التحضير لعالم ما بعد الأسد / غازي دحمان
2015-06-29
ليس المقصود بالتحضير لعالم ما بعد الأسد شحن همة الثوار، وإضفاء جو التفاؤل على بيئتهم، التي طالما عانت الويلات والنكبات على مدار سنوات الثورة. ولا المقصود أيضا إحباط مؤيدي النظام ودفعهم إلى البحث عن خيارات أخرى. هذا النمط من الكتابة انتهى أوانه واستهلك زمنه ولم يعد مجدياً، إذا أراد السوريون أن يؤسسوا لمستقبلهم، ويبدأوا في التحضير للخروج من الكارثة.
لم يعد الحديث عن أفول نظام الأسد ينحصر حول مؤشرات ومعطيات متناثرة هنا وهناك، ثمة سياق تشكّل وباتت له دينامية فاعلة وصيرورة واضحة، في إطاره انتهت قوة نظام الأسد وفعاليته والأهم أن رهان حلفائه عليه تراجع إلى الحدود الدنيا. وفي هذا السياق، يجري وسيجري تداول سيناريوات مصير الأسد ودور أنصاره، وشكل الدولة السورية المستقبلية، وعلاقاتها بمكوناتها وأقاليمها. وفي تلك الأثناء، يواصل الثوار إخراج الأسد من الجرح السوري.
الواضح أن روسيا حليفة الأسد الدولية تنخرط ضمن هذه الجهود بطريقة أو أخرى، وبالرغم من عدم معرفة شكل الانخراط وحدوده ومضامينه، إلا أن المؤكد أن روسيا تبحث عن مصالحها وما تستطيع تحصيله، بعد أن تكلفت الكثير في حماية نظام الأسد وتثبيته، ودفعت مقابل ذلك أكلافاً مرتفعة على الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي، وحتى على مستوى سمعتها بين دول العالم. المهم أن وضع روسيا في هذا المعترك يستفاد منه لناحيتين، لأن روسيا ليست لديها مطامع بتقسيم سوريا، حسب اعتقاد الأطراف الدولية، ولأنه يمكنها تعويم جزء من النظام وابعاده أو حمايته من الهيمنة الإيرانية، باعتبار أن هذه الاخيرة تخوض حربا مذهبية في المنطقة لا أفق سياسياً لها.
على هذا فإن أول الإجراءات التي ستأخذ طريقها الى التنفيذ في سوريا ما بعد الأسد هي تفكيك شبكة النفوذ الإيراني، والتي باتت تتغلغل مثل الأخطبوط في كل مفاصل البلاد، وبخاصة دمشق، التي يبدو أنها تأخذ في العقيدة القومية والمذهبية الإيرانية بعداً رمزياً، بدليل كل هذه الجهود والأموال التي تنفقها إيران في محاولة لشراء أكبر قدر من عقاراتها، وتسجيلها باسم رعاياها الذين جنستهم بالجنسية السورية. ومن البديهي، ألا تستسلم إيران لمحاولات إخراجها من دمشق، أو ستحاول، في أضعف الإيمان، تحصيل اعتراف بحقوقها التي باتت تتوزع على مساحة واسعة من دمشق، لدرجة قد تهدد الهوية التاريخية للمدينة، وتحولها الى مدينة فارسية!
الإجراء الآخر، يجب أن يتمثل بحصر فعالية وأدوار مختلف التنظيمات المتشددة، تمهيداً لإخراجها من خانة الفعل، ومنعا لأي حساسيات قد تحصل في ظل مناخ من الرعب لدى بعض المكونات، عبّرت عنه مؤخرا الطائفة الدرزية، والتي لم يستطع الكثير من أفرادها التمييز بين ضرورة تحرير مطار الثعلة بالنسبة للثوار، وبين حادثة قلب لوزة، التي تبرأت منها أغلب فصائل الثورة السورية.
ليس المطلوب في المرحلة الأولى ما بعد رحيل الأسد، الطلب من السوريين التوافق على كل شيء. ثمة حساسيات كثيرة ترعرعت في الفترة الماضية، وثمة تشوهات أضيفت للتشوه الأصلي في العلاقة بين المكونات، والأهم أن الثقة باتت مفتقدة بشكل كلي. ولا شك في أن استعادة جسور الثقة وإعادة الروح إلى علاقة السوريين بعضهم ببعض، أمر يستلزم جهداً وضبطاً كبيرين. وعليه، سيكون المطلوب وضع حد لمرحلة انهيار العلاقة وتثبيتها عند حدود معينة، ليصار بعد ذلك إلى ترميمها واستعادة حيويتها.
عالم ما بعد الأسد لن يكون عالماً مثالياً. يكفي أنه سيبدأ ببلد مدمر ومجتمع متهالك. وعلى هامش ذلك، سيكون هناك الكثير من الفخاخ، التي ستنشرها منظومة الأسد على قارعة طرق سوريا انتقاماً، لكن بكل الاحوال، صار لزوماً التفكير بقدوم ذلك اليوم، ومحاولة تدبر أمره قبل أن يفاجئنا. في يوم من الأيام كان أحد أهم الانتقادات الموجهة للثورة بأنها لم تستطع أن تنظم نفسها لتكون قادرة على قيادة المرحلة بشكل جيد، وبما يقلل حجم الأكلاف الكبيرة، التي دفعها الشعب السوري. وبالتالي لا أحد يريد استعادة الملامة ضد قادة مرحلة ما بعد الأسد، والسبب أن بشار الأسد، عندما سيتم تخليص سوريا منه سيكون عبارة عن كومة من الحطام، لا ينقصها أي خطأ جديد.
عالم ما بعد الأسد سيكون فيه أيتام كثر، مثل « حزب الله» وبعض الأحزاب والفصائل التي أيدته، وأحرقت كل مراكبها مع المستقبل. هذه المكونات ستبحث عن وظائف جديدة وأدوار مستحدثة. وإلى حين إعادة تموضعها، بما يتناسب مع واقعها الجديد، ستستمر تلك المكونات في المشاغبة على السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي. لكن دائماً سيكون هناك أمل ببداية جديدة في عالم خال من بشار الأسد، الذي طبع السياسة والاجتماع المشرقي بكثير من الجنون والانحراف.
ملحق نوافذ