القص والبعد الأيروسي / أبو العباس برحايل
2015-03-24
أفضّل استعمال لفظة الأيروس بدل الجنس باعتبار الإيروس غريزة الحياة التي تقابلها غريزة الموت .. ومن ثمة فإن الغريزة الإيروسية تشمل الجنس وتشمل الحب وكل ما يشير إلى غريزة الحياة في الكائن البشري..
أثيرت قضية الأيروس باعتبارها قضية من قضايا المحرمات وطابو مثل السياسة ومثل الدين .. وسمى بعضهم ذلك بالثالوث المحرم.. وأرى الجمع بين هذه العناصر غير شرعي، لأن ما يبعث على الحياة لا يمكن أن يكون في مستوى عوامل اجتماعية جاءت لتنظيم المجتمع وذلك شأن الدين والسياسة. الأيروس هو الحياة وبغيره يكون الموت والتلاشي والعدم..
لذلك فإن النصوص القاصة لايمكن أن تحيد عن خميرة الحياة بوجه من الوجوه ؛ والأيروس هو ما يهب النص حياة..وإذا كانت ملحمة جلجامش من أقدم النصوص البشرية التي نقشت على الألواح المسمارية فإن حياة ذلك النص المسماري كان بفضل ذلك الحديث الخلاب عن قهر الرجل المتوحش وتلطيف طباعه من خلال اتصاله بالمرأة .. يكفي أن تكشف المرأة عن نهدين بضين وعاجيين أمام الرجل ليحدث التحول.إن حرب طروادة التي يستفيض هوميروس في وصفها في الإلياذة ما كان لها أن تمتد إلا بسبب امرأة رمز الحياة .. وما كان لعوليس في الأوديسا أن يقطع البحار ويعرض نفسه لأدهى المخاطر لولا أن بوليب الزوجة الوفية كانت تنتظره على سرير قائمته شجرة حية.. .ولم تكن مزامير سليمان غير وصف لمواهب المرأة ولم يبك ارتفاع المسيح إلى السماء كما بكته مريم المجدلية ؛ وحين أراد القرآن ان يتخذ الأسلوب المؤثر في الوعظ رأى في القص أروع سبيل وجاء بسورة يوسف التي وصف فيها القصة المسرودة بأنها أحسن القصص.. وكانت الذروة في ذلك قول امرأة العزيز لفتاها بعد ان غلّقت الأبواب " هيت لك!.." مراودة له عن نفسها ولقد همت به وهم بها لولا..... وكانت المدينة كلها تمضغ حكايتهما .. وما الجنة في ذاتها إلا وعد أي وعد.. الحور العين كأنهن أمثال اللؤلؤ المكنون.. ولم يخرج شعرنا العربي عن هذه السنة .. سنة الحياة حين كانت القصيدة تستهل بالنسيب وبالتشبيب وذكر الحبيب قانونا لا يجوز كسره.. لذلك جاءت ألف ليلة التي هي الرواية العالمية الأولى التي نسج على منوالها كل روائي جاء بعدها ولم تكن غير شهر زاد تسقي شهريار كؤس الحب ومفاتن الجمال الأيروسي..
في تراثنا العربي جاءت مؤلفات وقد تعقدت الحياة وضربت الحضارة في كل جانب فبسطت للناس الحياة الأيروسية في مختلف جوانبها .. وتهافت الناس عليها يقرأون ليفهموا هذه الخميرة التي تهب اللذة والسعادة..
لكن ما قد يطرح في مجال القص اليوم .. أو في مدارج السرد هو ما الذي يمكن تناوله وما الذي لا يحسن بنا ولا يجمل أن نطرقه ؟.. ومن حيث المبدأ فإنه لا شيء يمكن أن يكون بمعزل عن تناول النص السردي .. والأمر متروك لعبقرية الأديب.. وشخصيا كل رواياتي مشبعة بالبعد اليروسي لكن في حدود ما تسمح به قناعاتي الأخلاقية ؛ وأرى أن أجمل تعبير أيروسي وأبلغه هو القائم على التلميح دون التصريح وعلى المجاز.. لكن بعض المواقف قد تتطلب التصريح .. إنما هناك نصوص معاصرة لا تتناول هذا البعد الحيوي بقيمته الحيوية بل تتناوله بروح التهتك والشذوذ والشتيمة وذلك ما لا يعني الأدب في بعده الحيوي؛ وما لا يعنيني شخصيا.
*أبو العباس برحايل، شخصية أدبية جزائرية من مواليد 1947. يكتب الشعر والرواية.
صدر له ما يلي: الطاعون في طيبة - رواية 2011، شعبة الزيتون - رواية 2011، السيف والرصاص - رواية 2012، سنابل وقنابل ـ رواية 2011، الحبة السوداء - رواية في جزئين 2012، القاضية والعفر - رواية 2013
وله مجموعة شعرية صدرت عام 2013 بعنوان "شظايا الأيام وفواصل الأحلام" ومجموعة من المقالات الفكرية والاجتماعية نشرت في جريدة النصر الجزائرية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين. ونشر معظم رواياته عن دار الفاربي في بيروت.
عن جريدة الحياة الجزائرية.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |