رواية الشرع المفقودة ومنّة آل الأسد . . بقلم: عدنان عبد الرزاق
2016-05-21
تكسوك الخيبة، وتركبك شياطين أفكار أقلها استحالة التعايش مستقبلاً، ويمكن لنبوءاتك أن تصل، كما قال رجل دين مرة، وقت رأى فتيات عاريات “شعب بدو ذبح”، وأومأ بإشارة لها علاقة بالجنس والجماع، فصوب له مرافقوه الإشارة “شيخي الذبح هيك مو هيك”.
أجل، ما صدر عن أبواق نظام بشار الأسد إزاء نشر “الرواية المفقودة” لنائب رئيس الدولة السابق فاروق الشرع، إنما يصفعك بأن الدم الذي سال والموت الذي لف سوريتنا بالسواد، لن يحدث أية مفاعيل في ذهنية هؤلاء المستلبين للحذاء والانتماءات الضيقة وذرائع التخويف.
ومشكلة هؤلاء، الذين أقطع أغلى ما بجسمي من أعضاء إن قرؤوا المذكرات أصلاً، أنها صدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي يديره المفكر العربي عزمي بشارة، إذ لم أقرأ أي تعليق على ما تضمنته “الرواية المفقودة” أو الإشارة لخطأ بتاريخ أو سرد حادث، رغم أني أعتقدها –الرواية المفقودة- من أهم الوثائق السياسية عن فترة مرت خلالها سوريا، تعد بلا منافس، من أهم وأخطر مراحل تحول سوريا، فالكتاب يوثق أهم مفاصل حياة حافظ الأسد، وعلاقاته الإقليمية والدولية، ويركز على ما كان يربطه بشخصيات مثل صدام حسين وياسر عرفات، والعلاقة مع لبنان والخميني ورفعت الأسد، وصولاً لوفاة حافظ الأسد وطلب مصطفى طلاس لجلسة برلمانية عاجلة لتوريث بشار الأسد.
ويستفيض الكتاب بما كان يسمى عملية السلام، بدءا من التحضير لمؤتمر مدريد عام 1991 وصولاً لقمة جنيف التي جمعت الأسد الأب بالرئيس الأمريكي كلينتون عام 1994، وما بينهما من تأرجح المفاوضات وما شابها من آمال وتغرير، بما في ذلك “وديعة رابين”.
وهنا، لسنا في وارد “بعض الحلول الإخراجية ” التي اختارها الشرع ليقفل بها قضايا شائكة ومسائل جدلية، من خلال الالتجاء إلى الطعام والشراب للحل والتقارب، سواء بين شفيق فياض ورفعت الأسد، أو ما أراد غمزه من قناة آخرين “مسبحة خدام” مثالاً.
لأن الأهم برأينا، أن يتم توثيق مرحلة ما زال الغوص في دهاليزها من المحرمات، فماذا لو أتت من “أهل مكة ” ورجل يمكن الوثوق به، قياساً لمن دخل في شبكة المسؤولية الأسدية العنكبوتية.
قصارى القول: مما قرأت بعيد نشر “الرواية المفقودة” أن الشرع يختار “قطر بشارة” لنشر مذكراته، فهل يبحث عن”فرصة عمل”؟.
أما أخطر ما قرأت، والذي يدلل على ذهنية عفنة قوامها أن سوريا مزرعة لآل الأسد، وكل من يتبوأ فيها منصب، بصرف النظر عن مؤهلاته وإمكاناته وموقعه، فذلك منّة وفضل من أصحاب المزرعة الذين سمحوا له أن يصل لما وصل، وتكرموا عليه ليكن على ماكان .. “لم يكن للشرع أن يحظى بهذا الاهتمام لو لم يكن في هذا المركز الرسمي في بلده سورية، والأجدر به أن ينشر الكتاب في بلده الذي أعطاه الفرصة ليكون في موقع يكتب فيه مذكراته”.
لكن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”ربما توقع ما سيركز عليه الموتورون الذين سيغرقون –كما جرت العادة– بقشرة ويتجاهلون الجوهر والمضمون، فأشار إلى أن كتاب رواية الشرع كان كاملا وجاهزاً للنشر حتى قبل اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، لكن المركز أرجأ النشر بسبب “الأوضاع في سوريا”، لكنه اضطر “شعرنا بأنه لا يمكن التأجيل أكثر من ذلك في عملية إصدار الكتاب. فنحن لا ندري ما تخبئ لنا الأيام، ولا يجوز انتظار معرفة ذلك”.
نهاية القول: يجافي الحقيقة من يقول إن الثورة قامت لأن السوريين جائعون، لأنهم انتفضوا لكرامتهم واسترجاع حريتهم، اللتين بددتهما العصابة الحاكمة عبر محاصصات وتركات واستئثارات، تجلت بخلخلة البنى والملكيات والمواقع، بعد أن تسلم الأسد الابن السلطة وجره من بعض الحرس القديم والخارج لحسابات مالية وسياسية وروحية ضيقة، وجرالبلد -مع انجراره- لحافة الانفجار.
ولعل في ذهنية أن سوريا بما فيها من شبه مؤسسات، إنما هي ملكية خاصة، و للإقطاعيين من آل الأسد وصحبهم وعشيرتهم، الحق في توزيع صدقات على العبيد في سوريا، الذين يجب أن يحمدوا ساداتهم على الثقة ويسبحوا بحمدهم لأنهم سمحوا لهم بالعيش وتنفس الهواء، وإلا، إن خطر لسوري أن يفكر أو يحلم بالحرية والانعتاق من نير العبودية، فهو بلاشك متطرف أوعميل ومتآمر..أو جنسي شهواني إباحي، وإن لم تتوفر ظروف تلك التهم المعلبة، فربما يلاحقه أصحاب المزرعة بعار أن أسنانه كبيرة ورائحة فمه لا تطاق.