Alef Logo
المرصد الصحفي
              

شارلي إيبدو وعقدة الثعابين / حسن شامي

2015-01-21

العبارة التي استخدمها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لتوصيف مجزرة شارلي إيبدو كانت صائبة جداً. فهو خاطب الفرنسيين، إثر المقتلة، بالقول إن فرنسا «ضُربت في القلب» أو الصميم إذا شئتم.
وكما هي الحال مع العبارات اللائقة والقابلة لأن تكون جامعة ومشتركة يبقى باب التأويلات مفتوحاً على تعريف «الصميم» وتفسيره. فهو قد يعني حصول الضربة الوحشية في قلب العاصمة، وقد يعني استهداف حرية التعبير وتقاليد الصحافة الساخرة التي ينسبها كثيرون إلى تراث من التهكم العلماني والإلحادي والمشكك في صحة المعتقدات الدينية وفي الصلاحية الأخلاقية للكنيسة ورجالها، وهو تراث يرقى إلى فلاسفة وكتّاب يتصدرون «الأنوار» الفرنسية وأدبياتها مثل فولتير ورابليه وغيرهما. وقد يكون الصميم المضروب أقرب إلى شواغل زمننا المضطرب حيث يحاول الفرنسيون العثور على صيغة لتثبيت قواعد للعيش المشترك تحفظ صفة التعددية التي باتت تسم المجتمع الفرنسي على نحو مختلف عن السابق.
فما هو موضوع على محك الاختبار يتعلق بالدرجة الأولى بالقدرة على دمج كتل سكانية واسعة من أصول مهاجرة، وقسم كبير منهم يجرجر ما يتساقط من ذاكرة تاريخ مثقل بالجروح والمعارك والبقاء في قاعة انتظار شبه وجودي يختلط فيه الماضي المتخيل أو المستذكر مع هواجس مستقبل غامض.
على أن مدار الصميم الذي تعرض لضربة مؤلمة أودت بحياة 17 إنساناً عدا القتلة الثلاثة يحتمل قراءات وتفسيرات أخرى قد تكون أكثر تشاؤماً بتبعات المقتلة بالنظر إلى تشابك القضايا ذات الطابع السوسيولوجي المعقد وحظوظ توالدها في قلب المناظرة العامة التي بدأت تفصح، غداة التظاهرة التاريخية، عن أطيافها وأفكارها وانقساماتها بعد زوال «سكرة» الإجماع الوطني العابر والمفهوم من الناحية الانفعالية.
هذه طريقة للقول إنّ الصميم قد يكون «عقدة ثعابين» أو وكر دبابير قام مرتكبو المقتلة بالخبط فيهما وعليهما، شعورياً أو لا شعورياً. لتوضيح هذه الفكرة من المفيد التذكير بالتمييز الذي شدد عليه ماكس فيبر بين المقاربة القانونية والحقوقية لمفهوم الحق وبين مقاربته من زاوية سوسيولوجية، أي فهم تصوراته وأشكال تداوله في بيئات اجتماعية معينة وفي ظروف تاريخية معينة. وإذا كانت مقتلة شارلي إيبدو ومتجر الأطعمة اليهودية جريمتين بكل المقاييس، خصوصاً من الناحية القانونية والأخلاقية، فإن محاولات الإحاطة العقلانية بدلالاتها ونتائجها تبدو أكثر تعقيداً. وليس في الأمر أي تبرير لجريمة موصوفة وفق خلط شائع بين الفهم والتفهّم. والذيول بدأت تتكشف هذه الأيام وهي مقلقة وخطيرة. فقد أحصي حتى الآن أكثر من خمسين عملية اعتداء على مقار وأمكنة ذات صفة إسلامية عريضة إذ تطاول أمكنة عبادة ومتاجر ومساكن. وأحصي أكثر من 220 حادثة في المدارس التي تضم طلاباً من أصول ومشارب مختلفة.
صحيح أن الأخوين سعيد وشريف كواشي اللذين أقدما بدم بارد على قتل معظم فريق المجلة الساخرة ينسبان نفسهما إلى عقيدة الفسطاطين الشديدة التبسيط والعزيزة على تنظيم القاعدة ومشتقاته المتنافسة على أرضية المزايدة في التبسيط والاختزال والتفنن المشهدي في استعراض الإرهاب. وقد جاء إعلان تنظيم القاعدة في اليمن عن مسؤوليته عن العملية ليؤكد على أنها حصيلة مخطط مدروس وليست عمل شبان غاضبين على مجلة أساءت بنشرها الرسوم الكاريكاتورية لنبي الإسلام. ولا يمنع هذا من أن يستعرض الشابان أثناء تنفيذ العملية وبعدها ضروباً من الفتوة المعهودة عند أشقياء الضواحي والأحياء الساخنة والفقيرة وخريجي السجون حيث تحول عدد منهم إلى السلفية الجهادية.
في هذا المعنى صار هؤلاء الشبان الذين يعبرون بأجسادهم وصخبهم، أكثر من كلامهم، عن العنف المختزن فيهم، يجدون في السلفية الجهادية يافطة وراية ينضوون خلفها كتعويض عن رفضهم للعالم الذي يعيشون فيه، لأنهم لا يجدون فيه فرصة للتعرف على أنفسهم. ويظهر أيضاً أنّ طريقة عمل هذه المجموعات التي وصفها البعض بالذئاب المنفردة أقرب إلى الشللية الجهادية التي تحاكي شلل الفتوات والصعاليك المحدثين. وهذا غيض من فيض دوافع وإغراءات للالتحاق بتنظيمات سديمية مثل القاعدة وما يناظرها.
عقدة الثعابين التي تحدثنا عنها هي تقاطع مشكلات تتعلق بالهجرة وبيئاتها وغيتوات قسم كبير من أحيائها وارتفاع نسبة البطالة فيها، مع مشكلات تتعلق بإرث المرحلة الكولونيالية وذاكرة رضوضها البعيدة الغور، خصوصاً في الحالة الجزائرية، ومشكلات تتعلق بالأزمة الاقتصادية وسياسات التقشف وتراجع دور الدولة لمصلحة السوق وشبكات النفوذ والطغم المالية، وصعود اليمين المتطرف والعنصري مدججاً هذه المرة بمقولة «صدام الحضارات».
كل هذه المسائل الشائكة أخذت تختزل منذ عقدين في الأقل في عنوان كبير هو الإسلام أو المسألة الإسلامية. وبدأنا نشهد على إيقاع خضات دورية تعج بالأحكام الجاهزة والصور النمطية، نزوعاً قوياً إلى «عرقنة» الإسلام وتأجيج الخوف على الهوية الوطنية من وحدانية جوهره العنيف وماهيته، بحيث تذوب الفوارق الثقافية والتاريخية بين التركي والمغاربي والسنغالي.
لا مبالغة في القول إن صورة الإسلام كما تتبدى في التمثيلات الشائعة والأكثر انتشاراً في فرنسا، والغرب عموماً، لا تحيل إلى أي واقع ملموس. ولا يمكننا إلا في هذا السياق أن نفهم الدعوات الخرقاء التي وجهها نافذون في الإعلام إلى كل مسلمي فرنسا كي يعلنوا بلغة واضحة، أي من دون لبس مفترض، عن ولائهم للجمهورية العلمانية وتمسكهم بالديموقراطية. ويفترض هذا أصلاً اعتبارهم محل ارتياب والنظر إليهم كفرنسيين «آخرين». لنقل إنهم في وضعية ملتبسة وينطبق هذا على موقع الإسلام في المجتمع الفرنسي. وهو وضع لا يخلو من الإعضال لكنه لا يعفي المسلمين الفرنسيين، أو الواصفين أنفسهم كذلك، من مسؤولياتهم في العديد من المسائل. بالتوازي مع الحاجة المنطقية لانتفاض القلب جاءت المظاهرة المليونية الهائلة يوم الأحد الفائت بمثابة يوم تاريخي مشهود حاول الشعار العاطفي «أنا شارلي» أن يختصره لتحقيق أكبر إجماع ممكن. وقد حصل هذا الإجماع ورأى كثيرون أن لا سابق له في تاريخ فرنسا الحديث. على أن الإجماع، خصوصاً في الديموقراطيات العريقة، يبقى موقتاً وعابراً بطبيعة الحال. وقد انفتح باب المناظرة حول حرية التعبير وحدودها ودور الدولة في حماية الحريات والسلم الأهلي والعيش المشترك. أما الحديث عن حرية التعبير بالمطلق ففيه نفاق كثير.
عن ملحق تيارات

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow