رسالة الطيف المؤلف : بهاء الدين الإربلي /ج 2
خاص ألف
2015-08-16
أشوقا ولما تمض بي غير ليلة ... فكيف إذا راح المطي بنا عشرا
وكيف تقدمت هذه الأسباب على مسببها وهو محال، أم كيف أردت خداعي، وطالما خدع النساء الرجال، قدرتك على هذا الشان، ومعرفتك بعلم البيان، أجرت على لسانك الخلوب ما ليس له صورة في القلوب، فقلت قادرا وتلهو سادرا، لا ومن زين صبح الجبين بليل الشعر، وغرس في عذب الرضاب صغار الدرر، وخلق أقمارا أرضية أبهى من الشمس وأحسن من القمر، وحمل العيون بالكحل، ونصب الحدود أغراضا لموقع القبل، وأجرى فيها ماء الحياء فانبتت ورد الخجل، وأبدع في الجمع بين يواقيت الشفاه، ونرجس المقل، وأطلع في أغصان القدور رمان النهود، وأرسل وراد الشعور إلى الأرداف والخصور، وجعل الأسود الغلب فرائس نحور الحور، لست ممن يغتر بالأقوال المزخرفة، ولا ينخدع بالأسجاع المصففة، حتى استعلم أخبارك، وأقتص آثارك، وأسبر أحوالك، وأعلم ما عليك مما لك، وأرود مرادك، فأتحقق مرادك، وأسال عما عندك فؤادك، فإذا استحكم بك الهيام، وتمكن من قلبك الغرام، وأخبرت بما تعاني، وعرفت بالتجربة هذه المعاني، ونطق لسانك بما في قلبك، وظهرت شواهد الصدق على حبك، وشكوت مرارة الفراق، وذقت بعده حلاوة التلاقي، وجربت ما قيل في سهر الليل وطوله، وثبات نجومه وبطء قفوله، فهنالك إلى الاختيار ولى الخيار، وعلى قدر ما يتضح الحال، أكايلك بالمكيال، وميعادنا مثل اليوم بهذا المكان، وركضت إلى صواحبها ركض جواد الرهان فوقفت حائرا انظر إلى منيها واستخرج درر الدموع من أصداف أماقيها، من الطويل
وأصبحت من ليلى الغداة كناظر ... مع الصبح في أعقاب نجم مغرب
وأنشدت ما هو شرح حالي، وقد تضاعف بلبالي، من الطويل
لاموا على زفراته فشكا جوى ... واستغزروا عبراته فبكى دما
ركب اللجاجة في الغرام فكلما ... عنفوا عليه اللوم زاد وصمما
ولقد درى أن التهتك لم يفد ... قيسا ولا نفع البكاء متمما
وهي تمشى وتلتفت، وقد سلبت القلب وما اكتفت فاذكرتني شعرا كنت أنسيته دهرا، كشاجم.
من السريع
مستملح من كل أطرافه ... متحسن الإقبال والملتفت
لو بيعت الدنيا ولذتها ... بساعة من وصله ما وفت
سلطت الألحاظ منه على ... جسمي فلو أودت به ما اكتفت
واستعذبت روحي هواه فما ... تصحو ولا تسلو ولو أتلفت
فما كان إلا بمقدار ما غبا عن عياني، حتى اظلم علي مكاني، واعتراني جنون، وفاض عن عيني عيون من الكامل
ولقيت في حبك ما لم يلقه ... في حب ليلى قيسها المجنون
لكنني لم اتبع وحش الفلا ... كفعال قيس والجنون فنون
فقلت لغلام كان عبية أسراري. وجهينة أخباري، ويحك اقتص الأثر، وأوضح لي الخبر، واعرف الورد والصدر، وعرفني أين الكناس. ومن الناس، انطلقت مهرولا وأنشدت مستغربا.
من المتقارب
نظرت المها على غرة ... فعاينت شمسا وبدرا منيرا
وشاهدت إذ نظرت وانثنت ... غزالا غريرا وغصنا نضيرا
وعدت إلى داري، كاسف البال، سيئ الحال، مغلوب الجلد والاصطبار، مسلوب القلب والقرار، لا أجد أنسا بحاضر، ولا أهش لخليل ولا مسامر، من الطويل
إذا غبت لم اجزع لبعد مفارق ... سواك ولم أفرح بقرب مقيم
فيا ليتني أفديك من غربة النوى ... بكل خليل صادق وحميم
ومع الذي أجده من القلق التام وأجنة من الوجد والغرام، فأنا متطلع إلى عود الغلام: من الطويل
وإني إذا ما اشتقت ليلى وعزني ... إليها سلو أو تعذر مطمع
بعثت رسولي كي يراها فاجتلي ... سنا وجهها من وجه حين يرجع
وقيل في رسول الأحباب أشعارا أصفى من رائق الشراب، وارق من ماء المزن تحدر من متن السحاب، وأنشدني المولى الصالح الأعظم علاء الدين صاحب، الديوان أعز الله نصره لنفسه أيام دعاه الهوى، قلبي داعيه، وناداه الغرام فأجاب مناديه، أيام طلبنا في خدمته بالبيان والطيب، ونعمنا بلذة المبيت فيما شئنا من الطيب وجرينا في ميادين الصبا وركضنا إلى اللهو عنقا وخببا من البسيط
أيامنا بالحمى حييت أياما ... وزادك الله إجلالا وإعظاما
قد كنت بالأمس أحلاما بأنفسنا ... فما أصابك حتى صرت أحلاما
كانت لنا من عطيات الشباب فما ... دامت علينا ولا المعطى لها داما
وقال من الكامل
أعوام لهو كان ينسى طولها ... ذكر النوى فكأنها أيام
ثم انبرت أيام هجر أردفت ... بجوى أسى فكأنها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها ... فكأنها وكأنهم أحلام
منازل كانت مراتع الغزلان، ومطالع الوجوه الحسان، ومسانح الضباء الأونس، ومسارح المها الكوانس، ومطامح الأبصار، مطارح الإيراد والإصدار، وفواتح الملاذ والمسار، وبروج الكواكب الشوارق، ومجر الوالي ومجرى السوابق، وديار الأحباب وقرار النطف العذاب، ومجال الجذل والنشاط، ومحال اللهو والانبساط، ومشارق الأنوار، ومنابت النوار، ومنازل الأقمار، ومحاسن الآثار، وصاحب الأذيال، ومناخ الآمال، ومحط الرحال، ومصارع العشاق، وجوامع الرفاق فتركناها رغما، وفارقناها حتما، وعاد الزمان، فيها حربا، وكان سلما.
من الكامل
يا دهر كم لك مثلها من غدرة ... ولأنت اجدر أن تخون وتغدرا
جار الأحبة في قضايا حبهم ... فغدوت اظلم في القضاء وأجورا
أحبابنا النائين هل من عودة ... يصفو بها من عيشنا ما كدرا
قد طال في طول البعاد تعللي ... بعسى وليت وهل يكون وهل ترى
إذا مر ذكرها بالبال، ارتسمت فيلوح الخيال، انشدها لسان الحال،: من الطويل
ودار ندامى عطلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس
مساحب من جر الزقاق على الثرى ... وأضغاث ريحان جني ويابس
حبست بها صحبي وجددت عهدها ... وأني على أمثال تلك لحاسب
تدار علينا الراح في عسجدية ... حبتها بأنواع التصاوير فارس
قرارتها كسرى وفي جنباتها ... مها تدريها بالقسي الفوارس
فللخمر ما زرت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس
وللشعراء في الوقوف على الديار، والتردد في الآثار والبكاء في الأطلال، وتذكر أيام الوصال، معان ترقص لها الأسماع طربا، ويستشعر العشاق هما ونصبا اذكر لمعا من وشيها المرموق، وأعود إلى أبيات الخدوم. قال ذو الرمة: من الطويل
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ... ولازال منهلا بجرعائك القطر
وقال أبو تمام:
وقفوا علي اللوم حتى خيلوا ... إن الوقوف على الديار حرام
لا مر يوم واحد إلا وفي ... أحشائه لمحلتيك غمام
وقال البحتري: من الطويل
رأى البرق مجتازا فصار بلا لب ... وأصباه من ذكر البخيلة ما يصبي
وقد عاج في أطلالها غير ممسك ... لدمع، ولا مصغ إلى عذل الركب
قال السيد الرضي: من الكامل
ولقد وقفت على منازلهم ... وطلوعها بيد البلى نهب
فوقفت حتى ضج من لغب ... نضوي، وعج بعذلي الركب
وتلفت عيني، فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب
وقد جاء السيد بما لا يرد حسنة، ولا يدفع، وغير في وجه من شكا وجع الليت والاخدع، وقال ابن الاردخل.
من المنسرح
وقفت فيها وآي ارسمها ... ممحوة بالمحول أحرفها
مكفكفا عبرتي وودي لو ... أني ابكي ولا اكفكفها
ماذا على الركب من أراقتها ... هل هي إلا بلوى أخففها
وقلت: مجزؤء البسيط
واستعدلي دمع السحاب فقد ... أفنيت دمعي على الرسوم الخوالي
واعد لي ذكر العقيق وأيام تقضت أيامه وليالي
فطلابي رجوع ما فات من ... عصر الصبي والشباب عين المحال
وسؤالي رسما محيلا ونؤيا ... عاطلا من تعللات الضلال
فانظر إلى الهر وتنقله، واعجب من تغير كل حال وتبدله، وثق بمن لا يحول ولا يزول ولنرجع إلى أبيات المخدوم في وصف الرسول، جاءت إليه امرأة من الترك، قد نظمت معاني الجمال في سلك.
من الطويل
أبادية الأعراب عني فإنني ... بحاضرة الأتراك نيطت علائقي
واهلك يا نجل العيون فإنني ... جننت بهذا الناظر المتضايق
كان القمر وهبها جماله والغصن منحها لينه واعتداله، وكانت رسولا من حبيبته الحاكمة على مهجته فاجتمعنا في الخلد من غربي دجلة، فأنشدني لنفسه.
من الطويل
كالصبح قد وافى رسولك فانجلى ... ليل الهموم وذاك فال ناطق
فعملت أنك لا محالة زائري ... أبدا رسول الشمس صبح صادق
وهو معنى أبدع فيه غاية الإبداع، وملأ بالصواب فيه خروق الأسماع، فجاء كما ترى كالتبر المسبوك، وصدق: أن ملوك الكلام كلام الملوك، فعجب لحلاوة مقصده، وحسن مودته فأنشدته بديها: من الطويل
تعشقت رب الحسن لما رايته ... عيانا فجاهدت الهوى في سبيله
ومن حجبت عنه محاسن وجهه ... فغايته أن يهتدي برسوله
فجاء غاية في معناها، نهاية في صحة مغزاهما، وقال زهير المصري: من الطويل
رسول الرضى أهلا وسهلا ومرحبا ... حديثك ما أحلاه عندي وأطيبا
أيا محسنا قد جاء من عند محسن ... ويا طيبا أهدى من القول طيبا
ويا حاملا ممن احب رسالة ... عليك سلام الله ما هبت الصبا
وغلامي وان يكن رسولا يشبهه قليلا، وأنا اذكر الشيء عند ذكر مثله، أو ما هو مأخوذ من اصله، فبينا أنا ارسب في الفكر وأعوم، واستدعي السكون والكرى، وكلاهما معدوم، إذا عاد الرائد، فقلت: أين الصلة يا عائد، هل من جابية خبر، أم هل من دلالة على اثر، ابن حقيقة أمرك، ودلني على خبرك، وخبرك، أين الحبيب خبر فعهدك به قريب واشف قلبا قد احسر به الوجيب، وجفنا أقرحه البكاء والنحيب، من الخفيف
من راني قبلت عين رسولي ... ظن أن الرسول جاء بسولى
إنما حين قال أبصرت مأمولك قبلت من رأى مأمولي أن عيناً تأملت ذلك الوجه أحق العيون بالتقبيل قل ولا تكتم فتيلا ولا نقيرا، واعد حديثهم وزده تكريرا، من الطويل
اعد ذكر نعمان اعد أن ذكره ... هو المسك ما كررته يتضوع
فإن قر قلبي فاتهمه وقل له ... بمن أنت بعد العامرية مولع
ولو أن هذا الدمع يجري صبابة ... على غير ليلى قلت دمع مضيع
لقيت أمورا فيك لم الق مثلها ... واعظم منها منك ما أتوقع
فقال: تبعتهن وهن يتمايلن هيفا ولينا، ويتلفن شمالا ويمينا، فتظنهن أغصانا لدانا تقل أقمارا سافرة وظباء عينا من المتقارب
سترن المحاسن إلا العيونا ... كما يشهد المعرك الدار عونا
سللن سيوفا ولاقيننا ... فلا تسال اليوم ماذا لقينا
يمشين على تؤدي وسكون، وقد حبسن الأبصار وتمنطقن بالعيون، وقد أجاد أبو الطيب حيث قال: - من الوافر
وخصر تثبت الأبصار فيه ... كان عليه من حدق نطاقا
وقال القاضي الارجاني: من الكامل
جاءت بقد كالقضيب غدا ... بلواحظ العشاق منتطقا
وبدت وقد أبدت محاسنها ... خمسا تبين عذر من عشقا
ليلا على صبح على قمر ... في غصن بان في كثيب نقا
ونواظرا مخلوقة فتنا ... قطعت على أبصارنا الطرفا
وبينهن سيدة قلبك، وخازنة حبك، وسالبة لبك، وصاحبة هواك. المخامر، وجالبة همك المسامر، وهي تفوقهن جمالا وتهلوهن كمالا، وتفتن دلالا وتسبي العقول ميلا واعتدالا.
البحتري: من الخفيف
أعطيت بسطة على الناس حتى ... هي صنف والحسن في الناس صنف
نعمة الغصن إن تأود عطف ... منه عن هزة تماسك عطف
فلم أزل اقتص آثارهن، وأبلو أخبارهن حتى وصلن دجلة، طما، وزخر وهما ماؤها، وهمر وطغى مدها، وقهر ونهى السيل فيها وأمر، فكان الموج هضاب، أو ابل صعاب، أو قطع سحاب، أو ليل صد واجتناب، والسفن كأنها عقارب، وأذنابها شائلة، وهي على مثل الصرح المذاب جائلة كما قال السري الرفاء الموصلي: من الطويل
ولا وصل إلا أن أروح مغررا ... على ادهم من فوق اخضر مزبد
شوائل أذناب يخيل أنها ... عقارب دبت فوق صرح ممرد
وقال البحتري، من الكامل
ورمت بنا سمت العراق ايانق ... سحم الخدود لغامهن الطحلب
من كل طائرة بخمس خوافق ... دعج كما ذعر الظليم المهذب
وقلت:
ورب ليل غابت شوائبه ... والبدر كالشمس لاح في الأفق
كأنها جزعة يمانية ... تصقل درجا من ابيض الورق
ركبت فيه سفينة تسبق البرق وهوج الرياح في طلق فقلت ويلك، خل علم البيان، وعرفني حقيقة الشان، قال، فجلسن على شاطئ دجلة متأسفات على الجسور متخوفات من العبور، حذرات من ركوب السفن، في هذا التيار مشفقات من حوض ذلك الغمار دهشات من اضطرب. ذلك البحر الزخار، وأنا بحيث أراهم واسمع نجواهم، عدي بن زيد الرقاع العاملي: من الكامل
وكأنها بين النساء أعارها ... عينيه احور من جاذر جاسم
وسنان اقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم
فقالت إحداهن: لو علمنا إنا ندفع إلى هذا الخطر، ونقدم على هذا الغرر، لما تحلحلت من ذلك المكان، ولسلمت أمرنا الليلة التي تعنيك بالاسم واللقب، وتأتي من شكرك بالعجب، فهو يحب الضيف المفاجئ في الليل الداجي، ويميل إلى الطارق في الجنح الغاسق، فيهش مبتسما، وينشد مترنما: حاتم: من الرجز
أوقد فإن الليل ليل قر ... والريح يا واقد ريح صر
عسى يرى نارك من يمر ... إن جلبت ضيفا فأنت حر
هذا إلى أخلاق أجري من الزلال، وارق من نسيم الشمال. وأشعار كالسحر الحلال، وأخبار أطيب من ذكر ليالي الوصال، البحتري: من الخفيف
من معان لو فصلتها القوافي ... هجنت شعر جرول ولبيد
جزن مستعمل الكلام اختبارا ... وتجنبن ظلمة التعقيد
وركبن اللفظ القريب فأدركن به غاية المرام البعيد فقالت منهن دواء دائك، ومهدية شفائك، والله لو بتنا الليلة عنده، لأحييناها سمرا وجدالا، وأحييناه أنسا ووصالا، ومنعمنا به وأنعمناه بالا، ولقطعناها ليلة انضر من أيام الشباب، وأحلى من رضاب الأحباب، وفزنا بمفاكهته، وشركناه في شرابه وفاكهته، وجرينا معه في فنون وعيون، واجمعنا بين ليلى والمجنون، فقالت أخرى إن كان عزمكم صادقا، فلن تجددوا إلا موافقا، وأنا رسولكم إليه، والقادمة بأخباركم عليه، فما اربحها من تجارة وأحلاها عنده من بشارة فأفوز بوده والثواب، واحصل أجر الشهداء في الجمع بين الأحباب، من الخفيف
إن من بشر المحب بوصل ... وسعى في اجتماعه بالحبيب
لجدير بكل حمد وشكر ... وثواب من المجازى المثيب
فقالت أخرى: بل المصلحة إن نغشاه من غير ميعاد، ونقصده وما أخذ في استعداد، فيتضح لنا حاله عند مشاهدته، ونقرا في ضميره من أسرته، ويكون محبوبه البشير، ويطلع على ليل الهم قمر السرور المنير، أما سمعتن من قال يصف هذه الحال: من المنسرح
افدي حبيبا مثل بدر الدجى ... من فوق لدن العقد مياد
صدوده يذكي غليل الجوى ... والوصل يروى غلة الصادي
رأى جنوني وغرامي به ... فزارني من غير ميعاد
فقالت مصباح النواظر وراحة الأرواح والخواطر، وصقل الإفهام، ونهاية الأقدام، ودرة الغواص، وظبية القناص، وفتنة العام والخاص، اعلمن انه لا نجاة له من الغرام، ولا شفاء من السقام، قد أسرته تلك الإشارات، وقادته إلى الهوى آياته البينات، كم أدعي الحماسة يوم الجلاد، فغادرته تلك المقامات، مسلوب الفؤاد، وحملته العين على تقتحم الخطر، وساقه إلى الصبابة الجمال المعتبر، وملكته العيون، وسلبته السكون، وانتم إخوان الصفاء، وذوات الوفاء، والظفر بمثله غنيمة باردة ونعمة زائدة، وإهمال أمره دليل على فساد الرأي وأفنه، والاهتمام بما يحفظ وده صواب تفهم المصالح من ضمنه، وأنا أرى أنا متى زرناه استحكم وجده، وكمده وغلب صبره وجلده، والمصلحة أن تنفذ إليه من يعرفه. مواقع هذه المنة وينبهه على قطف ثمار الجنة، والتفتت كالظبي إذا رنا، والغصن إذا انثنى فرأتني مستترا وأنا ارعد حذرا، فقالت: هلم يا غلام واقر أستاذك السلام، وقل قد أظفرك حكم القدر المتاح، ونحن ضيوفك إلى الصباح، فهيئ جميع الأسباب، وانظرنا عند الباب، وأخل الدار من الأغيار، واشكر معاونة الأقدار، وانشده عني وصرح ولا تكني: من المنشرح
جاد بما تطلبه الدهر ... وزار في جنح الدجى البدر
أحوى رشيق القد فتانه ... يخجل منه الغصن النضر
في لفظه خمر وفي ريقه ... خمر وفي وجنته خمر
فقلت: جعلت فداك، ومن أستاذي الذي ابلغه معنى هذا الكلام، ومن أنا من هذا الأنام، ومن الذي ابشره، وما البشارة، والى من وقعت هذه الإشارة، فقالت: ويلك عد عن الإطالة، فما أنفذت إلا لهذه الحالة، فقد جاءكم ما لم يكن في الحساب، ولعن الله رزقا لا يدق الباب، وقد كنتم تقنعون من العين بالأثر، ومن العيان بالخبر، فدع موارد النزاع والصداع، فقد كشفنا عن القناع، وسارعنا إلى اللقاء مع اقرب العهد بالوداع، وانشده: من الخفيف كنت ترضى بالطيف إن عاود النوم جفونا كما زعمت قصارا فجرت بالذي تريد المقادير ووافاك من تحب وزارا فلم املك إعادة جواب، ولا إطالة خطاب، وقد سابقت إليك هوج الرياح، وأتيتك في الليل بشمس الصباح، فقم على قدميك، وتلق بالترحاب من قدم إليك، فهذا لم يكن ببالك، ولا تصور في خيالك، وانشد أبياتك الأمثال في وصفك هذه الحال: من السريع
أهلا وسهلا بك من مؤنس ... ينظر عن طرف الطلا النافر
أهلا وسهلا بك من زائر ... يخجل نور القمر الزاهر
أهلا وسهلا بك يا نزهه ... وراحة للقلب والناظر
رددت بالقرب من زمان الصبى ... وطيب عيشى السالف الغابر
وعيشة دلت على حاجز ... جاد الحيا السكب ربا حاجز
نهاية الجزء الثاني
ألف / خاص ألف /
يتبع ...
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |