنين والنبل والشهامة ملحمة بإرادة انتصار الحق. إن الحق جميل كالحب".
قبل ذلك، في أيلول 1966، غنّت فيروز في دمشق "أجراس العودة"، القصيدة التي كتبها سعيد عقل: سـيـفٌ فـلـْـيـُـشـْهـَـرْ في الدنيا، ولتصدع أبوابٌ تصدعْ/ الآن الآن وليس غداً... أجراس العودة فلتقرعْ/ أنا لا أنساك فلسطين، ويشدّ يشدّ بي البعدُ/ أنا في أفيائك نسرين، أنا زهر الشوك أنا الوردُ/ سندكّ ندكّ الأسوارا، نستلهم ذاك الغارْ/ ونعيد إلى الدار الدارا، نمحو بالنار النارْ/ فلتصدع فلتصدع/ أبواقٌ أجراسٌ تـُـقرَع / قد جـُـنّ دم الأحرار".
وكان هناك مشروع أغنية كتبها سعيد عقل ولحّنها الأخوان رحباني لتغنيها فيروز في حزيران 1967 عنوانها "نحن على الأبواب" (محمود الزيباوي، "ملحق النهار" 30 تموز 2011). لكن المشروع لم يكتمل، لا بسبب اعتراض سياسي من الشاعر وإنما لأسباب لوجستية تلاها اندلاع الحرب آنذاك. وكان أن صدرت "زهرة المدائن" فتمّ الاستغناء عن المشروع السابق ("زهرة المدائن" من شعر الأخوين رحباني وإن كان بعض الكتّاب اعتبرها لسعيد عقل). المهم هو موقف سعيد عقل المنادي بالقتال من أجل تحرير فلسطين "بعزمة الجنود بهتفة الأزلْ... يا فلسطين عودي زنبقة الدولْ".
بعد عشر سنين، في حزيران 1977، أقيم في زحلة مهرجان تأبيني للشاعر الزحلي المهجري شفيق المعلوف، ألقى فيه سعيد عقل إحدى روائع شعره المنبري. ولم يفته وهو يتكلم على صاحب "عبقر" أن يتطرق إلى الحوادث السياسية الراهنة. وكانت "حرب السنتين" (كما سميت آنذاك) قد وضعت أوزارها. شهدت هذه القصيدة بداية تحول سعيد عقل من مناصر للقضية الفلسطينية إلى معارض لها. تكلم فيها عن انتصار لبنان على "الدخيل" (المنظمات الفلسطينية). وأعاد التعبير نفسه في بيت آخر: "لوحده في العداوات الدخيلُ، جرى بباله غصْبُ أرضٍ تربها الطهُرُ (...) بلى سنبقى، ويبقى فوق صخرته لبنان، قهـّار من ما غيرهم قـُهروا/ وقال من خطر نمضي إلى خطر؟ ما همّ... نحن خُلقنا بيتنا الخطرُ". "ومن ما غيرهم قهروا"، هم مقاتلو المنظمات الفلسطينية.
بعد أيام التقيتُ به في بيته في بيروت، وقبل أن يجيب عن سؤالي حول تشدده في هجاء الفلسطينيين، أطلعني على قصاصات من الصحف يحتفظ بها، وفيها في الصفحة الأولى ينفي ياسر عرفات مشاركة الفلسطينيين في الحرب، وفي الصفحات الداخلية أكثر من نعي لأكثر من مقاتل فلسطيني، من منظمات مختلفة، هذا سقط في حرب الفنادق وذاك في موقعة الأسواق. وفي جوابه قال: "أنا مش ضد الفلسطينيي، أنا ضد عرفات وزعرانه". مرةً أخرى علّق على قولة أبي إياد الشهيرة "طريق فلسطين يمر بجونيه" غاضباً أكثر منه ساخراً: "بدّي هشّلن ع حيفا وتراب جونيه بيضل طاهر".
في 1982 وقت الاحتلال الاسرائيلي للبنان، أعطى سعيد عقل التلفزيون الإسرائيلي حديثاً، طالباً من رئيس حكومة الدولة العبرية مناحيم بيغن (لقـّبه بالبطل) "أن يكمل تنضيف لبنان من آخر فلسطيني". وفيما أشاد بالجيش الإسرائيلي مسمّياً إياه "جيش الخلاص" انهال على الفلسطينيين بالهجوم العنيف واصفاً إياهم بالعصابات الإرهابية المسلحة. طاف شريط الفيديو الذي يتضمن هذا الحديث العالم العربي وزاد انتشاره بعد رواج الـ"يوتيوب"، واعتبر موقف الشاعر فيه بمثابة العار. وظل هذا الاعتبار ساري المفعول حتى بعد وفاة سعيد عقل، مع صدور أحكام تخفيفية في صدده، بعد نشوء العلاقات الديبلوماسية، أو التجارية، العلنية أو الخفية، بين اسرائيل وبعض الدول العربية، وبعض الزعامات، وقطاعات شعبية عربية تستقوي بإسرائيل على الخصم المحلي.
على أن هذا الموقف المعادي للفلسطينيين، له موقفان معاديان له. واحد سبق الحديث الترحيبي بإسرائيل، وآخر بعد الحديث بسنوات. السابق، في برنامج "سهرة مع الماضي" (تقديم ليلى رستم، إعداد فارس يواكيم، إخراج إلياس متى، تلفزيون لبنان 1971). كان عند سعيد عقل مشروع لإبادة إسرائيل بالمال: "اليوم صار الجندي الاسرائيلي اللي بدنا نقتله، منقتله بالمال. ع إيامات فخر الدين كان يكلف قتل الجندي شي بسيط...(...) أياه أهمّ بالقتال اليوم: الصدر؟ يما الجيبة هي المهمة. ع أيام يوليوس قيصر كان يكلف قتل الجندي العدو أقل من 3 ليرات لبنانية... هيدي دراسة عاملها جنرال كندي... ع أيام نابليون انتقل لـ 15 ليرة ثمن قتل الجندي... ع إيامات الحرب العالمية الأولى صار 60 ألف ليرة... بالحرب الكبرى الثانية 240 ألف ليرة، كلفة قتل الجندي الواحد. فإذا قدّمنا حالنا اليوم كصدور، ع إيامات نابليون ويوليوس قيصر كان إلها قيمة، أما اليوم ما إلها قيمة. لازم نقدّم المال. لأنه صار تمن الطيران غالي والتسلح غالي وتمن قتل الجندي ارتفع بمستوى خيالي. يعني لو بدّنا نقتل نص مليون جندي اسرائيلي، ولازم يورد براسنا هيك، لأنو بدّنا نقتل لها ولو ثلث شعبها حتى نهشّلها ونفلّلها من هون. بدّنا 129 مليار ليرة لبنانية. هيدا مهم. أنا لو اني بالحكم، كنت بجمع المعنيين بقتل اسرائيل، وبقول: الـ 120 مليار ليرة بدكن توجدوهن... ما فينا نعمل حرب ع طريقة الزير بو ليلى المهلهل ضد اسرائيل".
اللاحق، في مطلع التسعينات، في برنامج "حوار العمر" (تقديم جيزيل خوري، إخراج سيمون أسمر، تلفزيون إل بي سي، في حلقة شارك فيها يحيى جابر وطانيوس دعيبس) قال سعيد عقل: "وإذا حدا بيشيل اسرائيل من هون، هو أنا، مش العرب! بعد بيصطلحوا العرب هنّي واسرائيل، بس نحن عدوّتنا صارت إسرائيل".
غنـّى مكـّة وامتدح الإمام
لم يكن سعيد عقل طائفياً. ذات مرة رشح القاضي عبد الباسط غندور لرئاسة الجمهورية. وهو في قصيدته في شفيق المعلوف، يؤكد وحدة لبنان ويرفض تقسيمه (في وقت كانت فكرة التقسيم تراود مخيلة كثيرين) ويرفض التمييز بين أبناء شعبه، "مجلجلاً أنا كلٌّ لا أشرذمني"، "وواحد مجد لبنان" ويوضح: "جبيلُ، بيروت، صيدون، طرابلس... إطارها البدع، أو لا كانت الأطرُ/ إن مـُسَّ ذكرٌ لقانا أو لصور سنىً، مسّ الكمال، رؤى التاريخ والعبرُ/ أو خـُمـّشتْ لمعةٌ من بعلبك أسىً، توجعت مهجات الحسن تنفطر/ أقسـّم البيت؟ ماذا؟ الانتصار سدى؟ ماذا؟ دماء رفاقي في الفلا هدرُ؟/ لبعض لبنان قاتلت؟ اشهدي شيمي... كما السواحل، هاتيك الربى الخضر/ شمالهن، الجنوب، القلب، تلك سما بالي... لتبقى، ويبقى الرمل والنهر/ ووحدهم أهلها أغلى على كبدي منها/ كعيني أغلى منهما البصر".
سعيد عقل هو مؤلف الأغنية الشهيرة "غنّيتُ مكة"، التي نشرها في ديوان "كما الأعمدة". وقد حفظ الناس أبياتها بعدما استمعوا إليها بصوت فيروز. ومن أبياتها: "غنـّيتُ مكـّة أهلها الصـيدا، والعيد يملأ أضلعي عيدا/ فرحوا فلألأ تحت كل سماً بيتٌ على بيت الهدى زيدا/ وعلى اسم ربّ العالمين علا بنيانهم كالشهب ممدودا/ يا قارئ القرآن صلّ لهم، أهلي، هناك، وطيـّب البيدا/ (...) ضجّ الحجيج هناك فاشتبكي بفمي هنا يا وُرْقُ تغريدا/ وأعزَّ ربّي الناس كلـّهـُمُ، بيضا فلا فـرّقت أو سودا/ (...) الأرض، ربيّ، وردةٌ وعدت بك أنت تقطف، فاروِ موعودا/ وجمال وجهك لا يزال رجا يـُرجى، وكلُّ سواه مردودا".
وله في الإمام علي بن أبي طالب قصيدة جميلة، مطلعها: "كلامي على ربّ الكلام هوىً صعبُ... تهيـّبتُ، إلا أنني السيف لم ينبُ/ ورُبَّ جمالٍ رحتَ ترسم طيفه، تصبـّاك كالسيف استجاب له الضربُ". وفي أبياتها مديح لصاحب "نهج البلاغة" وحامل السيف ذي الفقار، في بطولته وفي بلاغته: "حببتُ عليـّاً مذ حببتُ شمائلي... له اللغتان: القولُ يشمخ والعضبُ/ بهذاك يعليها، بهذا يزيدها، أيكبو؟ ولكن الأصائل لا تكبو/ لأشرفُ من قاسى، وأسمحُ من سخى، تقول على رمل البوادي له حدبُ/ بلاغته الليلاءُ أسُّ أريكةٍ، فكيف بما أبلى الذي وثبه الوثبُ (...) "ومن لا يحب البيت، سيف عليـّهِ جميلٌ، وذاك النهج كوثره عذبُ/ كلامٌ كما الأرباب في طيلسانها، ألا فلتداوله وترتعش الكتبُ".
عن جريدة النهار
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |