بنطال إيزنهاور / محمد مراد أباظة
خاص ألف
2017-02-25
يقال إن دوايت إيزنهاور، بعد قيادته التاريخية لجيوش الحلفاء في اجتياح النورماندي والمساهمة في تحرير أوربا من النازية ثم انتهاء فترة رئاسته للولايات المتحدة دون فضائح تُذكَر، استقرّ في مزرعته بأمان واطمئنان يمارس هواية البستنة، ويتجول ممتطياً جواده مرتدياً زيّ رعاة البقر التقليدي. والمميَّز في زيّه ذاك كان بنطال الجينز الذي لفت أنظار عمال المزرعة، وأثار إعجابهم بطراز خياطته ونوعية قماشه وجاذبية لونه. فباتت عبارة "ياله من بنطال!" تتردد على ألسنة الجميع كلما شاهدوا سيدهم يتمختر بينهم ببنطاله الذي أصاب من الشهرة ما كاد يفوق شهرة صاحبه.
وبعد ارتداء المستر إيزنهاور البنطال العتيد لسنوات، أعطاه لأحد العمال الذي استمر بدوره في ارتدائه لسنوات أيضاً مزهوّاً ببنطال علم من أعلام التاريخ المعاصر، وحين ملَّ هذا منه أعطاه لجاره الزنجي الذي ارتداه، هو الآخر، لسنوات ثم تبرع به لإحدى الجمعيات الخيرية التي باعته، مع ملابس مستعمَلة أخرى، لتاجر من بلادنا شَحَنَ البضاعة إلى أسواق "البالة" عندنا، ليحطَّ البنطال رحالَه، بعدما عبر المحيط، على عربة في (باب الجابية) يصيح صاحبُها: "أيّ بنطال بمئة ليرة..."، حتى جعلت المصادفةُ البنطالَ الأثريَّ من نصيب أحد (المعتّرين) الذي اشتراه فارتداه لبضع سنوات متباهياً بجودته ومتانته، ثمّ حين تهرّأ عند الركبتين قصّ ساقيه -ساقيّ البنطال لا ساقيه هو- وحوَّله إلى "شورت" يلبسه داخل البيت في حرّ الصيف، وحين بدأت مؤخّرته بالتهرّؤ -مؤخّرة البنطال لا مؤخّرة المعتَّر- قامت أُمُّ عياله بتحويله إلى ممسحة لبلاط البيت، ثم إلى خرقة لتنظيف (بواري) المدفأة، وأنهى رحلته أخيراً في إحدى حاويات القمامة.
وبعد سنين علمت حكومة الولايات المتحدة، بطريقتها، بقصة وصول بنطال إيزنهاور إلى بلادنا فقررت استعادته لعرضه في أحد متاحفها لما له من أهمية وطنية وتاريخية وفولكلورية حتى لو ترتَّب على ذلك تدخّلها المباشر.
يقول المراقبون والمحللون السياسيون إن بنطال إيزنهاور ما هو إلا حجّة وتبرير لتدخلات الولايات المتحدة في بلادنا و"حركشاتها" المستفزّة، فهي تعلم تماماً أن بقايا البنطال استقر في أحد "مكبّات" القمامة وتمّ دفنها في مكان مجهول.