Alef Logo
المرصد الصحفي
              

كتاب - "الدين والعلمانية في سياق تاريخي" لعزمي بشارة / جوزف باسيل

2015-04-09

ماذا نفهم من كتاب "الدين والعلمانية في سياق تاريخي" لعزمي بشارة؟ أن الدين لن يندثر "بل تتغير وظائفه وتعريفاته ونمط تديّن الناس"، وأن العلمنة علمنات وهي نشأت في ظل الأنظمة الاوروبية، ثم في الولايات المتحدة من دون استخدام مفردة العلمانية، وأن نشأتها وترسّخها كانا بحسب المسار التاريخي لكل شعب على حدة.

يحاول بشارة في مجلّديه، أن يكمل ما بدأه في كتابه الاول، "الدين والعلمانية"، بدراسة أنماط التدين ونشوء مصطلح العلمنة، وتبيان أن أفكاراً علمانية عدة، تطورت من نقد الدين او محاولة تجديده، ولم تنشأ من إلحاد، لكنه يتوخى تقديم موسوعة شاملة لتطور الفكر الأوروبي في انتقاله من الدين الى العقل الى جمعهما معا ليترك نصاً مبسطاً هو مختصر مفيد لتيارات فكرية وفلسفية كثيرة، تصارعت في اوروبا وافترقت والتقت لتوصل الى ما هي فيه. وهو يتجنب تقديم حلول لحالنا، لأن ما حصل في اوروبا كان خلاصة المسار الاوروبي الذي قد لا ينطبق على دولنا.
يلاحظ بشارة أنّ العلمنة كانت كلمة كنسية تعني المؤمنين من غير رجال الدين، ثم مع الانقلاب على سلطة الكنيسة الكاثوليكية، تحوّل المصطلح ليعني نزع أملاك الكنيسة ومصادرتها. وخلال الثورة الفرنسية ارتبط بقمع الدين قبل أن يتطور مفهومه ليصبح التسامح مع الدين والتعددية الدينية.

ماذا يستخلص المؤلف في كتابه؟
نشأت البروتستانتية حركة اصولية ضد الكنيسة الكاثوليكية، تقوم على العودة الى الاصول مقابل "انحراف البابوية"، هنا يتذكر الحركات الاصولية الاسلامية، ومنها الوهابية التي نالت إعجاب اصلاحيين مسلمين ظنوا انها تنقية للإسلام من التقاليد والبدع، حتى تبيّن أنّها تزمّت ديني مُبَدْوَن معادٍ للمدنية. البروتستانتية أيضاً أفضت الى التزمّت والدولة الدينية في بعض الحالات وفي بعض فرقها، لكنها للمفارقة تطورت ليصبح بعض معتنقيها من دعاة الحرية الدينية، لوجودهم أقلية في فرنسا الكاثوليكية مثلاً. علماً أن لوثر أنكر حق السلطات الزمنية في أن تملي مذهباً دينياً، لكنه ما لبث أن دعاها الى قمع المنشقين عن مذهبه عندما استتب له الأمر.
أتاحت البروتستانتية نشوء الكنائس المحلية في كل بلد على حدة، عندما نادى لوثر بترجمة الانجيل والتوراة الى اللغات المحلية، لكسر إحتكار الكنيسة علاقة المؤمن بالله، ولجعل علاقة المؤمن بالنص علاقة مباشرة. كان لهذه الدعوة الدينية نتيجة سياسية، في ما بعد، تجلت في قيام النزعات القومية والوطنية المرتبطة بهذه الكنائس التي استقلت عن روما. اما النتيجة "السياسية" الثانية والدينية أيضاً، كما يلاحظ المؤلف، هي ان تمركز السلطات في يد مؤسسة البابوية عند الكاثوليكية لا يترك مجالاً إلاّ للانضواء فيها او الافتراق عنها بالإلحاد، فيما تتفرع عن البروتستانتية فرق لا عدّ لها ولا حصر، لأن العقيدة تتيح ذلك، فتنتج أنماطاً كثيرة من التدين لا تضطر معتنقيها الى مواجهة الكنيسة الاساسية مباشرة، أي يصلون الى العلمانية التي يصفها المؤلف بالمحايدة، بدل البقاء خارج الكنيسة.

منطق الدولة بين التجانس والتعددية
هناك انطباع بأنّ الليبيرالية أنشأها بروتستانتيون، وهي توافق الشعوب التي تدين بهذه العقيدة، وهذه نظرية قال بها البعض. وقد انتقلت الافكار بين الدول الاوروبية ليأخذ بها كل شعب بحسب الحقبة التاريخية التي كان يمر بها، ويمكن القول إنّ ما وصل اليه الغرب اليوم هو خلاصة تراكم وتفاعل وتبادل. اما العلمانية بمعنى التسامح الديني، فتطورت مع تطور منطق الدولة، ومن المفارقة أن هذا المنطق كان يتطلب في حقبة تاريخية قديمة تجانساً دينياً لتفرض الدولة نفوذها، وما لبث هذا المفهوم، أي منطق الدولة، أن تحول من فرض التجانس الديني الى قبول التعددية الدينية، من منطلق الفهم الجديد لمصلحة الدولة. من الخطأ أن نعمّم هنا الظن بأن الشعوب هي التي كانت تنادي بذلك، فقد صدف ان ملوكاً أقرّوا بهذا الحق وبأهميته وعارضتهم طبقة من السياسيين أحياناً أو من رجال الدين وألّبت الشعب عليهم. نفهم من هذا ان بعض التغير يحصل بفرضه من فوق، من السلطة، لكن استجابة الشعوب تختلف أيضاً. لنأخذ تونس نموذجاً، فقد خلعت عنها بسرعة "العباءة الاسلامية" وحافظت على العلمانية في الانتخابات الاخيرة، مع أن هذا النظام فُرض على الشعب في حقبة معينة ولم يختره، لكنه الآن يقدّر أهميته، وهذا يذكّرنا بمحاولة الكنيسة الكاثوليكية العودة بقوة الى بولونيا مثلاً بعد سقوط النظام الشيوعي، ولكن على الرغم من عودة التدين، ومن تقدير دور الكهنة في مواجهة تسلط هذا النظام، قاومت النسوة هناك تدخل الكنيسة مجددا في حرياتهن الشخصية، وحافظن على إنجازات النظام الشيوعي. السؤال هو: لو كانت تونس على تعدد ديني، اي نتيجة كانت وصلت اليها؟

حاجة الإنسان إلى الإيمان
من المفارقات التي نستخلصها في الكتاب أيضاً، أهمية نابوليون وحروبه في قيام اوروبا الحديثة؛ فمن جهة فهم تأثير الدين في الفلاح الفرنسي بفكره السياسي لا بالفلسفة ولا بعلم الاجتماع، كما فعل الفلاسفة والمفكرون، ومن جهة ثانية أمسك بناصية التعليم والجيش والاحوال الشخصية فحقق هدفين في فرنسا، أولهما استمالة الفلاحين وعامة الشعب الى جيشه لمحاربة دول كاثوليكية اخرى كالنمسا أو اسبانيا، والثاني، نزع سيطرة الكنيسة على الفرد بتحرير الاحوال الشخصية من نفوذها. أما خارج أوروبا فاستدار الى الفاتيكان والبابوية ليحافظ عليهما ضد الدولة العلمانية فيكون كمن يحافظ على الكاثوليكية في نظر الشعب.
من نتائج محاولة نابوليون السيطرة على أوروبا، إذكاء الهويات الوطنية في اسبانيا والمانيا وايطاليا، لكن المانيا وحدها تميزت بنشوء فكر قومي علماني رداً على هجوم نابوليون، في موازاة نشوء فكر قومي كاثوليكي في اسبانيا وايطاليا. بهذا انتقلت الكنائس الكاثوليكية أيضاً لتصبح وطنية، كما حصل مع البروتستانتية قبلاً.
في هذه المرحلة الطويلة من الصراعات، منذ انفلات سلطة ملوك اوروبا من سطوة البابوية حتى العصر الحديث، تنوعت الافكار بين انسانية كاثوليكية وتنويرية وتأليهية وعقلانية حتى الالحاد، وبرزت اسماء مهمة كثيرة منها هيغل ونيتشه ودو توكفيل ودو ماستر وغيرهم الكثيرون. راوحت المناقشة بين اعتبار الايمان الديني مهماً، ورفضه ووصفه بأنه مرض اجتماعي، كما عند دولباخ، حتى وصلنا الى العقيدة الشيوعية، لكن معظم الفلاسفة اقر بحاجة المجتمع الى الايمان بعقائد، وبأن الدين أفضل اشكال الايمان. ففي "غياب الايمان ينصّب عامة الناس عليهم سيداً يرشدهم" أي يقدسون شخص المستبد بدل تقديس الاله. وهذا ما رأيناه في دول عدة ذات عقائد حزبية.
يميز المؤلف العلمانية عن الليبيرالية، فالأولى تفصل الدين عن الدولة، لكنها قد لا تتضمن أي حق من حقوق الانسان، فيما تضمن الليبيرالية هذه الحقوق مع التعددية الدينية. هنا نتذكر نموذج الولايات المتحدة الذي أفرد له بشارة المجلد الثاني من كتابه هذا. وخلاصته تحييد الدولة في الدين مع أن الشعب متديِّن، حتى أن السياسيين هناك يتجنبون وصف انفسهم بالعلمانيين لئلا يكون في ذلك مساس باحترامهم الروحانية، ومع ذلك ما من بلد يتمتع الناس فيه بالحريات على انواعها أكثر من الولايات المتحدة!


عن جريدة النهار.






تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow