Alef Logo
المرصد الصحفي
              

«اللوثرية المصرية» في صدارة المشهد الجنائزي / حمدي رزق

خاص ألف

2015-02-17

اللوثرية مذهب البروتستانتية يرجع تأسيسه إلى مارتن لوثر والذي كان راهباً أوغسطينياً حاول في القرن السادس عشر القيام بحركة إصلاحية في الكنيسة الكاثوليكية، فأدى ذلك لاصطدامه بالقيادات الكاثوليكية؛ فانفصل عنها وأسس كنائس مستقلة ذات تنظيم وإدارة جديدة عرفت بالكنائس الإنجيلية أو البروتستانتية، كانت ألمانيا والبلدان الاسكندنافية أبرز مواطن انتشارها.
يتبع هذا المذهب اليوم نحو 70 مليون مسيحي، ينتمون للكنيسة اللوثرية العالمية. وهناك علاوة على ذلك، أربعمائة مليون مسيحي بروتستانتي، يتبعون هذا المذهب بشكل جزئي في كنائسهم المختلفة في جميع أنحاء العالم.
(1)
قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي موجهًا خطابه للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، «أنت والدعاة مسؤولون أمام الله عن تجديد الخطاب الديني وتصحيح صورة الإسلام». وخاطب العلماء «. والله لأحاججكم يوم القيامة، فقد أخليت ذمتي أمام الله لأنه لا يمكن أن يكون هناك دين يتصادم مع الدنيا كلها، فالمشكلة ليست في الدين ولكن في الفكر، وهذا يتطلب دوراً كبيراً من علماء الأزهر والأوقاف».
هذا مقطع مهم مما جرى قبل أيام في احتفالية المولد النبوي الشريف، تلك الاحتفالية التي شهدت «بلورة» لمشروع الخطاب الديني المصري الجديد، ذلك المشروع الذي سبق كارثة باريس الإرهابية بشهور في الحقيقة. فالسيسي لم يقل هذا الكلام للمرة الأولى ولا الثانية، لكنه هذه المرة، قاله بصورة أوضح، دفعت المفكرين المصريين إلى القول بأنها «ثورة دينية« بالمعني الشامل للاصطلاح الديني.
عبارة السيسي، أغضبت شباب جماعة الإخوان بشدة، واستغلتها منابرهم الفضائية، وصحائفهم الإلكترونية في تكفير السيسي وإخراجه من الملة، باعتباره محرضاً على 1.7 مليار مسلم، وأنه غربي الفكر والهوى، ويستميل الغرب لمصلحته بالتحدث عن «تثوير« الدين. حديث السيسي أغضب السلفيين بعض الشيء. حك أنوفهم بشدة، لأن هذا التيار بطبيعته معادٍ لقراءة الخطاب الديني بعين العقل، لكنه أثار إعجاب تيارات شتى من النخبة المصرية. أما الناس العاديون من المصريين البسطاء، فهم عادة ما يقتنعون بما يقوله السيسي حتى وإن لم يستوعبوه جيداً. ثقة شعبية بحتة في رجل لم يخل من هذه الثقة يوماً. من هنا كان خطابه في احتفال الأزهر بالمولد النبوي صاخباً، وأخطر ما فيه من أفكار، تلك التي كانت تتنبأ من دون قصد مباشر بوقوع مثل هذه الأحداث في فرنسا.
علي أي حال، وفيما كانت القاهرة غارقة في بحر النقاش حول هذا الطرح الفكري للسيسي فيما يشبه «ثورة دينية لوثرية«، والوصف ليس من عندياتنا، أو على ذمة صحيفة مصرية حكومية من تلك التي ينظر إليها بعين الشك نفاقاً، لكنه ورد في تعليق بعنوان «لوثر العرب» علقت به صحيفة «دي فيلت» الألمانية (Die Welt) حول الدعوة الأخيرة التي أطلقها الرئيس المصري لتثوير الخطاب الديني الإسلامي، إذ مضت الصحيفة تقول: «للرئيس السيسي أجندة واضحة، الجنرال في بدلة الرئيس المدني في خطابه بمناسبة مولد النبي، والذي ألقاه في جامعة الأزهر، أعلي مؤسسة روحية ودينية للسنة، فقد جعل نفسه وبدون قصد، أهم داعم للتجديد الإسلامي العربي، وهذا يؤكد مدى شجاعة ووعي رئيس برتبة جنرال للقيام بهذه الدعوة الجبارة والمتأخرة للتجديد».
(2)
وقعت الواقعة في باريس، لتبدو القاهرة وكأنها كانت «تستطلع« الغيب. لكنه ليس الغيب بل اعتناء بالواقع. قراءة سليمة وحقيقية أدت بالدولة المصرية ممثلة بالسيسي إلى هذا الطرح شديد الوضوح. قبل ذلك الحدث الكبير، خطاب السيسي في ذكرى المولد النبوي. صدرت عنه تصريحات نبهت إلى خطورة الإرهاب إقليمياً. كان السيسي والوفد الإعلامي المرافق له في رحلة إلى الصين، وحذر السيسي من خطورة التهديدات الإرهابية التي تواجهها دول المنطقة ولاسيما في جنوب ليبيا التي لا يراها البعض بوضوح، حيث تجري هناك تدريبات لعناصر من جماعات إرهابية لا سيما حركة «بوكو حرام» وغيرها. وشدد السيسي على أنه من الضرورة بمكان أن تقوم مصر على قدميها لمواجهة هذه التهديدات.
هل كان كل هذا الطرح عشوائياً؟ بالطبع لا، فالسيسي - ابتداءً وانتهاءً لديه حس أمني مدرب منذ أن كان قائداً للاستخبارات الحربية المصرية قبل أن يصبح وزيراً للدفاع ثم رئيساً للجمهورية. إنه بهذه الخبرة الاستخباراتية، ومن دون حسابات سرية كالتي تتبعها أجهزة استخبارات الدول الغربية في تجاذباتها مع الحركات والجماعات المتطرفة. تلك الحسابات التي أوصلت هذه الدول إلى نفق مظلم مسدود، مع «داعش» وكل الدواعش.
نعم، فهذه في تلك، وتلك في هذه. تصاريف الزمان، وحكم الأيام، وقضاء الله لا راد لقضائه، لكن هذا ما جرت به المقادير، يراها الكثيرون مقادير في مصلحة القاهرة، ويراه القليلون أنها ليست في مصلحة أحد على الإطلاق.
لكن الحقائق تقول بأن القاهرة سبق لها أن أكتوت بـ»النار»، فبات نصيبها من هذه النار أقل مما ينتظر باريس، التي سقط فيها 13 قتيلاً تحت نيران الإرهاب الأسود، وهو رقم، بمقاييس القاهرة بسيط للغاية، يحدث في أسبوع عادي في شمال سيناء، حيث المعركة بين الدولة المصرية والإرهاب تدور هناك منذ أكثر من عام ونصف العام، تحديدا منذ أن نجحت ثورة حزيران / يونيو 2013 الشعبية في الإطاحة بحكم الإخوان. هكذا يحسبها الكثيرون.
وكأن كل عاصمة في هذه الدنيا بات عليها أن تكتوي بنار الإرهاب. تقف العواصم في طابور طويل، لتأخذ كل منها نصيبها الأحمر (الدموي) من الإرهاب (الأسود) لا يدري أحد نصيب كل عاصمة من موجة الإرهاب المسلح العاتية المجنونة التي تضرب العالم في شماله وجنوبه وشرقه وغربه هذه الأيام. لكن ما يدريه العقلاء أن معادلات تتغير، وأفكاراً تمحى وتتشكل أفكار أخرى محلها، وأن العالم كله الذي يقف على عتبات المخاض منذ سنوات - مخاض طبيعي عطلته تدخلات اصطناعية من كبريات الدول والقوى العالمية والإقليمية - ما ورثه من القرن العشرين، فيما يبدو، هذا التقيؤ يفسر سرعة تداعي ما يجرى على الأرض الآن.
(3)
ربما يدفع ما يحدث هذه الأيام بعضاً من هؤلاء شاردي الذهن الذين ترتطم بهم على المقهى في قلب القاهرة، في نهارها الناعس شتاء لكي يقول لك: الأهم ما بعد هذا التقيؤ، بعد أن تضع هذه «الحرب العالمية» أوزارها، كيف ستتشكل علاقات الأمم؟
إنه - هذا الافتراضي - لا يهذي، إنه يقول الصواب. لكن الواقع المعاش بات أصعب من تجاوزه ولو بالخيال، ولو لسنوات، ولو لشهور الواقع مصبوغ بحمرة الدم التي يريقها «داعش» وأخواته في شرق الأرض ومغاربها، ذلك الذي بات «عفريت» العالم كله، أو الدم الذي أُريق في باريس حيث قامت بعملها الإرهابي المروع بحق صحافيي «شارلي إيبدو» الفرنسية، الذي أودى بحياة مجلس تحرير المجلة في يوم اجتماعه الذي صادف يوم التفجير، ثم تلاحقت الحوادث الإرهابية بسرعة مجنونة.
في قلب هذا المشهد، برز مشهد أشد تكثيفاً.. مشهد له طرفان، الأول في الشمال (فرنسا) والثاني في الجنوب (مصر) مشهد الإرهاب الذي ضرب مصر منذ 18 شهراً مضت وإلى اليوم من دون توقف، وها هو ينتقل شمالاً إلى فرنسا، ومنها - وهذا ما يرجحه الخبراء الاستراتيجيون - إلى عواصم غربية أخرى، مثل مربعات الدومينو، من دون أن يغادر البقعة التي انطلق منها في الجنوب.
تذكر الفرنسيون وهم يشيعون ضحايا الإرهاب الأسود في الأسبوع الماضي نصائح القاهرة التي لم تتوقف يوماً عن الانطلاق، حذرتهم القاهرة كثيراً لكنهم لم يستمعوا إلى التحذير، ربما ظناً منهم أن الإرهاب لن ينتقل إليهم ولن يعض أيديهم، فإذا به يشب كالنيران في ملابسهم ويكاد يأكل الأخضر واليابس.
وكأن تحذيرات القاهرة، سواء في الفترة الانتقالية التي تلت ثورة يونيو / حزيران 2013 حتى نهايتها في حزيران / يونيو 2014 ثم التي تلتها في فترة رئاسة عبدالفتاح السيسي وإلى اليوم لم تلق آذاناً صاغية من باريس إلا بعد أن سمعت هذه الأذن دوي الرصاص ورأت هذه الأعين لون الدم، وسار قادة الغرب وبعض قادة الشرق أيضا في مليونية باريس الصامتة الأحد الماضي، ولسان حالهم يقول: ليتنا استمعنا جيداً لما تقوله القاهرة منذ شهور طويلة. ها هو الإرهاب يداهمنا، حتى احتاج هولاند إلى الدعوة لتظاهرة ضخمة مليونية لتفويضه بالحرب ضد الإرهاب، وكأننا في القاهرة التي شهدت أكبر المليونيات في 26 يوليو / تموز 2013، وهي المليونية التي سميت بـ»جمعة التفويض ضد الإرهاب»، تلك الجمعة التي حين انطلقت، سخر الغرب يومها من المصريين، وها هو يحذو حذوهم القاهرة في باريس، وباريس في القاهرة حقاً.
(4)
قال الكاتب الأميركي «تشارلز أورتيل» في مقال للرأي بصحيفة «واشنطن تايمز» الأميركية، السبت الماضي: «السيسي يغامر بحياته ضد معارضة دينية متطرفة داخلية وخارجية، بينما يتجمل الرئيس الأميركي أوباما هكذا ببساطة، أمام مجموعة من الحشود الحزبية الودية»، مردفًا بالقول: «إن الزعيم المصري بدأ في الآونة الأخيرة مسعى لتجديد الخطاب الديني«. وأضاف أن أكبر قصة لم تتم تغطيتها بشكل يليق بها في وسائل الإعلام الرئيسية، تدور الآن في مصر، حيث يهاجم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأسباب الجذرية للصراع المستمر بين فصائل معينة في الإسلام والعلمانيين المحبين للحرية، وذلك في تحدٍ للرئيس الأميركي باراك أوباما ومنتقدين شرسين آخرين.
وأوضح الكاتب أن الرئيس السيسي الذي يعيش في بلد مكون من 87 مليون نسمة -90 في المئة منهم من المسلمين- يدرك جيدًا أن جماعة الإخوان ليست منظمة علمانية، أو قوة تعمل للمصلحة العامة، ولهذا تحتجز حكومته أعضاء تلك المنظمة في السجن، حيث يواجه معظمهم أحكام الإعدام، بما في ذلك الرئيس الأسبق محمد مرسي. وقال الكاتب: حتى ندرك ما يواجهه السيسي الآن، علينا الاطلاع على النسخة الإنكليزية للموقع الذي لا يزال يعمل لجماعة الإخوان.
ووصف أورتيل خطاب السيسي للسلطات الدينية في جامعة الأزهر في القاهرة في الأول من الشهر الجاري بأنه تطور مذهل «يجب قراءته» ولا بد من مشاركته ونشره، والذي بدأ الآن يحصل على الاهتمام الشديد الذي يليق به. ورصد الكاتب ما حدث يوم الأربعاء الماضي عندما قام السيسي بالظهور العلني في قداس عيد الميلاد في القاهرة واصفًا الزيارة بـ «التاريخية» الأولى في تاريخ مصر الحديث. وقال الكاتب: في هذه الأثناء لا يستطيع رئيسنا (أوباما) وفريق سياسته الخارجية أن يفهموا أن الجهاد الإسلامي الراديكالي هو ممارسة يجب أن ترفض بالكامل ومن ثم نزعها وحذفها من المعجم الحديث.
كان لمقال أورتيل وخصوصاً لكونه منشوراً في «الواشنطن تايمز» إحدى أبرز الصحف الأميركية وأوسعها تأثيراً، وقع خاص. جاء المقال بعد حادث فرنسا مباشرة، بعد أن سالت دماء الصحافيين الفرنسيين في «شارلي إيبدو» بأربع وعشرين ساعة فقط، قبل الجنازة الرسمية الدولية المهيبة التي نظمتها الدولة الفرنسية لتشييع جثامين القتلى الأبرياء. من هنا أصبح المقال مثل اعتراف صريح بأن الغرب كان مخطئاً حين ناصب مصر العداء مع اندلاع ثورة يونيو / حزيران 2013، وهاهم هذه الأيام يتناقلون خطاب السيسي في الأزهر ويتداولونه في منابر إعلامية غربية متعددة، في فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة. كان مقال أورتيل رد الفعل الأبرز حول ما جرى على خارطة المتوسط وبين ضفتيه.. الشمالية حيث فرنسا والجنوبية حيث مصر التي بادرت إلى إرسال وزير خارجيتها سامح شكري إلي الجنازة العالمية يوم الأحد الماضي، في باريس.
(5)
لم يقتصر الفعل ورد الفعل بين القاهرة وباريس هذه الأيام على هذا فقط، بل إن رد فعل الكتاب والمثقفين المصريين كان لافتاً بالفعل تمثل في وقفة نقابة الصحافيين التي اجتمع فيها المئات تضامناً مع زملائهم قتلى «شارلي إيبدو» وبصرف النظر عما نشر في هذه الصحيفة، رأى الصحافيون المصريون أن الرد على أي إساءة للنبي، لا تكون بسفك الدماء والوحشية، فهذا بالأساس مما نهى عنه الرسول، فكيف نستعين بما نهى عنه للدفاع عنه؟ كانت ثمة طرق أخرى متنوعة ورادعة للرد على إساءات هذه الصحيفة.
وقفت في اليوم المشار إليه أمام النقابة بوسط القاهرة، رموز مهنية عدة منها النقيب ضياء رشوان إضافة إلى أعضاء مجلس النقابة المنتخبين وعشرات من زملائهم، فضلاً عن مقالات ملأت الصحف القومية والحزبية والخاصة سواء بسواء عن هذه المأساة، تنبذ معظمها موقف الصحيفة، وتنبذ بالطبع موقف الإرهابيين.
كان ثمة طريق ثالث لم يره الطرفان حول رأي الصحافيين المصريين، إذ سخر فيسبوكيون من وقفة «السلالم« الصحافية، باعتبارها نفاقاً للغرب، وشدد المنتقدون على أن هذه الوقفة غابت عن شلال الدم الذي يسيل في سيناء، وتعاظمت صفحات الرفض مع اختطاف الضابط المصري بأمن الموانئ أحمد الدسوقي ومقتله بالرصاص على أيدي خاطفيه، وروج الفيسبوكيون صورة الشهيد على بروفايلاتهم، مع إطلاق شعار «أنا أحمد» على غرار «أنا أحمد» الفرنسي من أصل مغربي الذي اغتاله إرهابيو «شارلي إيبدو» على الرصيف عندما كان يحمي الصحيفة. قال قائل منهم: لماذا تقفون حداداً على شارلي الفرنسي وتنسون أحمد المصري. وامتلأ «الفيس بوك» و»تويتر» وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي بالعراك بين مصريين ضد ما حصل ومصريين آخرين يرون في ما حصل رداً مناسباً ضد الاعتداء الفرنسي.
نعم هكذا تمت تغذية الصراع في جنبات الرأي العام المصري بهذا الانقسام، برغم أن ما وقع لم يقع إلا في الطرف الآخر من المتوسط حيث فرنسا. ألم نقل آنفاً إن باريس في القاهرة وإن القاهرة في باريس، حتى إشعار آخر؟
عن ملحق نوافذ
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow