ميشال ويلبيك في روايته الجديدة: «انحطاط» الغرب «يُخضع» فرنسا للإسلام / طارق أبي سمرا
2015-04-23
على الرغم من تدني شعبيته خلال السنوات التالية لانتخابه رئيساً للجمهورية الفرنسية عام 2012، نجح فرنسوا هولاند - عبر التهويل بإمكانية وصول مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى سدة الرئاسة - في الفوز بولاية ثانية عام 2017. عندئذٍ، صارت فرنسا تعاني من فصام حاد ومريب: بلدٌ رئيسه المنتخب إشتراكي، ينحو شعبه أكثر فأكثر نحو اليمين!
ولاية هولاند الثانية كانت عصيبة، شهد المجتمع خلالها تحولات جذرية: ارتفع منسوب البطالة وهاجر الكثيرون يأساً. استمرت شعبية حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف في التصاعد. وقعت أعمال شغب وبعض الاشتباكات المسلحة في أنحاء عدة من المدن الفرنسية. عَتَّمت الدولة ووسائل الإعلام على تلك الحوادث، فلم تُعرف هوية مسببيها الذين رُجِّح انتماؤهم إلى طرفين متناحرين: حزب «الجبهة الوطنية» من جهة، وتنظيمات إسلامية جهادية من جهة ثانية.
لكن يبقى الحدث الأهم: ظهور لاعب جديد على الساحة السياسية الفرنسية. انه الحزب الإسلامي المعتدل: «الأُخُوّة الإسلامية» الذي تأسس عام 2017، وراحت شعبيته تتزايد بوتيرة هائلة التسارع، فاستطاع مرشحه «محمد بن عباس» أن يطيح المرشح الاشتراكي في الدورة الأولى من انتخابات عام 2022 الرئاسية، محتلاً المرتبة الثانية، بعد مارين لوبان.
سادت حالة ذهول ورعب. وقعت مجدداً أعمال شغب. رأى الحزب الاشتراكي أن الخطر الأكبر هو وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، فتحالف مع حزب «الأُخُوّة الإسلامية» بالرغم من معرفته بأن الأخير ينوي تطبيق نوع معتدل من الشريعة الاسلامية. سَلَكَ اليمين الوسطي المسار ذاته ودعم «محمد بن عباس» الذي فاز في الدورة الثانية واعتلى سدة الرئاسة الفرنسية. هكذا تخلت فرنسا عن العلمانية التي طالما تغنت بها، وأضحت، عام 2022، جمهورية إسلامية.
مناخ عَكِر
إن بدا ما سبق مقالة سياسية أكثر منه مراجعة لرواية، فذلك مرده إلى أن الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك استفاض في تفصيله لهذا السيناريو السياسي الخيالي في روايته «خضوع»، التي صدرت عن دار «فلاماريون» في باريس بتاريخ 7 كانون الثاني 2015، أي يوم مقتلة «شارلي إيبدو». ولم تشأ المصادفات أن تتوقف عند هذا الحد في ذاك النهار، فتصدّر رسم كاريكاتوري لويلبيك الصفحة الأولى للصحيفة المذكورة، صبيحة يوم وقوع المجزرة.
ليس من غاية لذِكْر المصادفات هذه، سوى الإشارة إلى وئام شبه سحري بين المناخ المضطرب الذي أحاط صدور كتاب «خضوع» وتلقيه من قبل النقاد والقراء من جهة، والموضوع الذي اتخذه ويلبيك مادة لروايته من جهة ثانية. وئام مفاده أن هيمنة الإسلام، باعتبارها الخطر المستقبلي الأكبر على استمرارية الحضارة الغربية عموماً، وفرنسا وقيمها الأساسية كالحرية والعلمانية تحديداً، صارت وشيكة.
تهديد الإسلام لبنية المجتمع الأوروبي باتت فكرة شائعة التداول في الأوساط الثقافية والإعلامية الفرنسية في السنوات الماضية. فإضافة إلى التلويح المستمر بهذا الخطر من قبل حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف، نجد مثلاً نظرية «الإستبدال الكبير» للكاتب رونو كامو التي تقول بأن استبدال السكان الأصليين بالمهاجرين من أصول عربية وإسلامية هي عملية جارية حالياً في فرنسا، ستصل إلى خواتيمها بعد جيل أو جيلين فقط. وفي الآونة الأخيرة، صدر كتاب «الإنتحار الفرنسي» الذي يصور فيه الصحافي إيريك زيمور بلده بأنه على شفير الهاوية بعدما انهارت منظومة القيم الأبوية البطريركية التي يقوم عليها، بسبب الليبرالية المفرطة. وبحسب زيمور، فرنسا مقبلة أيضاً على حرب أهلية بعد فشلها الذريع بصهر المهاجرين العرب المسلمين في مجتمعها. فزيمور يصف الوضع الحالي كما لو أن هنالك شعبين متناحرين يعيشان على رقعة الأرض نفسها.
يحدد زيمور نقطة الانحدار الفرنسي في حركة مايو/ أيار 1968 الاحتجاجية المطلبية، معتبراً أنها أطاحت بالقيم التقليدية وبسلطة الأب الرمزية، ففتت العائلة وشرّعت الباب أمام الفردية المفرطة، فصار كل فرد عندئذٍ منقطع الصلة بمجتمعه ومحيطه، وتحول مجرد مستهلك. هكذا جاءت نتائج مايو/ أيار 1968 على عكس ما نادت به الحركة تلك. فمناهضتها للرأسمالية لم تفعل إلا تحطيم الحواجز التي كانت لا تزال تقف بوجه هيمنة هذا النظام الاقتصادي الاجتماعي المطلقة.
لهذه الأسباب مجتمعة، يحنّ زيمور الرجعي إلى عهد شارل ديغول، آخر رجال فرنسا العظماء الذي شكل سداً أمام انهيار منظومة القيم التقليدية. ولا يرى في السنوات المتعاقبة التي تلت إستقالة ديغول عام 1969 سوى تدهور وانحطاط. أما ما يميز ويلبيك عن معظم الرجعيين، فهو أنه يعيد منبع الشر إلى أبعد من ذلك بكثير: إلى عصر التنوير وما نتج عنه، أي الثورة الفرنسية وإعلان حقوق الإنسان والمواطن.
أبطال ويلبيك العدميين
في روايته «خضوع»، يعبِّر عدد من شخصيات ويلبيك عن الرأي القائل بأنه ليس بمقدور أي حضارة الاستمرار من دون دين، وأن عقلانية عصر التنوير الأوروبي الباردة قتلت الإله المسيحي وهدمت تدريجاً الأسس التي كان المجتمع يقوم عليها، فدخل الغرب في مرحلة من الانحطاط والعدمية وصلت إلى ذروتها في عصرنا الحالي. وبحسب وجهة النظر هذه، ما حقوق الإنسان والأيديولوجيات التي نجمت عنها، كالحرية الفردية والمساواة والديموقراطية بمفهومها الحديث والليبرالي، سوى تفريغ للقيم القديمة ووجه لهذا الانحطاط.
وصْف عدمية المجتمع الأوروبي وتداعياتها في نهاية الألفية الثانية وبداية الثالثة، هو المشروع الأدبي الذي أخذه ويلبيك على عاتقه منذ روايته الأولى «امتداد رقعة الصراع» الصادرة عام 1994. فهو يصوَّر جميع شخصياته الرئيسية أفرادا على شاكلته، يتماهون تماماً مع روح عصرهم : مكتئبين، متشائمين، لا مبالين، ساخرين من الدنيا والبشر، سَلَخت عنهم برودتهم العاطفية أي نوع من الصلة مع أبناء جنسهم. بعضهم، كالكاتب نفسه، يفضل الكلاب على الناس. تتوالى عليهم الأيام رتيبة متشابهة، فلا يجدون أي معنى لحياتهم لا في العمل ولا في العلاقات العاطفية العابرة التي لا يقدر لها أبداً الاستمرار. يعتقدون أحياناً أن خلاصهم الوحيد هو في الحب. لكن سرعان ما يخيب ظنهم لدى اكتشافهم أن الحب ليس سوى الوهم الأخير المتبقي للفرد المعاصر، الذي لا يؤمن بأي شيء.
الجنس مصدر لذتهم الوحيدة. جنس ميكانيكي تكراري كئيب، لا يتيح للمرء أن يهرب من عزلته وإحساسه بالوحدة، واظب ويلبيك على وصفه بدقة وواقعية جافة استفزت البعض. أحياناً يُهيّأ إلينا لدى قراءة هذا الوصف في رواياته، أن أعضاء أجساد، وليس أشخاصاً، هي ما تتضاجع.
الاكتئاب والأسلمة
أما فرانسوا الأربعيني، بطل وراوي كتاب «خضوع»، فهو يشعر أن حياته الجنسية والعاطفية شارفت على نهايتها ولا يرى لنفسه أي مستقبل منظور سوى الوحدة والضجر. هو استاذ أدب في جامعة «السوربون»، اختصاصه الكاتب الفرنسي يوريس - كارل هويسمان (1848 1907) الذي ينتمي إلى ما يُعرَف بأدب الانحطاط. يقيم فرنسوا علاقات جنسية مع طالباته ويغرم بإحداهن: ميريام اليهودية. لكن بعد رحيل هذه الأخيرة إلى إسرائيل إثر تأزم الوضع السياسي في فرنسا، يدرك أنه لن يقوى على خوض أي مغامرة عاطفية أو جنسية جديدة، لأن رغبته بالحياة راحت تضمحل.
بعد وصول مرشح حزب «الأُخُوّة الإسلامية» «محمد بن عباس» إلى سدة الرئاسة، يُقال فرنسوا من منصبه التعليمي بسبب تحول «السوربون» إلى جامعة إسلامية خاصة ممولة من السعودية، ويُدفع له تعويض سخي يمكّنه من العيش بيسر بقية عمره. يمرّ بمرحلة اكتئاب، ثم يتابع حياته وكأن شيئاً لم يتغير سوى ارتفاع منسوب الضجر.
في هذه الأثناء، تتم أسلمة المجتمع الفرنسي باعتدال ومن دون أي نوع من التطرف، ويُركز النظام الجديد على ناحيتين أساسيتين: السماح بتعدد الزوجات، وتقسيم المدارس والجامعات إلى فئتين، العامة والعلمانية من جهة، والخاصة والإسلامية من جهة ثانية. إضافة إلى ذلك، يروّج هذا النظام للقيم العائلية الأبوية التقليدية وينجح في مكافحته للبطالة. أما على صعيد السياسة الخارجية، فيعمل «محمد بن عباس» على بناء امبراطورية إسلامية بوسائل دبلوماسية حصراً. وذلك عبر جرّ دول عربية لدخول الاتحاد الأوروبي كالمغرب والجزائر ومصر وسوريا وحتى لبنان، وكذلك من خلال المراهنة على صعود أحزاب إسلامية واستلامها السلطة في دول أوروبية أخرى غير فرنسا.
يتقبّل الفرنسيون تحولات مجتمعهم الجذرية من دون أي اعتراض. يخضعون للإسلام عن طيب خاطر ما دام هذا الإسلام المعتدل يسمح لهم بمزاولة عاداتهم كمعاقرة الخمر وزيارة العاهرات ولا يفرض عليهم قوانين صارمة كارتداء الحجاب.
لا بد أن ويلبيك، عبر تخيله هذا النوع من رد الفعل، يشير إلى أن الفرنسيين (والأوروبيين عموماً) صاروا شعباً شبحياً استنفد كل طاقته، ولم يعد بإمكانه لعب أي دور تاريخي يُذكر. وهو أيضاً يسخر من أمثال الصحافي إيريك زيمور الذين ينذرون بوقوع حرب أهلية بين الفرنسيين الأصليين والمهاجرين العرب المسلمين. فويلبيك يلمّح إلى أن الفرنسيين الأصليين وصلوا إلى درجة قصوى من الانحطاط الحضاري، ولم يعد باستطاعتهم سوى الرضوخ والاستسلام للأقوى.
فرنسوا الشاهد على كل هذه التحولات من بعيد وبلامبالاة مطلقة، مثال نموذجي عن هذا الانحطاط. مشاكله الوجودية، التي تبقى على حالها بعد وصول الإسلام إلى السلطة، هي مشاكل الإنسان الغربي المعاصر والعدمي: الإحساس بالعزلة والضجر وعدم جدوى الحياة. للخروج من مأزقه، يقرر السير على خطى هويسمان، الأديب الذي كرس سنوات لدراسة أعماله وكتابة أطروحة دكتوراه عنه. وهو، أي فرنسوا، يحاول اعتناق الديانة الكاثوليكية، لكنه يفشل في ذلك. في هذه الأثناء، يقدم له الرئيس الجديد لجامعة «السوربون» عرضاً بمزاولة عمله، شرط اعتناقه الإسلام. يوافق، ويَختتم الرواية بصفته بطلها وراويها قائلاً: «لن يكون هنالك أي أمر يستدعي الندم».
أسئلة
من البديهي أن كتاب «خضوع» أثار جدالاً واسعاً في فرنسا وخارجها. فاعتبره البعض إستشرافياً رؤيوياً، كرواية 1984 لجورج أورويل. واتهمه البعض الأخر بالعنصرية وبالإسلاموفوبيا. من الصعب الجزم أيٌ من الطرفين على حق. فويلبيك نجح بمكر أن يبقي قصده مبهماً: فهل إيصاله الإسلام إلى السلطة ليس سوى وسيلة للسخرية من انحطاط الفرنسيين واللعب على مخاوفهم؟ أم أنه يتخوف فعلاً من إمكانية حدوث ذلك في مستقبل ليس ببعيد؟ وهل لا يزال ويلبيك على كرهه للإسلام - بعدما وصفه في إحدى مقابلاته قبل سنوات عدة، بأنه الأغبى بين الديانات التوحيدية كلها؟ أم أنه كبطله فرنسوا صار لامبالياً ومستعداً للتكيّف مع مجتمع إسلامي؟
تبقى الأسئلة هذه من دون جواب، ويبقى الأمر المؤكد نجاح ويلبيك قيامه بأمر وحيد: تصويره شخصية بطله فرنسوا الشبيهة بشخصيته كاتباً وأبطال رواياته السابقة. أما وصفه لهيمنة الإسلام على فرنسا، فجاء مسطحاً غير واقعي بتاتاً، لا يقنع سوى المصاب بالإسلاموفوبيا. وقد فشل بكتابة رواية إستشرافية كـ»1984». فالرواية الإستشرافية، مهما جالت في عالم الخيال، تستند دائماً إلى واقع ملموس، لا إلى مخاوف وهواجس وهمية.
عن ملحق نوافذ
ميشان الله ويل بك (أمين)
2015-05-07
من الغباء والسذاجة أن ينوي حزب ما في فرنسا مثلا تطبيق الشريعة، وجل قضاتها ونظامها القضائي والأمني، مبني على مبادئ علمانية حتى النخاع، لااا والأنكى من ذلك، هو، تحويل الجمهورية الفرنسية إلى فرنسا الإسلامية، يعني أصبح شعبها مسلما ومنتميا للأمة المسلمة فقط لأن 20 فرد وصلو للشانزليزيه، يعني بحق الجحيم أترجاكم، هل هولاند الإشتراكي كما يدعون قام بنقض العلاقات والإتفاقيات مع الحلف والولايات المتحدة، وأبرم شراكات جديدة مع روسيا وكوبا وكوريا الشمالية؟؟؟من بين أهم أعراض الإسلاموفوبيا هو تعفج التفكير ...ملاحظة: ما أسميتموه كونصيدونس ليس كذلك البتة، كل العالم بات يعلم حقيقة مسرحية تشارلي ايبدو، ودور إسرائيل في تكوين خلايا جهادية بإسم الإسلام في فرنسا وأمريكا، من أجل دفع الغرب العلماني -الذي بدأ يكفر باليهودية رغم إنتماء أسياده عرقيا لليهود- بضرورة محاربة المسلمين ودعم الحرب الصهيونية على القطاع وإحكام السيطرة على الضفة وقصف جنوب لبنان وإحتلال الجولان، وحضر غرب الأردن وسلب خيرات مصر.. الغرب اليوم وحتى صحيفة تشارلي ايبدو أصبح يعارض إسرائيل.. من منطلق إلحادي علماني بحت، يهفو فقط للإنسان والإنسانية لأغراض ذاتية براغماتية، وعليه سيرفض مساعدة الفلسطينيين فقط لأنهم يشكلون خطر على العالم الغربي، ولكي تصل الفكرة للعقول المخدرة اللاهية في النت والتلفزيون ومجلات الغلايمور، عليهم إستخدام الإرهاب، الأسلوب الذي تم تطويره في قلعة إلموت قبل قرون طويلة من اليوم، وتمت دراستن بجد وحداثة في الولايات و أوروبا، وتصميم الخطط المعاصرة في إسرائيل، ليتم تصنيع القالب في أفغانستان والعراق وسوريا ومصر والجزائر وليبيا وتونس ولبنان .. واليوم سينقلونه إلى أوروبا وأمريكا لإحكام السيطرة على الشعوب التي تشبعت بالحرية وبدأت تطالب بها كاملة. ما يثير قلقا مشتركا لدى الحكام الفعليين في الغرب وإسرائيل على حد سواء، كما أيضا يثير توتر الدكتاتوريين حول العالم بعدما رأوا مساندة الشعوب الغربية الحرة للربيع العربي.