السهروردي القتيل جمع بين الصوفية والفلسفة وتأثر بأفلاطون وزرادشت وهرمس خالد أبو الروس
خاص ألف
2015-08-16
بعد أن ازدادت أحقاد فقهاء حلب على شهاب الدين أقاموا له مكيدة فدعوا الى مناظرة علنية في أحد جوامع حلب وسأله أحد فقهائها هل يقدر الله أن يخلق نبيا آخر بعد محمد؟ فأجاب السهروردي: الله لا حد لقدرته كما يقول الأصفهاني في كتاب (البستان الجامع) فاجتهد الفقهاء أعداؤه وتأولوا في اجابته أن السهروردي يجيز خلق نبي بعد محمد، فشكوا كفره وخروجه عن الدين وطالبوا بقتله الى ابن صلاح الدين الأيوبي فردهم فرفعوا الأمر الى والده فأرسل لولده رسالة تشير عليه بقتل السهروردي، وهذا ما كان.
فيما يخلط البعض بين الصوفي القطب شهاب الدين يحيى السهروردي أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي ويلقب بـشهاب الدين، الذي اشتهر بالشيخ المقتول وبين صوفيين آخرين هما: شهاب الدين أبو حفص عمر السهروردي، مؤلف كتاب عوارف المعارف في التصوف، وصاحب الطريقة السهروردية، أما الثالث فكان اسمه أبو النجيب.
ولد السهروردي في منتصف القرن الثاني عشر وتحديدا عام 549هـ/1155م في بلدة سهرورد بالقرب من مدينة زنجان الحديثة الواقعة في شمال ايران بين قزوين وسلسلة جبال البورز المشهورة بارتفاعها الشاهق، ونشأ في مدينة مراغة، من أعمال أذربيجان، المدينة القريبة الى مسقط رأسهم التي أرسله اليها والده وهو ابن عشر سنين ليتعلم فيها على يد الشيخ مجد الدين الجيلي في مدرستهم، فبدأ حياته العلمية صغيرا حيث شرع بقراءة القرآن والحديث وقواعد الصرف والنحو، ثم حضر دروس الفقه والأصول والمنطق والفلسفة حتى برع فيها، وهناك تعرف على زميل الدراسة فخر الدين الرازي وجرت بينهما نقاشات ومباحثات عديدة.
انتقل الى أصفهان في وسط ايران، المركز الرئيس للحركة العلمية آنذاك، فوجد السنة السينوية لا تزال حية، فأتم دراساته المقررة على يد الشيخ ظهير الدين القاري، وقرأ كتاب البصائر النصرية في المنطق لعمر بن سهلان الساوي، وطالع كتب ابن سينا التي كانت تحظى باهتمام بالغ من قبل العلماء.
يقول تلميذه الشهرزوري عنه انه سافر في صغره لطلب العلم والحكمة الى أصفهان، وبلغني انه قرأ هناك بصائر ابن سهلان الساوي على الظهير الفارسي. وفي أصفهان أيضا بدأ بكتابة مطولاته الأولى بستان القلوب كما أعجب برسالة الطير لابن سينا فقام بترجمتها الى الفارسية كان من علماء عصره قرأ الحكمة وأصول الفقه الى أن برع فيهما وعليه تخرج وبصحبته انتفع، وكان اماما في فنونه قال في طبقات الأباء: وكان السهروردي أوحد زمانه في العلوم الحكيمية جامعا للعلوم الفلسفية بارعا في الأصول الفقهية مفرط الذكاء فصيح العبارة وكان علمه أكثر من عقله.
ويقال: انه يعرف علم السيمياء ويحكى عنه في أشياء غريبة حكي بعضها في: مدينة العلوم ووفيات الأعيان، وله تصانيف منها: التلويحات والمطارحات في المنطق والحكمة وهياكل النور وحكمة الاشراق في الحكمة والتنقيحات في أصول الفقه الى غير ذلك وله في النظم والنثر أشياء لطيفة لا حاجة الى الاطالة بذكرها، وكان شافعي المذهب وكان يلقب: بالمؤيد وبالملكوت وكان يتهم باختلال العقيدة والتعطيل ويعتقد مذهب الحكماء المتقدمين واشتهر ذلك عنه فلما وصل الى حلب أفتى علماؤها باباحة دمه وقتله بسبب اعتقاده وما ظهر لهم من سوء مذهبه وكان أشد الجماعة عليه الشيخان: زين الدين ومجد الدين ابنا حميد.
قال سيف الدين الأمدي: اجتمعت به في حلب فقال لي: لا بد أن أملك الأرض فقلت له: من أين لك هذا؟ قال: رأيت في المنام كأني شربت ماء البحر فقلت: لعل هذا يكون اشتهار العلم وما يناسب هذا فرأيته لا يرجع عما وقع في نفسه ورأيته كثير العلم قليل العقل وقال: انه لما تحقق القتل كان كثيرا ما ينشد:
أرى قدمي أراق دمي ** وهان دمي فها ندمي
وكان ذلك في دولة الملك المظفر صاحب حلب ابن السلطان صلاح الدين فحبسه ثم خنقه في خامس رجب سنة 582، بقلعة حلب وعمره ثمان وثلاثون سنة وكان الناس مختلفين في حقه:
منهم: من نسبه الى الزندقة والالحاد.
ومنهم: من يشهد له بحسن الاعتقاد.
وقال القاضي بهاء الدين المعروف: بابن شداد قاضي حلب-: ان السهروردي كان كثير التعظيم لشعائر الدين وأطال الكلام في ذلك وذكر نفسه في آخر التلويحات في وصايا ذكرها هناك: واتق شر من أحسنت اليه من اللئام ولقد أصابني منهم شدائد.
ومن كلامه: الفكر في صورة قدسية يتلطف بها طالب الأريحية ونواحي القدس دار لا يطأها القوم الجاهلون وحرام على الأجساد المظلمة أن تلج ملكوت السموات فوحد الله وأنت بتعظيمه ملآن واذكره وأنت من ملابس الأكوان عريان ولو كان في الوجود شمسان لانطمست الأركان وأبى النظام أن يكون غير ما كان:
فخفيت حتى قلت: لست بظاهر ** وظهرت من سعيي على الأكوان
لو علمنا أننا ما نلتقي ** لقضينا من سليمى وطرا
اللهم خلص لطيفي من هذا العالم الكثيف.
مـؤلفـاتــه
أجمع الباحثون على أنه وجبت الاشارة الى أن أكثر الذين نقلوا مؤلفاته وقعوا في التباسات عديدة حيث هناك كتب ثابتة عنه لاخلاف ولاريب فيها كما أن هناك العديد من الكتب مشكوك فيها، وبالبحث والتحقيق تبين أن للسهروردي محقق هذه الكتب حكمة الاشراق والمشارع والمطارحات وهياكل النور ورسالة مختصرة والأربعون اسما والأسماء الادريسية وكتاب البصر بالاضافة الى الكتب والرسائل المشهورة منها التنقيحات في الأصول والرقيم القدسي ورسالة في اعتقاد الحكماء ورسالة عقل سرخ والبارقات الالهية والرمز المومي ومع أنه كان من كبار المتصوفة في زمانه ومن أفقه علماء عصره بأمور الدين والفلسفة والمنطق والحكمة ويسمى مذهبه الذي عرف به حكمة الاشراق وله كتاب بهذا الاسم.
ويعد السهروردي أول من تصدى للفلسفة المشائية في القرن السادس الهجري، فقد أعرب في مؤلفاته عن تبرمه بها، ونزوعه الى الفلسفة الاشراقية، وهذا يعني أنه كان صوفياً أكثر من كونه فيلسوفاً، على أنه يضع الفلسفة والتصوف في علاقة خاصة لا توجد عند غيره، وهو يميز بين نوعين من الحكمة:
معنى الإشراق بالنسبة إلى أصحابه
الاشراق يعني انبثاق النور، ومن خلال هذه الكلمة أراد أصحاب هذه المدرسة أن يبينوا المنهج الذي يعتمدون عليه، حيث يميزهم عن المنهج المشائي. يقول المحققون: ان سبب ذلك هو أن العلم نورٌ يُشرق في قلب العارف، فهم يعتقدون أن مثل القلب مثل المرآة المجلوة المصقولة، محاذٍ للوح المحفوظ وما عليه من العلوم والحقائق الالهية، فكما لا يمكن أن يكون شيء محاذياً للمرآة المصقولة ولا يؤثر فيها، فكذلك لا يمكن أن يكون شيءٌ محاذياً للوح المحفوظ وهو لا يرى في المرآة القلبية الصافية.
فهم يدعون أنهم بتطهير القلب من أدران الذنوب، وبصقل النفوس من الشذرات والصغائر الدنيوية تشرق العلوم والمعارف في قلوبهم، فيطلعون على حقائق الأشياء.
الإشراق السهروردي
الاشراقية قديمة تبدأ من الفيلسوف اليوناني أفلاطون الذي قال ان العالم ما هو الا فيض عن العقل الأول (العقل الفعال)، أما في صورتها الاسلامية، فانها تعود الى حكمة المشارقة أهل فارس، وهي تعني الكشف، وبعبارة أخرى الاشراقية الاسلامية تعني الوصول الى المعرفة الحقيقية عن طريق الذوق والكشف، وليس عن طريق البحث والبرهان العقليين.
والذي يميز هذه المدرسة عن غيرها من المدارس اعتمادها في تحصيل معارفها على أمورٍ عدة: الأول: العقل والاستدلال المنطقي والفلسفي. الثاني: الذوق الفطري وصفاء الباطن. الثالث: اعتمادها على ظواهر القرآن الكريم، والسنة وعلى هذا تكون هذه الفلسفة قد مزجت بين العقل والشهود والقرآن والسنة. الرابع: سعت هذه المدرسة لتقدم رؤيةً كونيةً، عن الوجود والكون والله والآخرة.
وبالنسبة الى السهروردي الذي كان من أهم مفكري المدرسة الاشراقية لا يعني الاشراق الذوق والكشف فقط وانما استعمله السهروردي استعمالاً خاصاً فقد ذهب الى أن الله نور الأنوار ومن نوره خرجت أنوار أخرى هي عماد العالمَين المادي والروحي. وأضاف: أن النور الابداعي الأول فاض عن الأول الذي هو الله/ نور الأنوار وتصدر عن النور الابداعي الأول أنوار طولية سماها القواهر العالية وتصدر عن هذه القواهر أنوار عرضية سماها أرباب الأنواع تدير شؤون العالم الحسي، فابتدع عالماً أوسط بين العالمين العقلي نور الأنوار والعالم المادي سماه عالم البرزخ وعالم المُثل وهو ما يذكر بعالم المُثل عند أفلاطون.
الحقد عليه
بعد أن ازدادت أحقاد فقهاء حلب على شهاب الدين أقاموا له مكيدة فدعوا الى مناظرة علنية في أحد جوامع حلب وسأله أحد فقهائها هل يقدر الله أن يخلق نبيا آخر بعد محمد؟ فأجاب السهروردي: الله لا حد لقدرته كما يقول الأصفهاني في كتاب (البستان الجامع) فاجتهد الفقهاء أعداؤه وتأولوا في اجابته أن السهروردي يجيز خلق نبي بعد محمد، فشكوا كفره وخروجه عن الدين وطالبوا بقتله الى ابن صلاح الدين الأيوبي فردهم فرفعوا الأمر الى والده فأرسل لولده رسالة تشير عليه بقتل السهروردي، وهذا ما كان.
يقـول المؤرخ ابـن تغـري بردي: فكتب أهل حلب الى السلطان صلاح الدين: أدرك ولدك والا تتلف عقيدته. فكتب اليه أبوه صلاح الدين بابعاده، فلم يبعده، فكتب بمناظرته.
فناظره العلماء، فظهر عليهم بعبارته، فقالوا انك قلت في بعض تصانيفك ان الله قادر على أن يخلق نبيا وهذا مستحيل. فقال: ما وجه استحالته؟ فان الله القادر هو الذي لا يمتنع عليه شيء.فتعصبوا عليه فحبسه الظاهر، وجرت بسببه خطوب وشناعات.
لم تنته هذه الحرب بين فقهاء الدين ورجاله وبين المتصوفة، بين أهل الشرع وأهل القلب، الى اللحظة، حرب راح ضحيتها كبار أقطاب التصوف والعلم، كان يقف أهل السلطة والسلطان فيها الى جانب الفقهاء وأهل الشرع خوفا من تأليبهم الشارع على السلطان بحجة التعاطف مع المتصوفة الخارجين.
وفي تفسيره لموافقة صلاح الــدين على الحكم الذي أصدره فقهاء حلب بــاعدام السهروردي، يقول سبط ابن الجـوزي ان صلاح الديــن كان مبغضاً لكتب الفلسفـة وأرباب المنطــق ومن يعانـد الشريعـة، أمـا المؤرخ بروكلمــان، فقــد أشــار في تاريخـه، الى اعتقاد علماء حلب وفقهائها بارتبـاط السهروردي بأفكار القرامطة، تلـك الجمـاعة المعادية للدولة، والتي شنـت الحـــروب على المسلمـين وقادتهـم.
وبالرغم من أن الباحث عزمي طه، من المؤيدين للتصوف، الا أنه يقر باختلاف أفكار السهروردي وانحرافها، اذ يقول: والحق أن هناك الكثير من الآراء التي أوردها السهروردي في كتبه المختلفة، بجانب صعوبة فهمها وغموضها، تنطوي على آراء مخالفة للعقيدة الاسلامية، وتقترب في مضمونها من فكرة وحدة الوجود، وتجعل ما أسماه الحكيم المتأله في مرتبة الأنبياء أو أعلى درجة، وقد عد السهروردي نفسه القطب الذي تبغي له الرئاسة، وأنه المؤهل ليكون خليفة الله، الأمر الذي أدى بعدد من الفقهاء الى القول بتكفيره.
بينما يؤكد هنري كوربان في مقدمته لحكمة الاشراق: الحكيم الكامل عند السهروردي هو الحكيم المتأله، ذلك الذي عاش التأليه الداخلي السري، الذي يقابل ليس فقط عين اليقين وانما حق اليقين ويقول في مكان آخر من المقدمة تناقش الفلسفة المفاهيم، أما الحكمة الذوقية فتغور في أسرار المرور من المرئي الى اللامرئي، واذا ما هي غارت فيها فلأن الحكيم المتأله هو نفسه مكان هذا المرور. عم لقد استطاع السهروردي شهاب الدين الجمع بين العلم والذوق بين العقل والقلب، فكأنما جمع افلاطون مع هرمس.
يقول السهروردي:
قل لأصحابٍ رأوني ميتاً
فبكـوني اذ رأوني حـزَنا
لا تظنـوني بأني ميتٌ
ليسَ ذا الميِتُ والله أنا
أنا عصفورٌ وهذا قفصي
طرتُ منهُ فـتخلى رَهنًا
قال قطب الدين الشيرازي في مقدمة كتاب حكمة الاشراق للسهروردي: انها الحكمة المؤسسة على الاشراق الذي هو الكشف، أو حكمة المشارقة الذين من أهل فارس، وهو أيضاً يرجع الى الأول، لأن حكمتهم كشفية ذوقية، فنُسبت الى الاشراق الذي هو ظهور الأنوار العقلية ولمعانها وفيضانها بالاشراقات على النفوس عند تجردها، وكان اعتماد الفارسيين في الحكمة على الذوق والكشف، وكذا كان قدماء يونان، خلال أرسطو وشيعته، فان اعتمادهم كان على البحث والبرهان لا غير. ويرى الاشراقيون أن المعرفة لا تقوم على تجريد الصور، كما يقرر المشاؤون (أتباع فلسفة أرسطو)، بل هي معرفة تقوم على الحدس الذي يربط الذات العارفة بالجواهر النورانية صعوداً كان أم نزولاً.
ومن أبدع ما للسهروردي من أفكار عرفانية قوله: عندما أزال ترتيب العقل عنه، رفع عنه الكون والمكان، ناظرا لمقام الخلة، ظهر له العيان، فطوي له المكان من رسالة لغة موران، وقوله عن الوجد: ا، فمن. وكتب: المحبة من لوازم المعرفة، وان كانت المعرفة قليلة، وكل معرفة توجب محبة وان كانت قليلة، فاذا كملت النفس بها فذلك نور على نور، والمحبوب من يكون لنفسه فطنة وحدس قوي ينال دون تعب عظيم ما لا ينال غيره.
كان السهروردي متأثرا بثلاث شخصيات هم افلاطون وزرادشت وهرمس الذي يكاد يكون مجهولا لدى الكثير بل لدى المْؤرخين أيضا، حيث يقولون ان هرمس هذا كان حكيما كبيرا في التاريخ، بل وبعض المسلمين يدعون ان هرمس هو النبي ادريس. غير أن هذا الادعاء بعيد عن الحقيقة كل البعد، لان أفكار هرمس بعيدة عن أفكار النبي ادريس، وهي بالتالي بعيده عن أفكار القران الكريم. وربما تتجلى لنا الأفكار التي تأثر بها شيخ الاشراق من خلال بعض عبارات كتاب له حيث يقول: كانت في ايران القديمة امة تدار من قبل الله، وحكماؤهم الشامخون كانوا يختلفون كليا مع المجوس، واني سجلت الأصول السامية لعقائدهم التي هي أصالة النور، وقد كملتها تجربة أفلاطون الى مرحلة الشهود، وذلك في كتابي المسمى بحكمة الاشراق، ولم يسبقني الى هذا العمل أحد.
ذكر بعض الباحثين في تفسير مسبق قوله يبدو واضحاً من هذا القول ان هذا الرجل قد تجاوز رسالة الاسلام وارتبط بالفرس القدماء، وهذه الحقيقة يؤكدها الفيلسوف المعروف الملا صدرا الشيرازي حيث يقول: الرجل - يعني شيخ الاشراق السهروردي - كان متأثـراً بفلسفة النور عند المجوس، هذا من جانب، ومن جانب آخر فان هذا الرجل كان منهزماً نفسيا امام الثقافات الاغريقية، فمن خلال تعبيراته نستطيع أن نقف على حقيقة وطبيعة هذا الجانب من شخصية السهروردي الذي يقول: (شاهدت أرسطو وقد تراءى لي شبحاً فسألته ما رأيك في أفلاطون؟ ويجيبه - شبح أرسطو الذي مات قبل سهروردي بقرون متطاولة - بأن أفلاطون هو اكبر فيلسوف وأعظم عارف، وبأنه مؤسس الثقافة الانسانية). ويسرد سهروردي عن لسان شبح أرسطو فضائل لا تحصى عن أفلاطون!!.
أضافوا ثم ان شيخ الاشراق يسأل أرسطو عن مدى فهم الفلاسفة المسلمين لأفلاطون، فيجيب شبح أرسطو - على لسان السهروردي - أن مدى فهم الفلاسفة المسلمين لأفلاطون كنسبة الواحد الى الألف، وهذا النقل المستوحى من شيخ الاشراق، يظهر مدى ذوبان الرجل في الأفلاطونية، فيحاول أن يظهر ان أفلاطون هو القمة الشامخة في واقع الفلسفة، وانه ليس لدى الفلاسفة المسلمين شيء. فهو ينقل ايحاءً ورؤيا عن أرسطو لتبرير ما يذهب اليه، وما حكاه عن أفلاطون ليس وحياً منزلاً عبر شبح أرسطو، بل هو في الواقع تعبير عما يدور في خلد السهروردي. لأنه كان متصاغراً أمام أفلاطون، حتى قيل: ان السهروردي من أكثر فلاسفة المسلمين الذين صرفوا أوقاتهم في تفسير كلمات أفلاطون.
خاتمة السهروردي
بسبب علمه وحجته البالغة التي غلبت كل فقهاء عصره قام هؤلاء فكتبوا محاضر بكفره وبعثوها الى السلطان صلاح الدين الأيوبي وخوفوه أن يفسد اعتقاد ولده فكتب الى ولده يأمره بقتله حتما، وحينما قبض على السهروردي وأعلم بقرار قتله اختار لنفسه الموت جوعا في البرية وقال البعض انه مات سنة 1191 في قلعة حلب وهو ما يزال شاباً ابن ست وثلاثين سنة، لكن الكثيرين يحسبون أن علمه يبلغ أضعاف أضعاف عمره.
وعلى الرغم من تلك الخاتمة المفزعة بقيت كلمات السهروردي شهاب الدين وأفكاره تنير قلوب الملايين وتغنى بأشعاره عشاق الخمرة الالهية طلاب النقاء على مر العصور فلنختم ببعض من أبيات شيخ الاشراق:
أبداً تحن اليكمُ الأرواحُ
ووصالكم ريحانها والراحُ
وقلوبُ أهل ودادكم تشتاقكم
والى لذيذ وصالكم ترتاحُ
يا صاح ليس على المحب ملامةٌ
ان لاح في أفق الوصال صباحُ
لا ذنب للعشاق ان غلب الهوى
كتمانهم فنما الغرام فباحوا
بالسر ان باحوا تباح دماؤهم
وكذا دماء البائحين تباحُ..
عن جريدة النهار الكويتية
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |