الإسماعيليون ... تحدي التغيير والاستمرارية والعلنيّة! / هشام منوّر
2015-02-02
تعد الطائفة الإسماعيلية الجماعة الشيعية الرئيسية الثانية بعد الاثني عشرية، ويمتد وجودها اليوم إلى أكثر من 25 دولة، ويُقدّر أتباعها بنحو اثني عشر مليون معتنق، يوجد معظمهم في آسيا الوسطى وجنوب آسيا وإيران والصين، وشرق أفريقيا (كينيا وزنجبار) وسورية واليمن، ولهم وجود في أوروبا والقارة الأميركية.
يعترف معظم الإسماعيليين بكريم الآغا خان إماماً لهم، وهو الآغا خان الرابع، والإمام التاسع والأربعين حسب سلسلة الأئمة التي يتبعها الإسماعيليون، وهناك أيضاً الإسماعيليون الطيبيون والذين يتبعون سلاسل مختلفة من الأئمة والدعاة ذوي السلطة المطلقة، وقد استقل الدروز بأنفسهم، وصاروا جماعة مستقلة منذ فترة مبكرة بعد وفاة الحاكم بأمر الله في القرن الحادي عشر الميلادي.
يحاول كتاب (تاريخ الإسماعيليين الحديث: الاستمرارية والتغيير لجماعة مسلمة) تقديم دراسة مسحية للوجود الإسماعيلي وتاريخهم الحديث منذ منتصف القرن التاسع عشر، ويرصد تطوراتهم وتحولاتهم ومدى تأثيرهم في مناطق وجودهم، ويتساءل عن التحديات التي تواجههم في ظل منافسة الشيعة الجعفرية الاثني عشرية لهم على الصعيد المذهبي، ومجاورتهم للمكون السنّي الذي يمثل غالبية الأمة الإسلامية.
ويندرج الكتاب في إطار الدراسات الإسماعيلية التي بدأت منذ منتصف القرن العشرين بالخروج من إطار هيمنة الخرافة والتشويه والغموض والسرية والمصادر التي جُمعت من قبل منتقصي الإسماعيلية. ويغطي فترة لم تلقَ نصيباً كافياً من الدراسة والاهتمام في تاريخ الإسماعيلية، ويتميز الكتاب بأن معظم فصوله كتبها باحثون إسماعيليون درسوا في جامعات غربية مهمة، ويتقنون اللغات الرئيسية التي ينطق بها الإسماعيليون، مثل: الفارسية والعربية والأوردو.
يشير الكتاب في أحد فصوله عن الإسماعيليين في سورية، إلى أن حياة الإسماعيليين السوريين في التاريخ الحديث تغيرت بهجرتهم من الجبال المطلة على شرق المتوسط إلى السهول الداخلية في منتصف القرن التاسع عشر بعد سلسلة من الصراعات الطويلة مع العلويين، ثم باعترافهم بالآغا خان الثالث إماماً لهم، وهم اليوم يمثلون واحداً في المئة من السكان في سورية، ويتركزون في مدينة السلمية بريف حماة. وقد اندمج الإسماعيليون في برامج التحديث والتعليم في سورية، وصاروا الأكثر علمانية في المجتمع السوري، وكان ذلك منسجماً مع توجهات الآغا خان الثالث، وفي ظل الآغا خان الرابع أُعيد تنظيم الجماعة الإسماعيلية حسب الدستور الإسماعيلي (1986)؛ حيث أصبح هناك مجلس وطني وهيئة للطريقة والثقافة الدينية الإسماعيلية.
أحاطت بالطائفة الإسماعيلية بيئة معقدة من الصراعات السياسية جعلتها جماعة غامضة، وأظهرتها أفكارها ومبادئها لدى كثير من السنة والشيعة كجماعة هرطقة وباطنية. وقد مرت الإسماعيلية على مدى تاريخها بأحداث وتحولات كبرى أثّرت في مسارها الفكري وبنيتها الاجتماعية وعملها الدعوي والسياسي.
لكن نجاح الإسماعيلية في دخول مرحلة من الوضوح جعلها تبدو كجماعة شيعية لا تختلف عن المسلمين السنة والشيعة اختلافاً جوهرياً، وقد تأثرت مثل جميع المسلمين بالمؤثرات الصوفية والفلسفية السائدة، كما أن الصراعات السياسية فرضت عليها سلوكاً سرياً معقداً في معظم فترات تاريخها، وإن استطاعت أن تقيم دولاً مهمة في التاريخ الإسلامي مثل الدولة الفاطمية والحمدانية والساسانية، أو أن يكون لها حضور سياسي وعسكري قوي مثل قلاع آلموت وأخواتها المنتشرة في آسيا والتي كانت مراكز علمية وسياسية ودفاعية، وكان لهم حضور سياسي قوي في إيران على مدى قرون عدة، ثم انتقل تأثيرهم إلى الهند، ومنذ انتقال الإمام الآغا خان إلى الهند وهم يؤدون دوراً سياسياً واجتماعياً كبيراً في الهند وباكستان وفي العالم؛ إذ ينتمي إلى الإسماعيلية الرئيس المؤسس لباكستان؛ محمد علي جناح، وعدد كبير من العلماء المشهورين في التاريخ الإسلامي، مثل: ناصر خسرو، وابن سينا، والفارابي، والرازي، وإخوان الصفا، والسجستاني، وابن العربي، وابن الفارض، والطوسي.
إن استمرار هذه الطائفة حتى اليوم وقدرتها على التأقلم في محيطها السني والشيعي المتلاطم يمثل إنجازاً في حد ذاته، ونتاج دولها وحضارتها المتنوعة، وقدرتها اليوم على الانتشار في دول كالهند وباكستان، يمنحها فرصة لتقديم نفسها إلى المسلمين والعالم، بوصفهم أصحاب فكر وفلسفة معينة، ولا يقدمهم على انهم مجموعة من الهراطقة المنبوذين، بسبب ما نقل عنهم من أخبار وروايات غير موثقة او مصادق عليها من قبل مصادرهم.
عن جريدة الحياة.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |