Alef Logo
المرصد الصحفي
              

السهروردي المقتول بوتر الفلسفة إعداد / واثق الجلبي

2015-01-29

ولد شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك أو «السهروردي المقتول» في قرية سهرورد ، في شمال غرب بلاد فارس. طلب العلم باكراً في أصفهان، ثم في ديار بكر والأناضول، ثم بلاد الشام، حيث استقر في حلب عندما كانت في إمرة الملك الظاهر، ابن صلاح الدين. وفي حلب كتب أهم أعماله: «حكمة الإشراق»، و»كتاب اللمحات»،
و»كتاب التلويحات»، و»كتاب المقاومات»، و»كتاب المطارحات»، إضافة إلى عشرات الكتب الثانوية والرسائل. ولاقى السهروردي حتفه في حلب التي كانت خاضعة وقتئذ، ومعها سوريا، لحكم السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي أصدر أمرا بإعدام السهروردي بسبب تحريض الفقهاء عليه. وقد قام حاكم حلب، وهو أحد أبناء صلاح الدين، الملك الظاهر الأيوبي، بعد تردد بتنفيذ حكم الإعدام بصديقه السهروردي، لأن صلاح الدين خيّره بين العزل من الحكم أو قتل السهروردي الذي ربطته مع الملك الظاهر محبة واحترام. ويجمع كتاب.لتلويحات اللوحية والعرشية بين صفحاته مزيجاً غريباً، يضم مواضيع الميتافيزيقيا، أي ما بعد الطبيعة، والتصوف الإشراقي وبعض المبادئ المتعلقة بالعلوم الفلسفية عامة .وتمتاز كتابات السهروري بكثافة رمزية شديدة تغيّب فيها مختلف الأقيسة العقلية والمنطقية، وتجمع ما بين الذوق الصوفي والاشتغال الفلسفي. وعرف السهروردي بلقب شيخ الإشراق، نظراً لتمسكه بفكرة «الإشراق»، التي ينطلق معناها من التقابل ما بين الشرق والغرب، حيث يعتبر الانبثاق المكاني للشمس في وقت شروقها انبثاقاً معنوياً ينمّ عن البدء والانبجاس وحضور الإلهي في الدنيوي. وفي ذهن السهروردي أن جهة الشرق الجغرافي تمثل أعمق مظاهر «بلاد فارس»، وحين الانتقال إلى الجهة المضادة، أية جهة الغرب، نجد أن الغروب المكاني للشمس يمثل، بالنسبة إليه، غياب المقدس وانتصار المدنس، وعليه يعتبر بلاد المغرب رمزاً للانحطاط المعنوي، لذلك ينبغي على الحكيم الإشراقي أن يهجر أو بالأحرى يفرّ من الغرب الجغرافي. وينكشف الوعي الإشراقي عن مزيج مكاني / مادي، ومعنوي / إلهي، فالأنوار تبزغ من الشرق كي تضيء النفوس المظلمة، أي يحضر الإلهي في الشرق حضوراً لا يساوق قيمياً الحضور في المكان الغربي، لأنه أرفع منه. وينتج عن هذا الوعي الاعتقادي وجود تفاضل أو تفاصل مادي في الواقع، إذ أن الألوية تعطى على الدوام لكلّ ما هو متموضع في الشرق. ويذهب العديد من الباحثين إلى الاعتقاد بأن تعويل السهروردي على النور الإلهي الصادر عن الشرق الجغرافي. وتنكشف النظرة الإشراقية عند السهروردي عن تداخل ما بين الفلسفة المشائية وبين تجربة التصوف في إطار الإسلام العام، إضافة إلى مصادر الفكر الإشراقي المتعددة كالزرادشتية والفيثاغورية والأفلاطونية والهرمسية. وهو تداخل جرى في إطار من «العالمية» التي نهض عليها الفكر الفلسفي بشكل عام. لكن فلسفة السهروردي الإشراقية تتمحور حول اعتبار «النور» مبدأ الوجود، وكلما انحدر الوجود درجة من المصدر الأعلى انخفض مستوى «النور». وحين يبلغ الدرجة الجُرْمية، أي في عالم الأجسام، يتناقص النور ويضمحل حتى يبلغ المرتبة «المظلمة» من الوجود . كذلك يعتبر السهروردي النور مبدأ الحقيقية الصوفية الإشراقية التي هي هدف المعرفة، ويفرّق بين فعلي «الإشراق» و»المشاهدة» من الاختلاف في الاتجاه، والاتفاق من حيث الجوهر. وفي العديد من المواضع يستبدل السهروردي الإشراق والمشاهدة بفعلي «العشق» و«القهر»، حيث «العشق، به ينتظم الله الوجود صعوداً، وبالقهر ينتظمه نزولاً. والنفوس منطوية في قهر نورية العقول».ويرى السهروردي أن الفلسفة المشائية تشكل مدخلاً أساسياً لتكوين الحكمة الإشراقية. والمعروف أن المشائية peripatetism فلسفة تتحدد من أرسطو (384 ـ 322 ق. م). وكان أرسطو يلقن تلاميذه الحكمة أثناء المشي في أثينا، ومن هنا جاء تلقيبهم بالمشائين. وكانت الترجمة السريانية للفلسفة الهللينية عاملاً أساسياً في تحقيق الوعي الإسلامي بشكل عام، سواء على المستوى الفلسفي أو الديني، وذلك بعد أن نقل جهابذة مترجمي السريان أمهات الكتب الفلسفية اليونانية إلى اللغة العربية. ويشكل تقسيم أرسطو للعلوم إلى نظري وعملي جزءاً أساسياً من وعي السهروردي بالوجود، وما يبتغيه العلم النظري هو الوصول إلى مجرد المعرفة. بينما يسلط العلم النظري على الوجود فيتناوله من جهة ما هو متحرك ومحسوس، وهنا يتبدى علم الطبيعة؛ من جهة ما هو مقدار وعدد، وكذلك يتبدى العلم الرياضي؛ من جهة ما هو وجود مطلق، و يتبدى أيضاً علم ما بعد الطبيعة. كما ينقسم العلم العملي إلى الأخلاق وتدبير المنزل والسياسة. ثم يأتي ما هو نظري وما هو عملي الفن. ويحدّد هنري كوبان ترسيمة رباعية للعوالم عند السهروردي، فهناك عالم «الجبروت»: عالم العقول المحضة، أي الأنوار الملائكية الكبرى للسالكين الأول، والعقول المثالية. وهناك عالم «الملكوت»: الأنوار التي تدبر أمر جسم من الأجسام، أي عالم الأنفس السماوية والأنفس البشرية. وهناك عالم «الملك»: البرزخ المزدوج المتألف من الكواكب السماوية ومن عالم عناصر ما دون القمر. وأخيراً «عالم المثل» الذي يتوسط ما بين العالم العقلي لكائنات الأنوار المحضة وبين العالم المحسوس . وليس هذا العالم بعالم المثل الأفلاطونية، ولكنه عالم الصور والمثل المعلقة. وفي الزمن الذي عاش فيه السهروردي، كانت هنالك مسافة بين المذهب الأشعري وبين الفكر الذي أراد الخروج من البوتقة الدينية المُحكمة في إطار الصراع على السلطة في الإسلام، فراحت تتبلور حركات صوفية ذات منحى أبعد من الميتافيزيقيا طلباً للخلاص الصوفي، وقد أسهمت الغزوات الصليبية في زيادة الصراع الفكري اشتعالاً. وقد ُعرَف عن صلاح الدين الأيوبي التعصب والتزمت .يخبرنا مؤرخ حلب القاضي ابن شداد أن أهل حلب كانوا مختلفين في أمر السهروردي، حيث كان يرميه بعضهم بالزندقة والإلحاد، وينعته بعضهم الآخر بالتُقى والصلاح، بل ولقّبه بعضهم بلقب «شهاب المِلَّة والدين» تارة، و»المؤيَّد بالملكوت» تارة أخرى. وليس صحيحاً ما قاله بعض الرواة والمؤرخين عن أن صلاح الدين الأيوبي كان يكره «كتب الفلسفة وأرباب المنطق. ويرى بروكلمان أن صلاح الدين لم يستشعر الحاجة إلى إقامة ديوان لامتحان الزنادقة إلا مرة واحدة في حلب. ولا يخفى أنه كانت للسهروردي آراء غنوصية، عرفانية، قائمة على أساس الأفلاطونية الجديدة والفيثاغورية الجديدة. وكانت أفكاره مطروقة لدى بعض المتصوفة، من نصارى ومسلمين، الذي اعتبروا أن نوراً روحياً يتخلَّل الكون كإشراق لدنِّي هو جوهر الأشياء جميعاً. لكن تعاليمه، كما يضيف بروكلمان ما لبثت أن أثارت شكوك علماء السُّنة، فزعموا أنه يمثل عقيدة القرامطة المُعادين للدولة. وهكذا لم يكن في وسع صلاح الدين إلا أن وافق على حكم الموت الذي أصدره الفقهاء القضاة على الفيلسوف وقد اختلف المؤرخون في طريقة قتل السهروردي؛ فذكر بعضهم أنه خُيِّر في كيفية قتله، فاختار أن يموت جوعاً، لأنه كانت له عادة في الرياضة، فمُنِع عنه الطعام حتى تَلِف. ومنهم من يذهب إلى أنه قُتِل بالسيف، وآخرون أنه أحرِق، وبعضهم قال إنه خُنِق بوتر.كان السهروردي يقول: «لا بدَّ أن أملك الأرض». وهو، على أية حال، ملك أرضاً أوسع من أرض السلطان الأيوبي. فبرغم عمره القصير، استطاع، انطلاقاً من الصفة التي لحقت باسمه «المقتول»، أن يثير قلقاً كالذي أثاره من قبلُ موتُ الحلاج، فكَثُرَ أتباعُه. ويكفي أن يكون محي الدين بن عربي قد أوصل الإشراق السهروردي بعد ذلك إلى ذروته الخالدة. ليست المسافة بذلك البعد بين دجلة بغداد وقلعة حلب، إذ لا بد من كبش فداء لتوحيد الأمة على وليمته في كل زمان ومكان، وكأن ثمة امتداداً للأسطورة ذا طابع كوني صميمي يصعب الفكاك منه. في بغداد يعمل الوزير العباسي حامد بن عباس جاهداً على استصدار حكم الخليفة المقتدر بقتل الحلاج، بذريعة أن أمره قد أصبح من الخطورة بحيث إنه بات يهدد أركان الخلافة، وإنه ما لم ينفذ به الحكم وقعت الفتنة. لقد نال الحلاج حظوة كبيرة في قصر الخلافة، بما في ذلك أم الخليفة، فأثار بذلك حسد جميع المتملقين والراغبين بحظوة القصر، وأثار حقدهم إذ كيف وصل إلى ما وصل إليه دون اللجوء إلى أساليبهم في التذلل، بل على العكس من ذلك كان في غاية الأنفة والعزة، حتى لكأن القصر لا يطلب إلا رضاه. كان يتحدث بصوت الحق الذي في داخله، صوت فريد لا ينخرط ببغائية الجوقة، فكان لا بد من إسكاته، لأن بنية الأمة كانت من الهشاشة بحيث إنها لا تحتمل التنوع، ولذا لا يمكن أن ترى الوحدة قائمة على التنوع في مثل هذه الحال، أو على تقدير أحوال الرجال على حد تعبير أخت الحلاج في مشهد قتله.بعد قرابة مائتين وثمانين عاماً يملأ الحسد والحقد قلوب البطانة المتملقة حول قصر الظاهر في حلب، إذ كيف يحظى شهاب الدين السهروردي، هذا الشاب الغريب القادم من بلاد العجم بهيئته الرثة بهذه المكانة الرفيعة عند ملكهم نجل الناصر صلاح الدين! وكما نجحت مساعي الوزير حامد في استصدار حكم الخليفة بقتل الحلاج وحرقه وذرّ رماده في دجلة نجحت المساعي هنا في خنق صوت السهروردي.تنبأ الجنيد وغيره بمقتل الحلاج والفخر المارديني يقول عن السهروردي: «ما أذكى هذا الشاب وأفصحه إلا أني أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره» وكان يرى هذا التهور والاستهتار عندهما في موضوع (السر)، فالصوفية كانت تلجأ إلى حجب معتقداتها عن غير أهلها، وذلك تفادياً للخطر الناجم عن معارضة الشريعة بالشكل الذي رسمته السلطة الدينية الرسمية، وإن كان لهذا (السر) الوجه الجمالي أيضاً وهو الوجه الذي يضن بالجوهر النفيس إلى غير أهله، وكان هذا السر يشبه بأسرار العشق، بما تحتوي هذه الأسرار من نشوة في البوح بها، ومن حسرة أمام الضعف عن الكتمان أو مخاطر البوح. وقد تغلبت النشوة على قتيلينا أو عاشقينا، وتفوق التحرق للبوح على كل خطر، وعبر الحلاج عن مفارقة أن يكون المرء في حال مثل حاله من شدة الوجد ثم يكتم بقوله:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال لـه
إياك إياك أن تبتل بالماء
وينسب إليه:
سقوني وقالوا: لا تغنّ. ولو سقوا جبال حنين ما سُقيت لغنَّتِ
تمنت سليمى أن أموت بحبها وأسهلُ شيء عندنا ما تمنّت
والسهروردي إذ يشفق لحال العاشقين العاجزين عن كتمان هواهم فإنما يذكر أستاذه (فتى البيضاء) ويرى نفسه متجهاً إلى البوح أيضاً. و يظهر الأمر بجلاء أكبر في قوله:
أبدا تحنُّ إليكم الأرواح ووصالكم ريحانها والراح
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم وكذا دماء العاشقين تباح
وكان أن باح الأول بإمكانية الحج دون الذهاب إلى الكعبة وباح الثاني بقدرة الله المطلقة حتى على بعث نبي بعد محمد فكان لزاماً عليهما أن تباح دماؤهما حسب قوانين العشق، ولكن ما أهونه من جزاء عند من لا هدف له سوى التخلص من الظلمة والتوجه إلى النور. ومن الطريف أن ينسب البيت الرابع من حائية السهر وردي للحلاج «بالسر إن باحوا...وأن تنسب نونية ابن المسفر لكليهما وهي التي تعبر عن التوق إلى مفارقة الجسد الذي هو بمثابة غربة وسجن للروح. عرفت فلسفة السهروردي بـ (الإشراق. يعرف أبو الوفا التفتازاني الإشراق بقوله: «حدوث الإلهامات من الله للصوفي بطريق مباشر، وعلى باطنه أو قلبه والإشراق بهذا المعنى عرفته الفلسفات الشرقية القديمة، وتأتي الهرمسية في مقدمة هذه الفلسفات، والهرمسيون يفضلون الوحي والإلهام على الاستدلال العقلي في المعرفة. ويوضح السهر وردي سبب تسمية حكمته بالإشراقية بأن هذه الحكمة المفضية إلى الحق تجعل الحق غاية في الصفاء والوضوح والظهور، ولا شيء أظهر من النور، ولا شيء أغنى منه عن التعريف، وكل شيء يمكن أن يقسم إلى (نور في ذاته) وإلى (ما ليس نوراً في ذاته) أي ظلمة. وبهذا المعنى العام الذي يؤكد على احتلال النور حجر الزاوية في مبنى هذه الفلسفة نعود إلى طواسين الحلاج –وهي الأثر النثري الفريد المتبقي –لنجد (طاسين السراج) هو الطاسين الأول. والسراج فيها هو النبي محمد، ويفتتح الحلاج هذا الطاسين بقوله: «سراج من نور الغيب بدا وعاد، وجاوز السرج وساد. ويقول: «أنوار النبوة من نوره برزت، وأنواره من نوره ظهرت، وليس في الأنوار نور أنور وأظهر وأقدم في القدم، سوى نور صاحب الحرم». وحين يعقب الحلاج على الآية «إن هو إلا وحي يوحى» في (طاسين النقطة) يقول: «من النور إلى النور» ليتجلى لنا الوجود الحق عنده نوراً، ولنتذكر هنا أننا لسنا أمام ثنائية من النور، لأن الحلاج كان قد بين في (طاسين السراج): «الحق ما أسلمه إلى خلقه، لأنه هو، وإني هو، وهو هو.إن تلمس نظرية للوجود في ثنايا أقوال الحلاج المتناثرة وأشعاره الرمزية وطواسينه الغامضة ليس بالأمر اليسير، وإن تحقق ذلك فلن يكون إلا بعد مجازفة مضنية في التأويل. يقر الحلاج بثنائية الحق والخلق، أي الله والعالم، إلا أن العلاقة بين هذين الأقنومين للوجود تبدو ملتبسة إلى الدرجة التي تنسف فيها ذلك الإقرار، كما تنسف ذاتها. يتلمس المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون –وهو من أهم الدارسين المعاصرين للحلاج –ماهية الخالق عند الحلاج، أو العلاقة بين الخالق والمخلوق، أو بين اللاهوت والناسوت –حسب تعبيره وتعبير الحلاج –فيما يسميه بنظرية (هو هو)، وفيها نرى: «على الرغم من تأكيد الحلاج تعالي فكرة الإله لم يكن يفهم من ذلك أن الإنسان لا يستطيع الوصول إليه، ومن التراث اليهودي –المسيحي الذي يقول بأن الله خلق الإنسان على صورته، ، ويلخص الحلاج ذلك بأبيات ثلاثة:
سبحان من أظهر ناسوته
سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا لخلقه ظاهراً
في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه
كلحظة الحاجب بالحاجب
ويبدو جلياً أن معالجة مشكلة الخلق هنا تقتصر على خلق الإنسان، فمشكلة إيجاد الموجودات الأخرى لا تبدو شاغلة بال الحلاج –على الأقل في النصوص التي بين أيدينا –وآدم على هذه الصورة هو أول المخلوقات، وهو نفسه محمد الذي سبق اسمه القلم، وسبق وجوده كل شيء حتى العدم. هل العدم –عند الحلاج –شيء آخر غير انتفاء الوجود؟ لا يبدو الأمر كذلك ولا تعدو العبارة معنى (علم الله بالعدم)، أو أن تكون مجازاً شعرياً. إذا كانت آثار الحلاج لا تمدنا بصورة كاملة مفصلة في مبحث الوجود فإنها –لا شك –كانت ذات أثر في الصورة الناضجة لمبحث الوجود عن شيخ الإشراق، هذا إذا لم نقل مع أحد الباحثين المعاصرين بأن جميع مؤلفات السهروردي قد اتسمت بالصبغة الحلاجية، وأن فضله يقتصر على صياغة الآراء المتعددة الطعوم في بوتقة الحلاج بطريقة أكثر تعقيداً في التعبير ولكن نصوص الحلاج التي بين أيدينا لا تسمح باشتقاق أنطلوجيا السهروردي كاملة منها، فنظرية الفيض التي أقام عليها شهاب الدين مبحثه في الوجود ترصد عنده أشكال الوجود الجامدة والحية، كما ترصد الأفلاك والعناصر، أما عند الحلاج فكادت دفقة الخلق تقتصر على آدم، فهل كان آدم هو العقل الأول الذي فاضت عنه الموجودات؟.يقيم السهروردي نظريته في الوجود على قسمة منطقية للموجودات، فهناك الموجود الواجب أو اللازم الوجود، والموجود الممتنع أو المستحيل الوجود، وأخيراً الموجود الذي ليس بواجب ولا ممتنع وهو الموجود الممكن فإذا انتبهنا إلى أن الموجود الممتنع هو لا موجود –أي عدم –كانت الموجودات على نوعين: واجبة وممكنة.واجب الوجود (الله) يفيض ثلاثة عوالم هي: عالم العقول، وعالم النفوس، وعالم الأجسام؛ يشمل الأول الأنوار القاهرة، ويشمل الثاني النفوس المدبرة للأفلاك السماوية وللأجسام الإنسانية، والثالث هو عالم الأجسام العنصرية، أي أجسام ما تحت فلك القمر، والأجسام الأثيرية، أي أجسام الأفلاك السماوية ويضيف السهروردي إلى هذه العوالم الثلاثة في (حكمة الإشراق) عالم المثل المعلقة وهو العالم المدرَك بالمخيلة، وهو بين العالم الحسي والعالم العقلي، لأنه يحوي الصورة ولا يحوي المادة.إن العالم الإشراقي للسهروردي هو – بحق –هاجس أنطلوجي بالدرجة الأولى كما لاحظ ذلك الدكتور حسين مروة، ويأتي حل مشكلة المعرفة عنده من خلال البناء الأنطلوجي ذاته. فاتجاه الفيض النازل الذي يقوم بفعل الإيجاد أو الخلق، يقابله الاتجاه الصاعد، وهو اتجاه المشاهدة أو المعرفة أي أن النور كما يحقق الوجود يحقق لهذا الوجود أن يدرك ذاته بوصفه نتاجاً لهذا النور، فيكون الوجود في المحصلة نوراً يدرك ذاته، والسهروردي لا يقول بوجود الظلمة على مذهب الزرادشتية والمانوية، فالظلام ليس إلا العدم، أو عدم النور.


عن جريدة البيّنة الجديدة.


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow