لاجئون بلا حدود / هاني شادي
2015-09-19
يبدو أن الموقف الروسي بات أكثر «تشددا» في ما يتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك على خلفية التأكيدات الرسمية الروسية الكثيرة خلال الأيام الماضية بالاستمرار في دعم سوريا عسكريا. فإعلان روسيا عن هذا الدعم وعدم استبعادها اتخاذ خطوات اضافية اذا اقتضى الأمر، وكذلك ما يتسرب في وسائل اعلام عن تعزيزات عسكرية روسية في الساحل السوري، جميعها خلقت وضعا جديدا ومرحلة مختلفة في المنطقة. كما أن هذه الخطوات الروسية أحدثت خلخلة في صفوف بعض حلفاء واشنطن، جعلتهم يعلنون عن استعدادهم للقبول بالأسد في الحكم لفترة انتقالية. ولذلك كثرت التكهنات حول الدور الروسي «الجديد» في منطقتنا. فثمة من يتكهن بأن التحرك الروسي كان بمباركة من بعض الدول العربية، وهناك من يعتقد بتفاهم روسي ـ أميركي ما على هذا الأمر. وهناك فريق آخر يظن بأن موسكو ستتورط في سوريا على غرار ما جرى للاتحاد السوفياتي في أفغانستان. ونُطالع كذلك تكهنات تقول بأن موسكو، بتدخلها في سوريا تتنافس مع إيران، وربما تقوم بنفسها باستبدال الرئيس السوري كما فعلت مع حفيظ الله أمين رئيس أفغانستان. كما أن البعض يعتقد بأن الكرملين قد حسم أمره تماما في اتجاه بقاء الرئيس السوري في الحكم، ولو على جزء معين من سوريا. ونقول إنه من السابق لأوانه تبني أحد هذه التكهنات، لأن الأمر في سوريا لا يتوقف، على أقل تقدير، على الموقف الروسي وحده.
ونعتقد أنه لا يتعين إغفال الأزمة الأوكرانية وتداعياتها ومحاولات عزل روسيا في التحرك الروسي الأخير تجاه سوريا. فالروس، في الفترة الأخيرة، يلمحون إلى أن الأزمة السورية بالنسبة إلى بلدهم تعتبر «ورقة مهمة» في الصراع الدولي ومولد النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب أو متعدد المراكز العالمية للنفوذ والتأثير. وينعكس هذا في مواقف بعض رموز النخبة السياسية في روسيا. فزعيم حركة «أوراسيا الروسية»، الكسندر دوغين، يعتبر أن الولايات المتحدة تحاول التأسيس لشرق أوسط جديد انطلاقا من مصالحها عبر نشر الفوضى. ويقول دوغين «إن مصالح روسيا تكمن في السعي إلى بناء عالم متعدد الاقطاب بغض النظر عن مصالح واشنطن». ويرى أن تخلي روسيا عن الاسد سيعني أنها تكتب بنفسها شهادة وفاتها ووفاة العالم المتعدد الاقطاب». ويشدد ايغور بانارين، أستاذ علم السياسة في جامعة موسكو، على أن دعم موسكو للرئيس السوري يؤكد أنها لا تتخلى عن حلفائها، ويطالب بضرورة توسيع مناطق النفوذ الروسية حول العالم. من جانبه، يُطالب الصحافي الروسي، ماكسيم شيفشينكو، القيادة الروسية بالوقوف إلى جانب النظام السوري والاستمرار في دعم بشار الأسد وعدم تأييد الغرب في مساعيه لإسقاط النظام السوري. ويرى أن اسقاط النظام في سوريا سيعني انتقال الحرب مباشرة الى الحدود الروسية، معتبرا أن دفاع موسكو عن النظام السوري هو دفاع عن روسيا نفسها. ويعتقد المحلل السياسي المعروف، إيفان سافرانتشوك، أن الأزمة السورية وضعت الدول التي تدعم الأسد وتلك التي تطالب برحيله في موقف لا تـحسـد عليه. ويقول «إن ـ روسيا لا تريد أن تنتقل عدوى التطرف الديني السُني من سوريا إلى منطقة شمال القوقاز أو إلى آسيا الوسطى».
في فترة سابقة، كان مسؤولون روس يصرحون بأن بلادهم لا تتمسك بالرئيس السوري، ومن الصعب اقناعه بالرحيل. ولذلك سعت موسكو الى جذب المعارضة السورية أو أقسام منها إلى المفاوضات مع الحكومة السورية على أمل التمهيد لتسوية سياسية على أساس «جنيف ــ 1»، مع التركيز على ترك مصير الرئيس الأسد لما بعد المرحلة الانتقالية. وتبني موسكو سياستها في سوريا اليوم على مبدأ يقول بـ «محاربة الارهاب أولا، وبعد ذلك نرى»، مع التأكيد على أن دور الجيش السوري والرئيس الأسد يعتبر جوهريا في هذه العملية. وهذا يعني أيضا ترك مصير الرئيس السوري لفترة تالية بعد القضاء على تنظيم «داعش». ولا تستبعد هذه السياسة اتخاذ خطوات سياسية تتمثل في إجراء انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة انتقالية تضم النظام وعناصر من المعارضة والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وعلى رأسها الجيش. ففي قمة منظمة «معاهدة الأمن الجماعي» في طاجيكستان في الخامس عشر من أيلول الجاري، كرر الرئيس الروسي أن الرئيس الأسد مستعد لإشراك قوى المعارضة «البناءة» في إدارة الدولة.
إن رؤية بوتين لتسوية الأزمة السورية عبر القضاء على «داعش» أولا، تمتلك منطقا، على الأقل، بالنسبة إلى أنصاره داخل روسيا وخارجها. ولكنها لا تجد، حتى اللحظة، «قبولا كاملا» لدى واشنطن وبعض حلفائها في المنطقة. ففي وقت ترحب فيه واشنطن بجهود موسكو في محاربة «داعش»، نجدها تعارض الدعم العسكري للنظام في سوريا. ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن يرحب البيت الأبيض مؤخرا بدور بناء لموسكو في محاربة الارهاب في سوريا. واللافت هنا أيضا ما صدر عن واشنطن في الساعات الأخيرة من أن موسكو تطلب مباحثات عسكرية معها بشأن سوريا. بيد أن الكرملين كان قد أعلن قبل أسابيع أنه «لن يقبل العمل تحت قيادة واشنطن في محاربة «داعش» وغيره من التنظيمات الارهابية». ونعتقد أن مسألة تدخل روسيا بقواتها في حرب مباشرة ضد «داعش» تظل غير واضحة المعالم، وإن كان غير مستبعد. فالروس يكتفون حاليا باستعدادهم لتقديم الدعم العسكري لمن يرغب في محاربة هذا التنظيم. ولذلك، نرى أن موسكو وواشنطن ستواصلان المشاورات بشأن التسوية التي يأملها الكرملين للوضع في سوريا. وسيتوقف الكثير على اللقاء المحتمل بين بوتين وأوباما نهاية الشهر الجاري على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. فواشنطن لا تستطيع تجاهل المرحلة الجديدة التي بدأتها موسكو في سوريا، وموسكو بدورها لا تستطيع تجاهل واشنطن، كما يظن البعض.