أهمية الخطاب الوطني اليوم، في مواجهة الخطاب الطائفي
محي الدين محروس
خاص ألف
2015-04-11
مقدمة هامة :
كان الخطاب الوطني السوري هو المسيطر في تاريخ سوريا الحديث. أي منذ بدايات القرن العشرين ، في فترة انتهاء الاحتلال العثماني، و النضال من أجل الاستقلال و جلاء المستعمر الفرنسي. بكلمات أخرى، عندما كان الوطن في خطر، كانت الحاجة الموضوعية هي توحيد كل القوى الوطنية، من أجل استقلال الوطن و جلاء آخر جندي فرنسي عن الأراضي السورية !
حتى في الخمسينات و الستينات، استمر هذا الخطاب الوطني، ضد الأحلاف المختلفة التي كانت تهدد الوطن و تهدف إلى ربطه بالدول الاستعمارية. بالتوافق معها، ارتفع الخطاب القومي العربي، مع العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦، و كذلك قبيل الوحدة الاندماجية السورية المصرية و أثنائها ١٩٥٨- ١٩٦١. و استمر هذا الخطاب الوطني السوري و القومي العربي بعد انقلاب آذار ١٩٦٣حتى نهاية الستينات.
عمل حافظ الأسد بعد انقلابه،على استغلال الطائفة العلوية، من أجل تثبيت حكمه، بشراء بعض أبنائها، خلال تسليمهم قيادات الأجهزة الأمنية، و قيادات الجيش السوري، بالإضافة إلى العديد من المناصب في مؤسسات الدولة. مما أثار ردات فعل سلبية من مختلف القوى الوطنية، تجاه سياسة الإقصاء التي اتبعها النظام تجاههم! كذلك استغل حزب الإخوان المسلمين الاستياء في الوسط السني، لتحريك الاحتجاجات ضد النظام الاستبدادي في مدينة حماة. و كلنا يعرف كيف تعامل النظام مع هذه الاحتجاجات السلمية، بوحشية و إجرام ، مما أدى لعشرات الآلاف من الضحابا المدنية!
و منذ هذا التاريخ، أخذ يتصاعد الخطاب الديني الطائفي في سوريا!
للتوضيح، أسارع بالقول: بأن النظام الأسدي ( حافظ و بشار) ليس بالنظام الطائفي، بل هو نظام شمولي: باتباع مقولة الحزب القائد( حزب البعث هو حزب قومي عربي ،و ليس دينياً و لا طائفياً) ، و أجهزة أمنية مسيطرة على المؤسسات العسكرية و المدنية و حياة كل مواطن! و كذلك، هذا النظام ليس بالنظام العلماني، كما يدعي! حيث تكفي نظرة سريعة للدستور ( تحديد ديانة رئيس الجمهورية)، و إلى قانون الأحوال الشخصية ( عدم مساواة المرأة و الرجل في الحقوق و الواجبات) ...إلخ.
النظام الأسدي: هو نظام شمولي – استبدادي بامتياز، تحكمه مافيا من جميع مكونات المجتمع، و تحكمه أجهزة مخابرات.. و على رأس النظام الطاغية المستبد الأسد إلى الأبد! حسب ما تريد هذه المافيا!
مما تقدم، نستنتج بأن النظام الأسدي هو الذي لعب و سعر الطائفية، و في عهده ترعرت الطائفية، و استخدمها ..بما فيها الطائفة العلوية، لتقوية سلطته.
و مما ساعد على ذلك في التسعينات، انهيار الاتحاد السوفياتي و المعسكر الاشتراكي، و تراجع الفكر اليساري و القومي في المنطقة العربية! فجاءت الردة الدينية - كبديل - في الساحة! و غلبت عليها صبغة التطرف و التعصب من خلال طرح ايديولوجية: الخلاص هو العودة للماضي و للسلف.. ( الفكر السلفي -الوهابي). للأسف، إلى يومنا هذا، لم يتوحد اليسار في مواجهة الفكر الظلامي.
الخطاب الديني الطائفي يرفع شعار: الحل في الإسلام! و هو المخلص لكل عذابات و اضطهاد المسلمين، و ذلك بالعودة إلى الحضارة الإسلامية، و تطبيق الشريعة بحذافيرها، كما طبقها السلف! أي قبل ١٤٠٠ سنة! عندها، تعود راية الإسلام خفاقة، ليس فقط في عالمنا العربي، و إنما في العالم!
لتحقيق هذا الخطاب الديني المتعصب، تواجدت الأحزاب الدينية و التنظيمات الدينية، بما فيها المسلحة! و هنا، من المفيد التذكير، بأن أسامة بن لادن، تم تدريبه على أيدي المخابرات و العسكريين الأمريكيين، لتشكيل تنظيمه في أفغانستان، ضد تواجد الاتحاد السوفياتي! و عنه ومنه ولدت القاعدة و داعش و جبهة النصرة و غيرها من التنظيمات المتطرفة و الإرهابية!
و من المفيد التذكير، بأن مع انطلاقة الثورة السورية ضد النظام الاستبدادي، كان الشعار الذي تردد في كل الساحات و في كل مناطق سوريا: واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد! أي ارتفع عالياً الخطاب الوطني السوري. لكن مع التعامل الوحشي للنظام مع المظاهرات السلمية، و الإضطرار بداية لحمل السلاح، دفاعاً عن النفس.. تم استغلال ذلك من قبل السعودية و قطر و غيرها من الدول العربية، لتزويد هذه الجماعات و الفصائل بالمال و السلاح، في حال تأكدت لها، بأنها تنظيمات إسلامية - سنية و ضد " النظام العلوي"! أي حرف الثورة عن مسيرتها السياسية، لتأخذ شكل حرب دينية.. تكون هذه الدول طرفاً فيها، مما يحميها من وصول الربيع العربي إليها! و بذلك، تم تصعيد الخطاب الديني الطائفي المتعصب، و دخول " الجهاديين" من مختلف بقاع العالم، حاملين معهم مشاريعهم، التي تتناقض و أهداف ثورتنا! ( كما نشاهد مشروع الخلافة عند داعش و أخواتها).
هنا، النظام لم يقف مكتوف اليدين! لأن مثل هذه " الحرب الدينية" هي لصالحه! ليثبت مقولته، بأنه في سوريا لا توجد ثورة، و حربه مع إرهابيين مُتطرفين! و استدعى المليشيات الشيعية من لبنان و ايران و العراق .. ليعمق هذا الصبغة الدينية التي يريدها، بأنها حرب دينية مع متطرفين إرهابيين!
كما أن طموحات السلطة الايرانية لتوسيع نفوذها في المنطقة، تمت قراءتها.. بأنها توسع طائفي شيعي! و بالتالي الرد عليها، بخطاب طائفي سني ..سمعناه من جوامع مكة مؤخراً... الإعلان صراحة عن حربٍ سنية ضد الشيعة!
و هكذا وقع المجتمع السوري بين فكي الاستبداد السياسي و الاستبداد الديني!
و يتم التعبير عن ذلك من خلال وضع المواطن أمام خيار: إما الأسد أو داعش و النصرة ؟
لكن ملايين السوريين يعرف الخيار الثالث، الذي من أجله انطلقت الثورة: رفض كل أشكال الاستبداد!
الخيار هو الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية !
ما هو الحل؟ كيف يمكن التصدي لهذا الخطاب الديني الطائفي و المتعصب؟
- هنا، تأتي أهمية الخطاب الوطني، تصعيد و تعميق و توسيع الخطاب الوطني، و بناء المنظمات المدنية! أي توسيع مفهوم الوطن و المواطن و دولة المواطنة. الدعوة إلى الوحدة الوطنية، لأن في الواقع، وطننا في خطر يشابه خطر الاحتلال الفرنسي، إن لم أقُل بأنه خطر أكبر!
- بالمقابل، التنديد بالطائفية و فضح مشاريعها التي تؤدي إلى دمار الوطن و المجتمع!
- العودة لشعارات الثورةالسورية الوطنية.
- لا تتحقق الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية، إلا في دولة ديمقراطية تعددية، في دولة المواطنة، التي لا تمييز فيها بين المواطنين على أساس الدين أو القومية أو الجنس أو الفكر!
معركتنا طويلة ، تضحياتنا جسام، لكن الثورة السورية العظيمة مستمرة و ستنتصر!
لنشدد معاً على خطابنا الوطني ..في كتاباتنا على كل صفحات التواصل الاجتماعي، و في ندواتنا و لقاءاتنا و شعاراتنا في مظاهراتنا داخل الوطن و خارجه!
لنرفع عالياً راية الوطن، التي لا تعلو عليه راية!
سوريا أولاً !