المثليّون الجنسيّون يولدون، لا يصنعون . الصحفيّة آن لاندرز
ألف
2016-03-19
كتب الباحث الأمريكي في حقل المثليّة الجنسيّة، دين هامر، يقول: “يختلف السلوك الجنسي وأنماط العيش بين النساء والرجال من يوم إلى يوم ومن سنة إلى سنة، وغالباً ما يعتمد الاستنتاج ما إذا كانت تجربة جنسيّة يمكن وصفها بالمثليّة على التعريف الخاص بها الذي يستخدمه المرء”.
ليس من السهل تحليل مفهوم كالجنسانيّة sexuality. فهو موجود بمستويات عديدة – كروموزومي، تناسلي، دماغي، تفضيلي، الصورة الذاتيّة الجنسيّة، الدور الجنسي، مدى التأثيرات الدقيقة على السلوك... إلخ! وكلّ عنصر من هذه العناصر يمكن وضعه ضمن مجموعة من عناصر أخرى لتكويّن مادّة قابلة للقياس في الميزان الذي أوجده كينزي في أربعينات القرن العشرين، والذي يزعم أنه يستخدمه من أجل إظهار درجة الخيار المثلي الجنسي عند هذا الشخص أو ذاك.
التجربة الواقعيّة:
كان احتكاكي الأوّل بالمثليّة الجنسيّة، كواقع حاضر معاش، عام 1996. فقد اضطرني ظرف أمني، بعد صدور أحد كتبي النقديّة، إلى مغادرة منزلي والإقامة “الجبريّة” في منزل صديق إيراني في منطقة الزاهرة الجديدة بدمشق. وكان طبيعيّاً أن لا أغادر المنزل لشهور. لم أكن أعلم أن هذا الصديق المثقف المتدين مثلي جنسيّاً. في ليلة صارحني أنه يريد استقبال شابين سوريين من مدينة حمص، يقيم أحدهما في دمشق والثاني في رومانيا. وكان الإثنان جامعيّين أيضاً. جاء الرجلان وكانا يرتديان ملابس أقرب إلى ملابس النساء. وكان أحدهما – المقيم في رومانيا – يتميّز بصدر ناهد، اصطناعي، تحت “البروتيل” الأصفر المغرق في أنوثته. باختصار، كان هذان الشابّان، بشكليهما المستفزين اجتماعيّاً، نسخة عما يسمّى في سورية ليس دون مهانة، بظاهرة “الطنطات”.
بدا لي أن الشاب المقيم في دمشق – كان وقتها يعمل في السوق الحرّة وهو يحمل إجازة في الأدب الانكليزي – أقرب إلى التوازن النفسي من الآخر، الذي لا هم له غير الجنس. فالتقينا مراراً؛ كانت إحداها في مقهى وسط دمشق، عرفت بعدها أنه المكان المفضّل عند المثليين الجنسيين من أجل “التطبيق” ( اللفظ المستخدم للمواعيد الجنسيّة ). ساعدني الشاب للغاية في مقالة كانت الأولى من نوعها في الإعلام السوري حول المثليّة الجنسيّة في دمشق. قمت بعمل استمارات تتضمّن أسئلة بحثيّة إحصائيّة غير معقدة، وزعها الشاب على مجموعة غير قليلة من معارفه المثليين.
كنت قبلها بسنوات قد ترجمت كتاباً مع الصديقة د. إيفون أبو سمرة، في بيروت، يدعى “الانحرافات الجنسيّة”، للمؤلّف أنتوني ستور. وكان ستور ينحى في مقاربته لمسألة المثليّة الجنسيّة المنحى السوسيولوجي. لكني عرفت من أوراق خاصّة جداً تركها لي صديق مقاتل سابق في جيش لبنان الجنوبي المنحل والذي انتحر في ظروف مأساويّة، أن مقاربة مسألة المثليّة الجنسيّة لا يمكن أن تنجح إلا إن كان المرء مثليّاً جنسيّاً أو عاش تجربة في العمق مع أحد المثليين الجنسيين. وقناعتي أنه لا فرويد ولا أدلر ولا ستور كانوا من المثليين الجنسيين، أو عاشوا تجارب حقيقية مع المثليين الجنسيين. لهذا كان تركيزي في أسئلتي التي وزعها الصديق المثلي على جوانب أفصّلها الآن:
1. هل أخوتك مثليّون جنسيّاً أم أنك وحدك في العائلة؟
2. هل تعرّضت لحادث اغتصاب في الصغر أدّى بك إلى نوع من المثليّة؟
3. هل اكتشفت مثليّتك في سن مبكّرة أم أنك كنت مغايراً جنسيّاً ودون مقدمات أحسست بميل معيّن نحو الجنس ذاته؟
4. حين تمارس العادة السريّة، هل تتخيّل أثناءها أنك تمارس الجنس مع رجل أم مع امرأة؟
5. لو خيّرت، هل كنت تتمنى لو كنت مغايراً جنسيّاً أم أنك ستختار المثليّة؟
من الاستبيانات الكثيرة جداً التي حصلت عليها، وصلت إلى انطباع بأن المثليّة مسألة فطريّة (بلغتنا العلميّة: جينية)، قد تكون غير معنيّة بالكامل بالدور السوسيولوجي الذي ركّز عليه فرويد ومن جاء بعده ممن تأثروا به. هذا قد يثير غير المثليين من أدعياء المحافظة على “الأخلاق”، باعتبار أن هذا الكلام يمكن أن يعني، ضمن أمور كثيرة، أن المثليّة قدر، لا مرض؛ فالمثلي شخص عادي يختلف عن الغالبيّة في ميوله الجنسيّة. باختصار، تحويل المثليّة الجنسيّة من جريمة ضد الأخلاق والشرع، “لواط”، إلى مجرّد خيار جنسي لا يهم غير صاحبه. حال المثلي الجنسي هنا لا يذكّرني إلا بوضعيّة الإنسان الأسود في الدول غير السوداء قبل أقل من قرن من الزمان: الإنسان الأسود مرفوض لشكل خارجي ليس له أي دور في اختياره.
كان الرد الأوضح على فرضيّة “العامل التربوي” [ أب مهمل أو قاس وأم تتولى مهمة البيت أو مغرقة في حنانها لأبنائها] هو أن الغالبية شبه المطلقة من المثليين الذين تم استبيان آرائهم أفادوا أن ليس لديهم أخوة مثليّون. هذا يعني ببساطة أن شخصين يعيشان البيئة ذاتها، ويتعرضان لظروف متشابهة، يمكن أن يكون أحدهما مثليّاً والآخر مغايراً. بالمقابل، من ملاحظات كثيرة، ثبت لدينا بالدليل القاطع أن الظرف الأسروي الذي روّج له فرويد ومن تأثر به ليس من الضروري أن يؤدّي إلى أطفال مثليين جنسيّاً. كذلك فإن الاستبيانات غير السطحيّة أوضحت أن المثليين الذين تم استبيان آرائهم تربّوا في بيئة هي الأمثل عموماً لإنتاج أشخاص مغايرين. من ناحية أخرى، وجدت من البحث أن عدداً لا بأس به من المثليين المستقصاة آراؤهم تعرضوا لاغتصاب جنسي أو ما شابه (محاولة إيلاج على الأقل) في مرحلة نهاية الطفولة وبدايات المراهقة. لكننا لا بد أن نشير هنا أيضاً إلى عنصر هام جداً هو أن المثلي المراهق، حين تعرّض لاغتصاب أو شبه اغتصاب، كانت مشاعره مثليّة؛ أي أنه عموماً كان يميل فطريّاً إلى ذكر من محيطه أو أكثر. كذلك لا يمكن إلا التوقف هنا أيضاً عند ما أسماه مثلي إسباني من الذين تقصيّت آراءهم في المسألة “بالكيمياء المثليّة”؛ أي أن هنالك عنصراً خفيّاً في انجذاب مثلي إلى آخر، مثلما هنالك عنصر خفي في انجذاب رجل معين إلى امرأة بعينها. وربما أن هذه “الكيمياء المثليّة” تلعب دوراً في إقدام طرف على مقاربة جسديّة مع طرف آخر، وإن دون موافقة واعية كاملة من الآخر.
هنا لا بدّ من تقديم الملاحظة التالية. في المنطقة من سوريّا حيث أعيش (البلدات والقرى الواقعة على تخوم الصحراء)، وجدت ما يمكن أن نسميّه “بالمثليّة الجنسيّة الطارئة”. – ما الذي يعنيه ذلك؟ في هذه المناطق ذات الغالبيّة الدينيّة السنيّة، والتي تتميّز بنوع من التعصّب الديني – الاجتماعي غير المعقلن، كان ثمة انتشار لنوع من الممارسة الجنسيّة مع الحيوان bestiality (بشكل خاص مع الأتن)، لأن العلاقة ذكر – أنثى شبه محظورة خارج إطار الزواج. في مرحلّة تطور اجتماعي ما، خاصّة مع انتهاء المهام الوظيفيّة للحمير عبر مكننة الزراعة وانتهاء الرعي تدريجيّاً، تحوّلت العلاقة ذكر – أنثى الحيوان، إلى العلاقة ذكر – ذكر. لكن كل الأمثلة التي دونتها عبر ما يقرب عقد من الزمان أوضحت أن الحالة المثليّة تنتهي عند الطرفين بمجرّد زواج أحدهما أو كليهما. هذا يعني، بصريح العبارة، أن الاغتصاب الجنسي للذكر من قبل ذكر آخر ليس بالضرورة أن يؤدّي إلى حالة مثليّة جنسيّة مستعصية.
بعود إلى الاستبيانات إياها، وانطلاقاً من الواقع المعاش الأقرب إلى الدقّة البحثيّة، يمكننا القول إن اكتشاف المثليّة – وعي مبستر عموماً – كان يتمّ في مرحلة متقدّمة جداً من العمر. فقد ذكر كلّ المتقصاة آراؤهم تقريباً، أنهم عرفوا ميلهم الذكري في مرحلة ما بين الطفولة والمراهقة. بل الملاحظ هنا، أنهم جميعاً كانوا يعتقدون أن هذا الميل طبيعي. ولم يكتشفوا “مأساة” الميل المثلي إلا في زمن متأخر، خاصّة بعد اطلاعهم، إن عبر العلاقات أو المطالعات الشخصيّة، على أن ميولهم نحو الجنس ذاته تختلف تماماً عن ميول الغالبيّة، التي تفضّل الجنس الآخر. وكما يستخدم المراهق المغاير الصور والأفلام الجنسيّة التي تعرض فيها النساء أجزاء من أجسادهن تحفّز عند هذا الذكر الانتصاب ومن ثم القذف، يستخدم المراهق المثلي الصور والأفلام ذاتها، لكن مع اختلاف الموضوع خالق الإثارة هنا: تصبح المرأة رجلاً أو أي ذكر آخر يقدّم لهذا المراهق الحافز للقذف.
الغريب، أخيراً، أن معظم المستبينة آراؤهم يرفضون، إن كان لديهم الخيار، أن يكونوا مثليين جنسيّاً. ولهذا أسبابه الموضوعيّة أيضاً. يرفض المثلي الجنسي، بوعي أو دون وعي، مثليّته الجنسيّة؛ بل ونجده عموماً، وأتحدث هنا عن الشرق الناطق بالعربيّة، يردّد أقوال المجتمع، من أن المثليّة الجنسيّة مرض يمكن معالجته، وبالتالي فهو مرحلة يمكن للمرء التخلّص منها بالعلاج “والإيمان”. المثلي، المتطابق هنا مع مجتمعه المغاير، يرفض مثليته لأنها جريمة، كما أشرنا، ضد الدين والأخلاق. كذلك، تقف المثليّة الجنسيّة عائقاً في وجه رغبة المرء بالوصول إلى الاستقرار، عبر الأسرة، أو حس الاستمرار، عبر النسل. المثلي الجنسي في الشرق، مثل الأسود في الولايات المتحدة قبل تحرير العبيد، يكره جنسه ولا يستطيع التخلّص منه (الحالة الأشهر: مايكل جاكسون). وسيظل لا يعدم الأمل بكشف علمي ينقله إلى مصاف المغايرين.
مجلّة غوس:
بسبب المقالة التي نشرت في الصحافة السوريّة، اتصل بي صحفي ألماني مثلي جنسيّاً، يقيم في بلجيكا، يعمل في مجلّة غوس المتخصصة بمسائل المثليّة الجنسيّة، وطلب إجراء لقاء لتلك المجلّة. ولما تصفحت بعض أعداد غوس، ورأيت أنها غير بحثيّة وأنها أقرب ما تكون إلى صحافة الإثارة، رفضت اللقاء دون نقاش. مع ذلك، كان اللقاء مع الشاب الألماني هام جداً لأن الرجل أضاء لي على بعض الجوانب المظلمة في الحياة المثليّة السوريّة، كنت أجهلها بالكامل.
من هذا الصحفي المختص في الأمور المثليّة، عرفت أن هنالك حمامات عامّة خاصة بالمثليين في غير مدينة سوريّة، حدائق عامّة، فنادق، مقاه ومطاعم، بغض النظر عن الحفلات المثليّة التي تعقد في أماكن متعددة من القطر، أحياناً بحماية غير عاديّة. وربما أن هذا الصحفي، كونه غير سوري أو عربي، كان باستطاعته الوصول كالعادة إلى ما لا يمكن للعربي أن يصل إليه.
الخطوة الأهم كانت قراءتي لمقالة تتناول الموضوعة ذاتها، نشرها أحد الزملاء من الصحفيين السوريين الشبّان. كان العنصر الأهم في تلك الخطوة اكتشافي عبر المقالة إياها لإمكانيّة التواصل مع المثليين في كافة أرجاء العالم عبر مواقع المثليين على الشبكة العنكبوتيّة. ورغم خطورة الأمر وتأثيره السلبي على السمعة في منطقة تتبأور الأخلاق فيها حول الجنس، التي يقع الجنس المثلي في أسفل تصانيفها غير الأخلاقيّة، وجدت أنه من غير المنطقي على من لم يتردد في عبور كل التابوهات الدينيّة دفاعاً على الإنسان، أن يتردد في تحطيم تابو جنسي يفهرس قطاعاً لا بأس به من الناس في تصنيف تعافه الحيوانات. وكان الأمر في غاية السهولة: تسجيل في الموقع ومراسلة باسم مستعار. ومن موقع معين، www.manjam.com، انطلق باتجاه مواقع أخرى، أقل أهمية، مثل:
www.gaydar.uk.com ، www.beararabia.com؛ www.gayromeo.com؛ و www.bearwww.com؛ وكانت النتيجة مذهلة. فعلى مدى أشهر استغرقها إعداد هذا البحث النظري – العملي، استطعت لقاء عشرات الأشخاص؛ وسافرت لأجل لذلك إلى ثلاث دول تحيط بسوريّا، هي لبنان والأردن وتركيا، إضافة إلى لقاء كثير من العراقيين من المثليين المقيمين أو العابرين.
ملاحظة هامة:
أطلق مثليو الجنس في الآونة الأخيرة في سوريّا موقعاً على الانترنت، سرعان ما حجبته الدولة. عنوان الموقع، أنا مثلي مثلك؛ وفيه دعوة إلى التعامل بتسامح مع الآخر، بغض النظر عن ميوله الجنسيّة.
قبل أن أبدأ ببعض التفاصيل المتعلّقة بتلك اللقاءات العمليّة، نرى أنه من المفيد التذكير بطريقة تقديم موقع كالمانجام للمنتمين إليه. موقع، كي لا نستخف الأمر، نشير إلى أن الذين يتابعونه بشكل حي من سوريّا، يوم الخميس الخامس عشر من تشرين الأول – نوفمبر، الساعة الثانية وخمس وأربعين دقيقة ظهراً، بلغ 5092. دون أن ننسى أن هنالك مثليين كثر ليس لديهم كومبيوتر أو ما شابه، وأكثر منهم من لا يجيد التعامل باللغة الانكليزيّة المطلوبة مبدئيا في هذه المواقع.
تقديم الموقع للمشترك المثلي لا يتخطّى إطار الجسد – الجنس. تحت عنوان المظهر الخارجي نجد المعلومات التالية: العمر؛ الجنس؛ الميل الجنسي؛ الأصل الإثني؛ الطول؛ الشعر؛ الجسد؛ شعر الجسد؛ الوشم؛ حجم العضو التناسلي؛ الختان؛ الدور في الفراش. تحت عنوان أسلوب الحياة؛ نجد المعلومات التالية: البرج؛ هل توجد في حياتك علاقة؛ من أين تكسب عيشك؛ تريد أطفالاً؛ لديك أطفال؛ الدخل؛ التوجه السياسي؛ الدين؛ مدخن؛ العقاقير؛ الكحول؛ الجنس الآمن؛ الصحة.
تحت عنوان جديد هو مواصفات الشريك، نجد ما يلي: جنس الشريك؛ طوله؛ وزنه؛ عمره؛ نوعية العلاقة المطلوبة.
هنالك تفريعات تتعلّق أساساً بالهوايات وأنواع الممارسات الجنسيّة المطلوبة تفصيليّاً.
كانت أهم العينات التي التقيتها هم أولئك المتصالحون مع ذواتهم، والذين يمتلكون ما يكفي من الخبرة والثقافة لفهم حقيقة المثليّة الجنسيّة، دون أن يعني ذلك على الإطلاق تخصصهم بالخلفيّة الجينية أو السيكولوجيّة للشخص المثلي. وطبعاً، كلهم من حملة الشهادات العليا. هذه المجموعة تضم الأشخاص التالية مواصفاتهم:
1 – غير المتزوجين، أي المثليّون بالمطلق:
م ( مهندس مدني، سوري، مسلم سني، في أواخر العقد الثالث من العمر، مرتبط برجل أكبر منه سناً، سوري أيضاً).
م ( مدرّس، سوري، مسلم سني، في العقد الثاني من العمر، مرتبط برجل في نهاية العقد الخامس، عراقي ).
م ( محاسب، سوري، مسلم سني، في العقد الرابع من العمر، غير مرتبط ).
م ( مهندس مدني، لبناني، ماروني، في منتصف العقد الخامس، غير مرتبط ).
ب ( رجل أعمال، سوري، أرثوذكسي، خريج أدب انكليزي، في العقد الرابع من العمر، مرتبط برجل سوري ).
م ( يعمل في الأمم المتحدة، أردني، بروتستانتي، يحمل إجازات عديدة، في العقد الخامس من العمر، غير مرتبط ).
م ( مهندس بترول، عراقي، إثنا عشري، في نهاية العقد الثالث، مرتبط بعلاقة مع سوري في العقد الرابع من العمر ).
ك ( محام، سوري، كاثوليكي، في العقد الثالث من العمر، غير مرتبط ).
ج ( طبيب أسنان، سوري، أرثوذكسي، في العقد الثاني من العمر، غير مرتبط ).
س ( بحّار، تركي، علوي، في العقد الرابع من العمر، غير مرتبط ).
أ ( دكتور مهندس، سوري، علوي، في نهاية العقد الرابع من العمر، غير مرتبط ).
ط ( محاسب، أردني، مسلم سنّي، في العقد الثالث من العمر، غير مرتبط ).
هـ ( تاجر، سوري، إثنا عشري، في العقد السادس من العمر، مرتبط بشاب يصغره سناً ).
أ ( مدرّس رياضة، سوري، مسلم سني، في العقد الثالث من العمر، غير مرتبط ).
ن ( مهندس بترول، سوري، أرثوذكسي، في العقد الرابع من العمر، غير مرتبط ).
غ ( محاسب، لبناني، ماروني، في العقد الخامس من العمر، غير مرتبط ).
د ( مهندس مدني، سوري، في العقد الثالث من العمر، غير مرتبط ).
ع ( مدرّس ثانوي، سوري، علوي، في العقد الرابع من العمر، غير مرتبط ).
ر ( أستاذ جامعي، عراقي، إثنا عشري، في العقد الرابع من العمر، غير مرتبط ).
ظ ( مهندس زراعي، إيراني، إثنا عشري، في العقد الرابع من العمر، مرتبط بمدرّس سوري من عمره ).
أ ( تاجر، عراقي، مسلم سني، يحمل دكتوراه في الآداب، في نهاية العقد الرابع من العمر، مرتبط ).
2 – المتزوجون، أي الذين لديهم ميل ثنائي الجنس bisexual؛ لكن الميل المثلي بدا طاغياً للغاية:
ص ( إعلامي، عراقي، مسلم سنّي، خريج آداب، في العقد الثالث من العمر، متزوج ومرتبط مع رجل ).
ق ( مهندس معلومات، سوري، إثنا عشري، في العقد الرابع من العمر، مطلّق ومرتبط مع شاب يصغره سناً ).
ف ( تاجر، سوري، مسلم سنّي، في العقد السادس من العمر، متزوج لكنه بميل مثلي طاغ ).
غ ( إعلامي، عراقي، إثنا عشري، في العقد الرابع من العمر، متزوج لكنه يعيش في سوريا بهدف الجنس المثلي أولاً ).
ع ( طبيب، سوري، مسلم سني، في العقد الخامس من العمر، متزوج لكنه يعيش للمثليّة ليس إلا ).
س ( تاجر، سوري، مسلم سني، خريج تجارة، في العقد الرابع من العمر، متزوج لكنه مرتبط بشاب أصغر منه سناً ).
ع ( شيخ جامع، سوري، مسلم سني، خريج شريعة، في العقد الرابع من العمر، متزوج لكن ميوله المثليّة طاغية ).
ظ ( محاسب، تركي، مسلم سني، في بداية العقد الخامس من العمر، متزوج لكنه يعيش لرغباته المثليّة ).
هـ ( مهندس مدني، أردني، مسلم سني، في نهاية العقد الخامس من العمر، متزوج لكن هذا لا يمنع علاقة مثليّة بين فترة وأخرى ).
إن الفارق كبير للغاية بين ما تمّ نشره قبل أكثر من عشر سنوات في الصحافة السوريّة من دراسات استبيانيّة حول المثليين الجنسيين، وما ننشره اليوم في “الأوان” حول القضيّة ذاتها. أهميّة بحثنا الراهن، الذي نجد دراستنا الأولى بالمقارنة معه أقرب إلى السذاجة معرفيّاً، يكمن في أننا تخطينا الحواجز الذاتيّة، وعشنا على مدى أشهر مع كثير من المثليين الجنسيين، وعرفنا معظم هواجسهم ورغباتهم وأمنياتهم؛ بغض النظر عن أماكن تلاقيهم واجتماعاتهم؛ في حين كانت دراستنا القديمة حول الموضوع مجرّد استمارات تبرّع أحد المثليين بتوزيعها على أشخاص من الجماعة المثليّة بدمشق، وتم استلام الاستبيانات لاحقاً، وإجراء نوع من الدراسة الاحصائيّة للمعلومات الواردة فيها. كذلك، ففي حين كانت دراستنا الأولى مقصورة على دمشق، توسّعنا في هذا البحث وتخطينا حدود سوريّا إلى الأقطار المحيطة، في الاتجاهات الأربعة.
الانطباعات غير المصطنعة:
لا يمكن، كما أشرنا، للحديث في المثليّة الجنسيّة أن يكون حقيقياً إن لم يعرف نوعاً من المطابقة identification بين شخص الباحث وشخص المثلي، موضع البحث. كذلك فإن مقاربة المسألة من زاوية الورقة البيضاء [ دون أحكام أو مشاعر مسبقة ] شرط لازب للنجاح في مهمة غير سهلة من هذا النوع. من هنا، أستطيع الزعم بأن ما توصلت إليه من معارف حول أعمق دواخل الذات المثليّة كان حقيقياً “حتى البكاء”. كانت دموع الصديق المثلي العراقي، التي طالما انهمرت أمامي وهو يسأل، “لماذا خلقني الله هكذا؟”، حافزاً إضافيّاً من أجل تبنّي مطالب هذه الفئة المهمشّة المدانة التي لم يتوقف الناس قط عن إضافة المزيد من العذاب إلى عذاباتها، التي لا يمكن احتمالها أصلاً.
الحقيقة الأبسط المشتركة بين الجميع هو أن ميل أحدهم للرجل أمر غير قابل للعقلنة: تماماً كما هو ميل المغاير جنسيّاً للأنثى. هذا الميل، كما لاحظت وأشرت مراراً، يبدأ حتى قبل سن المراهقة؛ وتجسّده جنسيّاً يتعلّق أساساً بالظروف. وكما هي الحال عند المغايرين جنسيّاً، لكلّ مثلي أمثولته فيمن يرغب به من ذكور. كيف؟ بتبسيط شديد، يمكننا القول، إنه كما يتباين المغايرون جنسيّاً في خياراتهم الأنثويّة، يتباين المثليّون جنسيّاً في خياراتهم الذكرية. هنالك من يفضّل كبار السن؛ وهنالك من يفضّل الأصغر سنّاً. هنالك من يفضّل أن يضاجع هو الآخر؛ وهنالك من يفضّل العكس؛ مع أن السائد هو من يقوم بالدورين. كذلك يلعب الشكل والسمات الجسديّة دوراً أساسيّاً في العلاقات المثليّة. مثلاً: هنالك من يفضّل شعر الوجه أو الجسد، وهنالك من يرفضهما. والواقع أن مواقع المثليين لا تهتم عموماً إلا بالصفات الخارجيّة.
الحقيقة الثانية التي لاحظتها في الجماعة المثليّة عموماً هو عدم الثبات في العلاقات. هذا يعني أنه من السهل جداً على المثلي – هنالك استثناءات طبعاً – كسر علاقة مهما كانت حميمة، والولوج في علاقة أخرى جديدة. فهل ثمة تفسير أكثر عمقاً سيكولوجيّاً لهذه الظاهرة؟ بتبسيط شديد يمكن القول، إن وصول المرء للإشباع الجنسي satisfaction يتعلّق إلى حد ما بنوعيّة الممارسة الجنسيّة التي يقوم بها:العادة السريّة، المثليّة الجنسيّة والجنسانيّة المغايرة. والإشباع الجنسي يتزايد طرداً مع الانتقال من العادة السريّة إلى المغايرة. هذا يعني أن المثليّة الجنسيّة – لا بد من الاستشهاد بكينزي هنا – تقع في وسط الطريق إشباعيّاً. من هنا، يعتقد المثلي أن عدم الإشباع الكامل عنده سببه الطرف الآخر الذي قد لا يكون قادراً على إشباعه؛ لكن الواقع أن السبب الرئيس لعدم الإشباع هو المثليّة الجنسيّة. وهكذا، حتى لو قام هذا المثلي بالانتقال إلى علاقة مع ذكر آخر، فإن الإشباع يظل كما هو، ومن ثم لا بدّ من انتقال جديد. من ناحية أخرى، ومن تراسل مكثف مع مثليين في دول شمال أوروبا بشكل خاص، هنالك فرق واضح جداً عموماً بين المثليين في دول الغرب المتحضّر، والمثليين في الشرق الأوسط: الأوربيون لا مشاكل أخلاقيّة- دينيّة- اجتماعيّة في دواخلهم من ممارسات من هذا النوع، بعكس المشرقيين. من هنا، فالتوترات الداخليّة عند الأوروبيين، التي تلعب أيضاً دوراً سلبيّاً في الإشباع، أقل منها كثيراً عند نظرائهم المشرقيين. كذلك فقد ثبت علميّاً أن الهرمون الذكري عنصر أساسي في التعددية المعروفة عند الذكر، مقابل الأحاديّة المرتبطة بالهرمون الأنثوي.
الحقيقة الثالثة التي لاحظتها هي عدم ميل القطاع الأكبر من المثليين إلى الرجال الذين ينتحلون شكلاً أنثويّاً كاذبا، أو ما يسمى بظاهرة الـshe-male. ( لاحظت انتشار هذه الظاهرة في الكويت ). وكان الجواب عموماً على سؤالي لكل المثليين الذين التقيتهم، المتعلّق بسبب تفضيل المثلي لمثلي ذكوري السمات، هو أنه لو أراد شريكاً أنثويّاً لاختار امرأة فعليّة، لا مصطنعة.
بالنسبة للمثليين المتزوجين الذين التقيتهم، وهم قلّة نسبيّاً، فقد كان ردّهم كلّهم على سؤالي المتعلّق بالسبب المنطقي لزواجاتهم، هو اعتقادهم أنه إذا تزوج واحدهم، يمكن أن “تُصلح” ميوله الجنسيّة. لكن المتخيّل شيء، والواقع شيء آخر. ومجموعة المتزوجين الذين عرفتهم على مدى أشهر، منغمسون أكثر من العازبين في العلاقات الجنسيّة المثليّة؛ بل اعترف جميعهم أنهم، حين يمارسون الجنس مع زوجاتهم، يتخيّلون ذكراً آخر من نوعية يعرفونها، أو تشكّل أمثولة في مخيلتهم. وقد صارحني أحدهم، وكان متزوجاً من سيدة مثقفة، أنه كان يأتي بعشاقه إلى المنزل، ويمارس معهم الجنس وامرأته في الغرفة الثانية. وحين أحس الرجل أن الوضع لا يحتمل، بادر إلى تطليق زوجته، والعيش كما يشاء. آخر صارحني أيضاً أنه متزوج لأن المجتمع لا يتقبّل فكرة رجل متقدّم في السن وعازب، ويثير حوله الشبهات. وفي رده حول حياة زوجته الجنسيّة، قال إنها تعيش كما تشاء، مقابل أن يعيش هو كما يشاء؛ وهي تعرف وضعه وتتقبله.
طرق اللقاء:
مما لا شك فيه أن دور الشبكة العنكبوتية حاسم للغاية في تسهيل المثليّة الجنسيّة. مع ذلك، وأتحدّث هنا عن الأماكن التي رأيتها في دمشق، ثمة أماكن بعينها تعتبر مواقع فضلى للتعارف بين المثليين. ففي إحدى الحدائق العامة الواقعة قرب أشهر فنادق دمشق، يكفي أن تأتي في فترة المساء أو الليل وتجلس على أحد مقاعدها المتناثرة بين تماثيلها الشهيرة، كي تجد من يأتي إليك عارضاً عليك خدماته الجنسيّة. هنالك ثلاثة حمّامات عامة للمثليين الجنسيين في دمشق، تم إغلاق أحدها قبيل فترة، يمكنك أن تصحب شريكك إلى أحدها وتمارس معه داخل الحمّام ما تشاء، مقابل حوالي 10 دولار. مع ذلك، إن شئت، يمكن أن تذهب وحدك لكن الشريك المناسب غير مضمون. والمسألة حظ بالكامل. الحمّامان مصنفان، واحد لكبار السن، وآخر للشباب. لكن التصنيف غير حاسم. ثمة حمّام تم افتتاحه في ريف دمشق؛ لكنه سرعان ما أضحى عرضة لغارات الدولة. فاضطر إلى الإقلاع عن فتح الأبواب للمثليين. ثمة مطاعم ومقاه معروف عموماً أنها للمثليين، خاصة في فترتي المساء والسهرة. عرفت منهما إثنين: واحد في ساحة المرجة الشهيرة وسط دمشق، والآخر غير بعيد عنه قرب المستشاريّة الثقافيّة الإيرانيّة. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن كل من يدخل إلى هذه الأماكن هو مثلي يبحث عن شريك. للحفلات المثليّة دورها أيضاً في تعارف الأطراف المهتمة بذلك؛ وقد سمعت عن حفلات ضخمة – التقيت شخصيّاً بعض من حضرها – تُقام في مناطق من دمشق، يلتقي فيها المثليون، لكنها لا تتضمن ممارسات جنسيّة.
بيولوجيا، بيداغوجيا، أم سيكولوجيا:
لا شكّ أن الصراع بين المدارس البحثيّة في الغرب ما يزال مستعراً حول الأسباب الفعليّة “لتكوّن” المثليّة الجنسيّة. هنالك من يركّز على البيولوجيا، خاصّة أتباع المدرسة الجينية؛ وهنالك من يفضّل البيداغوجيا، أي أن التربيّة هي الأساس في هذا “الاضطراب” السلوكي؛ وهنالك أخيراً من يعتبر أن الأمر سيكولوجي برمته، بمعنى أن المثليّة شكل “انحراف” جنسي، سيكولوجي المنشأ؛ من هنا فإن “علاج” هذا المرض ممكن، وإن بدا صعباً. وفي الكتاب الذي ترجمته قبل سنوات حول المسألة، الانحرافات الجنسيّة، قال أنطوني ستور، مؤلّف العمل، إن صعوبة “علاج” المثليّة، مقارنة بالبديّة fetishism على سبيل المثال، هو أن غرض الرغبة الجنسيّة في المثليّة “إنسان”، في حين أنه في البديّة “جماد”؛ وسهل إحلال “إنسان” مكان الجماد، في حين تكتنف الصعوبات الحالة الأولى. نحن اليوم لا نقلل من شأن دراسات فرويد ومن جاء بعده، لكن أهميتها ذات طبيعة تاريخيّة؛ بمعنى أن مكانها الأفضل هو متحف تاريخ دراسات الجنسانيّة.
إن البحث عن فهم لأصول الجنسانية البشريّة – مطلب إيجاد جواب لسؤال: ما الذي يعنيه أن تكون مثليّاً جنسيّاً وأو مغايراً جنسيّاً ؟ - يمدنا بإمكانيّة التخلّص مما يمكن أن يكون الأكثر عدوانية بين كل القوى الثقافيّة، أي القيم الاجتماعيّة المتحاملة.
تظهر دراستان كبيرتان تتناولان الأصول التاريخيّة للمقولات الجنسيّة الحديثة كم يمكن للتصنيف الاجتماعي الذي نشأ بمرور الزمن أن يضلّل المرء بحيث يفترض أن تصانيف بيولوجيّة متأصّلة موجودة دون قابليّة لأي تغيير. لقد كتب ميشيل فوكو تاريخ المعايير الجنسيّة عبر التركيز على الفكرة المرنة المتعلّقة بالمثليّة الجنسيّة. وشجب ما دعاه “الشكلانيّة الفرويديّة” في أخذها المغايرة الجنسيّة heterosexuality معياراً في التحليل النفسي. وختم بالقول:“يجب أن لا ننسى أن التصنيف السيكولوجي، الطب-نفسي، والطبي للمثليّة الجنسيّة كان قد تشكّل من لحظة تعيينها – يمكن اعتبار مقالة وستفال الشهيرة من العام 1870 حول”المشاعر الجنسيّة المعاكسة “تاريخ ولادته [ هذا التصنيف ]– عبر نوعيّة معينة من الشعور الجنسي أكثر منها عبر نمط علاقات جنسيّة... السدوميون كانوا انحرافاً معاصراً؛ المثليّون صاروا الآن صنفاً”. بل إن رجلاً يفترض أن يكون موضوعيّاً، بغض النظر عن الاحترام، مثل دان كويل نائب الرئيس الأمريكي وقتها، قال عام 1992 إن المثليّة الجنسيّة: “خيار أكثر منها وضعاً بيولوجياً... إنها خيار خاطئ”. إذن، حتى في الغرب، وحتى وقت قريب، نجد أن الانطباع القائل إن المثلي الجنسي هو شاذ مضطرب في الأعماق يحتاج إلى علاج كان المعتقد التقليدي. فقد كتب الطبيب النفساني، برنارد أوليفر جونيور، المختص في الطب الجنسي، عام 1967، أن الدكتور إدموند برغلر يشعر أن العدو الفعلي للمثلي الجنسي ليس انحرافه بل جهله لإمكانيّة أنه يمكن مساعدته، إضافة إلى مازوخيته المرضيّة التي تقوده إلى أن يتجنّب العلاج.
مع ذلك، لا يمكن أن ننكر أنه مع ظهور المثليين كظاهرة خاصة في شمال أوروبا، ومن ثم تكوّن جماعات ضغط مثليّة، بدأ التعامل مع هذه الوضعيّة الجنسيّة كنوع من الخيار الجنسي، لا أقل ولا أكثر. ومع الانتشار الأفقي شبه السرطاني للثقافة الجينية ومزاحمتها لكثير من أولويات البحث في عقر دارها، ومن ذلك الأسباب الفعليّة لمسألة المثليّة الجنسيّة. لكن العلاقة مثليّة- جينات تدفع بالمرء “التقليدي أخلاقيّاً” إلى الاعتقاد أننا في ربطنا بين المثليّة والجينات، إنما نحن نجعل من المثلي شخصاً لا خيار أمامه غير المثليّة. وهذا صحيح لكن لا علاقة له بالأخلاق، وفق الفهم العصري للمصطلح. يقول جوناثان كاتس في هذا السياق: “الحتميّة البيولوجيّة مساء تخيلها فكريّاً، إضافة إلى أنها كريهة سياسيّاً... فبعكس الاعتقاد البيولوجي السائد اليوم، الثنائيّة مغايرمثلي ليست في الطبيعة، بل هي ذات بنيان اجتماعي، وهي بالتالي قابلة للتفكيك بنيويّاً”.
لقد هاجم المؤرّخ الثقافي جوناثان كاتس التقسيم الساذج للميل الجنسي عبر تقصّيه لأثر سيطرة معيار المغايرة الجنسانيّة تاريخيّاً. بل يقدّم دليلاً مقنعاً من أن فرضيّة المغايرة الجنسانيّة – أي أن التعبير يتناسب مع المعيار السلوكي الحقيقي – ليست أكثر من “تقليد ملفّق”. ويظهر أن التصنيف إلى مثلي ومغاير يتحلّل تدريجيّاً مع صيرورة الانطباعات المتعلّقة بالعائلة أكثر تنوعاً. ومعتمداً برأيه على الحدس أكثر من الدليل الاجتماعي، تنبّأ “بانهيار أهميّة الميل الجنسي”. وأضاف: “لم أختر قط أن أكون مغايراً جنسيّاً؛ حدث الأمر صدفة. لكن البشر حالة معقّدة. عند الذبابة يمكننا أن نرى بطريقة بسيطة ورائعة كيف يمكن لجينة أن تؤثر بالسلوك وتحدده”.
مع بدء الحديث عن الأصل الجيني للمثليّة الجنسيّة، فاجأتنا عناوين صارخة في الصحافة الرصينة، المحافظة منها والمتحررة. في لندن، كان للصحيفة المحافظة، الديلي تلغراف، المقالة الملفتة التي تبدأ بالقول: “الزعم بأن المثليّة الجنسيّة أمر موروث يثير الرعب بأنه يمكن للعلم أن يستخدم لاستئصالها”. كما تبدأ مقالة أخرى كما يلي: “سوف تشعر أمهات كثيرات بالذنب”، في حين حمل عنوان ثالثة، “الاستبداد الجيني”.
بالمقابل، زيّن غلاف أحد أعداد النيوزويك العنوان التالي:“جينة المثلي جنسيّاً؟” كذلك فقد أوردت الوول ستريت جورنال: “يشير البحث إلى جينة للمثلي جنسيّاً... طفرة عاديّة”.
إن أكثر ما يمكن أن يثير تحفظ الإنسان العادي، وربما خوفه، هو القول إن العلاقة بين البنية الجينية والسمة السلوكيّة تعني أن السمة “جينية” – بكلمة أخرى، موروثة. لكن: كيف يمكن أن نثبت أن المثليّة الجنسيّة مسألة جينية؟
رغم أن الموضوع اختصاصي بامتياز، نجد من المفيد، في هذا البحث الذي نريده شاملاً، أن نقدّم بعض أمور مبسّطة للغاية في المسألة:
ذبابة الفاكهة وذبابة الندى – التجربة الشهيرة!
كانت ثمة محاولة للبحث عن جينة المثليين الجنسيين، عبر دراسة جينية لذبابة الفاكهة وذبابة الندى Drosophila، قام بها باحثان في معاهد الصحة القوميّة الأمريكيّة. لقد وجد شانغ-دينغ زانغ ووارد ف. أودنولد ما اعتبراه بأنه سلوك مثلي جنسي ضمن ذكور ذباب الفاكهة – لمس الذكور الآخرين بالسيقان الأماميّة، لعق الأعضاء التناسليّة، لعق الأجساد للسماح بالتماس بين الأعضاء التناسليّة – يمكن الوصول إليه عبر تقنيّات تفعّل على نحو شاذ جينة تسمّى أ ( من “أبيض” بسبب تأثيرها على لون العين ). كذلك فإن التفعيل واسع الانتشار للجينة البيضاء في ذبابة الندى تؤدي إلى طقوس ذكر- ذكر تحدث ضمن سلسلة أو دوائر من خمس ذبابات أو أكثر. وحين تتواجد أناث ذباب فواكه قرب الذكور، فإنه نادراً ما يغوى الذكر بالابتعاد عن رفيقه الذكر الآخر. هذه الكشوفات، التي من الواضح أن كثيرين أعادوا نتاجها، قادت الباحثين إلى النتيجة القائلة “إن الجينة أ كان لها نتائج عميقة على السلوك الجنسي للذكر”.
وفي سلسلة أخرى من التجارب، وجد الباحثون أن الأناث التي تعطى النوعيّة الذكرية من الجينات تصرّفت مثل الذكور في المغازلة، حيث قامت بمطاردة الأناث الأخرى بجنون. أما الذكور التي أعطيت جينة الأناث فقد صارت منفعلة واستدارت بميلها الجنسي إلى الذكور الأخرى.
يكمل الباحثان زانغ وأودنولد ليكتشفا أن العمل على الجينة أ في ذباب الفاكهة يمكن أن يوصل إلى نقص حاد في السيروتونين، وهو مؤشّر كيميائي هام يمكّن الخلايا العصبيّة من التواصل، الواحدة مع الأخرى. والواقع أن القطط والأرانب والجرذان تظهر كلها بعض عناصر السلوك المثلي حين يتراجع تركيز السيروتونين في أدمغتها. ومع أن الجينة أ موجودة بشكل معدّل في البشر، فإنها قفزة ضخمة وربما خطرة أن ننتقل باستقراءاتنا من ذباب الفواكه إلى البشر. لكن الحقيقة أنه حين نفسّر المعلومات الأخيرة بشكل حرفي نجد التالي:
1 – إن الجينة أ تحثّ السلوك الجنسي لمجموعة من الذكور على القيام بأشكال خطيّة أو دائريّة بطقوسيّة عالية؛
2 – في حين يميل هؤلاء إلى تفضيلات مثليّة جنسياً أكثر منها مغايرة، فهم في الواقع ثنائيو الجنس ( أنظر المقالة التي كتبها لاري ثومبسون في التايم حول المسألة ).
كذلك فقد أظهرت دراسة جديدة أن الأدوية أو التلاعب بالجينات يمكن أن يؤديا بذبابة الفاكهة إلى أن تأخذ سلوكاً جنسيّاً مثليّاً خلال ساعات.
وفي بحث أحدث من تلك المذكورة آنفاً، اكتشف العالم ديفيد فيذرستون ومعاونوه من جامعة إيلينويز في شيكاغو جينة في ذبابة الفاكهة أسموها “الجنس الأعمى” أو GB. وأية طفرة في هذه الجينة تجعل ذبابة الفاكهة ثنائيّة الميل الجنسي. أما الباحث في جامعة ييل، غورسجين، فقد وجد أيضاً أن ذكور ذباب الفواكه تغازل الذكور الأخرى إذا أجرينا طفرة في الجينة المشار إليها آنفاً.
لقد عرف العلماء منذ سنوات عديدة أن جينة الجنس المتسيدة، المعروفة باسم فرو fru، كانت مركزية في التزاوج، وهي منسقة شبكة من الخلايا العصبيّة الفاعلة في طقس الغزل عند ذباب الفواكه. كما اكتشف الدكتور بروس بيكر من جامعة ستانفورد أن دارة التزاوج مسيطر عليها من قبل جينة تضم 60 خليّة عصبيّة فإذا ما تعرضّت أية خلية منها للأذى أو التدمير من قبل العلماء، لا يعود باستطاعة الكائن أن يتزاوج كما ينبغي. يمتلك الذباب الذكر والأنثى على حد سواء المواد الجينية ذاتها وكذلك الدارة العصبيّة اللازمة لطقس التزاوج، لكن أجزاء بعينها تنطوي بشكل مختلف بين الجنسين. وما من أحد كان يحلم بأن التفعيل البسيط في القسم الذكري الداخل في نوع من السبات بشكل عادي من الجينة في الذبابة الأنثى يمكن أن يؤدي إلى بها إلى إظهار كامل سلوك ما قبل التزاوج عند ذكر ذبابة الفاكهة.
إذن، كما قال الدكتور باري ديكسون، العالم البارز في معهد التكنولوجيا الحيوية الجزيئيّة في الأكاديميّة النمساويّة للعلوم في فيينا، “لقد ظهر في أكثر من تجربة بحثيّة شهيرة، أن جينة بمفردها في ذبابة الفواكه تكفي لتحديد كل سمات ما هو جنسي عندها من ميل وسلوك”.
التزاوج العادي لذبابة الندى هو سلوك بأنموذج مقولب مكوّن من سلسلة ثابتة من الأفعال المسيطر عليها أساساً من قبل الجينات. والطفرات التي يمكن أن توقع الفوضى في سمات الفعاليات التزاوجيّة تقدّم نقطة بداية لاستكشاف الآليات الجزيئيّة التي يقوم عليها السلوك الجنسي. من هنا، فإن جينات بعينها، تعرّف بأنها تسبّب سلوكاً جنسياً شاذّاً حين تتعرّض لطفرة، تم عزلها واستنساخها، لنحصل من ثم على سبر جزيئيّ للتعابير والتحاليل الفسيفسائيّة التي يمكن استخدامها في تحديد الخلايا المسئولة عن هذا السلوك. وهذا المنظور يمدّنا بالفهم المتداول للسلوك التزاوجي الذي يتم الحصول عليه عبر تلك المقاربات الجزيئية والخلويّة كما يعطينا استشرافاً للأبعاد المستقبليّة للبحث في الجينات السلوكيّة.
مع ذلك، ثمة من اعتبر أن زانغ وأودنولد كانا يلويان نتائجهما التجريبيّة على ذباب الفاكهة لتناسب أفكارهما المكونة سلفاً عن المثليّة الجنسيّة. لكن يبدو تبسيطيّاً للغاية مساواة لعق الأعضاء التناسليّة عند ذبابة الندى بأنماط السلوك الجنسي المثلي الإفرادي والجمعي المعقد عند البشر. هل يمكن تطبيق الأفكار المتعلّقة بالمثليّة الجنسيّة دون تنسيق على البشر والحشرات دون مراعاة للهوة البيولوجية التي تفصل بين النوعين؟ يبدو أن براهين تمثيل قياسي من هذا النوع لا تعتبر كافية.
الموقف الوسطي مثّله ربما مايكل وايس، رئيس قسم الكيمياء الحيوية في جامعة كيس وسترن رزرف: “النتائج نظيفة وفارضة لذاتها، وحقل الجذور الجينية للسلوك تحرّك للأمام على نحو هائل بهذا العمل. وآمل أن هذا سيأخذ النقاش المتعلّق بالخيارات الجنسيّة من عالم الأخلاق إلى عالم العلم”.
الانتقال إلى البشر:
التوائم المثليّون جنسيّاً:
قبل أعوام، نشر ناشطان أمريكيان في حقل الدفاع عن حقوق المثليين الجنسيين، دراسات أجرياها على التوائم، تظهر أنه حين يكون أحد توأمين متماثلين مثلياً، فالتوأم الأخر سيكون مثلياً أيضاً، فيما ما لا يقل عن 50 بالمئة من الحالات. على هذا الأساس، زعم الناشطان أن “المثليّة الجنسيّة مسألة جينية”.
لكن ما قام به الناشطان لا يعدو كونه حركة هواة في سبيل إثبات الحتميّة البيولوجيّة للمثليّة الجنسيّة. وهكذا، يمكننا الإشارة هنا إلى دراسات أخرى تم القيام بها أجريت على الأخوة التوائم أيضاً، لا على الأخوة من أعمار مختلفة. فقد أجرى بيلاي وبيلارد (19991) دراسة على التوائم حددت ما نسبته 52% من المثليّة الجنسيّة بين التوائم monozygotic ( توأمان ناتجان عن نطفة واحدة )، 22% بين التوائم dizygotic (توأمان ناتجان عن نطفتين منفصلتين )، و11% بين الأخوة المتبنين لرجال مثليين جنسيّاً. هذه النتائج تدعم الرأي القائل إن المثليّة الجنسيّة ذات علاقة بالجينات. أجريت دراسات مشابهة جداً لدراسة بيلاي وبيلارد على أخوة مثليين جنسيّاً من الجنسين. ولم تختلف نتائجها عن نتائج بيري وبيلارد إلا بنسب بسيطة. وإذا ما أخذنا هذه النتائج ككل، يمكننا القول إنه يبدو أن الجينات مسئولة على الأقل بنسبة 50% عن تحديد الميول الجنسيّة للشخص. هذا يعني، إذا ما أردنا التكلّم بموضوعيّة وإن عارضت قناعاتنا، أنه ليس أقل من نصف الطفرات في السلوك الجنسي غير موروث. ونحن هنا لا ننكر العناصر النفسيّة-الاجتماعيّة، لكننا نحاول أن تسلّط النور على العناصر الجينية.
دين هامر:
واحدة من أهم الدراسات في جينات المثليّة الجنسيّة كانت تلك التي قام بها دين هامر ومساعدوه في معهد السرطان القومي في واشنطن دي سي عام 1993. المهم في الأمر هنا هو أن دين هامر هو ذاته مثلي جنسيّاً.
بدأ هامر بحثه المضني حول المساهمة الجينية في السلوك الجنسي عن طريق دراسة معدلات المثليّة بين أقارب ذكور هم ست وسبعون رجلاً معروف أنهم مثليون جنسيّاً. وقد وجد أن نسبة من يفضّلون المثليّة الجنسيّة بين أعضاء هذه العائلات ( 13,5 %) كانت أعلى من معدل المثليّة الجنسيّة بين العينة ككل ( 2 % ). وحين تفحّص عيّنات الميل الجنسي اكتشف وجود أقارب مثليين أكثر من ناحية الأم. المثليّة بدت، على الأقل، وكأنها تعبر من جيل إلى جيل عبر الأم.
تضمّن بحث هامر دراسة اثنين وثلاثين زوجاً من الأخوة من الذين كانوا “حصريّاً أو في المقام الأول” من المثليين الجنسيين. لم تكن هنالك أية قرابة بين مجموعات الأخوة. من بين الأزواج الاثنين والثلاثين، وجد هامر وزملاؤه أن ثلثيهم، أي اثنين وعشرين من مجموعات الأخوة، كانوا يشتركون بالنمط ذاته من المادة الجينيّة. هذا يدعم بقوّة النظريّة القائلة إن هنالك جينة بعينها تؤثّر في المثليّة الجنسيّة. تمعّن هامر عن كثب في DNA هؤلاء الأخوة من المثليين الجنسيين لمحاولة الوصول إلى المنطقة الموجودة على الكروموزوم X ( لأن بحثاً قبله أوحى أن الجينة تعبر من الأم إلى الابن ) التي كان يشترك بها معظم الأخوة من المثليين الجنسيين. واكتشف أن الأخوة من المثليين الجنسيين لديهم ميل أعلى كثيراً لوراثة التسلسل الجيني ذاته على المنطقة من الكروموزوم X المسمّاة Xq28، من الأخوة المغايرين جنسيّاً للرجال المثليين جنسيّاً أنفسهم. مع ذلك يجب أن لا ننسى، أن هذه مجرد منطقة من الكروموزوم X، لا جينة بعينها. ورغم الأمل الذي يملأ قلوب الباحثين، لم يتم تحديد جينة مفردة حتى الآن. تقرّ دراسة هامر أيضاً أنه رغم اقتراحها بوجود جينة تؤثّر بالمثليّة الجنسيّة، فهي لم تقرر بعد مدى دور تأثيرات الجينة في ما إذا كان المرء سيضحي مثليّاً جنسيّاً أم لا. دراسة هامر، مع غيرها من الدراسات المماثلة، حاولت تحديد موضع الجينة التي تؤثّر في المثليّة الجنسية عند الإناث، لكنهم لم ينجحوا بعد. الأهم من ذلك هنا، هو أن منطقة الكروموزوم X التي من المحتمل جداً أن تؤثّر بالمثليّة الجنسيّة عند الذكور، لا تؤثر عند الإناث بالطريقة ذاتها. الأناث المغايرات جنسيّاً يمررن فقط التسلسل الجيني إلى أولادهن. إذا ما عرفنا هذا، يبدو غريباً أن تكون هنالك هذه النسبة العالية من الأخوة المثليين جنسياً من الذكور والأناث. هذا يوحي أنه إذا كانت الجينات مسئولة عن المثليّة الجنسيّة، أمامنا طريق طويل قبل أن نفهم بالكامل المواقع الجينية التي تحدد الجنسانيّة. مع ذلك فالنتائج التي توصلت إليها دراسة هامر لم يتم القبول بها كحقيقة مطلقة. دراسة أخرى قام بها عام 1993 مجموعة أخرى (Macke et al ) على الموضع في الجينة ذاتها، لكنهم وجدوا أن لا تأثير لها على المثليّة الجنسيّة. كما نرى إذن، فالنتائج حول هذا الموضوع ما تزال متغايرة وجديدة نسبيّاً، لذلك من الصعب الوصول إلى أي استنتاج نهائي. من جانبه، فقد وصف هامر طرائقه بعناية مؤكّداً أن بحثه يمكن فقط أن يحدد التأثيرات الجينية الكامنة لكنه لا يعزل عللاً جينية نوعيّة للسلوك.
محاولة شرح نتائج هامر:
ليس من السهل على غير المختصين، أو من ليست لديهم معرفة ولو بالحدود الدنيا بعلم الوراثة وتفرعاته، أن تشكّل لديهم بحوث هامر وما يشبهها أهميّة ولو بالحدود الدنيا. مع ذلك، يمكن القول بنوع من التبسيط إن وراثة المثليّة الجنسيّة عن طريق الأم يمكن تفسيرها إذا كان هنالك جينة تؤثّر بالميل الجنسيّ، وهي موجودة على الكروموزوم x ، وهو أحد كروموزومي الجنس اللذين يحملان الجينات التي تحدد جنس المولود. الرجل لديه الكروموزو