قوارب الموت وصدام الحضارات
2015-04-30
أيسر المقاربات، ولكن أشدّها قصوراً، وأكثرها أذىً على المدى القريب والبعيد معاً؛ هي تلك التي ترى أنّ الحلّ الأفضل لمواجهة «أزمة الهجرة الأوروبية»، هو وضع المزيد من العراقيل أمام تدفق المهاجرين، واتخاذ تدابير ردع أكثر صرامة، وتشديد العقوبات ضدّ المهرّبين، وصياغة سياسة أمنية مشتركة في مراقبة البحار…
والحال أنّ أوجه القصور تبدأ من تفضيل هذه التسمية، «أزمة الهجرة الأوروبية»، تلطيفاً للاسم الحقيقي الذي يصف الواقع على نحو أصدق: بشر من بقاع مختلفة في الأرض، نساءً وأطفالاً ورجالاً، شيباً وشباباً، يفرّون من جحيم العنف، حيث أنظمة الاستبداد والفساد والفاشية، لكي يقعوا فريسة هيّنة في يد شبكات التهريب وعماء البحار، حيث القارب بمثابة قشة يتمسك بها الغريق، الذي لا خوف تبقى عنده من البلل!
يصغي المرء إلى كبار الساسة من قادة الديمقراطيات الغربية، الذين اجتمعوا في بروكسل لتدارس «أزمة الهجرة الأوروبية»؛ فيعثر على اقتراح عبقري أوّل، من رئيس الوزراء الإيطالي، يقضي بتدمير القوارب التي يستخدمها المهربون (الأمر الذي سوف يعني، عملياً، استبدالها بقوارب أدنى أماناً وأشدّ خطراً!)؛ أو اقتراح ثانٍ، لا يقلّ عبقرية، يرى تولية ملفّ الردع والرقابة إلى «أنظمة صديقة» في المنطقة (هي ليست سوى أنظمة الاستبداد والفساد والفاشية، ذاتها، التي يفرّ منها اليائسون…(!
لا أحد اكترث بالذهاب إلى جذور الظاهرة التي تدفع البشر إلى اختيار مغامرة مثل هذه، باهظة الثمن وكارثية العواقب، تبدأ من تأمين كلفة التهريب (التي لا تقلّ عن عشرة آلاف يورو)، وتمرّ برحلة المخاطر نحو المجهول، حيث لا ضمانة البتة أنّ الرحلة لن تنتهي في قيعان البحار. لا أحد تساءل عن سياسات التهجير القسري، وليس الهجرة الاضطرارية وحدها، على سبيل المثال؛ حيث تلجأ الأنظمة إلى تفريغ مناطق معينة من سكانها، لأسباب شتى، عسكرية أو أمنية أو طائفية، فتنهب الممتلكات وتحرق البيوت وتنتهك الأعراض وتجبر البشر على مغادرة المكان. ولا أحد استذكر مصطلح «التطهير العرقي»، ومشتقاته العديدة، التي تشمل أيضاً سياسات «التنظيف» المناطقي والإثني والمذهبي؛ سواء أتى من أنظمة العنف، أو من أمراء الحرب.
ورغم أنّ بلداناً مثل تركيا ولبنان والأردن والسودان وجنوب أفريقيا وليبيا، تتحمل من ضغوطات الهجرة أضعاف ما تتحمله الدول الاوروبية مجتمعة؛ فإنّ هاجس المقاربة الأوروبية المبسطة، والتبسيطية في الواقع، يحصر الأزمة في القارّة العجوز أساساً، من ناحية أولى؛ كما يفرغها من مضمونها الإنساني، الذي يخصّ حقوق الإنسان الأولى في الحياة والنجاة، لتصبح مسألة أمنية تخصّ الإرهاب والجهاديين، من ناحية ثانية. وأمّا الأدهى في الموضوع، ولعله الأخطر في العمق والنتائج البعيدة، فإنه تحويل الهجرة إلى صراع ثقافات وصدام حضارات، بين «القِيَم» الغربية و»العقائد» الشرقية؛ أو، على وجه التحديد، بين التراث اليهودي ـ المسيحي الغربي، والتراث الإسلامي!.
وذات يوم غير بعيد أثار برنارد لويس، المستشرق البريطاني ـ الأمريكي الشهير، ضجة واسعة حين صرّح لصحيفة ألمانية بأنّ أوروبا، بسبب من احتمال ضمّ تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في المقام الأوّل، وموجات الهجرة من آسيا المسلمة وشمال أفريقيا، في المقام الثاني؛ سوف تصبح إسلامية عند نهاية القرن الحالي.
فإذا أُضيفت إلى المعادلة تلك الفوارق الماراثونية بين جوع الكثرة وتخمة القلة، الأمر الذي اعتادت تقارير التنمية السنوية تفصيل القول فيه؛ فإنّ نظام المحاصصة الشائه، في الاقتصاد الكوني، يصبح بمثابة قارب آخر يقود بؤساء الأرض من جحيم العنف والحروب، إلى جحيم الفاقة والمرض والجوع. وثمة، هنا، حلف ضمني بين أكثر من جلاد، ضدّ الضحية الواحدة إياها.
عن جريدة القدس العربي.
08-أيار-2021
23-أيار-2020 | |
11-كانون الثاني-2020 | |
04-كانون الثاني-2020 | |
04-آب-2018 | |
20-كانون الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |