ميشيل سورا / سورية، الدولة المتوحشة
2016-11-21
يتحدث الفصل الأول عن سورية بين سنة 1979 وسنة 1982، ويبدأه المؤلف بنقد موقف الغرب السلبي مما حدث في حماة تحديداً رغم علمه بما كانت تقترف يدا حافظ. إنما الغريب أن "بعبع" الغرب وقتها كان الخميني وثورته "الإسلامية". فالغرب كان يرى في قمع حافظ للإخوان المسلمين "إزاحةً لشبح الخُمينية عن بلاد الهلال الخصيب"! وهنا يشير سورا إلى جهل الغرب الكبير بالوفرة السياسية والاجتماعية لما يحدث في الشرق ثم إلى دهاء حافظ في اللعب على الكل ومع الكل. ثم يتساءل "عن تلك البَحبوحة التي يتحرك بها النظام في مجاله السياسي الإقليمي"، فيقول إن ذلك دليل على وجود "درجة صفر من السياسة"، كأنه يقول إن لم تستح فافعل ما شئت.
كان حافظ "يتحاور مع الجميع في آن واحد: مع الإسلاميين التقدميين التابعين لكمال جنبلاط باسم "التقدمية العربية"، ومع ياسر عرفات لصالح "القضية"، ومع الكتائب اللبنانية على أساس التعاضد الضِمني بين الأقليات... قبل أن يضربهم على حين غَرَّة وبقوة، كل على حسب قَدْره وفي وقته". وفي الوقت نفسه عزز علاقته مع السوفييت وأعاد فتح القنوات مع الأمريكان (إثر زيارة نيكسون إلى دمشق سنة 1974) واستمر في مد يد لإيران باسم الطائفية الشيعية ويد متسولة للبترودولار الخليجي السني باسم الصمود والتصدي.
يستند سورا في تحليله للسلطة الأسدية إلى نظرية العصبية عند ابن خلدون، مع تحديد أن "العصبية نفيٌ للدولة". ثم يتناول "العصبية والدعوة والمُلك "كمفتاح لدراسة الواقع السوري. فنحن أمام "مجموعة متكافلة بروابط الدم أو ممن يربطها مصيرٌ مشترك في فترة تاريخية معينة (العصبية) تقوم باستغلال تبشير دينيّ أو سياسيّ (الدعوة) وسيلةً ومعبراً للوصول إلى الحكم (المُلك). ويكفي أن نستبدل في هذه السلسلة المنطقية العصبيةَ "بالعَلَويين" والدعوةَ "بالدولة الحديثة" لكي يتضح "كل شيء"".
يستند سورا في تحليله للسلطة الأسدية إلى نظرية العصبية عند ابن خلدون، مع تحديد أن "العصبية نفيٌ للدولة". ثم يتناول "العصبية والدعوة والمُلك "كمفتاح لدراسة الواقع السوري. فنحن أمام "مجموعة متكافلة بروابط الدم أو ممن يربطها مصيرٌ مشترك في فترة تاريخية معينة (العصبية) تقوم باستغلال تبشير دينيّ أو سياسيّ (الدعوة) وسيلةً ومعبراً للوصول إلى الحكم (المُلك). ويكفي أن نستبدل في هذه السلسلة المنطقية العصبيةَ "بالعَلَويين" والدعوةَ "بالدولة الحديثة" لكي يتضح "كل شيء".
أول مستوى يتناوله المؤلف لتحليل الأزمة هو الانشقاق الطائفي بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية التي تحمِّلها المعارضة الإسلامية "مسؤوليةَ جميع "الجرائم" التي ارتُكبت خلال ألف سنة على يد جميع فِرق الشيعة دون تمييز: مِن سَرقة القرامطة للحَجَر الأسود في القرن العاشر، إلى حكم الفاطميين في القاهرة و«التعاون» مع الصليبيين وسقوط القدس... وآخر هذه "الخيانات" هي ضياع هضبة الجولان في حزيران سنة 1967 وتسليم مدينة القنيطرة قبل الوصول الفعليِّ للقوات الإسرائيلية إلى المدينة بإحدى وعشرين ساعة".
ثم الجيش وهو المكان المفضل للعلويين لممارسة "عصبيتهم" وإبراز بطولاتهم ليس "في أرض المعركة وأمام الأعداء ممن يهددون مستقبل الأمة بل في سَحْقِ المجتمعِ المدنيِّ". ويتحدث كيف قام "المماليك الجدد" (اللقب الذي يطلقه سورا على الطبقة الحاكمة العلوية) بشق الجيش طائفياً، ففي "سورية اليوم جيشان؛ أحدهما سجين الآخر"؛ وكيف قاموا في سبيل تثبيت قبضتهم على هذا الجهاز "بتصفية أقطابه الواحد تلو الآخر: سنة 1965 جماعة محمد عمران (عَلَوي) وسنة 1968 جماعة الضباط السُّنَة في حوران، وآخرهم كانت جماعة العَليّ (عَلَويون) التي فُكِّكت في منتصف السبعينيات وتعرض أعضاؤها إما للإبعاد (علي الحسين وعلي الصالح) أو تم ضمهم مباشرة للسلطة (علي حيدر وعلي دوبا)".
الجيش وهو المكان المفضل للعلويين لممارسة "عصبيتهم" وإبراز بطولاتهم ليس "في أرض المعركة وأمام الأعداء ممن يهددون مستقبل الأمة بل في سَحْقِ المجتمعِ المدنيِّ".
ثم المدينة. وهنا يسترسل سورا في تحليل معمق لمفهوم "المدينة ضد الريف" في دولة "تجسدها من الآن وصاعداً أقليةٌ دخيلةٌ على النظام المديني، ونخبةٌ جديدةٌ حاكمة وصلت إلى السلطة مع "الثورة" عبر قناة الجيش والحزب، ذاتُ أصولٍ ريفيةٍ طائفية". ويحاول أن يقرأ جذور مأساة حماة "المدينة" في ما يسميه "ثأر الأرياف" الذي يجد له ذكر صريح في كتيب "بعض المنطلقات النظرية" للمؤتمر القومي السادس للحزب (المنعقد في تشرين أول 1965): "إن الرجعية لم ترحم الجماهير الكادحة طوال آلاف السنين، لذا فإن الجماهير لا بد أن تضع مسألة الصراع الطبقي ضد الطبقات الرجعية بشكل واضح وحاسم: إما أن نعيش نحن وإما أن تعيش الرجعية. وكل تسويةٍ وسط أكذوبة أو خدعة نتيجتها إنقاذ الرجعية". إنه النظام الخَلدوني مترجمٌ إلى لغة "ثورية". إنه "العنف الثوري": إما نحن وإما هم! حاكمون أو محكومون. "مسيطِرون أو مسيطَرٌ علينا لا مكان لأية خيارات أخرى، ولا غموض أو لَبْس في الأمر. إنه منطق الكل أو اللا شيء". واللافت للنظر أن الحِراك الذي هز سورية في الثمانينات كان مدينياً عكس ما حدث في ربيع 2011. قادته وقتها النقابات المهنية إلى أن تم حلُّها وتصفية بعض من أعيانها من أطباء ومحامين. كما يرى سورا أن حزب البعث فشل في أن "يدخل المدينة" وبقي بالتالي حزب "جماعة معينة" ليس إلا.
يفكك سورا آلية عمل النظام السياسي حيث"تكمن اللعبة بأسرها في الحفاظ على تناسقه الطائفي وترابطه الداخلي، أي عصبيته. وإنما يُصارُ إلى ذلك بالعمل على أن يَفقد الآخر عصبيتَه تحت تأثير أيديولوجية البناء الوطني "والتطوير"؛ بناءٌ لا يتم إلا بتنازل كل فرد عن اختلافه أمام الآخر أو جماعة عن اختلافها أمام الجماعة الأخرى كشرط للوحدة وللمساواة بين الجميع في المجتمع المدني. وفي هذه اللعبة، "الأكثريةُ" هي بطبيعة الحال الخاسرة دوماً بما أنها تقدم نفسها بأنها لا تحتوي على عصبية". ويتحدث عن تراجع مستوى التعليم لأن "التربية لا تتوافق أبداً مع الحفاظ على العصبية التي تُعدُّ المصدرَ الوحيد للسلطة" وكيف "هبط" المماليك الجدد على الجامعات بالمظلات.
استأصل حافظ النظامَ السياسي السوري فجعل من سورية اجتماعياً وسياسياً أرضاً ملساء أو صحراء بتعبير حنة أرندت ليس فيها حراك سياسي ولا بناء اجتماعي، فعاد بالسلطة من المُلك السياسيّ (وهي السيطرة القانونية) إلى السلطة البدائية أو "الطبيعية" حيث السيطرة للعنف المطلق "القائم على أشكال حكم ذات تبعية ما قبل السياسية: الدولة-القبيلة، الدولة-الطائفة".
لقد استأصل حافظ النظامَ السياسي السوري فجعل من سورية اجتماعياً وسياسياً أرضاً ملساء أو صحراء بتعبير حنة أرندت ليس فيها حراك سياسي ولا بناء اجتماعي، فعاد بالسلطة من المُلك السياسيّ (وهي السيطرة القانونية) إلى السلطة البدائية أو "الطبيعية" حيث السيطرة للعنف المطلق "القائم على أشكال حكم ذات تبعية ما قبل السياسية: الدولة-القبيلة، الدولة-الطائفة".
ويضيف سورا أن عقلية القبيلة هذه لم تتبدل منذ استيلاء المماليك الجدد على مقاليد الحكم في سورية سنة 1963 حتى 1984. فهل تبدلت منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا؟ أبداً، "فالعَلَويون مقتنعون بأن أدنى تنازل من طرفهم سيعيدهم إلى وضعهم السابق عندما كانوا ملعونون في الأرض ومنبوذون". واليسار القومي يبارك العنف الثوري ويطالب بالمزيد منه. حتى الأقليات التي كان حافظ يدك أحياءها بالمدفعية الثقيلة في بيروت كانت تنظر إليه نظرة إعجاب يخالطه "شعور بالندم لأنهم لا يستطيعون القيام بالشيء نفسه "لإنهاء" الأزمة اللبنانية"!.
يؤكد سورا بالتحليل العلمي والوثائق على أن نظام الأسد هو سيد الإرهاب في المنطقة بممارسته "لإرهاب الدولة". ويتحدث عن "المحور" الاستراتيجي الشيعيّ الذي يقطع المشرق من الغرب إلى الشرق؛
يؤكد سورا بالتحليل العلمي والوثائق على أن نظام الأسد هو سيد الإرهاب في المنطقة بممارسته "لإرهاب الدولة". ويتحدث عن "المحور" الاستراتيجي الشيعيّ الذي يقطع المشرق من الغرب إلى الشرق؛ (في لبنان: منظمة أمل، في سورية: الدولة نفسها، في العراق: حركة الدعوة الشيعية في النجف، في إيران: الدولة أيضاً متخفية وراء الثورة الإسلامية)"، وعن وجود معسكر تدريبي [شيعي] في الزبداني السورية.
(في لبنان: منظمة أمل، في سورية: الدولة نفسها، في العراق: حركة الدعوة الشيعية في النجف، في إيران: الدولة أيضاً متخفية وراء الثورة الإسلامية)"، وعن وجود معسكر تدريبي [شيعي] في قرية الزبداني السورية، وهي منطقة اصطياف قريبة من الحدود اللبنانية كانت تُستخدم قاعدة لتحضير العمليات الإرهابية ضد القوات الدولية المتمركزة في لبنان بارتباط مع القيادة العامة للمخابرات السورية في شتورا". ثم يضيف على لسان أحد الشهود: "ليس لدينا حرية في العمل أو الحركة. وعملياتنا لا تتم إلا إذا كانت تلبي مصالح دمشق (...) كل لوجيستيك حركة أمل تقدمه دمشق: الأسلحة والأموال ومخططات الأهداف المستهدفة والإدارة. ومعسكرات التدريب في البقاع يديرها ضباط سوريون تابعون لقوات رفعت الأسد. والإيرانيون يعلِّمون الدين، وهو جانب مهم في تكوين الرجل الانتحاري".
هذا غيض من فيض مما جاء في هذا الكتاب الوثيقة الذي "لن يُعجب القتلة" بالتأكيد. وإنه لكتاب رائع. كل سطر فيه ينضح بالحقائق المخيفة حول نظام سرطاني ما فتئ يتمدد وينتشر في مجتمعنا وحياتنا.
انتظروا صدور هذا الكتاب واقرأوه حتى تعرفوا من هو عدو الوطن والأمة والثورة والاشتراكية والرجعية. عدو كل شيء. بل وعدو نفسه لأنه وببساطة، "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه"!.
أمل سارة
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |