سلاح ضد التمييز والعنصرية والتطرف / محمد الحمامصي
2015-02-16
يعالج كتاب «الأدب ومقاومة الطغيان: نماذج من الأدب العربي والعالمي»، للناقد والروائي حسين عيد، واحداً من الموضوعات المهمة للغاية بل والجديدة في النقد العربي والعالمي المعاصر، وهو كيف تجلت إشكالية الطغيان بالمفهوم الفلسفي والسياسي الواسع للمصطلح في المشهد السردي العالمي المعاصر..
كما يحاول الكاتب أن يجيب عن سؤال: كيف استطاع الأدب في شكله السردي أن يقاوم بمجازاته السردية الخلاقة حواجز الطغيان بأشكاله الكثيرة، من نظام شمولي أو نظام عسكري أو أو نظام حربي أو نظام اعتقالي أو نظام مجتمعي.. إلى آخر صور الطغيان والتسلط.
واستطاع المؤلف عبر رؤية دقيقة وجادة، أن يقدم رؤية نقدية لأشكال مقاومة الطغيان في المشهد الروائي العالمي، بما يفتح أبوابا جديدة للمشهد السردي العربي رؤية وأسلوبا، وأبان المؤلف أن«ليس هناك ما يحمي الانسان ضد غبار التحيّز والعنصرية والطائفية الدينية أو السياسية والقومية الحصرية، سوى الحقيقة التي تظهر دائما في الأدب العظيم: فالرجال والنساء من جميع الأمم والأماكن متساوون في الأساس، وما يزرع الظلم بينهم فقط هو التمييز والخوف والاستغلال».
بدأ المؤلف كتابه بمقولة الروائي ماريو فارغاس يوسا من مقال له بعنوان «لماذا الأدب»: «ليس هناك ما يحمي الانسان ضد غبار التحيّز، والعنصرية، والطائفية الدينية أو السياسية، والقومية الحصرية، سوى الحقيقة التي تظهر دائما في الأدب العظيم: انّ الرجال والنساء من جميع الأمم والأماكن متساوون في الأساس، وما يزرع الظلم بينهم فقط هو التمييز والخوف والاستغلال».
وأضاف المؤلف: على الجانب المقابل يقف الأدب بالمرصاد، فهو على خلاف دائم مع الدكتاتوريات، أيّا كان شكلها ومهما كان جبروتها، فالفنان وان كان لا يمتلك سوى مخيلته الفنية فإنّه يعتمد عليها (وحدها) في مواجهة هذا الطاغوت، تارة باستخدام الرمز، مثلما فعل الأديب الليبي الكبير إبراهيم الكوني عندما جعل من «القفص» معتقلا في قصته البديعة «القفص»..
ومثلما كشف الكاتب اليمني زيد مطيع دماج عن اعتقال جنود الطاغية لأبناء المشايخ، حتى يضمن ولاءهم في روايته العذبة «الرهينة»، ومثلما فعل الكاتب العراقي يوسف الصائغ في رواية «السرداب رقم 2» حين صنع من «السرداب» معتقلاً وجعل أحداثها تقع في بلد مجهول الهوية.
ويشرح المؤلف كيف أنه أيضاً حين تفاقمت الأوضاع مع الكاتب الشيلي آريل دورفمان، فحاربته السلطات الطاغية وحظرت نشر أعماله في بلده وطاردته ممّا اضطره الى اللجوء للمنفى، فكان لا بد لمخيلته أن تجد حلا لهذا المأزق خاصة مع تفشي نفس ظروف القهر الى عديد من البلدان في مختلف أرجاء العالم، فجعل من بلد بعيد موطنا لرواية «الأرامل».
لكنه لم يجعل منها معتقلاً بل قدّم اضافة جديدة هي الناتج النهائي للاعتقال من تخلص من جثث القتلى برميها في النهر، والتي سرعان ما كانت تطفو على السطح مجتذبة أنظار «الأرامل»، اللاتي كن يطمحن فقط الى اقامة حداد ودفن جثامين أزواجهن وأولادهن وآبائهن المفقودين بما يليق بهم كبشر مسيحيين.
وأكد المؤلف أن «الأدب ظل دائما كمن يترصد خطى الطغيان متصدّيا له بالنضال والمقاومة، متفننا بالخيال الابداعي في ابتكار أشكال جديدة لم تخطر على بال أحد». وقال عن فكرة الكتاب «نبعت فكرة هذا الكتاب التطبيقي الذي يعرض 37 تنويعة نقدية لمعالجات أدبية تبنت جميعها فكر المقاومة».
وتتوزع هذه التنويعات النقدية على ثمانية فصول، الأول «ضد نظام شيوعي» حول نظم شمولية تعكس دكتاتورية طبقة تتحكّم في كلّ شيء في تلك البلدان التي تحكمها أو تحتلها، وتناول روايات «عاشق وطاغية» للألباني إسماعيل كادارية و«نقود لماريا» للروسي فالنتين راسبوتين، و«كائن لا تحتمل خفته» للتشيكي ميلان كونديرا، وغير ذلك الكثير.
وأما الثاني فهو «ضد نظام عسكري» يرصد صراع تلك النظم من أجل الحصول على السلطة والاستمرار في التمتع بخيراتها، بحيث لم تكن تتوانى عن ارتكاب شتى أنواع الجرائم ضد المواطنين، من دون أن تهتز لها شعرة، وذلك من خلال روايات عديدة، منها: «ساعي بريد نيرودا» للتشيلي آنطونيو سكارميتا، «موت فلاح إسباني» للإسباني رامون سندر.
عن جريدة البيان