Alef Logo
كشاف الوراقين
              

كتاب : تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر المؤلف : ابن أبي الأصبع ج11

خاص ألف

2016-04-16

باب التلفيف
وهو أن يقصد المتكلم التعبير عن معنى خطر له أو سئل عنه، فيلف معه معنى آخر يلازم كلمة المعنى الذي
سئل عنه، كقول االله تعالى مخبراً عن موسى عليه السلام وقد قال سبحانه له: "وما تلك بيمينك يا موسى،
تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر-ابن أبي الأصبع 116
قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش ا على غنمي ولي فيها مآرب أخرى" وكقول الرسول عليه السلام
وقد سئل عن البحر في حديث أوله: إنا نركب البحر، فحواه السؤال عن ماء البحر هلا تجوز به الطهارة؟
فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته.
باب جمع المختلفة والمؤتلفة
رأيت من المؤلفين من فسر هذه التسمية بما لا يليق ا، وقد استشهد عليها بشواهد من جنس ما فسر به،
فاطرحت ذلك وفسرا بما يليق واستشهدت عليها بشواهد مطابقة لتفسيري، وكذلك فعلت في أكثر
الأبواب، ومن وقف على كتابي وكتب الناس في هذا الشأن علم صدق دعواى.
والذي أقول في هذه التسمية: إا عبارة عن أن يريد الشاعر التسوية بين ممدوحين، فيأتي بمعان مؤتلفة في
مدحهما، ويروم بعد ذلك ترجيح بمعان تخالف معاني التسوية، كقول الخنساء في أخيها، وقد أرادت
مساواته بأبيها مع مراعاة حق الوالد بزيادة فضل لا ينقص ا حق الولد كامل:
جاري أباه فأقبلا وهما يتعاوران ملاءة الحضر
وهما وقد برزا كأنهما صقران قد حطا إلى وكر
حتى إذا نزلت القلوب وقد لزت هناك العذر بالعذر
وعلا هتاف الناس أيهما قال المجيب هناك: لا أدري
برقت صفيحة وجه والده ومضى على غلوائه يجري
أول فأولى أن يساويه لولا جلال السن والكبر
وأول من فتح باب هذا المعنى فيما أظن زهير حيث قال بسيط
هو الجواد فإن يلحق بشأوهما على تكاليفه فمثله لحقا
أو يسبقاه على ما كان من مهل فمثل ما قدما من صالح سبقا
لكن لشعر الخنساء من الفضل في هذا المعنى ما ليس لغيره، وتداول الناس هذا المعنى بعدها، وابتذله
الشعراء، فكان فيه أول تابع من المولدين أبو نواس حيث يقول منسرح:
ثم جرى الفضل فانثنى قدماً دون مداه بغير ترهيق
فقيل راشا سهماً تراد به ال غاية والنصل سابق الفوق
وقال البحتري لابن أبي سعيد الثغري كامل:
تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر-ابن أبي الأصبع 117
جد كجد أبي سعيد إنه ترك السماك كأنه لم يشرف
قاسمته أخلاقه وهي الردى للمعتدي وهي الندى للمعتفي
فإذا جرى من غاية وجريت من أخرى التقى شأواكما في المنصف

ومعنى البحتري هذا خالف فيه معاني من تقدمه من أبي نواس والخنساء وزهير، فإم رجحوا الأول في
الفضل على الثاني ترجيحاً لا ينقص من فضل الثاني ولا يغض منه، والبحتري ساوى بين الثاني والأول من
غير ترجيح، وكذلك قوله أيضاً كامل:
وإذا رأيت شمائل ابنى صاعد أدت إليك شمائل ابنى مخلد
كالفرقدين إذا تأمل ناظر لم تعل رتبة فرقد عن فرقد
ومقطوعتا البحتري ليستا من شواهد هذا الباب لما فيهما من المساواة دون الترجيح، وإنما ساق ذكرهما
ذكر المعنى الذي ألم به البحتري من المعنى الأول، واالله أعلم.
ومن جمع المختلفة والمؤتلفة ضرب يأتي الشاعر فيه بأسماء مؤتلفة ثم يصفها بصفات مختلفة، كقول الشاعر
بسيط
الله ليلتنا إذ صاحباى بها بدر وبدر سماوي وأرضي
إن الهوى والهواء الطلق معتدلا هذا وهذا ربيع طبيعي
بتنا جميعاً وكل في السماع وفي شرب المدام حجازي عراقي
أسقى وأسقي نديماً غاب ثالثنا فالدور منا يميني شمالي
ومن جمع المختلفة والمؤتلفة قو العباس بن الأحنف طويل:
وصالكم صرم وحبكم قلى وعطفكم صد وسلمكم حرب
فإن الوصل والحب، والعطف والسلم من المؤتلفة، والصرم والقلى والصد والحرب من المختلفة.
وقد جاء الكتاب العزيز من باب المختلفة والمؤتلفة بمعجز لا يلحق سبقاً وهو قوله تعالى: "وداود وسليمان
إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلاً آتينا
حكماً وعلماً" فإن القرآن ساوى بين داود وسليمان في المنصب إذ أخبر أن كلاً منهما مرشح للحكم
وأهل له، ثم رجح سلميان إذ أخبر عنه بأنه سبحانه فهمه القضية القاطعة للحكم بالعدل، ثم عاد إلى
المساواة مراعاة لحرمة الوالد وفضله على الولد بقضية صرح فيها بالمساواة، إذ جعل فهم سليمان وجه
تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر-ابن أبي الأصبع 118
المعدلة في الحكم فناله فضل الأبوة، فكان بمعنى الخنساء الذي أخرجته مع فصاحتها وشدة بلاغتها في عدة
أبيات مسوقاً في آية وبعض أخرى، هذا إلى ما تضمن القرآن من الزيادة التي لم تقع للخنساء، وهي النكتة
في قوله تعالى "وكنا لحكمهم شاهدين" إذ جمع الضمير الذي أضيف إليه الحكم، ومن حقه أن يكون مثنى
لعلمه سبحانه أن الحكم من نوادر الأحكام المعادلة، ومثله يتبع ويعمل به، فأخبر أنه سبحانه شهد عليهما
في هذا الحكم، وعلى كل من يحكم به تشريفاً لحكم العدل، وإن كان شهيداً على العدل والجور، ولكنه
سبحانه يخص العدل بشهادته تشريفاً للعدل، كما قال تعالى "تلك حدود االله ومن يطع االله ورسوله
يدخله جنات تجري من تحتها الأار خالدين فيها" نظراً لمن يعمل بحكم االله تعالى في الوصايا، ومن يتبعه،
وأن حكم العدل يقتدي به، والخطأ ليس بقدوة، ولهذا قال: "ومن يعص االله ورسوله ويتعد حدوده
يدخله ناراً خالداً فيها" واالله أعلم

بابا التوهيمبب
وهو أن يأتي المتكلم في كلامه بكلمة يوهم ما بعدها من الكلام أن المتكلم أراد تصحيفها، ومراده على
خلاف ما يتوهمه السامع فيها، كقول المتنبي متقارب:
وإن الفئام التي حوله لتحسد أرجلها الأرؤس
فإن لفظة الأرجل أوهمت السامع أن لفظة الفئام بالقاف لا بالفاء، ومراد الشاعر الفئام بالفاء التي هي
الجماعات، هكذا روى البيت، والمبالغة تقتضيه، إذ القيام بالقاف يصدق على أقل الجمع من العدد،
والفئام بالفاء: الجماعات، وأقل ما تكون كل جماعة أقل الجمع فمفهومها أكثر من مفهوم الأول، وما في
ذكر القيام بالقاف من تعظيم الممدوح بقيام الناس على رأسه حاصل في عجز البيت في قوله:
لتحسد أرجلها الأرؤس
فإن مفهوم ذلك قيام من عاد الضمير من أرجلها عليه.
ومن التوهيم قسم آخر، وهو أن يأتي المتكلم بلفظة يوهم ا أن في كلامه لحناً، فإذا انتقد من جهة المعنى
وجد فيه جناس من البلاغة يصححه ويمشيه على طريق الإعراب، كقول الرسول عليه السلام: "وما من
أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى االله تعالى من هذه الأيام العشر" فإن لفظة العشر توهم أا جاءت على
غير الصواب، إذ كانت مؤنثة، والمعدود ا مذكر.

والانفصال عن هذا الإشكال أنه لما كان العمل في العشر لا يخص الأيام دون الليالي، والمراد التحضيض
تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر-ابن أبي الأصبع 119
على العمل فيها، اقتضت البلاغة الإتيان بما يدل عليهما فصرح بلفظ الأيام ليدل ا على ظرف الصيام،
وأبدل منها لفظاً مؤنثاً ليدل به على ظرف القيام، ولما كان لفظ الأيام مؤنثاً ساغ أن يبدل منه المؤنث
لكون الصناعة لفظية، ولهذا الموضع من البدل نظائر في القرآن: منها قوله تعالى: "أياماً معدودات" وقوله
تعالى "وتلك الأيام نداولها بين الناس" وقد تخالف طريق الإعراب لأجل صحة المعنى المراد، وفي ذلك قوله
تعالى: "وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون" والقياس أن يكون ينصرون مجزومة لأا معطوفة
على مجزوم، ولكن لما كان المراد الإخبار بأم لا ينصرون أبداً ألغى العطف، وأبقى صيغة الفعل على
حالها، لتدل على الحل والاستقبال، ولو جزم لما دل إلا على الحال.
ومن التوهيم توهيم يوهم أنه طباق أو تورية، أو غير ذلك من المحاسن وليس عند التحقيق كذلك، كقول
أبي تمام طويل:
تردى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضر
فإن قوله: حمر، وخضر يوهم أن ذلك طباق، وليس بطباق، إذا الأحمر لا يضاد الأخضر، فهذا شاهد
توهيم المطابقة.
وأما شاهد توهيم التورية، فكقولي بسيط
رمى ولا وتر عندي قوس حاجبه قلبي فقدرت أن القوس موتور
فإن لفظة موتور توهم أن فيها تورية، وليست بتورية، لأن الصحيح أن يقال: قوس موترة لا موتورة،
لأا من فعل رباعي، والموتور هو الذي ثار لطلب وتره، والوتر والترة والتار بمعنى.
وقد جاء من التوهيم في القرآن الكريم قوله تعالى: "ومن يكرههن فإن االله من بعد إكراههن غفور رحيم"
فإن لفظ "غفور رحيم" يوهم أن الغفران والرحمة للمكره لهن، وهما في الحقيقة لهن، وإنما ظهر اللفظ يوهم
الأول قبل التدبر. واالله أعلم.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow