المغول في التاريخ الإسلامي / شمس الدين الكيلاني
خاص ألف
2015-03-10
على رغم الخراب المدمّر الذي أورثه الغزو المغولي: حملات (جنكيز خان) في دولة خوارزمشاه (1220 - 1221)، حملات (باتو) في الغرب والقرن (1231 - 1241)، و (هولاكو) على بغداد (1258)، أسر الإسلام، بالنهاية، الغالب. حاول الصليبيون جذب المغول، بل والتحالف معهم، ضد الإسلام، لكنهم أخفقوا.
زار ممثل البابا (أنوسنت الرابع) الفرنسيسكاني (جيوفاني دي كاربيني) قراقورم عاصمة المغول عام (1245 - 1247)، وزارها أيضاً (1253 - 1255) ممثل لويس التاسع ملك فرنسا و «كانت الفكرة من هاتين البعثتين احتمال قيام تحالف مغولي - أوروبي مع إمكان اعتناق المغول المسيحية، لكن لم يكن لهذه المحاولات نتائج في أي من القضيتين، وفي النهاية اعتنق المغول الإسلام». ولم تُثمر أيضاً رحلة ماركو بولو الأكثر شهرة (1275 - 1292) عند قوبلاي خان.
غمرت الموجة المغولية بلاد الإسلام في القرن الثالث عشر، وما انحسرت حتى تركت وراءها الدمار والخواء في كل مكان، مزيلة معالم المدنية الإسلامية، ومدنها الزاخرة، وزادت الظواهر والميول التي أبرزها الغزو الصليبي قوة: تراجع الحياة المدنية، وغلبة البداوة على الحضر، والتفكك. ودفعت باتجاه اختلاطات سكانية هائلة. وكانت إحدى نتائج الهجرات التركية - المغولية، انقسام الأقطار الإسلامية إلى مناطق لغوية عربية وفارسية وتركية منفصلة، وإن بقيت اللغة العربية لغة الثقافة للمسلمين عموماً.
على رغم كل النتائج السلبية لغزوات المغول، إلّا أنه يمكن القول، تماشياً مع رأي توينبي، إن مجيء المغول أضاف عناصر إضافية للقوى السياسية والعسكرية للإسلام، وإن لعب على صعيد الثقافة والمدنية دور إضعافه.
أحفاد جنكيزخان في الدول الثلاث التي تفرعت من بيته اعتنقوا الإسلام: القبيلة الذهبية في النصف الغربي من السهوب الأوراسية عام 1313، والإيلخانيون في إيران والعراق عام 1295، و (التشاغانيون) في ما وراء النهر عام 1326.
امتص العالم العربي - الإسلامي الصدمة، فما إن دنا آخر القرن 13 حتى تغيرت الحال وأصبح عزيز الجانب. بعد نصف قرن من الدمار المروع الذي أحدثه المغول في بغداد، كرّس خلفاء هولاكو وقتهم لإحياء معالم الثقافة الإسلامية. اعتلاء غازان العرش (1295) في تبريز نقطة فاصلة في تاريخ الدولة المغولية (الإيلخانية)، لأنه حالما اعتلى العرش أعلن اعتناقه الديانة الإسلامية رسمياً.
فضلاً عمّا تم إنجازه منذ العهد الأموي، من تقدم في حوض السند الأدنى، وضم الملتان إلى الإسلام، وتقدم محمود الغزنوي حتى لاهور، أضاف الغوريون إلى هذا التمدد فتح ما تبقى من شمال الهند، وأسسوا في القرن الثالث عشر سلطة دلهي (1206 - 1555).
وضع الغزو المغولي، بقيادة باتو حداً للتوسع الروسي جنوباً أو في الاتجاه الجنوبي - الشرقي. وفرضوا سلطتهم على الإمارات الروسية، فأظهر أمراء موسكو من الطاعة والولاء إلى الدرجة التي اعتمدهم فيها خانات الفولغا كجباة للضرائب والجزية على إمارات روسيا.
وطوّر هؤلاء الخانات علاقاتهم مع مصر، ثم توطدت هيمنة الثقافة الإسلامية على الشعوب المغولية على ضفاف الفولغا وتحول المغول إلى الإسلام بطريقة سلمية. وظل الإسلام يتقدم من طريق الاتصالات السلمية: التجارة وتأثير الطرق الصوفية. كما أن العرب، على رغم خسارتهم السلطة السياسية، ظلوا ينشرون الإسلام في آسيا: إندونيسيا وسنغافورة وغيرهما، وفي أفريقيا حصيلة قوافلهم التجارية، ودور أصحاب الطرق الصوفية، والدعاة الدينية.
فقط، على جبهة الأندلس، ومنذ القرن الثالث عشر، بدأ يتآكل الوجود العربي تدريجاً. أما في قلب العالم الإسلامي، في مصر والشام والحجاز، فقد ورث المماليك سلطة الأيوبيين نحو مئتين وسبعين سنة من 1250 لغاية 1517. ومع أنهم كانوا أقل ثقافة، إلّا أنهم سيتركون المجتمع الأهلي يعبر عن نفسه ثقافياً، استمراراً لجدل العلاقة بين الجماعة والسلطان التي تميّز التجربة العربية - الإسلامية.
ولأن الظاهر بيبرس، أول المماليك العظام، كان حريصاً على اكتساب الشرعية المرجوة، فإنه أعاد تجديد بناء الخلافة العباسية التي ضاعت بدمار بغداد. فاستقدم عم المستعصم، آخر خلفاء بني العباس وابن الخليـــفة الظــاهر، ونصبه خليفة في القاهرة متخذاً له لقب المستنصر الذي تسلَّم وثائق التسليم من حكام الهند والسلطــان بـــايـــزيـــد سلطان العثمانيين.
فإذا كانت (أبو لغد) قد اعتبرت الفترة (1250 - 1350) بمثابة «لحظة مثلت توازناً دقيقاً بين الشرق والغرب، وكانت احتمالات اختلاله لمصلحة أحد القطبين متعادلة»، فإن (هـ.جـ.ويلز) لا يتردد في القول: «إذا حكمنا استنتاجاً من الخريطة قلنا: أن القرون الثلاثة منذ بداية القرن الثالث عشر حتى نهاية القرن الخامس عشر كانت عصر تراجع بالنسبة إلى المسيحية».
إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية تطور الثقافة الإسلامية، فإننا سنجد شواهد حية على استمرار ازدهار هذه الثقافة، على رغم انحطاط الحياة المدنية - السياسية، إذ إن الاستقلال النسبي للجماعة الإسلامية، وبالتالي ثقافة المجتمع الأهلي عن السلطان هو القانون الذي حكم الجدل بينهما.
بعد أن هدأ ضجيج الخراب المغولي، في القرن الثالث عشر، لم تحافــظ هذه الحـضارة على تماسكها الداخلي فحسب، بل حققـت تقدماً أيضاً على نطاق عالمي... وكان من أهم تطورات القرن الثالث عشر انتشار الكثير من الطرق الصوفية كتعبير عن الإسلام والهوية الاجتماعية، كما يقول لابيدس.
غدت (ديار الإسلام) بحق، نظاماً عالمياً يرتوي من ثقافة واحدة، يتكلم مثقفوها بلغة واحدة: لغة القرآن، فابن بطوطة المغربي رجل العالمية الإسلامية الذي قضى في رحلاته ثلاثين عاماً، كان في كل مكان يرحل إليه يجد تجاراً مثقفين، علماء، وصوفيين، وأمراء، يتحدثون إليه بالعربية في موضوعات تمتد من التصوف إلى الفقه إلى الأدب والتاريخ.
عن جريدة الحياة.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |