الإبداع وعلاقته بالتحليل النفسي / سلطان الحويطي
2015-02-08
بين الجنون والإبداع شعره والمبدع الحقيقي يعيش في هذه المساحة الضيقة. بين الجمود والحراك. ويدفع ضريبة هذا الإبداع بأن يعيش حياه غرائبية على الأقل في نظر الآخرين، أما بالنسبة له فأنه يشعر انه أسمى من الحياة فيغادرها في اقرب وقت ولكن المفارقة انه رغم ذلك يعيش في كل ألازمنه التي تلي زمنه !! .
وقد ألمحت الكاتبة البريطانية ” دوريس ليسنج ” إلي نقطه مهمة في مقدمه كتابها “مذكرات الجارة الطيبة” حيث أنها قالت جمله مربكة ومخيفه في نفس الوقت “كل شخصياتنا هي بداخلنا في مكان آخر ” فهي تقول بشكل آخر أن هناك شخصيات تسكن المبدع غير شخصيته!! أليس أمرا مرعبا إذا أن تجتمع شخصيات العمل الإبداعي داخل المبدع وما حجم الصراع الذي ستحدثه هذه الشخصيات في داخله .
ولعلي أذكر هنا نقاش دار بيني وبين الروائي والمبدع الكبير “اشرف الخمايسي “حول هذه النقطة”علاقة المرض النفسي بالإبداع” والذي رفض فكره أن يكون المبدع مريضا نفسيا ويرى أن المبدع والمضطرب نفسياً يشتركان في المعاناة في الصغر أي أن أسلوب التربية هي من يصنع المبدع وكذلك يصنع المريض النفسي . وربما يكون هذا جزء من الحقيقة وليس كلها .
وهذا الرأي يشبه رأي الكاتب الفرنسي “أندريه موروا” إلي حد كبير فقد وجه له سؤال: هل كل الروائيون مجانين أو عصابيون ؟ فأجاب :”لا الأصح أن نقول عنهم أنهم سيصيرون عصابيين لولا أنهم أصبحوا روائيين !! .
ويبدوا أن” أفلاطون” هو أول من انتبه إلي هذه النقطة حيث يقول ” العباقرة يغضبون بسرعة ويخرجون عن طورهم ” في أشارة منه إلي اضطراب نفسيتهم, وهو بالمناسبة نصح سكان أثينا بعدم تقليده في أي عمل يقدم عليه !!.
وعندما أتى علم النفس بشكله الحديث اثبت هذه العلاقة بين المرض النفسي والإبداع يقول الطبيب النفسي “ايسكيورول” بأن الشخصيات الكبرى في التاريخ هي شخصيات “مرضية” .
فنيتشه “هذا العبقري انتهى به المطاف ليعيش آخر إحدى عشر عاماً من حياته مجنوناً بشكل مطلق . أما الرسام الفرنسي “فان جوخ” فأنه أقدم على عمل غريب جداً ألا وهو قطع أذنه ثم الانتحار.
وكذلك الروائي “أرنست هيمنغواي ” الحائز على جائزة نوبل للآداب كان من ضحايا الاكتئاب وانتهى به المطاف منتحراً بطلقة رصاص من بندقيته , والفيلسوف العربي ” أبو حيان التوحيدي” قام بحرق كتبه وتردد انه مات منتحراً
أما الكاتبة الامريكيه “فيرجينا وولف” كانت طريقه انتحارها رقيقه فقد ارتدت معطفا و ملأته بالحجارة ورمت بنفسها في النهر وربما رسالتها التي تركتها لزوجها تعطينا خيطاً لفهم ولو شي بسيط مما دعاها للانتحار فهي تقول أنها باتت تسمع أصوات تتحدث اليها ولا تعرف مصدرها وربما هذه الأصوات تأتي من تراكم الشخصيات بداخلها , فقد جعلتها غير قادرة على تحمل الحياة وأضحى عقلها يرفض فكرة الحياة من الأساس !!
والغريب في الأمر أن الشاعر الفرنسي “جيرار دو نيرفال” ذكر أيضا انه يسمع أصوات آتيه من العالم الآخر . وقد سبقهم “سقراط “في ذكر هذه الأصوات التي يسمعها فتصيبه بلوثة في عقله!!. ويبدوا أن الكثير من المبدعين يمر بمرحله سماع الأصوات هذه قبل عمليه الانتحار فما مصدر هذه الأصوات!!
وهناك الكثير من العباقرة انتهى بهم المطاف في المصحات النفسية ونذكر على سبيل المثال الروائية جيه كي رولينج , وتشارلز ديكنز الذي يدخل على زملائه من نوافذ منازلهم بحجه مفاجئتهم, و وليم شكسبير وبلزاك وفيكتور هوجو والشاعر حمد الحجي والكثير الكثير .
ويقول الكاتب والطبيب النفسي الفرنسي” فيليب برينو” في كتابه “العبقرية والجنون في الرسم والموسيقى والأدب ” إن معظم العباقرة يعانون من اضطرابات نفسية حادة وأحيان ينتقلون من النقيض إلي النقيض فيرتفعون إلي أعلى عليين وأحيان يغطسون في نوع من الإعياء العصبي والاكتئاب النفسي الذي لا تفسير له .
ويرى ” أن الاكتئاب النفسي صفه مرافقة لجميع المبدعين الكبار فالإنسان الذي لا يعاني من أي عقدة نفسيه أو من أي جرح داخلي ليس بحاجة لان يكون كاتبا أوعبقريا .
ويدلل على ذلك بعده أمثلة : بأن “نابليون “كان قصيرا أكثر من اللازم وهذه العقدة جعلته يريد التعويض بانتصاراته المشهودة والمشهورة, وكذلك بالنسبة” لبروست” فكان صحته هشة فعوض عنها بالكتابة . ولعلنا لا نستغرب من نبوغ أصحاب العاهات “كالمعري” و “بتهوفن” و “طه حسين” وغيرهم فالعقدة أعطتهم دافعيه كبيره للإبداع .
ونستنتج من خلال التجارب التي مر بها المبدعون أن العلاقة بين الإبداع والجنون علاقة معقده جدا
ويشرح لنا أرسطو طاليس موقع المبدع من الجنون حيث يقول ” أن أجمل الأشياء هي التي يقترحها الجنون ويكتبها العقل , وينبغي التقوقع بينهما بالقرب من الجنون حيث نحلم وبالقرب من العقل حيث نكتب ” . ولكن الكثير من المبدعين يقترب من الجنون بالقدر الذي يجعله لا يستطيع العودة للعقل مجددا فينتهي به المطاف أما منتحرا أو متشردا .
أن المبدع يعيش تجليات الجنون فمن العبث أن نطلب منه أن يتصرف بشكل طبيعي وان يبدع بعيدا عن غرائبيته. والأمر الغير طبيعي أبدا هو أن يتصرف المبدع بشكل طبيعي.
عن مجلة أدب وفن.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |