Alef Logo
المرصد الصحفي
              

تطوّر مفهوم المواطنة والتزاماتها عبر التاريخ / حسين العودات

2015-11-14

عرف مصطلح المواطنة ومفاهيمها وتطبيقها في أثينا وإسبارطة وروما التي كانت تشكل قبل الميلاد (المدينة ـ الدولة) حيث كانت كل مدينة، في ذلك العصر، تشكل دولة وحدها. وكان مفهوم المواطنة يحمل مضموناً بسيطاً بدائياً، هدفه تحديد الوضع القانوني والسياسي للفرد. فقد كان من شروط المواطنة الأثينية أن تعطى للرجال الذين بلغوا الثلاثين من العمر فقط، على أن يكونوا أبناء مواطنين ولدوا في المدينة، ولا تعطى للنساء والأطفال والعبيد سواء كانوا محرّرين أم غير محرّرين، ولا للمقيمين الغرباء. وبسبب هذه الشروط القاسية، لم يكن عدد المواطنين في أثينا يتجاوز 10 في المئة من السكان، وكان البطل في المراحل الأولى هو المواطن الذي يدافع عن مجده الشخصي وليس عن مجتمعه أو (مدينته)، وهذا ما أشار إليه هوميروس، الكاتب الأثيني العام 850 ق.م. .
لقد طبقت أثينا (المدينة ـ الدولة) المساواة بين مواطنيها بعد تحديد من هم المواطنون. وعلى ذلك كان للمواطنين حق المشاركة في حكم المدينة، سواء بالترشح للحكم أم بانتخاب الحاكمين. وكان لهم أيضاً حق اتخاذ القرارات المتعلقة بالمدينة، والإشراف على القضاء والإدارة، وانتخاب أعضاء العمل الإداري في المدينة، والقضاة، وضباط الجيش الكبار، ومسؤولي الدفاع والخارجية.
كان الأمر مشابهاً في روما (المدينة ـ الدولة) التي تطورت إلى إمبراطورية ولم تتغير شروط المواطنة وظروفها وقيمها وحقوق المواطنين وعلاقتهم بالإمبراطورية، فقد توسّعت روما من مدينة إلى إمبراطورية، ولم يعد يكفي الإمبراطورية القليل من الرجال المواطنين الذي فرضته شروط المواطنة المعمول بها لسد حاجتها، فأصدر الإمبراطور كاراكلا العام 214 م. مرسوماً وسّع بموجبه حق المواطنة، ليشمل سكان الإمبراطورية خارج روما وفي مختلف الأقطار والمناطق التابعة لها، وشمل المرسوم جميع السكان من الذكور واستثنى العبيد.
بقي حق المواطنة محدوداً طوال العصور الوسطى (300 م ـ 1300م) لكنه تطور جزئياً عما كان عليه أيام أثينا وروما، خاصة أن النظام الإقطاعي الذي ساد في هذه العصور تحديداً في القرون الأخيرة منها، بجوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هيمن على بلدان أوروبا سنين طويلة، وكان التطور فيه بطيئاً جداً، خاصة في النواحي السياسية المتعلقة بدور الدولة الذي كان رخواً وشبه معدوم. وكانت المواطنة في هذه المرحلة تُعطى لمالكي الأرض فقط بحسب ملكيتهم ووضعهم الاجتماعي، وتحجب عن غير المالكين. وظل مصطلحا الوطن والوطنية في تلك المرحلة الإقطاعية مرتبطَيْن بالمكان وفي حدود مساحة الإقطاعة، ومالكيها من النبلاء واللوردات وأشباههم.
بعد حروب دامية دينية وغير دينية في أوروبا في القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، راح ضحيتها مئات آلاف القتلى، حيث كانت مؤسسة الكنيسة طرفاً فيها، عقد صلح «وستفاليا» العام 1648، تم بموجبه قيام الدول المدنية. وصار للمواطنين شأن عظيم في إدارتها وقوتها وتوسعت مهمات المواطنة وصولاً إلى قيام (الدولة ـ الأمة) أي قامت الدولة القومية، واتسع نفوذها وشملت هيمنتها إقطاعات ومدناً عدة. وأدى هذا إلى تغيير مضمون المواطنة، كي تتسع لتشمل مواطني الدولة الجديدة على كامل مساحتها. وهكذا تطوّر مفهوم المواطنة في عصر النهضة من مواطنة المدينة أو الإقطاعة إلى مواطنة الدولة، ونتج عن هذا الاتساع شمول مفهوم المواطنة شرائح جديدة، مما أدى إلى تغيّر مضمونها، فبعد أن كانت المواطنة مجرد انتماء وولاء فردي للمجتمع والوطن، أخذت مضموناً جديدا ًأكثر تنوعاً وغنى، حيث انتظمت في أنظمة وقوانين وتقاليد ومحددات وشروط أخرى، وخرجت عن إطارها الفردي، وأصبحت جزءاً من منظومة سياسية واجتماعية.
بقي مضمون المواطنة يتطوّر ويتّسع ولكن ببطء منذ بدء عصر النهضة من دون أن يشهد تطوراً نوعياً كبيراً وشاملاً سواء بمضمونه أم باتساعه، حتى نهاية القرن الثامن عشر، أعني حتى فترة إعلان الاستقلال الأميركي وقيام الثورة الفرنسية، حيث تغيّرت المفاهيم السياسية عامة، ومفاهيم الدولة والمواطنة والحقوق والواجبات خاصة. وقد شهد مفهوم المواطنة وتطبيقاته مرحلة جديدة وآفاقاً جديدة، أكثر حداثة وتأثيراً في التاريخ السياسي للدول وفي الواقع، حقق هذا المفهوم قفزات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بالمساواة وفي الحقوق والواجبات ودور الدولة ودور المواطن نفسه. وتزامن انتقال الفرد من الفرد السياسي إلى المواطن السياسي، من الفرد الذي له حقوق فردية إلى المواطن الذي تتسع حقوقه لتشمل مهمات الدولة ووظائفها. وتحوّلت من حقوق فرد إلى حقوق مواطن، وفي الوقت نفسه تطورت مهمة الدولة لتصبح دولة الرعاية الاجتماعية، ولم تعُد مهماتها مقتصرة على أنها سلطة، بل صار يُنظر إليها كدولة متعدّدة المهمات، تهتمّ بمواطنيها وتتولى شؤونهم وترعاهم وتحافظ على مصالحهم، وتطوّر حياتهم ودخلهم. وقد ارتقى مواطنها من فرد في مجتمع إلى مواطن متعدّد المهمات والحقوق والواجبات، ذي علاقة بسياسة بلده وشؤونها. وحصل الفرد في القرن الثامن عشر على حقوق مدنية، ثم على حقوق سياسية، من أهمها حق الاقتراع العام الذي وضع قدمه على أرض المواطنة وفي أول الطريق الموصلة إليها، باعتبار أن الاقتراع العام هو مشاركة وحق مواطن وليس حق فرد فقط. ثم اتسعت هذه الحقوق مع اتساع مهمات الدولة ووظائفها، وما إن جاء القرن العشرين حتى حصل المواطن على حقوق اجتماعية عديدة وواسعة، وتحوّلت الدولة بذلك دولة الرعاية الاجتماعية الكاملة. وكلما حصل المواطن على حقوق أكثر وأكبر، كانت دولته في خدمته وتعمل لمصلحته وتكرس وظائفها من أجله، وتتحول من سلطة لها جانب قمعي إلى دولة متعددة المهام والوظائف.
لقد وضع فلاسفة النهضة ومفكروها الأساس الفلسفي والسياسي للمواطنة، وتلاقى فكر المفكرين على أنه لاوجود لمواطنة من دون وجود حرية وعدالة ومساواة، وأن الفرد المضطهد لا ينمو لديه حس المواطنة نمواً إيجابياً يربطه بوطنه ومجتمعه ويمتّن ولاءه للوطن، ويشجعه على القيام بواجباته فضلاً عن المطالبة بحقوقه؛ ولذلك فإن الفرد المضطهد لا يكون مواطناً صالحاً وعليه، فإن الدولة التي تضطهد أفرادها ومواطنيها ليست سوى وسيلة قمع واستبداد، ولن تكون دولة رعاية اجتماعية. كما لا تستطيع أداء وظائفها وتحقيق أهدافها إلا بمواطنين يعيشون في شروط مواطنة صحية ومساواة وعدالة وحرية، يشاركون بكل إمكانياتهم في بنائها وتأدية وظائفها وتحقيق أهدافها.
اتسعت مضامين المواطنة ومفاهيمها في العصر الحديث، خاصة بعد إدراك الأنظمة السياسية لضرورة إعطاء المواطن أوسع حقوقه. وتمّ توسيع حق المواطنة توسيعاً كبيراً، فشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية، ولم يعُد يقتصر فقط على الجوانب السياسية، أو على علاقة الفرد بالدولة أو بالسلطة. وأصبح المواطن عنصراً فعالاً في تطور البلاد وتنميتها وتقرير مصيرها. كما أصبحت المواطنة حقاً لا يُنازع فيه. ولذلك تمّ إشراك النساء في الاقتراع العام 1929م. في بريطانيا والعام 1945 في فرنسا ثم في غيرهما. وقد أقنعت طبيعة التطور المعاصر الدول الحديثة بوضع مفهوم المواطنة وتطبيقاتها في أطر ومناخات جدية وواسعة ومنهجية، وتم اعتماد ثلاثة أمور مهمة جداً هي بمثابة شروط في مجال المواطنة، وهي المساواة المطلقة بين المواطنين ويؤدي ذلك بالضرورة إلى تحقيق تكافؤ الفرص، والحق في الممارسات الديموقراطية، وتحقيق عزة المواطن وعزة الوطن أيضاً. والأمر الثاني هو الحرية أي حرية الاختيار، وحرية اتخاذ القرار، والتعبير عن الرأي، فضلاً عن حرية السفر واختيار مكان الإقامة وغير ذلك. وأخيراً فإن الشرط الثالث هو المشاركة واعتبار الدولة لجميع مواطنيها، والأهم من ذلك كله أنه تمّ الاعتراف الكامل بحقوق الإنسان، كما وردت في الإعلان العالمي الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1948، واعتبر هذا الإعلان بكامل مفرداته إحاطة بحقوق المواطن. وبالتالي تمّ وضع أسس جديدة وثابتة وشاملة للمواطنة، لاقت إقراراً وترحيباً عالميين نقلت مفهومها ومضمونها نقلة جديدة واسعة، ولم يُعْد يُعتد، في عصرنا، بأي مفهوم آخر.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow