الاستبداد يبدأ بالجوع والقهر وينتهي بالذل
2015-08-01
على ماذا يحتفل ملالي إيران ووكلاؤهم في المنطقة، ومن أجل ماذا؟ أكيد ليس بالانتصار على «قوى الاستكبار»، التي حصلت من الاتفاق على ما لم تكن تنتظره، بعد أن تهاوت كل الخطوط الحمر التي وضعها مرشد الثورة علي خامنئي، وتبين أنها لم تكن سوى بروباغندا متدنية المستوى!
الأكيد أن الاحتفالات تقام كاستكمال لمسيرة الضحك على الشعب الإيراني، والشعوب التي تحمّلت تبعات مغامرات ملالي إيران، ودفعت ثمن مشروعها الخيالي من جوعها وحياة أبنائها ودمار مستقبلها وفقدان الأمل بحياة محترمة، في كل البقاع التي وصلت اليها حمم الأيديولوجيا الإيرانية. وهكذا، مثلما كان صدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي وحاكم كوريا الشمالية ينفقون المليارات للاحتفال بذكرى اغتصابهم للسلطات في بلادهم، يفعل ملالي إيران الأمر ذاته، أي أنهم يحملون الشعوب ثمن نكستهم مرتين، مرّة عندما كسروا أحلامهم في الحرية، ومرّة ثانية عندما ثبتوا واقعة الهزيمة بمجتمعاتهم.
لم يكن مأمولاً من الاستبداد الإيراني الخروج بنتائج مختلفة عن سياق نتائج الحالات الاستبدادية التي سبقته، أو عاصرته، فالاستبداد له مسار يمكن وصفه بالنمطي، الذي يبدأ بالسيطرة على مقدرات الشعوب، وحرمانها حق تقرير واختيار نظم الحكم التي تناسبها وينتهي بإفراغ مجتمعات تلك الدول من طاقتها الحضارية وقدرتها على مواكبة العصر. وبين البدايات والمآلات سيرة من النكبة كاملة الأوصاف، بما فيها من قهر وجوع وتخلف. والمشكلة أن النظم الاستبدادية في غالبيتها تفصّل لشعوبها عنوة أهدافاً ومشاريع أكبر من مقاساتها، من دون الاهتمام بتجهيز البنى اللازمة لإنجاز مثل تلك الاهداف. بل على العكس من ذلك، تذهب إلى تدمير كل المرتكزات التي من الممكن أن تشكّل روافع حقيقية للمشاريع الوطنية.
وثمة صفة تشترك فيها النظم الاستبدادية، وهي تطرفها في رفع شعارات السيادة والاستقلال. والغريب أنها كلها تنتهي إلى مآل واحد، التخلي عن السيادة وبشكل مبتذل، لا تقبله حتى الحكومات التي توصف بالعميلة، تماما كما انتهى ملالي إيران إلى قبول نظام تفتيش ومراقبة يدوس على أبسط حقوق السيادة، وقبلهم فعل الأمر نفسه الأسد والقذافي وصدام حسين، ليتبين أن السيادة الوطنية التي تقصدها تلك الأنظمة هي السيادة المطلقة على شعوبها، التي تتجسد بأبشع أنماط القهر والاستغلال.
بعد رحلة عذاب طويلة، وتضحيات بذلها شعب إيران، ودمار ونكبات حلت بالشعوب الشقيقة، ينتهي المشروع الإيراني إلى استجداء قوى الاستكبار لتنقذه ببعض المال، الذي يضمن استمرار تسيير شؤون البلاد إلى حين، من دون أفق استراتيجي للتنمية والنهوض. وذلك المال ليس سوى ثمن لبيع موارد إيران! وماذا عن فلسطين وقضيتها، لفلسطين رب يحميها هكذا يقول لسان حال الملالي، أما نحن فنريد أموالنا لنسيير شؤوننا!
وماذا عن آلاف القتلى في لبنان والعراق وسوريا واليمن، الذين ماتوا على ضفاف المشروع الإيراني؟ السياسة لا تعرف الأخلاق، وإذا كان هناك مكان للأخلاق في السياسة، فهي غير موجودة في عقيدة الملالي ووكلائهم، واحتفالاتهم هذه بالنصر «المظفر» ليست أكثر من حالة «مد اللسان» لذوي القتلى والمنكوبين وإهانة لمشاعرهم وجرحهم.
على ذلك ليس من الصعب اختراع سياق جديد لأوهام الانتصار من نمط» إيران عتبة نووية» ووعد بالنفوذ الإقليمي والنهوض الاقتصادي، وكلها أوهام تكذبها الوقائع، وهي ليست سوى وصفة لاستكمال مسيرة الضحك على الشعوب المنكوبة، ذلك ان من يدقق في تفاصيل الاتفاق ومضامينه سيكتشف أن الاتفاق يقترب من وضع ذقن المرشد نفسه في خانة التفتيش والمراقبة، كما ان البنى العسكرية والاقتصادية والسياسية الإيرانية شبه ميتة، ولن تستجيب لأي صدمات تهدف إلى إعادة إنعاشها واستعادتها للحياة من جديد.
على شاكلة كل استبداد ينتهي نظام الملالي، يبحث عن طرق وأساليب جديدة تضمن له البقاء إلى حين، ضارباً عرض الحائط بطموحات شعبه في التطور والنمو، يتوسل الأعداء ليضخوا في عروقه أسباب استمرار سيطرته على شعبه الذي يعتبر بالمعنى الحقيقي لا المجازي العدو الأول له. ليست إسرائيل عدواً له ولم تكن، بدليل أنه تنازل عن كل الأدوات التي تجعله مكافئاً لها في القوة من النووي إلى برامج الصواريخ، وتشبث بكل قوة بالأدوات التي تضمن استدامة سيطرته على الشعب الإيراني من حرس ثوري وأجهزة متسلطة ومنظومة اقتصادية يتقاسمها هؤلاء، لضمان بقاء الشعب تحت حد الكفاف، فما الذي سيستفيد منه الشعب الإيراني من استعادة الأموال المحجوزة في بنوك الغرب، ما دامت كلها ستعود إلى الهيئات التي يسيطر عليها الحرس الثوري ويتقاسمها أباطرة الملالي؟
بعد رحلة أكثر من ثلاثة عقود في شعاب الفقر والجوع، جرياً وراء مشاريع وهمية، ينتهي نظام الملالي برهن سيادة إيران، كاستثمار يضمن لهم الاستمرار في السلطة والحكم، هكذا هم يعتقدون، لكن التجارب غالباً ما أثبتت أن هذا النمط من التنازلات يمهد طريق السقوط، بعد أن تكتشف الشعوب أن حكامها ليسوا ديكتاتوريين وحسب بل لصوص وجبناء.
عن ملحق نوافذ جريدة المستقبل