غلمان دخلوا التاريخ / إيمان رضيف
2015-04-26
أسروا القلوب وحكموا أصحاب القرار وتلاعبوا بعواطفهم
لم تكن النساء وحدهن من أسرن قلوب أصحاب القرار وكبار الشخصيات التاريخية، بل نافسهن في ذلك، الغلمان، إذ استطاعوا بحسنهم وجمالهم ووسامتهم، دخول التاريخ، وطبع بصماتهم فيه. فإلى جانب «هيام» التي أسرت كقلب السلطان سليمان القانوني، كان هنا «هيامات» كثر، استطاعوا قلب الموازين، وتحدي العادات والتقاليد، وفرضوا أنفسهم في قلوب الخلفاء والسلاطين وأقوى الشخصيات.
كوثر... «هيام» الأمين بن هارون الرشيد
من بين هؤلاء الغلمان، نجد كوثر، فهذا الصبي الوسيم، استطاع أسر، حسب ما ذكره التاريخ، قلب الخليفة الأمين بن هارون الرشيد، إذ هام شوقا وهياما بالصبي، سيما أنه كان يرفض النساء والجواري. تعلق الخليفة بالغلام، وقال عنه الشعر «ما يريد الناس من صب بما يهوى كئيب كوثر ديني ودنياي وسقمي وطبيبي أعجز الناس الذي يلحى محبا في حبيب».
ويحكى أنه في الوقت الذي حارب الخليفة أخاه المأمون، خرج كوثر، عشيق الخليفة ليرى الحرب، فأصيب في وجهه، فما كان للخليفة إلا أن يمسح الدم وهو يقول شعرا «ضربوا قرة عيني ومن أجلي ضربوه أخذ الله لقلبي من أناس حرقوه".
مهج... قرة عين الواثق
ومن بين الذين ذكرهم التاريخ، نجد مهج الذي أسر قلب الخليفة العباسي الواثق، آخر خلفاء العباسيين (حكم 6 سنوات)، كان يتنقل من غلام إلى آخر، وهام عشقا بالصبيان والغلمان حتى ملكوا عليه وجدانه وأذابوا مشاعره تولها وصبابة، إلا أن غلاما مصريا اسمه مهج، استطاع اللعب بعواطفه، واستعمار قلبه.
وفي أحد الأيام، حسب ما ذكره التاريخ، فقد الخليفة العباسي الواثق عقله، فغضب عاشقه الصبي مهج، وفي اليوم الموالي، طار لب الواثق فتعطلت أمور الخلافة وأدرك الجميع أن السر لدى مهج ونقل البعض حديث عاشقه مهج فأنشد الخليفة الواثق شعرا فيه « لولا الهوى لتجارينا على قدر، وات أفق منه يوماً ما فسوف ترى. "
يقال إن رضا مهج عن الخليفة كان يوم سعد المسلمين، وإن غضب فالويل كل الويل للمسلمين إن أتوا للخليفة بيوم زعل مهج. ولأن الغلام كان يعرف قدر نفسه عند الخليفة الواثق فقد كان يدخل على الخليفة كل صباح وهو جالس بين الوزراء والحاشية ومهج يمشي إليه منثنيا، منكسر النظرة، مترنح الخطوة، مترجرج الأعطاف. ويناول الخليفة وردا ونرجسا، إلى أن قام الواثق من بين الحاشية وأخذه الطرب بمهج حتى قال «حياك بالنرجس والورد، معتدل القامة والقد، فألهبت عيناه نار الهوى، وزاد في اللوعة والوجد، أملت بالملك له قربه.... فصار ملكي سبب البعد، ورنحته سكرات الهوى، فمال بالوصل إلى الصد....».
قلب الشاعر أبو نواس ذاب على يد غلام
بعيدا عن العهد العباسي، نجد أن التاريخ ذكر بعض الغلمان الذين حملوا المشعل، واستمروا في أسر قلوب العديد من الشخصيات، من بينهم، غلام أبي نواس الشاعر العربي المعروف، إذ يحكى أن مر على باب مكتب فرأى صبيا حسنا، فقال «تبارك الله أحسن الخالقين»، فقال الصبي «لمثل هذا فليعمل العاملون»، قال أبو نواس «نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين»، فقال الصبي الأمرد:
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون»، فقال أبو نواس «جعل بيني وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى»، فقال الصبي «موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى».
فصبر أبو نواس إلى يوم الجمعة فلما أتى وجد الصبي يلعب مع الغلمان، فقال أبو نواس "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا".
ومشى الصبي مع أبي نواس إلى مخدع خفي، فاستحيى أبو نواس أن يقول للصبي نم، فقال له «إن الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم».
فقام الصبي وحل سراويله وقال «اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها». فركب أبو نواس على الصبي . فأوجعه. وكان قريبا منهم شيخ يسمع كلام الصبي وكلام أبا نواس ويرى ما يفعلون. فقال يخاطب أبو نواس «فكلوا منها واطعموا البائس الفقير»، فقال الصبي «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها".
"اليسباديس"و "باتروكلوس" وآخرون
...
ملكوا قلوب الإغريق
من جهة أخرى، نجد أن حب الغلمان، وممارسة الجنس عليهم، بلغ قمة ازدهاره على أيدي الإغريق، يقول أفلاطون في محاورته المناظرة "الجدير بالذكر أن الإغريق كانوا يعتبرون عشق الرجال الغلمان، وساما يضعه هؤلاء الرجال على صدورهم كما كانوا يحتقرون الرجل الذي يفشل في اجتذاب الغلمان إليه". و يقول الشاعر هوميروس في الإياذة عن الحب الذي يحمله البطل أخيل للغلام "باتروكلوس"، وفى أساطير الإغريق أن رب الرباب "زيوس" هو الذي اغتصب الفتى الوسيم "جانيميد"، ويحدثنا أفلاطون عن عشق سقراط للغلام "اليسباديس"، ويذكر "ديوجنيس" أن سقراط عندما كان غلاما كان معشوقا لمعلمه.
عن جريدة الصباح.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |