أنطولوجيا الربيع العربي وإشكالية الانتفاضات / قصي الحسين
2015-09-06
في تصدير كتاب «الانتفاضات العربية إلى أين؟» يقول رياض علم الدين إن إشكالية الثورات الكبرى إنما تكمن في أنها لا تملك ضمانات لنجاحها، ولكن متى بدأ الحراك الاجتماعي، وتحرر المجتمع من عقد الخوف، يبدأ الاستبداد بالتراجع، مهما كانت إرادته صلبة وأذرعه قوية. وهو يضيف في مكان آخر، أن الوضع الثقافي الحالي في المجتمع العربي، لم يستوعب فكرة الثورات العربية ولا «الربيع العربي». ولهذا ربما، حين بدأت الانتفاضات، تحولت المجتمعات العربية إلى فريسة للتدخلات الخارجية والنعرات الدينية ولأعمال الفوضى والعشوائيات، ما جعل «الربيع العربي» يدور في حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد. وغابت مؤسسات المجتمع المدني، عن أن يكون لها دور أساسي في بناء الدولة المدنية.
يوثق الكتاب الكثير من المعلومات التي وردت عن البلدان العربية التي عرفت الانتفاضات السلمية الطريق إلى مدنها وعواصمها، والتي جعلت منها أرضاً خصبة للانتفاضات المسلحة أيضاً وللأعمال العسكرية المعارضة للأنظمة السائدة، وخصوصاً تلك التي تتعلق بدساتيرها وبتاريخ تطورها بعد الاستقلال، كما يرصد وقائع الحراك الشعبي السلمي أولاً والمسلح فيما بعد، فيقف على الأسباب والدوافع والمسارات والمواقف الداخلية والخارجية، منذ اندلاع «الربيع« واشتعاله بثياب بائع الخضار التونسي البوعزيزي في تونس، وفرار الرئيس زين العابدين بن علي من البلاد تحت جنح الظلام:
1- يبعث الكتاب على كثير من التأملات الأنطولوجية والجيوسياسية في وقائع الانتفاضات العربية وما عرف بالربيع العربي، خصوصاً في الشعارات الكبرى التي رفعها الثوار والمنتفضون، في الساحات وعلى أبواب المساجد والجوامع في أيام الجمع بعد أداء صلاة الجمعة. وهي في معظمها إنما كانت تؤكد على معنى كرامة الإنسان وحقوقه، وما تعرض له من سلب على أيدي أبناء الأنظمة الاستبدادية، التي أوغلت في قهره وتعنيفه، أفراداً أو شرائح ونقابات وجمعيات، وربما كانت دينية، وربما كانت مدنية على حد سواء.
2- تتصدر الانتفاضة في تونس كتاب «الانتفاضات العربية». ويعدد نزيه كبارة سائر الانتفاضات العربية، التي شكلت ما يعرف بالربيع العربي لدى المحللين والباحثين والمراقبين في البلاد العربية وفي الاقليم، فيذكر على التوالي الانتفاضات التي هبت في مصر بعد انتفاضة تونس، وفي ليبيا واليمن وسوريا. ويعرج عما شهده وعرفه الأردن والمغرب والبحرين والكويت من حراك شعبي، وهو في ذلك يبدأ بتقديم نبذة عن البلد الذي شهد الانتفاضة الشعبية، مؤشراً بلمحة سريعة على نظامه الدستوري والتطور الذي لحق به قبل الانتفاضة وبعدها، وصولاً إلى ما رست عليه البلاد حتى نهاية العام 2012 وبداية العام 2013 تاريخ الانتهاء من الأعداد والتوثيق من حلولٍ لم تتضح عناصرها بعد.
3- وفي نبذة تاريخية عن الانتفاضة في تونس، أن «بايات» تونس كانوا قد احتفظوا بنوع من الاستقلال الذاتي عن الامبراطورية العثمانية. أما الفرنسيون فقد عينوا لهم مقيماً عاماً يحكم تونس مع الباي الوطني. وفي العام 1956 استقلت تونس وأصبح المجاهد الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية العام 1957. انفرد الدستور التونسي بين سائر الدساتير العربية بعدم ذكر الشريعة الإسلامية كمصدر للقانون. حتى «ثورة الياسمين» في 17/12/2010 وسقوط حكم الرئيس زين العابدين بن علي، الذي كان أطاح بحكم المجاهد بورقيبة في العام 1987 وكان وزيراً في حكومته آنذاك.
4- ممهداً للحديث عن انتفاضة مصر، يذكر الكتاب أن البلاد كانت تعتمد النظام البرلماني في العهد الملكي. وكانت تتبع دستور 1923، حتى قيام الثورة والتحول إلى النظام الجمهوري وتبني دستور جديد في العام 1956، لا هو بالبرلماني ولا هو بالرئاسي. وقد عدل هذا الدستور في عهد الرئيس السادات العام 1971 وفي عهد الرئيس مبارك العام 2007. وبموجب الاعلان الدستوري الذي وافق عليه الشعب بالاستفتاء يوم 19/3/2011، تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد. وقد تنحى الرئيس مبارك عن السلطة بعد «معركة الجمل» في ميدان التحرير في 2/2/2011. ووجهت اليه تهم الفساد. وابتدأت مرحلة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حتى الاتيان بالرئيس محمد مرسي مرشح الاخوان لرئاسة الجمهورية والذي أطاح به قائد الجيش المصري المشير عبد الفتاح السيسي فيما بعد.
5- أما ليبيا التي انتزعها الايطاليون من العثمانيين في العام 1911، فقد أنشأوا فيها حكماً عسكرياً. وقد تولى السنوسيون حكمها وكانوا مجاهدين اسلاميين، حتى قام العقيد معمر القذافي بانقلابه في 1/9/1969. واستمر حكمه 42 عاماً، شهدت خلاله ليبيا الكثير من الأزمات والأحداث، ومنها أزمة الطائرة التي سقطت فوق «لوكربي» وعرفت الأزمة باسمها. وخرجت التظاهرات المناهضة للنظام الليبي في 17/2/2011. وتبنت منظمة حلف شمال الأطلسي الاطاحة به، وانهاء مهامها بعد مقتله والخروج من ليبيا، وتسلم مصطفى عبد الجليل رئاسة المجلس الانتقالي وتم تحرير ليبيا بالكامل. ثم عادت إليها الفوضى من جديد مع وصول داعش إليها وسائر التنظيمات الإسلامية الأخرى.
6- وفي حالة اليمن، أن الإمام يحيى الذي كان يحكمها قد أطاحه انقلاب عسكري في العام 1963 قاده المشير عبدالله السلال. غير أن نجل الإمام سيف الإسلام بدر طلب المؤازرة من السعودية لاستعادة الحكم. وبدأت الحرب في البلاد بين طرفين عربيين نيابة عن أهل اليمن جميعاً: الأمير فيصل والرئيس عبد الناصر في 26/9/1962. وأعيد توحيد البلاد في 22/5/1990. وتعرض النظام في اليمن قبل الانتفاضة وبعدها لقلاقل واضطرابات أمنية أثناء حكم الرئيس علي عبدالله الصالح، حنى كانت الانتفاضة عليه ابتداء من 28/1/2011 وحتى تسليم السلطة للرئيس عبد ربه منصور هادي في 21/2/2012. وقد تحرك الحوثيون فيما بعد واحتلوا اليمن مع المخلوع صالح فاشتعلت نيران الحرب مجدداً.
7- وعن الانتفاضة في سوريا، يقول إن قوات الحلفاء والقوات العربية دخلت إلى دمشق في 30/9/1918، بعد هزيمة الأتراك في الحرب العالمية الأولى. وأنها نالت استقلالها مع لبنان في العام 1943. وعقب حرب 1948 بين العرب واسرائيل، وقعت سوريا اتفاقية الهدنة في 20/7/1948. وشهدت أول انقلاب عسكري في العام 1949. أما آخر انقلاب عسكري فقد قام به اللواء حافظ الأسد سنة 1970، الذي استمر في الحكم حتى وفاته في العام 2000 وتولى نجله بشار رئاسة البلاد، وجدد له في العام 2007. وقد واجهته الانتفاضة في 15/3/2011، فوعد بالاصلاحات السياسية، فنفذ قسماً منها في ظل التظاهرات التي كانت تضم المدن السورية كافة. وقد فشل الحل الأمني في سورية وتزايدت أعمال العنف وإراقة الدماء وبدأت مؤتمرات المعارضة تشق طريقها في اسطنبول وخارجها. وبدأت تزداد الضغوط على النظام السوري فتفاقمت الأوضاع ودخل حزب الله اللبناني إلى سوريا للدفاع عن النظام. وسقطت مبادرات الجامعة العربية والأمم المتحدة. وبدأت البلاد تعيش منذ ذلك التاريخ كارثة أمنية واقتصادية في ظل الاجتياحات العسكرية للنظام والمعارضة داخل البلاد حتى خرجت أكثر من ثلثي مساحة سوريا من قبضة النظام وباتت اليوم تحت حكم داعش والنصرة والجيش الحر وأحرار الشام وأجنحة كثيرة من المعارضة الاسلامية.
8- ولا ينسى الكتاب، الحديث عما أسماه الحراك في الكويت والحراك في البحرين والحراك في المغرب والحراك في الأردن. وقد ضمن إلى ذلك أبحاثاً كثيرة: 1- عن الحراك الشعبي العربي، أسبابه وطبيعته للدكتورة هناء الصوفي عبد الحي. و2- الانتفاضات وبناء الديموقراطية لدكتور مها كيال. و3- المساهمة في معالجة هواجس الأقليات في ضوء الصيغة اللبنانية للقاضي طارق زيادة والانتفاضات العربية ودولة القانون للدكتور محمد المجذوب، و4- الاجتماع العربي من جدل الأكثرية والأقلية إلى نزاع الأقليات للدكتور عاطف عطية. وهي أبحاث جادة ربما أجابت في كثير منها على السؤال المركزي الذي يطرحه عنوان الكتاب: الانتفاضات العربية إلى أين؟
أستاذ في الجامعة اللبنانية الانتفاضات العربية إلى أين؟ إعداد د. نزيه كباره، اصدار المجلس الثقافي للبنان الشمالي. طباعة يعقوب خباز، (469 ص تقريباً).
عن ملحق نوافذ – جريدة المستقبل