«تتريك» العثمانيين و«سورنة» روسيا / منير الخطيب
2015-10-10
يبدو أن تجديد خريطة الشرق الأوسط لم يحن أوانه بعد. والثابت أن ما توافق عليه السيدان البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرنسوا بيكو بمباركة روسية، عندما رسما الحدود في المنطقة العربية المشرقية قبل مئة عام تقريباً، عصي على التعديل.
تركيا أو السلطنة التي كانت «الرجل المريض» وتوزعت تركتها على المظفرين في الحرب العالمية الأولى، تحاول اليوم تجديد شبابها. مطلع القرن الفائت كانت تسمى عملية تقاسم أراضي السلطنة «المسألة الشرقية». اليوم صارت «المسألة» ماذا تستعيد تركيا منها. وهي كانت لطشت من سوريا ومن قبيل الترضية في حينها، لواء اسكندرون.
التمدد التركي الى سوريا تحقق عبر عشرات المنظمات الارهابية، بعدما شرعت أنقرة حرية عبور أراضيها لكل ما هب ودب من أصوليي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، من طاجيك وشيشان وأوزبك، وصولا الى مسلمي الصين الاويغور بالإضافة الى السوريين والعرب. فتجمعوا في مناطقها الحدودية وتسلحوا ونظموا فصائلهم، ودخلوا سوريا بظل حماية جوية تركية ضمنية. الكرم التركي في استضافة رعايا «الجمهوريات»، قابله بخل في استقبال الطائرات الروسية المقاتلة «خطأ»، ولو لدقائق.
حصلت انهيارات عسكرية في سوريا والعراق، وبات المسرح جاهزا لتمدد تركي أوسع يعيد ألق «الخلافة». رِجل في أوروبا ورجل في آسيا. بحبوحة اقتصادية، عمالة ماهرة ورخيصة، قاعدة صناعية وزراعية تنافسية، وسياحة لا تضاهى، وامتداد عرقي ثقافي لغوي في جمهوريات آسيا الوسطى، ومظلة اسلامية حداثية توفر شريكاً مقبولا للغرب، بل شبكة أمان تقيه الاسلام المتطرف. وأخيراً، خطاب مرتفع اللهجة ضد القوى الإقليمية.
تركيا كانت في طريقها الى اعادة رسم الشرق الاوسط الجديد. شرقها هي. تريد الانتقام لآخر خلافة اسلامية دفنها مصطفى كمال قبل قرن، بعد انقلاب الحجاز والثورة العربية. أنقرة تريد خلافة من دون عمامات، وهيبة «الصدر الأعظم» من دون خليفة، ونفوذ «الانكشارية» من دون احتلال.
هذا قبل دخول الطيران الروسي الى جانب النظام السوري في الحرب على سوريا. بالطبع لن تحدث الغارات الروسية معجزة عسكرية، لكن من شأنها أن تقلص الطموحات التركية.
أنقرة تسعى لزعامة العالم الاسلامي الواسع، بينما ترتضي امارات الخليج، بريوع النفط، ورعاية الحرمين الشريفين. قبل أعوام، كادت تركيا أن تعلن الحرب كلاميا على اسرائيل بسبب عدوانها على غزة، وعلى سفينة «مافي مرمة» المبحرة لكسر الحصار. وفي اليوم التالي، شارك جيشها جيش الاحتلال مناورة عسكرية. الأمر يتكرر مع إيران التي كانت ولا تزال، بحكم المصالح المشتركة، في طليعة الدول التي زارها ويزورها المسؤولون الأتراك برغم الخلاف السياسي. كذلك لا تلغي اللهجة التركية الحادة ضد الخروقات الجوية الروسية سياسة المحاباة التي تنتهجها أنقرة مع موسكو بسبب العلاقات الاقتصادية.
لكن روسيا دفنت بتدخلها العسكري، وبصورة نهائية ما كانت تسعى اليه تركيا، أي اقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا، مقر عمليات الطيران الروسي، تمهيدا لإعلان منطقة «عازلة»، لأنقرة الوصاية الفعلية عليها.