Alef Logo
دراسات
              

تاريخ سوريا الحضاري بين قدسية الحجر و لعنةِ البشر / 3

خاص ألف

2015-08-29

حمص

بلغت حصيلة خراب مدينة حمص في الحملة العسكرية التي شنها النظام عليها حداً خطيراً حيث دمرت أغلب مساجدها التي تعود إلى العهد المملوكي ، وتعرض مسجد أبي ذر الغفاري في باب تدمر للتدمير أيضاً، وشمل القصف بمدفعية الهاون سوق النوري الأثري الذي يعود إلى العهد الأيوبي وتهدم العديد من محلاته كما تعرض سوق القيسرية إلى القصف أيضاَ
أما كاتدرائية السيدة العذراء أم الزنار في حي الحميدية، والمعروفة باسم كنيسة أم الزنار التي بنيت تحت الأرض في عام 59 ميلادي فقد نشر ناشطون مقاطع فيديو تظهر آثار الدمار الذي حل بها
وتعرَض الجامع التاريخي و رمز مدينة حمص جامع خالد بن الوليد إلى القصف. وفي مدينة القصير التي تبعد عن مدينة حمص 35 كم غرباً تلقى دير القديس "إليان" الحمصي نصيبه من مدفعية النظام .
تدمر وقلعة الحصن ..
تفيد تقارير أعدها ناشطون في المدينة منذ بداية الثورة بأن متحف تدمر تعرض للنهب وأن الموقع تعرض لعمليات نهب أمام أعين قوات الجيش النظامي المتمركزة هناك و لقد تعرضت الأعمدة اليونانية وقوس النصر المعروف بقوس هادريان، والجدار المحيط بمعبد "بل" للعديد من الأعيرة النارية، و تكاد تكون تدمر من أهم المتاحف و المواقع التي تعرضت إلى سرقة من قبل عصابات دولية منظمة و تحت أعين أفراد مرتشين من الجيش النظامي
احتلت القوات السورية قلعة "ابن معان" الكائنة أعلى المدينة وتمركزت الدبابات والآليات العسكرية في وادي القبور غربي المدينة القديمة، ونقلت مصادر أن الجيش النظامي قام بحفر خندق بين الآثار الرومانية من دون ان يكترث بقيمتها التاريخية.
وكانت السلطات السورية أعلنت سرقة التمثال الذهبي الذي يعود إلى العام الثامن قبل الميلاد ويمثل الإله الآرامي، في حين أظهرت لقطات فيديو مسربة جنوداً من جيش النظام وهم يمسكون بأيديهم قطعاً أثرية في تلك المنطقة، وقالت عالمة الآثار الفرنسي ماتيلدا جيلين في تصريح متلفز : "إن القطع الأثرية التي تم عرضها في لقطات الفيديو تشبه القطع الأثرية الموجودة في تدمر والتي يعرضها متحف يقع بالقرب من الموقع . وتعد مدينة تدمر الأثرية من أكبر المعالم السياحية بأروقتها الرومانية الشاهقة و هي مسجلة على لائحة التراث العالمي "اليونسكو" منذ عام 1980 م و الآن أصبحت من القائمة المهددة بالزوال أما قلعة الحصن الشهيرة (أشهر الحصون المشيدة في العصور الوسطى،و التي ألحقت بلائحة التراث العالمي في عام 2006 تبعد عن حمص المدينة 60 كم) فقد تأثرت حجارتها وأسوارها و سقفها و أبراجها بالقتال الدائر بين قوات نظام الأسد ومقاتلي الجيش الحر .

حلب

هي من أقدم المدن في التاريخ و قلعتها من أكبر القلاع , و رمزية حصتها في الدمار بالإضافة إلى كمية الدمار كانت من أقسى و أكبر الخسائر على المستوى الإنساني و السوري .

منذ بداية الثورة في حلب لم يتردد النظام بضرب كافة المواقع الأثرية و التي كان يختبئ بها رجال الجيش الحر , و قد تعرض المسجد الأموي في حلب (المسجل على لائحة اليونيسكو للتراث الانساني) إلى أشرس هجمة أدت إلى تدمير أغلب مساحاته و قصفت مئذنته على أيدي قوات النظام و هذه المئذنة تُعَد من أجمل المآذن الاسلامية في العالم , ناهيك عن قصف أسواقه التي تعود للعصور الوسطى الاسلامية و تحويلها إلى ركام .

أما قلعة حلب فقد تحولت منذ بداية الاقتتال المسلح إلى متراس للنظام يختبئ بداخلها مم أدى إلى تدمير واجهتها الأمامية و تدمير أغلب البيوت التي حولها و هي تعود إلى الحقبة الرومانية و ذلك بسبب تفجير أنفاق حول القلعة على أيدي الجبهة الاسلامية

أما ريف حلب الغربي و الشرقي فتنتشر فيهِ عصابات دولية و بتصاريح من بعض عناصر الجيش الحر و جبهة النصرة و داعش و أغلب هذه العصابات تمتلك أجهزة كشف متطورة للتنقيب عن الآثار .

إدلب
تقع شمال غرب سورية ، ولها أهمية تاريخية عظيمة و منذ بداية الثورة تحول الدير الأثري في بلدة دير سنبل إلى ثكنة عسكرية، ونهب متحف إدلب، الذي يضم أجزاء كبيرة من الألواح الفخارية الثمينة المستخرجة من مدينة إيبلا .
و حدثت اشتباكات طاحنة بين الجيش النظامي و الجيش الحر داخل آثار إيبلا وحولها، وهي مدينة من العصر البرونزي، حيث اكتشف علماء الآثار في الستينيات كنزاً هائلاً من الرُقم المسمارية فيها و التي كشفت عن ألغاز تاريخ الشرق الأوسط القديم معرة النعمان مدينة أبو العلاء المعري الذي قُطعَ رأس تمثاله على يد جبهة النصرة , و قد طال المدينة قصف هائل لم يستثنِ المواقع الأثرية فيها و التي تضم في جنباتها المركز الثقافي القديم و القلعة البيزنطية و مقام "يوشع بن نون" بالاضافة لامتلاك المعرة لثاني أهم متحف فسيفساء في العالم , و الذي لم ينجو لا من قصفٍ و لا من نهب رغم الوعي الفريد الذي أظهره أبناءها لحماية تراثهم . المدن المنسية تكاد تكون من أجمل و أكمل المواقع الأثرية التي لا زالت تحافظ على هيكليتها في العالم أجمع و قد تم إدراجها على لائحة التراث العالمي منذ عام 2011م و قد صمدت هذه المدن في وجه الزلازل خلال الفترتين البيزنطية و الرومانية لكنها لم تصمد أمام قصف النظام على بعض مدنها مثل البارة و سرجيلا , و قد تعرضت فيما بعد إلى عمليات من النهب العشوائي لمعابدها و كنائسها و أديرتها و مدافنها , أما الآن فيقطنها أكثر من مئتي لاجئ هربوا من قصف النظام في قراهم و احتموا بها اتقاءً للبرد و العراء , و أصبحت هذه المدن المنسية التي بالكاد بدأت ترى النور ضمن لائحة المواقع الأثرية المهددة بالزوال و النسيان . خلاصة لا بد منها

على الجميع أن يبدو متفاعلاً فيما يخص الإرث الحضاري لسوريا , النظام السوري مثلاً وجد ضالته في وزارة السياحة و مديرية المتاحف التي لا تنفك الدعوات لها من قبل المنظمات الدولية لمؤتمرات تناقش مآل الآثار السورية و كيفية حمايتها , إنها حقيقة واقعة فالنظام الذي يتظاهر العالم كله بمقاطعته ينشُط و يعبِر عن نفسه و يحارب الإرهاب بشكل واضح من خلال ادعائه بأنه الوحيد القادر على حماية الآثار التي لم يتواني عن قصفها و نهبها منذ بداية الثورة و ما قبلها , و بحسب جدلية هذه العلاقة فالنظام سيكون آخر من يهمه حماية تاريخ سوريا لأنها واحدة من الشماعات التي عزز بها وجود الفكر المتطرف و في النهاية لا أهمية لعرش تاريخ سوريا أمام احتمال زوال عرشه .

كذلك لا تبدو اليونيسكو إلا لاعباً في لعبة "هيا لنتفاعل" , و خاصةً أن تاريخ الحروب الأهلية و تأثيراتها على الإنسان و المجتمع و الحضارة أصبحت مطروقة في شرقنا الملعون , و بالنتيجة فإن تفاعل اليونيسكو مع العراق لم يحفظ إرث العراق و تاريخها , فمهما بدت محاولاتها لتجميع الأفرقاء المتخاصمين من أجل العمل على حماية التراث جدية إلا أنها لا تتجاوز النظرة الكلاسيكية بعد أربعة أعوام من التدمير و النهب , فلو كانت منظمة اليونيسكو جادة لما اكتفت "بدراسة" مشاريع تدريب لحماية الآثار في العاصمة بيروت أو "التخطيط" لإقامة دورات للعاملين في مديرية المتاحف السورية أو إصدار إخطارات قلق متزايد على الإرث السوري والذي لا يختلف كثيراً عن قلق "بان كيمون" إزاء الدم الأحمر المائل للأرجواني في سورية , كان الحري بهذه المنظمة التي تعمل بعد فوات الأوان دائماً أن تدعم الجنود المجهولين الذين يعملون على توثيق الانتهاكات داخل المناطق المعرضة للنهب الحضاري و الانساني و أن تنسق جهودها بشكل فعلي و سريع مع الحكومات المجاورة للحدود السورية منذ بداية الثورة من أجل تدريب بعض المتطوعين لضبط حركة الإتجار بالآثار عبر الحدود , و لكن ! إذا كان ربُ البيت للدفِ ضاربا , فما شيمةُ أهل الدار سوى الرقص , و للأسف هذا ما ينطبق على كافة قوى المعارضة و الذين تتواجد قياداتهم في أكبر معبر لتهريب الآثار السورية أي تركيا , كان يكفي لبعض الأموال التي تُهدَر دون حسيبٍ أو رقيب أو التي يدفع منها رواتب ضخمة و غير مبررة بالمطلق أن يخصص قسماً منها لدورات تثقيفية لبعض قيادات الجيش الحر من أجل تمدين سلوكياتهم اتجاه إرثهم التاريخي , و من ثم تعيين أشخاص كفوء برواتب جيدة لحماية المواقع التي تُغتصب كل يوم على يدِ كل قاصٍ و دان , فالمال السائب يُعلم الناس الحرمنة كما يقول المثل الشعبي ,و سوريا إلى الآن لا يبدو أن لديها أهل أو أنها ملكٌ لأصحابها , فالنظام الذي فقد أسوار مزرعته يريد الحفاظ على المتبقي حتى لو كان أنقاض , و المعارضة التي لا زالت مرتبكة في ترتيب الكراسي سيقولون لك نظرية موت البشر أهم من الحجر , أما سورية الجميلة فسوف تخبئ قصتها في صوت عندليب فيروز لكي يخبر الأجيال اللاحقة عن ماذا كانت تعني سوريا .

هل تذكرون هذا العندليب , إنه نفسه الذي أخبرنا عن بلادٍ , كانت تسمى "فلسطين"
المراجع - الاستشراق , سعيد , إدوارد , عمان , 1987 - سوريا نبع الحضارات , جود الله , فاطمة ,دمشق , 1999 - المدن المنسية في بلاد العرب , دار نون , 2011 - إنجاز لم يرَ النور , وعد مهنا , تحقيق , جريدة الثورة العددين 11978 -12094 - عدة دراسات من القدس العربي و أورينت نت و الأخبار و النهار و المستقبل اللبنانية - تقارير من اليونيسكو و الواشنطن و بوست و الغارديان - تقارير و مقابلات مع ناشطين من مواقع الكترونية مختلفة و على وسائل التواصل الاجتماعي - ……………………………………………………………………………………………





















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow