تركيا وداعش ... الأخوة الأعداء / خالد غزال
2015-08-02
ينظر المراقبون الى التحولات في الدور التركي تجاه الأزمة السورية على انه تطور ذو أهمية كبرى في مسار الأحداث الجارية. منذ اندلاع الانتفاضة، كانت لتركيا مواقف كلامية وإعلامية ضد النظام السوري، وعلى رغم تحذيراتها وتهديداتها بأنها لن تسمح بـ «حماة» جديدة، فهي لم تحرك ساكناً بعد ان أصبحت سورية كلها حماة الـ 1982. لماذا التغيّر الآن والإنخراط في عمليات عسكرية ضد «داعش» والأكراد داخل سورية.
من المعروف ان أحد الهواجس الأساسية في السياسة التركية ما يتصل بالموقع الكردي وطموحاته بالارتباط بالأكراد الأتراك في سبيل الوصول الى دولة كردية مستقبلية، وهو هاجس تنظر تركيا إليه بجدية بالنظر الى حساسيته القومية والأثر الذي يتركه على الداخل التركي. شكّلت تركيا أهم الممرات لدخول العناصر التي تنتمي الى «داعش» في سورية، ودعمت هذه العناصر بكل المقومات اللوجستية، كما شكّلت الممر الذي دخلت منه عناصر خارجية سواء من العالم العربي أو من الغرب. لفترة مديدة كانت علاقات تركيا بـ «داعش» علاقة احتضان وتعاون.
شكّل تنظيم «داعش»، ولا يزال الاستثمار الأهم في الانتفاضة السورية، كان ولا يزال حقلاً تجول وتصول فيه الاستخبارات الإقليمية والدولية وتستخدمه وفق مصالحها. بالنسبة الى تركيا، كانت ترى في داعش «الدجاجة التي تبيض ذهباً» لجهة الدور الذي ألعبته إياه في محاربة التنظيمات الكردية. لم تكن الانتصارات التي حققها «داعش» ضد المناطق الكردية في سورية بعيدة عن الدعم التركي. كان يمكن لـ «داعش» ان يجتاح مناطق الأكراد كلها لولا ان الخطوط الحمر الأميركية حالت دون ذلك. كانت السياسة الأميركية تجاه مناطق الأقليات الكردية على عدم توافق مع السياسة التركية. يرفض الأميركيون الإطاحة بالموقع الكردي، ويرون فيه احتياطاً يمكن توظيفه في ما يحضّر لسورية من احتمالات تجزئة أو تقسيم يكون للأكراد موقعهم في الخريطة الجديدة. لا يعني ذلك ان الولايات المتحدة تشجع قيام دولة كردية يشكل أكراد سورية جزءاً منها.
لماذا انقلب تنظيم «داعش» على تركيا، ولماذا لجأ الى العمليات العسكرية ضدها والتي أودت بقتلى وجرحى؟ ولماذا اتخذت تركيا قرار الإنخراط العسكري ضد «داعش» في سورية، سواء من خلال التحالف الدولي أو عبر عمليات عسكرية تركية خاصة؟ تتفاوت التقديرات في هذا الجانب. بالنسبة الى «داعش»، قد يكون بدأ يشعر ان حلولاً ما قادمة على سورية، ستكون بالتأكيد على حسابه، وان العلاقة الأميركية - التركية الإيجابية في شأن سورية سيدفع «داعش» ثمنها، خصوصاً ان الحملات الدولية ضد دعم تركيا لـ «داعش» باتت أكثر وضوحا وبالتالي حرجاً لتركيا نفسها. لذا بدا ان «شهر العسل» المتبادل يسير نحو الانتهاء. في هذا المجال، ليس غريباً ان ينقلب «داعش» بالشكل الذي جرى على إحدى صنيعاته وراعيته أي تركيا، فنموذج «القاعدة» سابقاً ما زال حياً. أطلقت الولايات المتحدة تنظيم «القاعدة» ورعته وسلّحته بأحدث أنواع الاسلحة واستخدمته لقتال الجيش السوفياتي في افغانستان، وعندما انتهت هذه المهمة، تحولت «القاعدة» نحو ربيبتها الأصلية ونفذت ضدها أضخم العمليات الإرهابية في التاريخ الحديث عبر غزوات أيلول (سبتمبر) 2011. لذا لا يبدو سيناريو «داعش» تجاه تركيا خارج المألوف على هكذا أنواع من التظيمات الإرهابية.
في المقابل، لا يستبعد محللون ومراقبون للوضع التركي ان يكون من أهداف رئيسها أردوغان الهروب من معضلات الداخل نحو إدخال تركيا في معارك إقليمية، وإقحام الجيش التركي في حروب تضع المجتمع التركي أمام معضلات قومية كيانية تعيد حشد الشعوب التركية حول حزب «الحرية والعدالة»، ولا يستبعد هنا ان تكون خطة اردوغان التمهيد لانتخابات نيابية مبكرة تفيد من الأوضاع الجديدة التي تكون تركيا قد دخلتها، مستخدماً الحرب ضد «داعش» وضد الأكراد، العدو القومي للحزب، من أجل قلب موازين القوى الداخلية، بما يعيد لحزبه الأكثرية البرلمانية التي افتقدها.
مجدداً السؤال مطروح في وجه العرب ودورهم وموقعهم في الصراع الإقليمي الدائر حالياً. من مشروع إيراني مذهبي معاد للعرب والعروبة، يوطد أقدامه تباعاً في العالم العربي، الى مشروع تركي لا يقل عداوة عن المشروع الإيراني، خصوصاً ان «العثمانية الجديدة» المنبعثة لم تنس الموقف العربي في الحرب العالمية الأولى الذي وقف ضد تركيا آنذاك. ناهيك بالمشروع القومي الصهيوني الأصلي الذي يحتل الأراضي العربية ويمعن تقتيلاً في الشعب الفلسطيني ويشكل حاجزاً كبيراً في وجه نهضة العرب. كل ذلك مرمي في وجه العرب من أجل ان يكون لهم مشروعهم القومي ونهضتهم المتجددة.