Alef Logo
دراسات
              

جدل الخطاب بين الرواية والسينما شواهد من روايات نجيب محفوظ في السينما / د. حسن النعمي

2016-03-05




الرواية والسينما لونان تعبيريان يتفقان ويختلفان في آن واحد. هذه ليست مفارقة، بل يلتقيان عند نقطة جوهرية تتمثل في السردية التي تصبغهما، ويختلفان من حيث تغير آلية الخطاب لا مضمونه. فهما يستخدمان السرد خطاباً ذا حمولات إيديولوجية، ويختلفان في كيفية تقديمه تبعاً لاختلاف آلية التعبير.

الرواية تصوير بالكلمات، وتعبير بالمجرد، بينما السينما عين مبصرة، وتجسيد للعالم. وتبعاً لهذه الخصوصية يحدث التقاؤهما فيما يعرف بـ (Adaptation) أو نقل الرواية إلى السينما. فالرواية المكتوبة تتحول إلى شريط مرئي يجسد المجرد برؤية تأتي أحياناً مغايرة لرؤية الرواية.

في نظرية العلاقة بين الرواية والسينما تفريعات كثيرة عن كيفية تطويع الرواية ذات البعد المجرد إلى نص سينمائي قوامه الحركة وغايته تجسيد العالم الروائي عبر تقديم الشخصيات والأشياء والأمكنة وحسية الزمن.

في أول مستوى من مستويات العلاقة بين الرواية والسينما يظهر ما يعرف (بالدقة أو الأمانة في النقل)، والمقصود مراعاة الدقة قي نقل تفاصيل العمل الروائي من حيث الأمكنة والشخصيات وخط السرد وتناميه والرسالة العامة التي تقدمها الرواية. وهو شرط عند أصحاب هذا التوجه يجب التقيد به أثناء نقل الرواية إلى السينما. أو بمعنى أكثر دقة الحفاظ على تماسك النص الروائي في الفيلم.

ما مدى سلامة هذا التوجه؟ وهل يمكن تطبيقه سينمائيا؟ وماذا عن اختلاف وسائل التعبير بين الرواية والسينما؟ هذه أسئلة قيلت تعليقاً على هذه النزعة في تناول الرواية وستظل تقال. فكثيراً ما يقول الناس بعد مشاهدة فيلم مأخوذ عن رواية قرؤوها وأعجبوا بها، لقد غير الفيلم من الرواية، مرة بالاختزال، ومرة بالإسهاب، ومرة بالزيادة والنقصان، وغيرها من الملاحظات.

وحقيقة الأمر أن هذه الملاحظات تغفل عن حقيقة جوهرية، وهي اختلاف وسائل التعبير بين الرواية والسينما. فرغم الاتفاق في الجوهر، فإن الاختلاف في كيفية عرض هذا الجوهر هو ما يميز السينما عن الرواية. إذن، نحن أمام إشكالية التعبير بالكلمة والصورة.

الكلمة عالم من المجردات الذهنية، بينما الصورة عالم حسي بصري. وهذا الاختلاف يتبعه بالضرورة اختلاف في التلقي. فقارئ الرواية ذهني الوظيفة، متخيل، ثم مؤول، بينما المشاهد، بصري الوظيفة، واقعي، ثم مؤول. وعليه فإن آلية العلاقة بين الرواية والسينما هي علاقة اختزال المكتوب إلى صورة. وهذا الاختزال ينتج عنه الاستغناء بالصورة ومدى شموليتها عن الوصف السردي المسهب في الرواية. وهنا تكمن مشكلة التلقي في عدم التنبه لطبيعة التعبير في كل من الرواية والسينما.

وفي ذات السياق فإن الرواية قد تتعرض لمها هو أخطر، فكثيراً ما تقع الرواية عند نقلها إلى السينما تحت تأثيرات إيديولوجية عميقة تتبدل معها كثير من التفاصيل والشخصيات وأحياناً تتغير رؤية الرواية بالكامل. هنا تصبح العلاقة أبعد من تغير في آلية التعبير، إلى تغير في البنية نظراً لمؤثرات خارجية لا تحكمها العلاقة الآلية بين النصين، بل تحكمها معضلة السياق الخارجي. فبعض الأفلام المنقولة عن نصوص روائية تضطر لأسباب خارجية، سياسية أو دينية أو اجتماعية، إلى الاستغناء عن بعض الشخصيات أو الأحداث أو المواقف، أو زيادة شخصيات وحوادث، أو تغيير جوهر بعض الشخصيات والحوادث. وهذا يتطلب إعادة صياغة للنص الروائي يتجاوز المعطيات الضرورية السابقة مثل الاختزال والتكثيف والتقديم والتأخير إلى التغيير في مسار الأحداث أو اقتراح نهاية بديلة تقدم رؤية تتفق مع الواقع أثناء إنتاج الفيلم.

وتقدم العلاقة بين روايات نجيب محفوظ والسينما شواهد عميقة للتغيرات التي أحدثها السينمائيون في بنية الروايات التي نقلوها. فروايات القاهرة الجديدة، وزقاق المدق، واللص والكلاب، وملحمة الحرافيش من أكثر الروايات التي شهدت تدخلات السينمائيين وتغيير مسارات الرؤية في هذه الروايات، بعضهم لقناعات شخصية، وبعضهم لتأثيرات خارجية، سياسية، أو حتى اقتصادية. فرواية زقاق المدق تختلف رؤيتها في السينما عنها في الرواية لأسباب تبدو شخصية متعلقة برؤية المخرج. فنهاية الرواية تجسد موت البطل عباس الحلو ونجاة حميدة الهاربة من حارتها والبحث عن تغيير حياتها، فإذا بها تتعثر في جنود الإنجليز وتقعل فريسة لهم. أما في الفيلم فينجو عباس وتموت حميدة برصاص الإنجليز. ماذا يعنى هذا التباين؟ تمثل نهاية الفيلم نظرة أخلاقية تنطوي على إشباع حاجة الجمهور في معاقبة المخطئ، حيث صورت حميدة فتاة متمردة، متحدية لمجتمع الحارة. فكان العقاب أبلغ رسالة يختم بها الفيلم رسالته الأخلاقية. أما نهاية الروياة فهي تثمل رؤية فلسفية وظفت وسائط مختلفة لتترك الأثر الأبعد في ذهنية المتلقي. لقد قرأ بعض النقاد نهاية الرواية على أنها رؤية لمأساة وطن أكثر من مأسة أفراد. فعباس الحلو يمثل الرجل الوطني الذي ضحى من أجل مصر، أما حميدة فهي رمز لمصر التي تحاول الخروج من همينة المستعمر. وهنا شتان ما بين النهايتين. فالتغيير في النهاية هو تغيير في الرؤية وتحويلها إلى مجرد حكاية فتاة شاردة نالت عقابها.

وتبدو رواية اللص والكلاب الصادرة عام 1962م أكثر إغراءً للسينما، حيث تم تقديمها في فيلمين برؤيتين مختلفتين. الفليم الأول حمل اسم الرواية، أنتج في عام 1969م . أما الفيلم الثاني عن الرواية نفسها فقد انتج في الثمانينات الميلادية بعنوان (ليل وخونة). حافظ الفيلم الأول الذي حمل عنوان الرواية على تنامي البناء السردي للرواية، وبالتالي قارب رؤية الرواية الكلية. فسعيد هو ذاته اسم ومعنى، يحمل الإحساس بالظلم وغياب العدالة، يدفعه للانتقام من مجتمعه الذي يكرس قيم التوحش والإقصاء. أما الفيلم الثاني فقد سعى إلى توظيف مشكلات الانفتاح الاقتصادي التي غيرت تركيبة المجتمع، وأدت إلى ظهور طبقات اجتماعية غير متعلمة، تملك المال ولا تملك التمدن. والسؤال ما الحاجة إلى انتاج فيلم ثان عن الرواية نفسها. هل هي رغبة في استثمار اسم الكاتب، أم التأكيد أن قلق الرواية قلق مستمر وليس مرهوناً بحقبة معينة. فإذا كان سعيد مهران قد واجهة مجموعة محدودة من الكلاب، فإنه سعيد يواجه في الثمانينات جيشاً من الخونة. ورغم الاختلاف في السيناريو بين الفيلمين، فإن الرؤية تبقى ذاتها، ومصير سعيد في الفيليمن هو القتل بعد مطارة عنيفة، واستعداء للسلطة عليه، وهو المصير نفسه في الرواية. ومن يشاهد الفيلمن سيلحظ التشابه بينهما في المقومات الأساسية، مما يجعل السؤال عن جدوى إعادة تقديم الرواية في فيلم آخر مشروعاً ومبرراً، سواء من الناحية الفكرية أو التجارية.

*****

ولقراءة أكثر عمقاً لإشكالية العلاقة بين الرواية السينما من منظور التأثيرات الإيديولوجية، وما تحدثه من جدلية حادة بين الفن والواقع، سيكون التركيز على التأثير الإيديولوجي على النص الروائي المنقول إلى فيلم سينمائي. ولعل أهمية هذه العلاقة ما تكشفه من إعادة صياغة النص الروائي المنقول إلى السينما. فالأمر يتجاوز الاشتراطات الفنية في العلاقة بين الرواية والسينما إلى عوامل خارجية تؤدي إلى إعادة بناء النص الروائي في السينما وفقاً لمقتضيات سياسية أو دينية أو اجتماعية. هنا يمكن أن نتساءل عن شكل العلاقة وعن إشكالية تغيير النص الروائي ومدى جواز التغيير إن كان يمكن تجويزه!!



*****

للاقتراب أكثر من كشف إشكالية التغيير تحت تأثير إيديولوجي، نناقش العلاقة بين رواية نجيب محفوظ (القاهرة الجديدة) وفيلم (القاهرة 30) المأخوذ عن الرواية. لقد أعيد بناء النص الروائي في الفيلم لمقتضيات خارجية تعود لاختلاف تاريخ ظهور العملين. فقد تم إنتاج فيلم القاهرة 30 في عام 1966م، بينما أصدر نجيب محفوظ روايته (القاهرة الجديدة) في عام 1945. والإشارة إلى التاريخين؛ تاريخ صدور الرواية وتاريخ إنتاج الفيلم، تعد مدخلاً مهماً لفهم أساب التغييرات التي وقعت في الفيلم.

نقطة أخرى قبل أن نبدأ في مناقشة تركيبة النص الروائي في الفيلم ومدى التغييرات التي طالت الرواية بفعل التأثيرات والمتغيرات الإيديولوجية، نشير إلى أن فيلم القاهرة 30 هو أول فيلم مأخوذ عن روايات نجيب محفوظ. الأمر الثاني أن السينما ظلت بعيدة عن أعمال نجيب محفوظ سنوات طويلة ولم تلتفت إليها إلا بعد الشهرة الواسعة التي حققها محفوظ بعد نشر روايته الثلاثية في منتصف الخمسينات الميلادية. ومنذ إخراج فيلم القاهرة 30 في عام 1966م اندفع السينمائي لالتقاط أعمال محفوظ الروائية حتى أن بعض رواياته قدمت في السينما أكثر من مره، مثل رواية اللص والكلاب التي قدمت مرتين، وملحمة الحرافيش التي قدمت عبر سبعة أفلام كان آخرها فيلم الجوع.

فيلم القاهرة 30 مأخوذ عن رواية القاهرة الجديدة التي تدور أحداثها من خلال عرض لمسيرة أربع شخصيات هم؛ محجوب الذي شكل الفقر أزمته الأخلاقية مع نفسه ومع مجتمعه، وأحمد الصحفي الانتهازي، وعلى طه الاشتراكي، ومأمون المنتمي للتيار الإخواني.

شكل مجتمع القاهرة والفساد السياسي في قاهرة الثلاثينات مادة الرواية. فالرواية نقد للسلطة الحاكمة في مصر الثلاثينات وما تركته من آثار سلبية على المجتمع. لقد أبرز محفوظ مستوى تفسخ المجتمع من خلال محجوب، الذي انحرف ورضي بالفساد الأخلاقي نتيجة للفقر من ناحية واستعداده للخروج من أزمته بأي ثمن. وبالتالي فهو يمثل المدى الذي صل إليه الفساد في عصره.

أما شخصيتا على طه الاشتراكي ومأمون الإخواني فهما يجسدان البعد الفكري والإيديولوجي في مواجهة الفساد كل على طريقته، وتنتهي الرواية وهما لا يملكان من التغيير غير إنكار الواقع وإدانته. لقد تنبه نجيب محفوظ للصراع الخفي في حقبة الثلاثينيات الميلادية بين الاشتراكيين والإخوان وهو اختلاف إيديولوجي سيتطور في الحقبة الناصرية إلى صراع سياسي ينتهي بإقصاء الإخوان من الساحة السياسية، والإعلاء من النهج الاشتراكي وجعله شريعة الدولة وبرنامجها الإصلاحي والاقتصادي.

من هنا يبدأ الفيلم بناءه للنص الروائي. فاهتم كثيراً ببيان فساد الحقبة السابقة، وهي إشارة لفساد العصر الملكي أو عصر ما قبل الثورة، وفي الوقت نفسه التأكيد على نزاهة الثورة، وما تعد به من بناء إنساني وأخلاقي للمجتمع في الحقبة الناصرية. لقد اهتم مخرج فيلم (القاهرة 30) صلاح أبو سيف بإبراز ملامح الفساد من خلال التأكيد على دور محجوب وإعطائه المساحة الكافية لكشف أزمته الأخلاقية واستعداده للانغماس في فساد العصر. غير أن المفارقة تكمن في إقصاء شخصية مأمون المنتمي للفكر الإخواني، وفي المقابل يقدم الفيلم علي طه الاشتراكي بمساحة تعادل المساحة الممنوحة لشخصية محجوب في حضورها وحركتها، بل وتقاطعه مع محجوب في أكثر من سياق.

من هنا تظهر التأثيرات الإيديولوجية في بناء النص السينمائي لفيلم القاهرة 30. فالبيئة السياسية التي أنتج فيها الفيلم بيئة تتخذ من النهج الاشتراكي نظاماً سياسياً واقتصادياً، وهو بعد يتكئ على عقيدة تجرم عصر ما قبل الثورة، ووراء هذا الموقف مكنة إعلامية ضخمة غذت الشعور بفساد العصر السابق، وفي المقابل أكدت على نزاهة وأخلاقية العهد الناصري.

حافظ الفيلم على زمنية الأحداث وانتمائها لفترة الثلاثينات، لكنه في المقابل لم يستطع أن يستوعب الرواية بكامل أحداثها وشخصياتها ورؤيتها، فحضر دور المخرج الانتقائي، رغبة في مواكبة عصره، أو عصر إنتاج الفيلم في فترة الستينات. فبعد ثلاثين عاماً تتغير التركيبة السياسية في مصر، وتحل المتغيرات في الفيلم التي تقترح أن الحل الاشتراكي هو الحل الوحيد الذي قاوم الفساد في العهد السابق للثورة، و أن التركيبة السياسية في العهد الناصري لها أصولها الفكرية، وليست مجرد حركة عسكرية، بل هي تتويج لنضالات فكرية في وجه الفساد فيما قبل الثورة. إن الفيلم، بهذا المعنى، مديح للحقبة الناصرية، على حساب الرواية ورؤيتها.

لم تكن رؤية المخرج محايدة في هذا الفيلم، بل كان متبنياً لوجهة نظر الثورة، وخرج من الموقف الفني إلى الموقف السياسي الإيديولوجي، فاختلت العلاقة بين الرواية والفيلم، وحدث بينهما طلاق في الرؤية أولاً، وفي العنصر المكون للرواية ثانياً. لقد غيّب الفيلم شخصية مأمون الإخواني عن أحداث الفيلم، وهو تغييب مثل مأزقاً بالنسبة لصانع الفيلم، حيث خالف رؤية الرواية التي تقوم على تأكيد قدم التباين الفكري والإيديولوجي في مصر، وهو ضرورة تراه الرواية كأحد منطلقات الحل الديمقراطي التي تنادي به الرواية. وهي رؤية لم يستطع الفيلم الحافظ عليها. ذلك أن نجيب محفوظ وهو يطرح شخصية مأمون في مقابل شخصية علي طه يطرحهما كجزء من جدل مستديم ينم عن قبول التكافؤ في جو ديمقراطي، فهو جدل فكري يجب أن يبقى حسب رؤية الرواية عند حدود التعايش. فالإسلام والاشتراكية كما يقدمهما مأمون وعلي طه نموذجان لحل مشكلات المجتمع الذي يختار ما يراه لا ما يفرض عليه. لكن الفيلم يخالف رؤية الرواية ويقدم الرؤية السائدة وهي غلبة الحل الاشتراكي، وبالتالي إلغاء الحل الديمقراطي وإحلال سلطة النموذج الأوحد. في ظل سياسية النموذج الأوحد، يتم آلياً تغييب التصور الإسلامي من خلال تغييب شخصية مأمون الإخواني لعدم ملاءمتها للواقع السياسي والاجتماعي في مصر في الحقبة الناصرية. وهو تغييب منطقي عطفاً على غياب الجو الديمقراطي الذي يقبل طرح كل الأفكار، وترك حرية الاختيار مفتوحة. لقد أذعن الفيلم لشرط الواقع على حساب شرط الفن. فهل هي قناعة مخرج الفيلم أم سلطة الواقع السياسي في المجتمع؟ قد نتجادل حول قصدية صاحب الفيلم، لكننا لا نجد حرجاً في تأكيد غلبة التأثيرات الخارجية على نقل رواية القاهرة الجديدة إلى السينما.

في الوقت الذي يتم فيه إقصاء شخصية مأمون الإخواني من الفيلم، وهو إقصاء يتجاوز الحضور الرمزي للشخصية إلى إلغاء رؤية الرواية في ضرورة استيعاب التناقضات الطبيعية في المجتمعات من خلال النموذج الديمقراطي، فإن الفيلم يسجل انحيازه لشخصية علي طه الاشتراكي تجاوباً مع المد الاشتراكي الناصري. لقد تم تطوير شخصية علي طه وإعطاؤها مساحة كبيرة تتحرك في مقابل الفساد والتفسخ الأخلاقي. وكأن الفيلم يقترح أن عهد الثورة لم يكن طارئاً، بل كان حلماً ونضالاً منذ بداية الثلاثينات المصرية. فعلي طه يتحول في الفيلم من منظر فكري إلى صاحب فعل في التغيير، حيث يواجه النظام الفاسد، ويُطارد، لكنه ينجح في توزيع منشورات تنادي الجماهير للتحرك للتغيير السياسي. لقد خلا المجتمع في الفيلم من أي نضالات أخرى، وتم التركيز على ما يخدم التوجه الاشتراكي.

إننا عندما نشاهد الفيلم بعد قراءة الرواية نتساءل هل من مصلحة الفن أن يؤدلج، وأن يُرهن لرؤية سياسية محددة، تنتهي بانتهاء عصرها؟ وهل من حق صانع الفيلم أن يُحور في الرواية للتعبير عن قناعاته أو قناعة عصره بعيداً عن مضمون وروح الرواية؟ ولماذا يلجأ المخرجون إلى روايات يتم تغيير رؤيتها جزئياً أو كلياً؟ هل هو استثمار لنجاح الرواية؟ أم استثمار لشهرة كاتبها؟ أم أنها إملاءات خارجية وضغوط لا تقاوم؟

أعتقد أننا أمام إشكالية من نوع خاص. فمن حيث المبدأ من حق السينمائي أن يترك بصمته على فيلمه لا أن يكون تابعاً لرؤية الرواية. لكن هذا الحق ليس مطلقاً، بل مقيداً بشرط معرفة أبعاد الرواية وظروف تكوينها والتفاعل معها بما يحفظ لها روحها. هناك مخرجون يرضون بنقل الرواية كما هي بمضمونها ورؤيتها وأحداثها دون زيادة أو نقصان، لكن وفقاً لجماليات السينما، وهناك مخرجون يسعون لإضفاء شخصياتهم الفنية على الأعمال التي ينقلون إلى السينما، لكن هذه البصمة لا يجب أن تطمس معالم النص الأصلي، بل تبقى الحدود بينة والأبعاد مرسومة. ومن هنا فإن فيلم (القاهرة 30) رغم الجهد السينمائي المبذول في صناعته كان موجهاً، وغير محايد، وألغى الصراع الإيديولوجي في الرواية، وحسمه لصالح الواقع عندما تبنى الموقف الرسمي للصراع.

ما هو البديل إذن لهذه العلاقة المضطربة بين الرواية والسينما؟

قدم أصحاب نظرية العلاقة بين الرواية والسينما بديلاً لتجاوز هذه الإشكالية وهو التناص. لقد وجدوا في التناص مدخلاً مهما للنظر بعمق إلى مستوى هذه العلاقة. لقد رأوا أن هذا العلاقة قد تتجاوز مراعاة آليات التعبير بين الرواية والسينما من حيث التكثيف والاختزال والتقديم والتأخير، وتتجاوز سلبية التأثيرات الإيديولوجية بوصفها تعدٍ صارخ ونقل غير أمين لروح الرواية. من منظور التناص يحافظ صانع الفيلم على الرؤية الأساسية للرواية مع حرية كاملة في اتخاذ الرواية مرجعاً ينطلق منه إلى فضاءات تسمح له باقتراح أحداث بديلة، أو تقديم شخصيات أخرى، أو تغييب شخصيات لأغراض جمالية. إن العلاقة بين الرواية والسينما هي علاقة مستفيد بمرجع، حيث تغيب معالم الرواية الأساسية وتبقى روحها. فالدقة في النقل ومحاكاة الرواية شخصية بشخصية، وحدثاً بحدث، وموضوعاً بموضوع لم تعد شرطاً في هذه العلاقة. ويمكن في هذا السياق أن نستشهد بفيلم (الجوع) لعلي بدر خان المأخوذ عن ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ، حيث صاغ المخرج علي بدر خان فيلمه على أساس الرؤية الكلية للرواية، مستعيناً بفكرة الفتوة والسلطة وإغراءاتها التي قدمتها ملحمة الحراقيش من خلال استعراض نمو عشرة أجيال من ذرية عاشور الناجي. لقد اختزلها الفيلم في شخصية فتوة واحد بتنويعات مختلفة كما اقترحتها الرواية في عشر شخصيات. لقد نجح الفيلم في الوقت الذي فشلت غيره من الأفلام التي تعاملت مع الرواية نفسها. رواية الحرافيش ملحمة ضخمة أدركت السينما أهميتها، لكنها فشلت في التعامل معها باستثناء فيلم الجوع.






تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow