رفائيل باتاي عالم الجنس في العقل العربي ترجمـة: وليد خالد أحمد
خاص ألف
2015-11-28
تذكرني قصة الجنس في العالم العربي، بالقصة القديمة عن التلميذ الذي يتدرب عند الساحر والفيل الوردي Pink Elephant فبعد أن يشرح معلم الكيمياء الى تلميذه ، الخطوات المعقدة التي يجب اتباعها في صنع الذهب ، يضيف قائلاً : (ان الأمر المهم جداً ، خلال العملية كلها ، هو أن لا تفكر بالفيل الوردي أبداً) وبعد أن اصبح التلميذ متأثراً بهذا التحذير بشكل تام ، حاول يائساً أن يراعيه بالاحتراس من التفكير فيه ، ولكن بالطبع ، لم يكن قادراً على إبقاء هذا الموضوع الممنوع بعيداً عن تفكيره . وأخيراً ، كان عليه أن يوقف محاولاته لصنع الذهب ، وبألم عاتب سيده قائلاً : (لماذا يا سيدي ؟ لماذا طلبت مني أن لا افكر بالفيل الوردي ؟ فلو انك لم تطلب ذلك مني ، لما فكرت فيه أبداً).
ان (الفيل الوردي) في كيمياء الحياة العربية، يعني تحريم التفكير بالجنس ويقوم الآباء وذوي السلطة والآخرين بترسيخ فكرة خطيئة الجنس لدى الطفل العربي وفي الثقافة ككل والتي تحيط الفرد بجو يذكره باستمرار بنفس الموضوع. ان انفصال الجنسين واستخدام الحجاب من قبل النساء ، والقواعد الدقيقة الأخرى كافة التي تحكم وتحدد الاتصال بين الرجال والنساء ، لها التأثير القوي على جعل الجنس الامر الرئيسي الذي يشغل البال ويمنع الذهن من التركيز في موضوع آخر في العالم العربي . ان تحريم الجنس ، ينشئ حالة من التعلق الشاذ حول الموضوع نفسه .
الشرف الجنسي
ان المفهوم الغربي العام للشرف ، هو ذلك المفهوم الذي لا يجد فيه الشخص الغربي الاعتيادي صعوبة في فهمه. ومع ذلك ، حتى في تعريفه الأكثر واقعية مثل (الوجه) فانه بالغ التأثير في المجتمع الغربي أيضاً .
ان ما يجعل الغربي مرتبكاً بصدق ، هو محاولته معرفة المفهوم العربي الخاص لـ(شرف) المرء الذي يعتمد على السلوك الجنسي للنساء اللواتي لهن علاقة بذلك المرء . وكذلك فان الغربي يعاني خسارة معينة لـ(الوجه) عندما ترتكب زوجته ـ الى مدى أقل ابنته ـ الزنا ، والذي يصبح معروفاً لدى الآخرين .
ولكن الطلاق ، كقاعدة هو كل ما يتطلب من الزوج الغربي أن يقوم به لاستعادة (وجهه) فضلاً عن استعادة ثقته بنفسه أو توازنه ، وبقدر تعلق الأمر بالأب فانه في معظم الحالات، سوف يظهر فهماً مليئاً بالعطف تجاه ابنته التي تمر بأزمة في حياتها . ومن وجهة النظر الغربية لا يعتبر الشخص مسؤولاً لا قانونياً ولا أخلاقياً ، وعن افعال الآخرين ، وبالتالي فان الاعمال المشينة ، حتى من أقرب الناس اليه ، تلقي ظلاً شاحباً ، عند حصولها ، على شرف الفرد القائم بالعمل المشين .
وفي الثقافة السائدة في العالم العربي يكون الموقف مختلفاً جداً فالروابط العائلية قوية الى درجة ان كل أفرادها ، يعانون من (اسوداد الوجه) بسبب الفعل المشين وغير المشرف الذي يقوم به أي فرد منهم . وعلى أية حال ، ضمن المحتوى العام، يميز العقل العربي بشكل حاد بين تلك الاحداث المخزية والتي لها علاقة بالنساء ، وتلك الأحداث التي لا تشتمل على النساء . وفي العالم العربي ، ينتج العمل المشين المضر بشرف الرجل ، من سوء السلوك الجنسي لابنته أو أخته أو ابنة عمه . ومن الناحية الأخرى ، فان الخيانة الزوجية من جانب الزوجة ، تجلب للزوج العربي تأثيرات انفعالية فقط وليس تأثيرات ضارة بشرفه .
ان جذور هذا الرأي الخاص بـ(شرف) الرجل ، تمتد عميقاً في تركيب وحركية جماعة القرابة العربية . وان روابط الدم من خط سلالة الأب ، لا يمكن أبداً تعريضها لأضرار بالغة ، وينبغي عدم اضعافها طوال حياة الشخص . وهذا يعني أن المرأة حتى عندما تتزوج من جماعة نسب مختلفة فانها لا تتوقف أبداً عن كونها عضواً في عائلتها الأبوية الأصلية . وبالمقابل ، فان عائلتها الأبوية تستمر في كونها مسؤولة عنها . وهذا له تأثيرات مفيدة بالنسبة للمرأة المتزوجة ، وخاصة خلال الفترة الصعبة من حياتها ، والتي تسبق الوقت الذي يصل فيه أولادها الى مرحلة البلوغ ويصبحوا المساندين لها والمدافعين عنها .
وقبل ذلك الوقت ، حيث تعتبر الزوجة الشابة شيئاً طارئاً على عائلة زوجها ، يمكنها أن تعتمد على مساعدة وتعاطف والدها واخوتها . وان معرفة هؤلاء الرجال الذين يقفون صفاً واحداً وبصلابة خلفها ، وانهم متهيئون عند الحاجة للقتال من أجلها ، يضع قيداً على عائلة زوجها في تعاملهم مع (الكنة) الشابة .
ومهما كانت درجة الثقة أو عدم الثقة التي تحصل عليها المرأة ، فانها تنعكس على عائلتها الأبوية . وهذه المسؤولية المستمرة ، تكون مؤثرة اذا أصبحت المرأة مذنبة بأرتكابها حماقة جنسية ، أو عندما يثير سلوكها الشك الكافي بأنها تتعرض للإغواء من قبل الآخرين للقيام بعمل ممنوع وفقاً للعرف والتقاليد . وان الرادع القوي المبتكر وفقاً للأخلاق والثقافة العربية تجاه الجنس المحظور (والذي يعني ممارسة العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة غير المتزوجين) ، يتمثل في شرف العائلة المتعلق بالسلوك الجنسي لبناتها المتزوجات وغير المتزوجات . وعندما تصبح البنت مذنبة بارتكابها أقل نوع من الطيش الجنسي (والذي يعرف بتعابير مختلفة في أماكن مختلفة) ، يتعرض شرف والدها وأخواتها الى الانتقاص والإهانة أيضاً . ولا يمكن استعادة شرف العائلة بمعاقبة المرأة المذنبة ، وفي الدوائر المحافظة ، فأن هذا العقاب يعني قتلها .
وكون السلوك الجنسي للمرأة ، وهو مجال يختلف بشكل حاد عن المجالات الأخرى المتعلقة بالصفات المتزامنة لـ(الشرف ـ العار) ، فانه ينعكس في اللغة أيضاً . وعندما يكون الشرف في حالته غير الجنسية فان المعنى الضمني يعبر عنه بـ(الشرف) ، وأن النوع المميز من الشرف المرتبط بالنساء والذي يعتمد على سلوكهن الصحيح ، يدعى (العرض) .
ويعتبر الشرف مرناً اعتماداً على سلوك الرجل ، واسلوب الكلام والفعل فان (شرفه) يمكن ان يحصل عليه أو يقويه أو يجعله يتلاشى أو يخسره أو يستعيده وما شابه ذلك . وبالمقابل فان (العرض) مفهوم صلب لكل امرأة (عرض) خاص بها ، وهي مولودة به وتنشأ وتترعرع به وهي لا تستطيع تقويته لأنه شيء مطلق ولكن من واجبها المحافظة عليه . ان الجريمة الجنسية التي ترتكبها المرأة مهما كانت خفيفة تسبب لها فقدان عرضها ومتى ما تم فقده فلا يمكنها استرداده .
وبمستوى المفهوم الانفعالي تفسر الصفة الطبيعية لوجود البكارة لدى البنت بـ(العرض) وان كلاً من (البكارة) و(العرض) مسميان لشيء واحد يخص الانثى ولا يمكن تقويتهما بل يمكن خسرانهما وان خسارتهما جسيمة ولا تعوض وان الاثنين (أي البكارة والعرض)متشابهان في اعتبار آخر ، حتى اذا هوجمت المرأة واغتصبت فانها تفقد (عرضها) تماماً مثلما تفقد بكارتها .
وان الامر الذي يختلفان فيه بالطبع هو الظرف الذي يتوقع فيه ان تفقد المرأة بكارتها بشكل قانوني ومؤيد خلال ليلة الزفاف حيث ان ذلك لا يصاحبه فقدان (العرض) . المرأة الصالحة تحتفظ بعرضها وتحرسه الى يوم وفاتها .
ان ما هو أكثر اثارة للإعجاب ان (شرف) الرجال يعتمد كلياً تقريباً على (عرض) نساء عوائلهم، صحيح ان الرجل يتمكن من اضعاف أو فقدان (شرفه) وذلك بعدم اظهار القدرة على البسالة أو الشجاعة أو الضيافة والكرم .
وعلى أية حال فان عدم التحلي بمثل هذه السمات نادرة لان الرجال يتعلمون في مجرى حياتهم المبكرة إدامة جميع مظاهر البسالة والضيافة والكرم ومع ذلك اذا ما اصبح الرجل مذنباً في تجاوز مكشوف لأي من هذه السمات فانه بالطبع سوف يفقد (شرفه) ولكن ذلك لن يكون مصحوباً بأي عقاب يقرر ويفرض تقليدياً . وبالنسبة للجرائم التي هي خارج تركيز النظام الأخلاقي كالقتل والسرقة وعدم الوفاء بالوعود وقبول الرشاوى وما شابه ذلك من الاعمال المشينة فان الرأي العربي ليس موحداً حيالها : يقول البعض بأن مثل هذه الأعمال قد تؤثر على شرف الرجل ويرى آخرون أنها لا تؤثر ولكن بالنسبة لنتائج التعدي على (عرض) المرأة فهناك اجماع كامل ومؤكد أنها تدمر (شرف) أقربائها من الرجال .
وقد أدى ذلك بأحد الطلبة الدارسين للأخلاق العربية الى الاستنتاج بأن جوهر الشرف بوضوح هو((حماية (عرض) الانثى القريبة للمرء)) .
ويمكننا أن نضيف الى ذلك أن التعدي على عرض المرأة بواسطة عشيقها هو الجريمة الوحيدة (عدا الانتحار) التي تتطلب تنفيذ عقوبة الاعدام وفقاً للنظام الاخلاقي العربي . ولكون أن عدم تبصر المرأة يؤذي عائلتها الابوية وليس عائلة زوجها فان عائلتها الابوية ـ والدها نفسه او أخوتها أو أولاد أخوة أبيها ـ هم الذين يعاقبونها ، وذلك بقتلها الذي يعتبر الطريقة الوحيدة لإصلاح الضرر الذي اصاب شرف العائلة .
وليس من الصعب ادراك القاعدة في إيقاع العقاب على المرأة الزانية من قبل عائلتها الأبوية وبدلاً من زوجها والذي يؤدي في النهاية الى إدامة تماسك الجماعة . وتتمثل هذه القاعدة في الميل للحفاظ على الادعاء الغيور للعائلة الأبوية في السيطرة على حياة أعضائها والذي تمارسه العائلة باعتباره حقاً من حقوقها وانها لن تتنازل عنه حتى في حالة البنت المتزوجة وان السماح لزوجها بمعاقبتها والذي هو ليس عضواً في عائلتها الأبوية سوف يعطي السيطرة الى شخص خارجي وان ذلك سوف يؤدي الى اضعاف سيطرة العائلة على أعضائها .
وعلى أية حال ، لوجوب معاقبة المرأة الزانية فان عائلتها الأبوية سوف تتعهد بهذا الواجب المرير المتمثل بقتلها ولا تحاسب على تنفيذه وفقاً للمبدأ القائل بان شرف العائلة يجب أن يصان حتى اذا كلف ذلك حياة أحد أفرادها ، ومن الناحية الأخرى يعتبر من الأمور الأساسية أن يترك الى الزوج المفجوع حرية البحث عن الشخص الذي غرر بزوجته، وقتله . وتحكم العلاقة بين الزوج وعشيق زوجته ، اجراءات مؤثرة من نوع آخر ففي الوقت الذي لا يكون فيه شرف الزوج قد اصابه ضرر مادي بسبب عدم تبصر زوجته ونزوتها فان حقوقه في الممارسات الجنسية التامة المشروعة مع زوجته تتعرض الى ضرر جسيم لا يعوض ويتطلب القيام بالانتقام الدموي من الشخص الذي غرر بزوجته .
وفي هذا المجال تختلف الأعراف العربية بشكل متميز عن الأعراف الايطالية الجنوبية حيث ان الزوج الايطالي الذي يدنس عرضه بالزنا يعاني من ازدراء وسخرية الآخرين باعتباره (Cornuto) ويعاني من خسارة كبيرة للوجه ، وتميل الأفكار القانونية الفرنسية الى جانب الزوج الذي يجد زوجته مرتكبة العمل الفاحش (متلبسة بالجريمة (Flagrant Delicto ) ، وخلال انتهاك حرمته الاخلاقية قد يقوم الزوج بقتل زوجته أو بقتل حبيبها . وتذهب العاطفة العربية الى أبعد من ذلك :انها تبرئ الزوج الذي يقتل عشيق زوجته حتى بعد حدوث القتل بسنين على ارتكاب الفعل المشين مع زوجته فضلاً عن مطالبتها الزوج لأن يقوم بذلك .
وكل هذا يشير الى أن الرجل العربي الذي يتورط في امور جنسية يتجاوز فيها العلاقة الزوجية والحقوق الزوجية للآخرين فأنه في الحقيقة يمارس مخاطر كبيرة تكفي لأن تمنع أي شخص أن يمارسها ان كان قادراً على وزن النتائج الممكنة لعمله بشكل منطقي . حتى عندما يتمكن من التخلص من حمق الزوج الذي أصابه الأذى، فهناك مخاطر أخرى في بعض الأقطار العربية المحافظة والتي تعاقب السارق بقطع يده اليمنى ، فان التجاوز الجنسي يعاقب عليه بقطع رأس الشخص المعتدي .
وكل هذا يعني أن الشخص العربي الاعتيادي ما لم يحدث أنه يعيش في مدينة كبيرة حيث تكون المومسات متيسرة أو كما في بيروت حيث بدأت الأعراف الجنسية الغربية بالانتشار لن تكون لديه تجربة جنسية مع النساء ال أن يتزوج . وعندما نظيف الحقيقة التي مفادها أن العربي الاعتيادي لا يتزوج الا بعد أن يبلغ منتصف العمر أو في أواخر العشرين من عمره مع ضرورة إعطاء العروس مبلغاً من المال يسلم الى أبيها نجد أنه عادة تمر سنين بين النضوج الجنسي وبداية الفعالية للعلاقة الجنسية الطبيعية المشروعة .
ان الحساسية العربية تجاه (العرض) كبيرة الى درجة ان الطريقة الكلية للحياة قد بنيت عليها ، مستهدفة منع حدوث أي موقف قد يؤدي الى ان تفقد المرأة فضيلتها (عفتها) الجنسية او قد يؤدي الى تمكين الرجل من أن يسبب مثل هذه الخسارة .
وحتى قبل أن تبدأ المرأة بمرحلة البلوغ الجنسي ومنذ ذلك الوقت فصاعداً والى آخر أيام عمرها يجب حمايتها باتخاذ الترتيبات الاجتماعية والتي يقررها الرجال وتأخذ هذه الاجراءات المصممة لحماية (عفة) المرأة عدة أشكال ، بعضها مجرد اجراءات تقييدية أو احترازية والبعض الآخر مؤلم جداً وضار بالصحة . ومن الاجراءات الاولى (التقييدية) ارتداء الحجاب وعزل النساء وابعاد البنات منذ الصغر عن الدخول الى المدارس . ومن الاجراءات الأخرى الضارة بالصحة أجراءات عمليات الختان القاسية بالنسبة للاناث وأحياناً يتولد الشعور بالخوف من ان الزوجة أو البنت قد تفقد (عرضها) سواء برغبتها أو عن طريق الاكراه وان ذلك الخوف يصل الى درجة قوية قد يؤدي الى قتلها .
ولقد اعتبر قتلها مفضلاً على فقدان (الشرف) المتمثل بفقدان (عرضها) بالنسبة لأقربائها من الرجال ضمن عائلتها . ويحكي أحد الفلاحين قصة شيخ من قبيلة عريقة كان يعيش في منطقة الأهوار في جنوب العراق حيث يسود المنطقة وضع اجتماعي واطئ ولقد وقع أحد الشباب من عرب الأهوار في حب ابنة الشيخ وأراد الزواج منها الا ان الشيخ رفض ذلك بسبب النسب المتدني لذلك الشاب . وعلى اية حال في أحد الأيام لاحظ الشيخ أن ابنته يبدو عليها الاهتمام بذلك الشاب عندما مر الأخير في المنطقة وهو يدفع بقاربه المصنوع من القصب وذلك بضغط عصاه في قاع الهور وبناء على ذلك أخذ الشيخ الكبير ابنته الى مكان مهجور وقتلها وذلك لمنع (عرضها) وبالتالي (شرفه) من ان يدمر وذلك بسبب رغبتها في الزواج من ذلك الشاب ، ومن النهاية الجنوبية للعالم العربي أفادت التقارير بانه خلال الحركة المهدية قام بعض العرب السودانيين بقتل زوجاتهم وبناتهم خوفاً من أنهن سيهاجمن من قبل الجنود العائدين الى جيش الخليفة والذين كانوا يعتبرون عبيداً .
وقد أصبحت مثل هذه الأعمال المتطرفة ، بالطبع ، أكثر ندرة ، وفي الوقت الحاضر وحتى بين العرب السودانيين ، قد (لا تقتل) البنت التي تكتشف بأنها قد فقدت بكارتها قبل الزواج . ومن الناحية الأخرى فان الزانية قد تتعرض الى التعذيب كامتحان لها وعند عدم اجتياز ذلك التعذيب تقتل وكذلك فأن الشخص الذي أغوى أو غرر بالمرأة تقليدياً يقتل من قبل أقرباء المرأة .
وبقدر تعلق الأمر بختان الأنثى فان المبرر المنطقي له هو أما لمنع البنت من ممارسة الجنس المحظور قبل الزواج وذلك بإزالة البظر أو جعل العمل الجنسي غير ممكن بالنسبة لها وذلك بسد الفرج ، الى أن يفتح مرة أخرى بالقوة ,هذه العادة هي من العادات التي كانت منتشرة بين العرب قبل الاسلام وفي الحقيقة جرت ممارستها أيضاً في مصر الهيلينية وفي شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام جرت العادة على تنفيذ عملية الختان من قبل امرأة اختصاصية تدعى (المبزرة Mubazzira ) وحتى في العصور الاسلامية المبكرة اعتبرت عمليات ختان الانثى بين بعض القبائل العربية شرطاً اساسياً لابد من القيام به قبل الزواج . ولا يزال الختان بالنسبة للأناث يجري بشكل اعتيادي الى وقت قريب في الأقطار العربية ،بين بعض سكان المدن والبدو في الأردن ، في مكة وفي جنوب الجزيرة العربية (منطقة ظفار وعمان ... الخ) ، في قبائل العراق الجنوبية أضافة الى مدينة البصرة في مصر ( بين كل من المسلمين والأقباط) في السودان حيث تمارس عملية سد الفرج بالرغم من اعتراض رجال الدين أو الاجماع الخاص للمتعلمين الدينيين ، في بعض أجزاء الصحارى وغيرها من المناطق . وهذه القائمة ليست بالتأكيد هي القائمة الشاملة لكافة المناطق في الاقطار العربية التي تجري فيها عملية ختان الانثى ، حيث ان الانتشار الواسع لهذه العادة يجعل من المحتمل ممارستها في الاقطار العربية الأخرى التي لم تصل التقارير عنها الينا .
وفي الوقت الذي علّق فيه الكثير من المراقبين على انتشار ختان الذكور باعتباره فحصاً للرجولة والبسالة والشجاعة التي يتمتع بها الولد الذي ينجح بعملية الختان وهو يشعر بالزهو في نفسه وبأنه قادر على تحقيق عمل جريء، الا ان قليلاً جداً منهم اثار السؤال الخاص بماهية التأثير النفسي لعملية ختان الانثى بالنسبة للبنات اللواتي أجرين هذه العملية . وغني عن القول بأنه لا تعتبر عملية الختان بالنسبة للانثى في أي مكان فحصاً للشجاعة وذلك لان الشجاعة ليست صفة مصاحبة للنساء أو متوقعة منهن ، وفضلاً عن ذلك لكون عملية الختان للانثى ، وبالمقابل لعملية ختان الذكر تنجز بشكل نموذجي سراً وخلسة فان العملية تحسب على انها تؤثر في البنت وتطبع في نفسها شعوراً بالنقص بالنسبة الى الأولاد .
وفي الوقت الذي يمكن ان يؤدي فيه ختان الذكور الهدف المتوقع منه زيادة رجولة الرجل ، فان عملية ختان الانثى تنجز لغرض تقليل انوثة المرأة عن طريق تقليل رغبتها الجنسية وذلك بتشويه مظاهر أنوثة البنت . ويشير أحد المراقبين الى أن عملية ختان الأنثى وخاصة بالصيغة القاسية والتي تجري في السودان ،تسبب صدمة شديدة جداً الى حد أن أولئك المسؤولين عن تعليم الأناث ، يقولون بأن البنات غالباً ما تظهر عليهن البلادة بشكل ثابت .
ويبقى سؤال واحد أخير له علاقة بمفهوم (العرض) .
ـ ما هو التفسير لهذه الحساسية الهائلة تجاه الشرف الجنسي الأنثوي الذي يمارس من قبل المجتمع البدوي بشكل خاص ، ومن قبل المجتمع العربي التقليدي بشكل عام ؟ لماذا تتطلب الأعراف الشعبية إيقاع عقوبة الموت بالنسبة لمن يتعدى جنسياً على المرأة ويمكن محاولة الإجابة بالإشارة فقط الى عدة عوامل في الثقافة العربية التقليدية .
ان إيقاع عقوبة الموت بالنسبة لجريمة الزنا التي ترتكب من قبل المرأة ، موروثة من الممارسات التي كانت تجري قبل الاسلام .
وفي الحقيقة انها تعود الى العصر التوراتي ، سوية مع فكرة أن الزنا يسبب العقم ، وأنه ذنب كبير جداً الى درجة انه يجعل جميع الناس أو الجماعة المشمولين به مذنبين أيضاً يتلاشون من الارض الطيبة. ولكون المجتمع العربي، كمجتمعات الشرق الأدنى والذي تميز بظهور السلطة الأبوية في العائلة والقبيلة والنسب الذي يستند الى الرجل وتعدد الزوجات، فان الرجل العربي يتمتع بحرية جنسية واسعة ، وان حالته الزوجية لا تضع بأي حال من الأحوال أي تحديد على فعاليته الجنسية ولا يزال هذا الموقف يحصل لحد الآن . وحتى ان كان الرجل متزوجاً وحتى ان كان له اربع زوجات ـ حسب التحديد الذي تضعه الشريعة الاسلامية ـ فانه يستطيع أن يكون علاقات جنسية مع المحضيات (الأمات اللواتي يملكهن الرجل) ، أو مع المومسات أو مع أية أمرأة أخرى ليست تحت ولاية رجل آخر .
وعندما يتزوج الرجل فلا يتوقع منه أن يحجم عن ممارسة الفعالية الجنسية خارج نطاق الزوجية. ولا يصبح الشخص مذنباً بارتكابه جريمة (خطيئة) جنسية الا عندما تصبح العلاقات الجنسية غير المشروعة التي مارسها مع امرأة، مفضوحة لدى الآخرين والتي تعتبر عندئذ من الأعمال المخلة بالشرف الجنسي .
وأما بالنسبة للمرأة فان الموقف يختلف بشكل جذري ويفترض ان للمرأة علاقات جنسية مع زوجها فقط والذي تزف اليه شرعاً . وان أنوثتها الجنسية ملك لزوجها بشكل تام طالما أنهما متزوجان وفضلاً عن ذلك يجب أن تحافظ المرأة على (بكارتها) كاملة الى أن يحدث اول زواج لها .وان التأكد من ذلك هو فعلاً الواجب الأسمى لعائلة المرأة وبالنسبة للمرأة يعتبر سماحها بالاستمتاع بجنسها من قبل أي شخص عدا زوجها ، الذنب الأكثر جسامة الذي يمكن أن ترتكبه .
وفي المجتمع البدوي لم يكن الفصل بين الجنسين عملياً ، حيث لا يمكن فرضه على مضارب أو خيام البدو الرحالة ولا خلال السفرات الطويلة في الأراضي الوعرة عند التنقل من مرعى الى آخر . وكان الرجال والنساء من عائلات مختلفة ، يعرفون ويشاهدون ويلتقون مع بعضهم البعض . وبموجب نظام السيادة ، فان الرجل يتزوج من البنات ضمن قبيلته أو قبيلته الفرعية أو عائلته . وفي مثل هذا الموقف ، فان الاغراء الذي لا يزال موجوداً بالنسبة للاتصال الجنسي المحظور ، يجب عدم تشجيعه ومحاربته بشدة وبموجب قواعد مشددة .
ولهذه القيود يجب أن يضاف القيد الأقل اهتماماً نسبياً بالحياة الانسانية الفردية والذي هو نتيجة أخرى للتأكيد الشديد الذي تضعه الطباع البدوية على تماسك الجماعة . وتقيم حياة أي فرد من الجماعة بشكل أساسي ، بدلالة مساهمته في الترفيه عن الجماعة وهذا يعني ان الجماعة التي ارادتها متجسدة في رجالها وتعبر عنها بواسطتهم ، تعتبر التضحية بحياة اي عضو فيها ضروري اذا كان شرف العائلة معرضاً للخطر . وبقدر ما يتعلق الأمر بالنساء فانهن يعتبرن بمرتبة أدنى من مرتبة الرجال ـ وهذا مفهوم موجود قبل الإسلام ، وقد أكده القرآن في الآية (34) من سورة النساء َ(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) . وبقدر تعلق الأمر بالقيمة الرئيسية للمرأة من وجهة نظر الجماعة فهي قدرتها كأم حقيقية أو في المستقبل كأم لأفراد الجماعة وعندما ترتكب اثماً تتجاوز فيه حدود الآداب والذي يجعلها غير ملائمة لواجب المرأة الأسمى فعندئذ تقرر قدرها بنفسها : يجب أن تموت . أن الذنب الجسيم المتمثل بممارسة الأنثى للأفعال الجنسية المخلة بالآداب العامة يحاط بأساليب واسعة من اساليب السلوك التي تحدد من هذه الممارسات والتي يمتد اليها جميعاً مفهوم (العرض) والتي يؤدي انتهاكها الى فرض عقوبة الموت .
ان جميع الامور التي تحيط بالعقل العربي وتجعله منشغل البال بالجنس بحيث تمنعه من التركيز في موضوع آخر ، تظهر بوضوح في امرين جليين منتشرين في العالم العربي كله مع بعض الاستثناءات المحلية . الأول ، هو أن كلاً من الرجال والنساء يرون افراد الجنس المقابل بشكل أساسي أهدافاً جنسية والثاني هو أن الرجال يعتبرون جميع فعاليات النساء على أنها نوع من أنواع الجنس وبشكل خاص اذا كانت تلك الفعاليات تخل بالقواعد التقليدية لفصل الاناث عن الذكور .
وتظهر هنا خاصية التمسك بالقناعة التقليدية بأنه حتى العرب الذين يحبذون اجراء بعض التحسينات في موقف النساء يستمرون بالاعتقاد بان اختلاء الرجل والمرأة لوحدهما في مكان معين يؤدي حتماً الى قيامهما باجراء الاتصال الجنسي . ففي الجزائر على سبيل المثال، طرح سؤال على رجال عرب كانوا يسكنون في قرية تقع في واحة نائية في منطقة تدعى (القصبة) .
ماذا تفعل لو أنك أتيت الى البيت ووجدت رجلاً غريباً في بيتك ؟
وكانت ردود الفعل ذات خصائص متميزة :
كل عربي فسر وجود الرجل الغريب في بيته على انه مؤشر للزنا . وان الاستجابة كانت مباشرة وثابتة وانفعالية ، "أقتله" .
ووفقاً لما أورده طالب عربي جزائري بان الرجال الشباب (ينظرون الى المرأة ، في مواجهة حقيقية على أنها ليست الا هدفاً للاستمتاع باللذة) . ويبين مولود فرعون الكاتب الجزائري والقائد الثوري ، وبشكل قاطع (الى الوقت الحاضر ، لا يزال الهدف الأساسي للحياة الاجتماعية والآداب والعادات هو الحماية الغيورة لجنس المرأة) .
وأن الرجال يعتبرون ذلك حقاً عليهم ولا يمكن التصرف فيه و(ان شرفهم مدفون في "مهبل المرأة" كما لو كان كنزاً ذا قيمة نفسية في الحياة ...) .
ويرون في نموذج النساء المقابل لهم أنهن مخلوقات لا يتمكن المرء من أن يضع ثقتة فيهن واللواتي يشبهن (الحيوانات ، وأنهن ذوي شهوة جنسية عارمة ويرغبن اجراء الجماع الجنسي مع أي رجل ، وذلك كل ما يثير اهتمامهن) ، أو كما يقول المثل العربي السوداني (متى ما يلتقي رجل وامرأة فان الشيطان سيكون ثالثهما) .
وان النساء انفسهن ، لا يتمكن من مقاومة تأثير الاغراء ويستجبن لمثل هذه الآراء التي يقول بها الذكور وانهن يعرفن بأن : (النساء هدف شهواني يطارده الذكور من أجل اللذة ، واذا ما تم الاستيلاء عليه ، فعندئذ يدان ويمنح الرجال الاستئثار بالنساء وان ينظروا اليهن نظرة شهوانية تامة من الناحية الجنسية ... لأن (النظرة الأولى) نحو مظاهر الأنوثة تجعل النساء يعتقدون بأنه يوجد شيء مخزي حول الجنس) .
وفي نفس الوقت فان النساء مقتنعات بأن الرجال (يطاردون الجنس) وهذه الدلائل القليلة والتي يمكن موازنتها بسهولة بدلالات أخرى عديدة من باقي أجزاء العالم العربي ينبغي أن تكون كافية لبيان الرأي التام فيما يخص انشغال البال بالتأثيرات الجنسية التي يملكها الجنس المقابل . وهذا بدوره يؤدي بصورة حتمية الى معرفة التأثيرات الجنسية العائدة للجنس الآخر والخلاصة أن الجنسين ينجذبان بأن كل منهما نحو الآخر بطريقة لا يمكن مقاومتها ويرى كل منهما الآخر بشكل اساسي كهدف جنسي ويجب أن تبقى هذه القاعدة خاضعة الى ضوابط وحواجز صارمة منعاً لممارسة الاستمتاع الجنسي المحظور قانوناً .
والبيان الثاني لانشغال البال المسبق هذا ، هو عدم النظر الى فعالية الأنثى دون الاشارة الى الأعتبار المهم المهيمن لعزل النساء عن الرجال لذلك مثلا ، ان دخول المرأة العربية الى مجال العمل يواجه معارضة من قبل الأشخاص المتمسكين بالتقاليد ، ليس على أساس قدرتها او عدم قدرتها على العمل ، ولكن على أساس التأكيد على أنه في مجال العمل لا تتمكن المرأة من الاحتفاظ بعفافها ونفس الاعتبارات تحفز الناس التقليديين لمنع دخول المرأة الى الحياة السياسية . ففي سنة 1952 ، رفض المجمع الخاص لعلماء الدين في الأزهر المشهور في القاهرة ـ المدرسة اللاهوتية العليا للاسلام ـ طلباً حول حقوق المرأة في التصويت والاشتراك في انتخابات البرلمان ليصبحن نائبات في المجلس وقد استند هؤلاء العلماء في مناقشاتهم على التحذير الوارد في الآية (33) من سورة الاحزاب في القرآن (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) .
وهكذا فان النص القرآني أخبر بأن على النساء أن يبقين في بيوتهن ولذلك فانه من واجب المرأة أن تعمل كل شيء لصيانة شرفها وسمعتها ... ويجب استبعاد النساء عن مواقف الاغراء ومنعهن من التعرض الى الاغراء من قبل الآخرين .
ويجب استثناء النساء من الاجتماعات مثل الاجتماعات التي تعقد لأغراض التصويت والانتخابات واجتماعات البرلمان وما شابه ذلك لأنه في مثل هذه المناسبات سوف تختلط النساء مع الرجال وقد يؤدي ذلك الى اثارة المصادقات والمضاجعة بغير تمييز وقد اسند هذا الرأي بدعم ثانوي يستند أيضاً الى التقليد القرآني تتأثر النساء بشكل خاص بالعاطفة .
في الواقع ان المرأة بسبب أنوثتها تتعرض الى الاستسلام لإغراءات الرجل المستندة الى السبب والنتيجة .
وفي الآونة الأخيرة اخذ علماء الأزهر يتكيفون مع الظروف المتغيرة 0حصلت النساء على حق التصويت في مصر سنة 1956 وفي سوريا سنة 1949 وفي لبنان سنة 1953 وفي العراق سنة 1967 ، وقد عبر علماء الأزهر في آرائهم في فتواهم التي صدرت في سنة 1953 حول الفروق الطبيعية بين عقل الرجل وعقل المرأة ، والتي لا تزال منتشرة بين العديد من الأقطار العربية ، رجالاً ونساء ، متعلمين وغير متعلمين . وغالباً ما يلاحظ المرء حتى بين النساء العربيات المتحررات واللواتي يشغلن مناصب خارج بلدانهن ، وجود خجل ذاتي معين يتمثل بالارتباك أمام الغرباء ويعبر عنه أما بدرجة معينة من الارتباك المتبقي غير المعلن ، أو على هيئة موقف يتمثل بالتحدي الدقيق حول الموضوع المعني . أن الارتياح الطبيعي الذي يتصرف بموجبه كل من الرجال والنساء والأولاد والبنات المثقفين ثقافة غربية تجاه كل منهما للآخر ، وفي معظم الحالات غير موجود بصورة ملحوظة.
الكبت الجنسي
يوجد موقفان للحياة الجنسية بالنسبة للعرب والتي غالباً ما تصادف العالم الغربي ويصور الموقف الاول العرب بكونهم ضحايا التقييدات القاسية في القضية الجنسية بجعل النساء المحجبات منعزلات بدقة عن الرجال . ويصور الموقف الثاني العرب بكونهم رجال قدماء قذرين حتى عندما يكونوا شباباً ، فانهم يستمتعون بالحركات البهلوانية الملتوية المثيرة للحس أو الشهوة الجنسية ، فهم يرقصون بملابس شبه عارية ويهزون البطون أمام الجمهور علناً ومطلقين لأنفسهم العنان في حفلات المجون الخاصة بحريمهم في البيوت وكما هو المعتاد في الحالات المتكررة فان هذه المواقف لا تحمل معها الا مماثلة ضعيفة جداً بالنسبة للحقيقة .
وتضم الحياة الجنسية للعرب اشكالاً مختلفة كما هو الحال بالنسبة لشعوب الغرب ، لذلك فان مجازفة المرء بإصدار أي تعميم حول طبيعة الأنوثة والرجولة العربية ، تكون محفوفة بالمخاطر للغاية، ما لم يؤخذ بنظر الاعتبار انه بالنسبة الى العقل العربي يعتبر عالم الجنس مسألة شخصية وحساسة في حياته أكثر مما هي علية بالنسبة للشخص الغربي المتحضر . وبسبب وجهة النظر هذه فان دراسة هذا الجانب من حياة العربي تكون محفوفة بالحواجز أكثر مما هو الحال بالنسبة لدراسة أي جانب آخر وتبرز الصعوبات ليس فقط في مجال عمل الأنثروبولوجى والمقابلات الشخصية وانما أيضاً في مجال المعلومات المستخلصة من الأدب المنشور حيث ان الاحصائيات التي تعالج مظاهر الأنوثة والرجولة ضئيلة جداً .
وكالجوانب الأخرى العديدة للحياة العربية فان الجانب الجنسي هو الآن في حالة تغير أو تقلب مستمر . وبموجب تأثير الحياة والحضارة الغربية ، فان الاعراف الجنسية التقليدية بدأت تتغير . وبسبب قبول الأعراف الغربية من قبل الناس في العالم العربي وبشكل متزايد ، فان الخزين الاحتياطي من التصرفات الجنسية العربية التقليدية ، الذي مر عليه قرون عديدة من الزمن ، بدأ بالضمور . ولا تزال الغالبية العظمى من العرب متمسكة بتقاليدها القديمة ولكن عدد الذين يتبعون الاساليب الغربية في تزايد مستمر يومياً .
وبالنسبة الى التقاليد الجنسية العربية التقليدية فيمكن ملاحظتها دون الولوج الى أسرار المخدع في غرفة النوم ، بحيث يمكن تصور الانطباع الناتج عن ممارسات الكبت الجنسي القاسية .
ان حالات عدم الاختلاط الملاحظة علناً بين الرجال والنساء ، عند اجتماعهم في مكان واحد حيث يجتمع الذكور منفصلين عن الاناث ، وكل منهما له عاداته الخاصة واسلوب تفاهمه والتزامه الخاص ، وعوامل أخرى عديدة كلها تشير حتى بالنسبة الى المراقب غير المدرب سيكولوجياً بان الأنماط السلوكية قد تطورت بسبب الاستجابة الى الكبت المبكر .
وبالنسبة الى كل من النظرية الفرويدية والنظرية النفسية التجريبية توجد حلقة اتصال محددة بين الصفة العدوانية ومظاهر الرجولة والأنوثة الجنسية . أن العدوانية ليست هي الصفة الأكثر بروزاً ولكن شدتها أيضا ًذات علاقة وثيقة بشدة الدافع الجنسي الذكري ، وبالرغم من ان هذه الميول العدوانية تكبح منذ الطفولة المبكرة وخلال حياة الفرد ، الا انها تبقى جزء من عقله الباطن ، كما يظهر ذلك من حقيقة أن ناتج الرغبات والنزوات الصبيانية للطبيعة الجنسية ، تستمر خلال العمر المتقدم وان آلة الكبت في الطفولة المبكرة تتمثل بالتأثير الأخلاقي للبيئة .
تعتبر الأم هي الشخص المهيمن في المقام الأول وان الطلب الملح للأب بوجوب مراعاة رغبات الاب في تربية الطفل ، وهو العامل الاساسي في خلق الاحباط لدى الطفل وأحياناً يجد الطفل ان هذا الاحباط بدرجة كبيرة بحيث لا يمكن احتماله ويرفض هيمنة الأب ويعلن مزاجه العدواني بشكل عنيف، وما ذلك الا محاولة قوية منه لتأكيد الذات ، وفي الوقت الذي جادل فيه بعض الباحثين بأن (العدوانية هي في الأساس أداة للتعبير عن الحيوية) فان معظم الباحثين النفسانيين يفترضون بأن العدوانية (Aggressiveness) مترادفة مع العداوة (Hostility) والتدمير (Destructiveness) ويجادلون بانها تظهر دائماً كنتيجة للإحباط . وفي هذا الاحساس أو المفهوم الثاني سوف نستخدم مفهوم العدوانية في هذا الفصل في محاولتنا لفهم مجموعة مصطلحات الكبت الجنسي ـ الاحباط ـ العدوانية ، والمتعلقة بالشخصية العربية .
ابتداء ، يجب أن نحاول ايجاد الموقف المغروس في عقل الطفل العربي تجاه الجنس . هناك بعض الدلالات الموثقة التي تشير الى أن ممارسات تنشئة الطفل العربي في هذا المجال ، على الأقل بعد السنة الثانية أو الثالثة من الحياة ، تتميز بكونها قمعية للغاية . ففي البيت العربي المثالي ، اما أن يهمل وجود المظاهر الجنسية للطفل أو أنها تمنع عنه .
ان موقف الكبت الذي تتخذه الأم بالنسبة الى المظاهر الجنسية في أطفالها قوي جداً الى درجة أن 75% من الامهات اللواتي جرى استجوابهن في دراسة عن هذا الموضوع ، ذكر بأن اطفالهن لم يلمسوا أبداً أعضائهم التناسلية . وقد فسر الباحث المشرف على تلك الدراسة ذلك بانه من الممكن أن يكون انعكاساً الى موقف الامهات الشديد بالنسبة لمثل هذا السلوك ، بدلاً من كونه واقعة حقيقية :عارضت الامهات بشدة مثل هذا السلوك بحيث انهن يرفضن السماح حتى لأنفسهن بممارسته وفضلاً عن ذلك فان الـ 25% من الامهات اللواتي قبل بمشاهدة أطفالهن وهم يلعبون باعضائهم التناسلية ، عبرن جميعاً تقريباً (90%) عن استنكارهن القوي لهذه الممارسة .
ولم تكن الأمهات العربيات فقط أكثر تقيداً في القضايا الجنسية من الامهات الامريكيات ولكن أيضاً أقل سماحاً للأطفال في ممارسة الصفة العدوانية تجاه الأبوين ، وأكثر قسوة وتحديداً في تدريب الأناث على استخدام الزينة والتبرج، واستخدام العقوبات البدنية القاسية .
وان نتيجة مثل هذه الممارسات في تنشئة الطفل ضمن سياق الثقافة الموجهة دينياً كالثقافة العربية ، تكون أنشاء مصاحبة وثيقة في عقل الطفل بين الجنس والشعور بالذنب ، ولقد بينت في مجال آخر من هذا البحث بأنه في المجتمعات العبرية في زمن نزول التوراة والمجتمعات اليهودية التلمودية ، كان ينظر الى أي نوع من الفعالية الجنسية المحرمة على أنها (عقدة الذنب ، ذلك الذنب الذي يمقته الله مقتاً شديداً وهو الذنب الذي لا يمكن أن يغفره الله أبداً) . وقد احتفظ العرب بهذا الرأي القديم بشكل تام الى حد هذا اليوم .
وكما يعبر عن ذلك (ادوارد عطية) في مذكراته كانت هناك عدة ذنوب جرى تحذيره ضدها من قبل والديه عندما كان طفلاً ، ولكن : (هناك ذنب واحد يلقي ظلاً على الذنوب جميعاً وهذا الذنب هو ذنب الذنوب الا وهو الجنس وقد تشبعت بفكرة الجنس تدريجياً الى ان اخذت اشعر بان الانسان عموماً ، يجب أن يكون خجلاً من الجنس الذي يجب حفظه دائماً في الظلام وفي روابط الزواج المقدس ، يصبح الجنس مسموحاً به ضمن تلك الروابط ، وهكذا فان هذا النوع من الذنب تصبح له صفة مشروعة قانوناً ، ولكن خارج هذه العلاقة الزوجية المقدسة ، حتى القبلة تعتبر عملاً مخلاً بالشرف ، ما لم تكن مقدمة للزواج المباشر ... وكان على النتيجة الخالصة لكل هذه التأثيرات ، أن تتطور في عقلي الى شعور عام وحاد بالخجل حول موضوع الجنس كله ، ومن كل جوانبه ، سواء أكان مشروعاً أو غير مشروع وكان يبدو لي أنه حتى عندما يتزوج المرء ، فانه لا يستطيع معالجة القضية الجنسية باسلوب الاعتذار أو طلب الصفح (Apologetic Manner) وفي أيامي الاولى من المدرسة كنت خجلاً جداً حتى من ذكر كلمة بنات) .
ان الموقف تجاه الجنس ، والذي بيّنه (عطية) أعلاه هو بالضبط ما قد يتوقعه المرء كنتيجة للكبت القاسي الذي يفرضه الآباء العرب على ابنائهم وعندما يصل الطفل الى سن الخامسة أو السادسة، يصبح الكبت ذاتياً ، أي مندمجاً في نفسه بصورة كافية ليحدد على الأقل فيما بعد ، موقف الشخص البالغ تجاه الجنس ، ان الكبت والنهي (الكبت النفسي أو التحريم) ، يظهر تأثيرهما في تأخير ظهور الفعالية الجنسية وفي دراسة ، بمقياس صغير اجريت على طلبة جامعيين عرب من لبنان وسوريا والأردن والعراق على شكل استفسارات وكانت بدون ذكر أسماء المستجوبين على اجابتهم. وكان عدد الطلاب المستجوبين من الذكور (113) طالباً وتتراوح أعمارهم بين (17ـ 28) سنة ، وتبين أنهم قد مارسوا الفعاليات الجنسية بأعمار مقاربة الى أعمار الطلبة الأمريكيين الذكور وقد درست هذه الحالة من قبل (كنزي) والذي اشار الى أن الطلبة العرب قد نضجوا جنسياً في نفس العمر تقريباً الذي نضج فيه الطلاب الأمريكيون وكان ذلك بحد ذاته اكتشافاً مهماً لأنه يدحض الفكرة التي كثيراً ما تجابهنا بأن العرب ينضجون جنسياً بوقت اسرع من الاشخاص الموجودين في أغلب الجماعات العرقية الشمالية ومع ذلك فان الطلاب العرب مارسوا تجربتهم الأولى في الفعالية الجنسية (سواء بممارسة العادة السرية أو الجماع أو بالشذوذ الجنسي أو الجماع الجنسي الطبيعي) حوالي بعد سنة لاحقة كمعدل عن الوقت الذي يمارس فيه الطلبة الأمريكيين الذكور هذه الفعاليات وهذا يفسر من قبل القائمين بالدراسة بأنه (من المحتمل أن يكون ذلك نتيجة للكبت الجنسي في البيت العربي) وهناك اكتشاف آخر يشير الى التأثير الدائم للكبت الجنسي المبكر .
ولقد قدر الطلاب ان نسبة حدوث أو تكرار الانواع المختلفة من الفعاليات الجنسية بين الاصدقاء الذكور واعضاء من جماعتهم هي أو طأ من حدوثها فعلاً ، وكذلك قدروا عدد النساء في جماعتهم واللاتي مارسن الفعالية الجنسية قبل ان تنعقد الحالة الزوجية بأنه واطئ جداً . وكان معدل التقدير اكثر بقليل من 10% ومع ذلك فان 34% من هؤلاء الطلاب قد مارسوا التجربة الجنسية الطبيعية مع النساء غير المومسات .
وهذه الفجوة بين الاعتقاد والحقيقة يوازيها التفاوت أو التضارب بين السلوك العام والتصرف الشخصي وينشئ السلوك العام في مجال الجنس ، الانطباع بأن الكبت الذي يمارس في فترة الطفولة ، ينتقل الى مرحلة البلوغ . ان اي عرض عام لمظاهر الرجولة والانوثة الجنسية ممقوت بالنسبة للشخص العربي . وان الزي العربي التقليدي غير المألوف مع بعض الاستثناءات ، يخفي بشكل مؤثر معالم الشكل الانساني ومغطياً له من الرقبة الى القدم . وفي المجتمع المدني من الطبقة الوسطى والعليا كان التقليد سائداً بالنسبة للنساء بارتداء الحجاب على وجوههن بينما كان لباس الرأس يغطي الرأس والشعر لكل من الرجال والنساء ونتيجة لذلك فان أحد ردود الفعل الأولى للعرب تجاه ظهور الاشخاص المتأثرين بالمدنية الغربية ، وهو الحكم عليهم بقلة الحياء وبأنهم منافون لأصول الأدب والحشمة وبالتالي فانهم فاسدوا الأخلاق وقد أخذ ذلك الانطباع عنهم بسبب تقليد النساء للأوربيات في ارتداء التنورات الضيقة والقصيرة والبلوزات الضيقة ذات الرقبة المفتوحة والاكمام القصيرة أو بدون أكمام اطلاقاً ، وتسريحات الشعر المرتب المكشوف ووجوه النساء المكشوفة والمدهونة بالزينة ، وكذلك بنطلونات الرجال الضيقة والتي تبرز معالم السيقان والأرداف وقمصانهم ذات الأكمام القصيرة والمفتوحة من جهة الرقبة وأوجههم الحليقة والنظيفة وشعر رأسهم الطويل وغير المخفي والتي تظهر الخصائص الانوثية .
وفي المجتمع العربي التقليدي لا يحلم الرجل وزوجته أبداً ان يسيرا سوية في الشارع جنباً الى جنب فضلاً عن عدم وضع الذراع على الذراع أو يداً بيد . ويعتبر مثال هذا السلوك بين الرجل والمرأة عرضاً عاماً للألفة والمودة وان المكان الملائم له هو البيت ، وفي خلوة غرفة النوم وحتى في البيت وعند وجود الاطفال أو الأولاد الذين ينتمون الى نفس العائلة أو الوالدين ، فان الاتصال بين الزوج و الزوجة يتحدد كثيراً ويعتبر الاستفسار الذي يقوم به شخص معين عن الحالة الصحية لزوجة صديقه نوعاً من الاستفسار غير المقبول كلياً .
وان كلمة (زوج) في اللغة العربية رقيقة جداً في الاستخدام بسبب ايحاءاتها الجنسية انها مشتقة من الفعل الذي يعني زوج (اي الجمع بين اثنين) ويستعاض عنها بتعابير تأكيدية أو رمزية عديدة مثل (امرأة) أو (مدامتي ، أي سيدتي)،(حرم) أي (المرأة المحرمة) و(تلك التي يجب أن تقدس أو تكرم) ، ( بنت عمي) وهي تستخدم من قبل الزوج حتى اذا لم يكن الزوج فعلاً ابن عم الزوجة ، (يا أختي) ، أو (يا بنت الناس) . والزوجة بالمقابل تدعو زوجها (يا سيدي) ، (يا بن عمي) أو (يا ابو حسن) .
ويعبر عن نفس الموقف في سلوك الرجل الشاب قبل الزواج على الأقل في البيئة التي تسيطر عليها التقاليد . ان الأولاد يريدون الاستمتاع برؤية البنات ويبذلون قصارى جهدهم للحصول على لمحة منهن . ولكن أعراف القرية تؤكد على أنه من غ