عندما يصير الأسد ابناً للدب / وائل قنديل
خاص ألف
2015-10-03
تحارب روسيا في سورية، من أجل داعش أولاً، ثم الأسد ثانياً، أو من أجل الاثنين معاً، إذ لا داعش من دون الأسد، ولا أسد من دون داعش.
ميدانياً، وحسب المتاح عن الضربات الروسية في سورية، أمس، فإن المستهدف لم يكن تنظيم الدولة، بل ثورة الشعب، فالطيران الروسي حدد أهدافه جيداً: مواقع المعارضة السورية المسلحة، وخزان البشر في المناطق المستهدفة، بحيث تكون المحصلة دفع أعداد أكبر من المواطنين السوريين للنزوح والهجرة، وفي الوقت نفسه، إيقاف التقدم الذي تحققه المعارضة على حساب النظام الآيل للسقوط، فيما يبقى بشار الأسد، وتنظيم الدولة، بمنأى عن المواجهة.
لم يأت الروس إلى الأراضي السورية للحرب على الإرهاب، بل للإجهاز على الثورة السورية، وانتشال الأسد. جاءوا ممتلئين بالرغبة في الانتقام والثأر من الذين أخرجوهم من معادلة الحرب في ليبيا.
معلوم، منذ عام 2011، أن موسكو وبكين هما الأكثر عداء للربيع العربي، ومن ثم هما الأحرص من غيرهما على تثبيت أقدام الأنظمة الاستبدادية التي تواجه خطر السقوط أمام رياح الثورات الشعبية. لذا، ليس غريباً أن تفتتح روسيا عملياتها العسكرية في سورية بقصف مواقع الجيش الحر، واستهداف المدنيين. وفي هذا، يجدر التذكير بدراسةٍ وضعها مدير معهد كارينغي للشرق الأوسط، بول سالم، في عام 2011، عن التغيير في العالم العربي، ذهبت إلى نتيجة مفادها بأنه "ما تزال روسيا والصين عموماً مناوئتين للربيع العربي وأنصاره، بالأخص أنّهما تخوفتا من انتشار الاحتجاجات المؤيّدة للديمقراطية إلى بلدانهما. في الواقع، وصلت إرهاصات الربيع العربي إلى روسيا، في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2011، عندما تعرّض حزب رئيس الوزراء بوتين إلى تراجع قوي في نتائج الانتخابات، واندلعت تظاهرات واسعة النطاق في موسكو ومدن أخرى، احتجاجاً على تزوير الانتخابات. من جانبها، قامت الصين بحملة قمع صارمة منذ الأيام الأولى للربيع العربي، وحظرت عبارة "ثورة الياسمين" و"الربيع العربي"، و"مصر" و"ميدان التحرير"، من محرّكات البحث على الإنترنت.
لا يمكن التغاضي، أيضاً، عن أن موسكو تشعر بالمرارة، لأنها خرجت خالية الوفاض من المعضلة الليبية التي انفرد بالتحكم في صيرورتها كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعد دخولهما، وحدهما، تحت مظلة جامعة الدول العربية، لحسم الأمر ومساعدة قوات المعارضة في اقتلاع معمر القذافي، رجل موسكو، من الحكم، وكان أقصى ما استطاعت روسيا والصين عمله أنهما امتنعتا عن التصويت على قرار فرض منطقة حظر طيران على ليبيا.
تحاول روسيا، الآن، في سورية تعويض ما خسرته في ليبيا، غير أن دمشق 2015 ليست طرابلس 2011، فالوضع على الأرض في سورية بات أكثر تعقيداً، وامتداداً، على نحو ينذر بالانزلاق إلى مستنقع حرب شاملة، تغذيها عوامل طائفية وعرقية وإقليمية ودولية، يمثل فيها نظام بشار الحلقة الأضعف، كونه يفقد السيطرة يومياً على مساحات، لصالح تنظيم الدولة من جانب، والمعارضة السورية المسلحة من جانب آخر.
غير أن الأخطر من هذا كله أن التدخل الروسي الفج في القتال من شأنه أن ينضج محصول الغلو والتطرف قبل الأوان في المنطقة العربية، ويمنح دعماً هائلاً لمفرخات داعش الموجودة في كل مدينة عربية، ويستدعي مخزوناً من الغضب العنيف لدى قطاعات واسعة من الجمهور العربي، تعايش ظلماً فادحاً وازدواجية معايير صارخة، يمارسها النظام الدولي كل يوم، الأمر الذي يوفر البيئة المواتية لاستقطاب موجات من الانتحاريين والجهاديين.
يدفع العالم الآن الثمن الباهظ لإطلاق قوى الاستبداد القديمة والثورات المضادة، لالتهام الربيع العربي، بما أسفر عنه من نتائج، كان أهمها وأبرزها إدماج القوى الإسلامية الراديكالية في ممارسة لعبة الديمقراطية، ثم فجأة تواطأ الجميع على هذا المنجز الهائل، وأشعلوا النار في الربيع، فاحترق مبدأ الانتخاب، وسيلة للمنافسة السياسية، وقيل للكافة بأوضح العبارات: البقاء للأكثر تسليحاً.. فعادوا مسلحين.
إن التكفيريين الأخطر والأسوأ هم الذين دفعوا الناس إلى الكفر بفكرة التغيير السياسي، بالوسائل والأدوات الديمقراطية المحترمة. وبهذا المعيار، سيبقى الروس والأميركيون والأوروبيون الآباء الروحيين لكل تنظيمات العنف التي ولدت ونمت في حضاناتهم.