Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

وجوه (٣)/ قصة إيلسا مارستون ترجمة:

خاص ألف

2015-03-01

بعد درس الحمص، قادت الولدين إلى غرفة المعيشة، و أحضرت لهما زبدية من العنب و التين، و اعتنت بهما حتى وصلا إلى دور الواجب المنزلي. و حتى بعد أن عادت إلى المطبخ، شعر سهيل أن عيونا لا تزال تراقبه. نظر إلى الأعلى. و شاهد صورا على الجدران. الصور المسيحية. يسوع الرسول و مريم والدته و بعض القديسين. كلها تنظر بصبر للأسفل باتجاه الولدين.

كان سهيل يعلم من المفترض على القديسين أن تكون لهم مسحة نورانية، و لكن في عينيه ظهروا متعبين. مثل أمه. و شرد ذهنه بسبب مسائل الرياضيات. و فكر: عائلة رئيف تبدو مثل ناس سعداء. لماذا هم بحاجة لمثل هذه الصور الكئيبة في غرفة الجلوس؟. هل تتحسن حالتك لو لديك صور المسيح تنظر نحوك بألم مبرح، و كأنك أخفقت في مسألة مصير؟. ربما فشلت بشيء. و ربما لو كنت شخصا في ظرف أفضل سيواصل بابا حياته معنا بانتظام.

و لكنه يعلم أن الحال ليس كذلك. عيسى و محمد و كل الأنبياء منذ عهد آدم لن يؤخروا و لن يقدموا فيما يخص لقاء الوالد مع هدى. و أطلق سهيل تنهيدة عفوية.

رفع رئيف عينيه عن الورقة و قال:" ماذا؟ هل هذه المسائل السخيفة صعبة عليك؟".

" كلا، اصمت". و ركز على عمله مجددا، و انتهى سهيل من مسألته بحرص. لم يكن يريد أن يخلق للمسيح و لا لأمه و لا حتى لمعلمه سببا إضافيا يخيب به ظنه. أضف لذلك، كان يأمل بالعودة في وقت لاحق إلى بيت رئيف، لأن والدة رئيف كانت لطيفة و قدمت له الكعك المحلى. و تمنى لو يضيء وجهها دائما بهذا المرح.

طوال الأسبوع وفر سهيل النقود. ليس من السهل، أن لا تكون قادرا على شراء الشيبس و الحلوى حينما يكون هذا متاحا لغيرك. و لكن في نفس الوقت، منحه الاحتفاظ بخطة في الذهن مشاعر طيبة. و ليومين متتاليين قلق سهيل لأن رئيف قد يخبر الأولاد الآخرين عن خطته، و لكن لم يسمع شيئا من أحد. لا شك أن رئيف احتفظ بوعده.

و بعد المدرسة في أيام الجمعة ركب باصا مختلفا، و ذهب للسوق المكشوف. كان الوقت متأخرا للتسوق، و لكن لا يزال لدى بعض الباعة المتجولين خضراوات جيدة. اشترى سهيل الخس، و البقدونس، و البندورة، و البصل، و حاول أن يبدو كما لو أنه يعرف طريقه هنا. و ثبت في ذهنه: لم يكن التسوق صعبا. و لربما يعيد الكرة لاحقا.

و حينما اجتاز صفوف الباعة و أصبح وراءهم، بحثا عن تفاح جيد، لاحظ امرأتين تغطيهما الثياب السود من قمة الرأس لأخمص القدم. و توقف ليأخذ نظرة. و كان قد رأى امرأة من هذا النوع قبل الآن، و لكن توجد عدة نساء غير متعصبات هكذا. و فكر من الغباء أن ترى قطعة من القماش الأسود مكان الوجه. و في النهاية، الله هو الذي خلق الوجوه، و كل شيء خلقه الله يتمتع بالكمال و الخير. فلماذا نغطي الوجه كأنه عار؟. هذه تبدو طريقة غريبة نشكر بها الله على منته. أم أن هذا النوع من النسوة لديهن ما يخفينه؟

أمي لا تخفي نفسها و تواجه العالم، مهما كانت متوعكة و مشاعرها متألمة؟

و أعاده هذا السؤال إلى مشاغله. أمه- ماذا لو عادت إلى البيت باكرا؟

عليه أن ينتهي من التسوق، و يسرع للبيت، و يبدأ بتحضير الطعام!.

و ما أن وصل سهيل إلى الشقة، ألقى الكتب على الطاولة و شمر عن ساعد الجد.

و من حسن الحظ، تذكر في الليلة الماضية، أن ينقع الحمص الجاف. كان الطبق لا يزال مخبأ تحت السرير. على أية حال، تحضير الحمص مشكلة أخرى. بلمح البصر، كان الماء يغلي. و مع أن الماء بدأ يغلي مرات و مرات، لم يصبح طريا لحد كاف. و في النهاية، تعب من الانتظار، فصب الماء الحار و بدأ بالعمل و أضاف له عجينة البطاطا. و في نفس الوقت، ليسرع الأمور ملأ مقلاة بالماء، و أضاف لها السباغيتي، و وضعها على الموقد.

لم يكن من السهل طحن حبات الحمص القاسية تلك. و ثارت أعصاب سهيل، و كلما ضغط عليها كلما زاد توتره. لماذا يجب أن أفعل ذلك. هل لأسعد والدتي؟. لماذا يسرق غيري سعادتها؟. هذا خطأهم. دق. دق.دق!. تلقى هذه الضربة، و هذه، و هذه يا بابا. هذا سيسرق الابتسامة من وجهك يا سيدة هدى!. طوب.

و لفت انتباهه صوت احتراق. كانت السباغيتي تغلي و تفيض مع أن الغطاء محكم على القدر. لقد نسيها، لأنه كان مشغولا بطحن الحمص. لا وقت لديه للحمص. و أضاف كمية من معجون السمسم. و بعض زيت الزيتون و عصير الليمون. و عدة أسنان من الثوم كان قد فرمها. و لم يعد الحمص يبدو مثل الحمص الذي شاهده سهيل في حياته. كان كريها. و لكن مذاقه ليس سيئا جدا. لو أنك لا تبغض الثوم.

و الآن عليه أن يهتم بالسباغيتي. إنها تبدو جاهزة... و لكن ربما مسلوقة أكثر من اللزوم. و حينما صبها بشوكة كبيرة، ذكرته الخيوط السميكة بأعشاب الماء التي تعيش في الأنهار التي تمر من دمشق. مثل أشياء حية تسربت من بين يديه، و انهارت هنا و هناك. و في النهاية صب معظم السباغيتي و تركها في طبق عميق. و أضاف لها مطحون الجبنة و البقدونس المفروم ليزيد من النكهة. و غض الطرف عن شكل الوجبة.

و لحسن الحظ، لم تكن النتيجة مخزية مع السلطة. غسل كل شيء، و هكذا أغرق أرض المطبخ بالبلل. و لدى انتهاء السلطة، بدأ سهيل بتنشيف الماء و بعض الجبنة المتناثرة. و لدى النظر إلى الساعة، قفز من القلق. لم يعد لديه وقت!. عليه أن يترك القدور و الملاعق و الزجاجات حيث هي في مكانها. و إلقاء كل أوراق الخس الميتة في النفايات.

و الطاولة!. سحب سهيل سكينة و شوكة و بعض الصحون. و تدبر أمر توزيعهم على الطاولة بينما أمه تضع المفتاح في الباب. و في تلك اللحظة الأخيرة. انتقل إلى المطبخ و تخلص من المريول الذي عقده حول رقبته. و ألقاه على الرف. أغلق باب المطبخ وراءه، و وقف عند المدخل. و استطاع أن يغتصب ابتسامة، و تمنى أن تكون طبيعية.

سالته أمه و هي تدلف:" لماذا تقف هنا يا سهيل؟، و ما هي تلك الرائحة؟".

" لا شيء، كل الأمور على ما يرام".

كانت تحمل كيسا من البلاستيك يمتلئ بالخضروات. و انكب سهيل عليه فقالت:" لا تتصرف يا سهيل كالأغبياء".

قالت له:" اسمح لي أن أحمله إلى المطبخ فهو ثقيل".

" كلا، كلا. سأودعه المطبخ بنفسي. لا يجب عليك أن تشغلي نفسك به". و قبض على الخضار، و فتح باب المطبخ فقط بما يسمح لينزلق منه، و بعد دقيقة انضم لوالدته.

بدت متحسسة و قلقة. و قالت:" ما هو الخطب يا سهيل؟ماذا يجري في المطبخ؟".

" لا شيء. أخبرتك كل شيء على ما يرام".

" هيا يا بني. أنا متعبة من السخافات".

: حسنا. حسنا. يا ماما. الليلة ليس عليك أن تهيئي العشاء. . لقد جهزته. كل شيء".

: آه يا إلهي. من الأفضل أن أشاهد ماذا فعلت؟".

" كلا. هذا لا بأس! لكن ليس من المفروض أن تبذلي أي جهد".

" آه يا إلهي" . و تنهدت ثانية و توجهت لتجلس على كرسي في غرفة الجلوس.

كانت قدماها تؤلمانها و هي بحاجة للراحة. هذا واضح. و لكن الطعام جاهز. كانت السباغيتي باردة تقريبا و بدأت تبدو مثل أشرطة خضر بلاستيكية باردة. و جر سهيل يد أمه و سحبها إلى طاولة غرفة الطعام. و قال:" يمكنك أن ترتاحي بعد الغداء. و لكن علينا أن نتناول الطعام الآن".

يتبع.....































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow