Alef Logo
الآن هنا
              

سوريا: تفكّك الثورة والسلطة / حسين العودات

2015-08-23

تداخلت الأحداث في سوريا بحيث تغيّر كل شيء، تغير مضمون الانتفاضة وأهدافها والثورة ومساراتها والحراك الشعبي وفعاليته. وتحوّلت السلطة إلى سلطة عنفية عدوانية تقصف شعبها بكل أنواع الأسلحة وكأنه عدوّ زنيم، ولا تحسب للضحايا ولخسائرهم ولدمار البلاد حساباً. كما تهمّشت المعارضة الشعبية التي ازدهرت في الأشهر الأولى للانتفاضة، والتي كانت حراكاً سياسياً نشطاً ومتوازناً ينادي بإصلاح النظام في المرحلة الأولى وتحقيق الكرامة والحرية ورفع يد أجهزة الأمن، ثم تحوّل إلى مطلب إسقاط النـــظام بعدما ووجه بالعنف والرصـــاص. وأخيراً تطور الأمر فلم تعد الثورة ثورة ولا السلطة سلطة، وتحوّل الجميع إلى مجموعات مسلّحة تتحارب من دون هدف رئيسي واضح غالباً، ومن دون خطة واضحة، وتقود هذه المجموعات أحقادها وردود الفعل في أغلب الأحيان.
بسبب عنف السلطة وهمجية استعماله، تطوّر الحراك الجماهيري رداً على ذلك إلى معارضة مسلحة، ثم تشظّت هذه المعارضة إلى مجموعات مسلّحة منفصلة بعضها عن البعض الآخر، لكل منها أهداف مختلفة وممارسات مختلفة. ولم تستطع فصائل المعارضة المسلحة هذه أن تتوحّد تحت قيادة واحدة طوال ما يقارب السنوات الخمس بل تشظّت أكثر فأكثر وشكلت عشرات المجموعات المسلّحة يقود كل منها قائد، من دون أن يكون له أي روابط جدية أو تشاور جدّي مع القادة الآخرين. وتحوّلت أهداف كل مجموعة إلى أهداف محليّة صرفة، واستقلت هذه المجموعات في مناطق تسيطر عليها وتناست الأهداف الرئيسية للثورة وبنيتها العامة. وبديهي مع شروط وظروف كهذه أن تتفسخ هذه المجموعات العسكرية إلى مجموعات أصغر وأصغر، وأن يتحوّل بعضها إلى أداء مهمات أخرى كالخطف والابتزاز والتهريب وممارسة الأفعال المشينة، وتستقوي بذلك كونها قوات مسلحة أيضاً ولها الحق بمعاقبة الشعب واعتقاله بل وقتل المخالفين. واستمتعت بأن تبنّت أسماء تاريخية مشهورة أو أسماء مناطق جغرافية مثل «جيش الفتح» و «جيش الإسلام» و «جيش شهداء اليرموك» وغير ذلك. وأنا أعرف شخصياً بعض قادة الفصائل الصغيرة، حيث لا يتجاوز عدد مسلحيها الخمسين ويرأسها أحد الذين كانوا إما وجهاء في مناطقهم أو عاطلين عن العمل، ويتصرفون الآن وكأن واحدهم قائد جيش كبير له الحق بفرض ما يريد على المنطقة التي يتواجد فيها وعلى السلطة، فيقطع المياه عن الناس إذا كانت مضخّاتها في منطقته، كما يقطع الكهرباء أيضاً، ويخرّب مراكز تحويل الكهرباء ويمنع التجول كما يريد ويبتز الناس بمختلف السبل وبأبشع الطرق وبجشع لا حدود له. وفي الوقت نفسه، يتصرف بالمواد الغذائية والصحية التي تحتاجها الجماعة والتي تأتي للمنطقة التي يهيمن عليها سواء من حيث الأسعار التي قد يرفعها إلى أضعاف عدة، أم من حيث التوزيع على الناس بغير التساوي. وهذا كله يعتبر مصدر دخل مالي كبير لرئيس المجموعة ولمجموعته كي تؤمن مصاريفها وتسلحها هذا، إضافة إلى ما يأتيها من دعم خارجي.
في المقابل، تناست السلطة أنها سلطة حكومية مسؤولة عن الدولة والشعب وحياته وأمنه وممتلكاته، وتصرفت على العكس من ذلك. فقامت هي نفسها بتدمير البنية التحتية والمساكن وقصف المدنيين بكل أنواع الأسلحة بما فيها البراميل المتفجرة التي تسقط عشوائياً ولا يمكن تحديد أهدافها. ثم تراخت المركزية في القوات المسلحة أمام الظروف الطارئة فتحوّلت هذه القوات بدورها إلى مجموعات مسلحة تقوم ما تقوم به مجموعات المعارضة، فتهرّب وتبتزّ وترتشي وتنشر الفساد وتتلاعب بالأغذية والأدوية، وصار كل ضابط يقود مجموعة مسلحة يعتبر نفسه الحاكم المطلق للمنطقة التي هو فيها. وتناست هذه المجموعات العسكرية الرسمية الأهداف الأصلية أيضاً، ولم تحاول حتى تغيير وعي الناس وإفهامهم موقف السلطة. وتخلّت بذلك عن مهماتها الأساسية مثل احترام القانون وسيادة واحترام الدستور والعمل على تأمين حاجات المجتمع والاستمرار بالمحافظة على البنية التحتية له، وعمدت السلطة أمام تراجع قواتها إلى استدعاء قوات أجنبية لتحارب مع قواتها المسلحة وتقف في وجه فصائل المعارضة المسلحة (وتتحدّث عن السيادة مع ذلك)، وتغضّ النظر عن جميع الممارسات المشوّهة والشائنة التي تمارسها بعض فصائل القوات المسلحة. ومعروف لدى السوريين الآن أن بعض هذه القوات أو بعض أفراد منها هم القادرون على تهريب السوريين خارج بلادهم، أو تمرير الشاحنات داخلها من دون تفتيش بل على إخفاء المطلوبين إما للخدمة العسكرية أو لغيرها. وهكذا تحوّلت القوات المسلحة إلى فصائل متفرقة يقود كل منها ضابط نادراً ما تنسق مع الفصائل الأخرى، كما تتجاهل في أحيان كثيرة أوامر القيادة المركزية للجيش، وبالتالي تطوّرت فصائل المعارضة المسلحة وفصائل القوات السورية الرسمية إلى حال مشابه يغشاه التبعثر وضياع الهدف وعدم الترابط واختلاف الوسائل. ونتيجة للتطورات الأخرى في سوريا وخاصة تعمّق الطائفية والعشائرية والإثنية وتهميش مرجعية المواطنة، سرت أحقاد بين هذه الفصائل المعارضة والموالية، وتشكّلت مجموعة قيم جديدة للفرد والجماعة تتناسى الوطنية المشتركة للجميع والمساواة والمشاركة ورفض المرجعيات الثانوية، حتى غدا مفهوم مخالفة القيم كالسرقة والنهب ورفع الأسعار والاحتكار وحتى القتل والموت أموراً ليست فائقة القبح، بل مقبولة في أحيان كثيرة من شرائح المجتمع السوري.
إن هذا الحال وهذه الفوضى تشكل عقبات جدية أمام الوصول إلى أي تسوية مهما كانت، إما لأنها لا تتفق على أهداف محدّدة وشروط محددة للتسوية، أو لأنها لا تريد أن تقطع مزاريب الذهب التي تقدم لها مالاً وخيراً، ولهذا لم يعد هناك إمكانية للاعتماد على الداخل السوري سلطة ومعارضة للوصول إلى هذه التسوية.
ويصح القول إذاً إن القادر على الحل موجود خارج الحدود السورية وليس داخلها. وإن لم يتوفر موقف حازم من دول إقليمية ومجموعات دولية تهيئ مشروع تسوية وتفرضه على الجميع بمختلف الوسائل، سواء منها وقف المساعدات المالية وغير المالية ووقف التسليح والتسلح، فلن يمكن الوصول إلى حل للأزمة السورية المتشعبة والمستعصية.
مع ذلك، هناك نقاط انفراج تلوح في الأفق، قد تكون بسبب التأثيرات السلبية للأزمة السورية على دول المحيط وسياساتها، بل وتسببها غير المباشر بنمو المنظمات الإرهابية التي بدأت تمتد خارج الحدود سواء في الدول العربية أم الأوروبية أم في القوقاز الروسي، وهذا ما زاد اهتمام الدول المعنية بالأزمة والسعي الدؤوب لحلها، وقد سمعنا قبل أيام من لافروف وزير الخارجية الروسي أنه لا يجوز أن تطول الأزمة السورية أكثر من ذلك، وهذا ما تقوله الإدارة الأميركية والدول الأوروبية أيضاً. ولعله هو نفسه الذي حرّض بعض الدول العربية وإيران على طرح مبادرات لحل الأزمة.
جريدة السفير
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow