بعد تحطّم (القوقعة).. ماذا قال مصطفى خليفة عن سجن تدمر؟ حاوره: عماد كركص
2015-06-11
فور تناول وسائل الإعلام على تنوعها خبر تحرير سجن تدمر الصحراوي العسكري، استحضر السوريون كل ما قرؤوه عن ذلك السجن الرهيب في (القوقعة). الرواية التي كتبها الأديب السوري (مصطفى خليفة) الذي قضى سنوات من عمره داخل ذلك السجن.
وقد يظن البعض أن بطل الرواية الحقيقي (المسيحي) الذي كلفه اسمه (مصطفى) 13 عاماً من السجن بتهمة الانتساب لجماعة الاخوان المسلمين، هو نفسه الكاتب. إلا أن هذه المعلومة غير دقيقة، إذ أن الكاتب استعاد قصة صديقه المسيحي الذي اعتقل بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين، وكون توليفة رائعة بين قصته داخل السجن، وتلك التي عاشها صديقه المسيحي بطل الرواية، وكلاهما بطلاها. وكانت تلك التوليفة سابقة بحد ذاتها في تاريخ الأدب العربي والعالمي، ولا تزال.
وبغض النظر، عن تفسير كلمة (القوقعة) بالصدفة الكبيرة التي لن يستطيع من يدخلها الخروج منها، أو ما يقصد بها الكاتب بأنها حالة الرعب والإرهاب التي فُرضت على نزلاء السجن. إلا أن حروف الرواية كانت من أقدس الحروف التي كتبت بتفصيل أكبر مجزرة وجريمة استمرت لأكثر من أربعين عاماً داخل ذلك الثقب الأسود (سجن تدمر)، ونقلها للعالم بأسلوب (أدبي – واقعي)، يجعل القارئ سجيناً في تدمر حتى الانتهاء من قراءة الرواية، وربما يبقى، لشدة الألم والواقعية فيها.. وبين السطور التي يجرى بينها دماء السجناء، وتفوح منها رائحة الموت، والحقد .
أعوام مرت على خروج مصطفى خليفة من السجن، وأعوام على كتابته (القوقعة)، ويوم واحد فقط مر على تحرير ذلك السجن الذي يعد واحد من أخطر سجون العالم في العصر الحديث، ويبقى للكاتب رأيه في ذلك التحرير، وكيف يرى (قوقعته ) بعد التحرير، وغيرها الكثير من الأسئلة التي طرحها (سراج برس) على الكاتب السوري مصطفى خليفة بعد غياب طويل عن الإعلام، وبعد يوم من تحرير السجن، وخرج لكم بالحوار التالي:
كيف تلقيت خبر سيطرة تنظيم (الدولة) على سجن تدمر الذي كنت معتقلاً داخله وكتبت عنه رواية نقلت للعالم فظائع كانت تجري في ذلك السجن؟
كنت أتمنى أن يكون تحرير السجن على يد ثوار سوريين, لا بيد (داعش) التي على الأغلب ستجعله سجناً أيضاً، ولكن بكل الأحوال فإن أية خسارة لعصابة الأسد ستكون بشكل أو بآخر لصالح الشعب السوري، ومن هنا فان أي سوري سيشعر بالارتياح لسقوط ما يمكن اعتباره رمزاً لسلطة آل الأسد وجبروتها.
يفسر البعض كلمة (القوقعة) التي عنونت بها روايتك بأنها (الصدفة الكبيرة( التي لا يستطيع من يدخلها الخروج منها، هل تحطمت تلك القوّقعة بتحرير السجن؟
إذا كنت تقصد القوقعة على المستوى الشخصي فهي قد تحطمت من بداية الثورة السورية، أما القوقعة التي قبع فيها بلدنا طوال نصف قرن فآمل أنها ستتحطم قريباً، والقوّقعة التي قصدت بها في عنوان الرواية هي الرعب والإرهاب التي كان يقوقع به النظام من كان في سجن تدمر .
تحدثت في تلك الرواية كيف ساق القدر مسيحياً كاثوليكياً، إلى سجن تدمر الذي كان غالبية ضحاياه من الإسلاميين والأخوان على وجه الخصوص ، فيما كلف اسم ذلك الشخص (مصطفى) فقط 13 عاما من السجن؟
للتصحيح فقط هناك الكثيرون يعتقدون أن الكاتب هو ذلك الشخص (المسيحي) بطل الرواية، لكن في الحقيقة أنا استعدت قصة صديق مسيحي اعتقل في تدمر بتهمة الأخوان المسلمين، وعملت على توليفة معينة بين قصتي وقصته داخل السجن وقصص الآلاف ممن عانوا داخله .. وهناك العديد من هذه الحالات.. مفارقة غبية تقود بصاحبها للسجن لسنوات، يعني المرارة أقل ما يمكن أن تصيب صاحبها طوال عمره.
في هذا الثقب الأسود دفنت أسماء وسير لآلاف السوريين مع جثامينهم، فقط لأنهم قالوا رأيهم بنظام الاستبداد، ومنهم بدون ذنب يذكر، ما الذي تتذكره عن قصص من هذا القبيل لم ترد في روايتك؟
أعتقد أن هناك قصصاً بعدد الناس الذين دخلوا هذا السجن، فكل واحد منهم عاش مأساته، ولكل حكايته على المستوى الإنساني، ولا يمكن لبضع روايات أو كتب ـ ناهيك عن حديث صحفي ـ أن تغطي كل ما حدث هناك من معاناة وآلام وأهوال، ولذلك أتوقع أن نرى بعد سقوط الأسد الكثير من الكتابات التي من الممكن أن تكون الآن قيد الأدراج … أو قيد الأذهان ،على هذا الصعيد.
كانت قمة الانتصار – كما ذكرت في القوقعة – عندما يتمكن السجين من تبديل موضع التعذيب إلى موضع آخر، أو فقدان الشعور بالألم ، ألهذا الحد كان يختصر الأمر والانتصار داخل السجل وهل كنتم تحلمون بانتصار كبير يكون فيه حريتكم؟
نعم إلى هذا الحد وأكثر، وهذا الانتصار قد يكلف الشخص حياته في بعض الحالات، أما بالنسبة للحلم بنيل الحرية فهو كان موجوداً ولولاه لما استطاع أحد من السجناء الاستمرار بالحياة.
كم اختزن السجن من عقول وأدمغة سوريا طوال أربعة عقود من حكم الأسدين، ولما ذا اختار النظام هذه الشريحة لتغيبها في تدمر؟
لقد تكلمت مرة عن هذا الأمر وقلت أن في هذا السجن أعلى نسبة لحملة الشهادات الجامعية العالية قياساً إلى التعداد العام، ليس في سوريا وحدها، بل ربما في العالم الثالث كله، ولا أريد أن أُتهم بالمبالغة وأقول في العالم كله، وأعتقد أن لهذا أسباباً عديدة، منها ما هو خاص بالمعتقلين أنفسهم الذين من الطبيعي أن يكونوا الأسرع في تحسس مشكلات بلدهم والأقدر على التنظيم والمبادرة، ومنها ما له علاقة بنظام الأسد الذي كان يتوجس كثيراً من الكوادر العلمية والثقافية ويعتبرهم تلقائياً أعداءه، وعلى سبيل المثال فإن أي سجين مريض كان يجد نفسه محاطاً بعدد من الأطباء ومن مختلف الاختصاصات يكفون في الأحوال العادية لإدارة مشفى صغير، ولكن ليس لدى أي منهم سماعة طبية أو أية أداة طبية أخرى.
هل ستختصر الدماء التي لازالت ملطخة على جدران السجن، عذابات من كانوا بداخله ليكون شاهداً على حقبة سواء من تاريخ سوريا؟
الآن ، وبعد كل ما حدث في سوريا، ليس فقط الدماء التي “ تلطخ “ أو تزين جدران سجن تدمر هي من يؤشر على الحقبة السوداء من تاريخ سوريا، الدماء يا أخي تغطي كامل المساحة السورية، لقد عمم الأسد ما كان يمارس داخل أسوار السجن على كل بقاع البلد، هناك ملايين المؤشرات التي تدلل دون لبس عن هذه الحقبة القاتمة السواد.
لو صادفت جلاديك يوماً، كيف سيكون تصرفك حيالهم؟
لقد سبق وأن صادفت أحد أعتى الجلادين وأكثرهم شراسة صدفة في الشارع، وكان الموقف يحمل بعض الطرافة أو الغرابة، بادر لتحيتي وعانقني فعانقته، وبصدق أقولها لم أشعر بأي حقد أو ضغينة نحوه ـ وهذا الإحساس فاجأني أنا بالذات ـ وما لاحظته حينها هو مقدار الارتباك والحرج الباديين على مجمل سلوكه، وإذا أردنا اختصار الموضوع أستطيع أن أقول أنه وعلى الأغلب ينتفي ما هو شخصي هنا، وخاصة بعد مضي مدة من الزمن، وأي سجين بعد هذه المدة سينظر إلى جلاده نظرته إلى ضحية، وهذا واقع الحال فأي جلاد هو في المقام الأول ضحية، وقد يكون ضحية مضاعفة.
هل لديك الرغبة في العودة وزيارة السجن بعد تحريره من النظام، وهل هناك مكان محدد داخل السجن لديك فيه ذكريات مؤلمة، ستبدأ به زيارتك فيما لو كان ذلك؟
الحقيقة إذا كنت سأزور سجن تدمر فسيكون هذا من باب الفضول فقط، ولكن كرغبة … لا أعتقد أن لدي الآن هكذا رغبة.
بالنهاية .. ككاتب ومثقف سوري .. كيف تنظر لمستقبل سوريا؟
إن الحديث عن مستقبل سوريا في ظل هذا الواقع المعقد والمتشابك قد يكون نوعاً من الرجم بالغيب، فكل الاحتمالات واردة، وكذلك ما هو غير متوقع أو وارد كاحتمال، ولكن أستطيع أن أقول أن أسوأ احتمال لي كمواطن سوري هو بقاء عصابة الأسد، إن هذا سيكون أسوأ من سيطرة التنظيمات الإسلامية المتطرفة أو أي احتمال آخر، إذا سقط الأسد “وهو منبع كل الشرور … إذا جاز التعبير” حتى لو كانت داعش مسيطرة على القسم الأعظم من مساحة سوريا فإن هذا سيلغي الانقسام العمودي الحاصل شعبياً الآن، وسيعيد تدريجياً اللحمة بين أبناء الشعب السوري من مختلف الأديان والمذاهب والأعراق، في مواجهة الخطر الوجودي الذي تشكله داعش.
المصدر: سراج برس