تفكيك دينامية الفتنة في جنوب سوريا
2015-07-05
تحتاج معارك الجنوب في سوريا إلى إدارة من نمط خاص، ذلك أنها عدا عن كونها معركة من شأنها تقرير مسار الاحداث في كامل سوريا وقلب التوازنات بشكل دقيق لأنها تقرر مصير العاصمة دمشق والحكم كما أنها معركة تدور في قلب المشرق على تخوم ثلاث دول الأردن لبنان واسرائيل، فإنها تجري في وسط بيئة طائفية معقدة تجمع بين جناحيها السنة والدروز.
في منطقة الجنوب يكاد يتشكل هلال درزي يمتد من الأزرق في الاردن والسويداء مرورا بجبل الشيخ الذي يشكل عقدة ربط بين دروز حضر وراشيا بنظرائهم في الجولان وجبال الكرمل الفلسطينية، في الجانب السوري، تبدو منطقة السويداء ذات حدود أوضح بعكس مناطق ريف دمشق وسفوح جبل الشيخ الشرقية التي تختلط فيها اماكن سكن الدروز والسنة من صحنايا الى قطنا وصولاً إلى حضر.
لا تكمن القضية بتضاريس التداخل والتخارج بل في الاساس في الموقف من الاحداث الجارية في سوريا من ناحية ودرجة التوتر والتطرف التي سمح لها بالتغلغل على مدار السنوات الماضية بحيث شكلت دينامية يصعب لجمها، وذلك نظرا لدرجة التضليل، ويتقاسم الطرفان المسؤولية بالتوازي. ففي الوقت الذي عمل وئام وهاب وحزب الله وعصام زهر الدين على تأليب الجانب الدرزي لم يكن الوضع أفضل حالا عند بعض الفصائل ذات النهج الإسلامي المتطرف.
ثمة نقاط إيجابية عديدة في وسط هذه البيئة المشحون بالتوتر يمكن البناء عليها، النقطة الأولى وجود نوع من التوازن في السويداء التي قدمت العديد من المبادرات الإيجابية من ضمنها استضافة اعداد كبيرة من النازحين من ريف درعا الشرقي واحتضانهم وكذلك تشكيل شريان إمداد لقرى درعا الواقعة تحت الحصار ورفض جزء كبير من أهالي السويداء الإنجرار وراء رغبات النظام بتسعير الحرب الطائفية مع جيرانهم في درعا، وقد أصدر الجيش الحر بيانات عديدة يعتبر أهل السويداء جزءاً من النسيج الوطني ويحرم بالتالي اي محاولة للمساس بهم وقد إستطاع الطرفان تجاوز قطوعات عديدة كان من شأن الانجرار وراءها إشعال فتنة طائفية.
لكن المشكلة تتأتى من عولمل اخرى تشكل مصادر خطر حقيقية على الطرفين:
تهديد داعش للسويداء من الشرق في هذه المرحلة وإمكانية ان تغريه الحرب الدائرة في درعا بين النظام والفصائل الجنوبية وإنشغالهم عنه بشن هجوم على السويداء وخلط الاوراق في المنطقة الجنوبية بحيث يتحول الى منقذ للنظام ويشوش على معركة دمشق القادمة من الجنوب، وخطورة هذا الامر تتمثل بتحول الصراع الى نمط من صراع طائفي شامل لا يميز بين داعش وغيرها. والمشكلة أن داعش لا تعنيه مسألة الوطنية السورية وتالياً لا يهتم كثيرا لمسألة التعايش الدرزي السني في هذه المنطقة في إطار بحثه عن انتصارات ترضي المتطرفين وتوسع دائرة سيطرته الجغرافية.
والمصدر الثاني للخطر يتمثل في قرى سفوح جبل الشيخ وإذا كانت السويداء تحتكم على قيادة عاقلة وواعية بخطورة المرحلة وأهداف نظام الأسد في المنطقة وبالتالي قيامها بلجم تحركات أصحاب الرؤوس الحامية وعزل تأثيرهم، فإن دروز جبل الشيخ يبدون أقرب الى توجهات بعض المتشددين في حاصبيا كما أن تأثير حزب الله يبدو واضحا بينهم اذ يشرف على تنظيمهم في اطار ما يسمى المقاومة السورية في الجولان وفي الحقيقة هو مجرد إطار لإنخراطهم ضد الثوار في تلك المناطق.
المصدر الثالث للخطر يتأتي من دروز فلسطين الذين لديهم تصور مشوه عن الحدث السوري ويعتبرون أن الاحداث أدت الى وقوع الدروز السوريين بين كماشة الفصائل المتطرفة من الشرق والغرب وان مصيرهم معرض لخطر الإبادة ولا بد من نجدتهم، وبحسب المصادر الإسرائلية فإن هناك ضغطاً من اجل تشكيل قوة حماية من دروز فلسطين تتشكل من متطوعين خدموا من قوات الجيش الإسرائيلي ويبدون إستعدادهم للإنخراط في الحرب السورية لحماية إخوتهم الدروز.
إسرائيل نفسها تتحول إلى واحدة من اخطر مصادر التهديد في هذا الإطار وذلك في ظل تبجحها في حماية دروز سوريا من خطر تعرضهم لهجوم من قبل مواطنيهم السوريين في درعا، وذلك في إطار تشويهها للحدث السوري ومحاولة إستباق الاحداث لتغيير خارطة سوريا القادمة بعد سقوط نظام الاسد الذي وفر لها مناخ من الهدوء والإستقرار على مدار أربعة عقود.
حتى اللحظة يقاوم اهل السويداء كل محاولات جرهم إلى الحرب مع جيرانهم وتشكلت قوة رافضة لهذا التوجه وهي تكبر يوماً بعد يوم في مواجهة قوة من الرؤوس الحامية، كما ان الجيش الحر في درعا يشكل ضمانة لعدم الإنزلاق إلى الحرب الاهلية، وحتى اللحظة يرفض دروز السويداء اي تدخل خارجي وأي مساعدة تأتيهم من دروز فلسطين حصرا لما تحمله من شبهة تدخل اسرائيلي، ويجب تعزيز هذا الإتجاه أكثر وعزل تأثير كل القوة المتطرفة من الخارج.
لكن ذلك لا ينفي وجود ديناميات تفجيرية داخل منطقة الجنوب السوري وفخاخ يتوجب تفكيكها والعمل عليها بشكل واع بقدر العمل على تحرير المنطقة الجنوبية والوصول إلى دمشق، وثبت في هذا الإطار ان التوافقات الاهلية خير ضامن في ظل غياب اطر سياسية تجمع الطرفين ، المطلوب من القوة الثورية في الجنوب مراعاة واقع دروز السويداء وتفهم مخاوفهم وحماية السلم الاهلي وإبعاد القوى المتطرفة عن مناطق التماس بين الطرفين وخاصة في سلسة القرى الشرقية من درعا، بنفس الوقت اعتبار خطر داعش تهديداً للسلم في منطقة الجنوب وإبعاد خطرها ليس عن قرى درعا وانما عن ريف السويداء الشرقي الذي بات يئن تحت ضغط جحافل داعش، والاهم من كل ذلك يستلزم بناء آليات تفاهم للسيطرة على أي أخطاء قد تحصل في سياق تحرير منطقة الجنوب.