كتاب : الازدهار في ما عقده الشعراء من الأحاديث و الآثار المؤلف : السيوطي
خاص ألف
2017-03-25
نص الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.
هذا جزء جمعت فيه الأشعار التي عُقد فيها شيء من الأحاديث والآثار، سميته بالازدهار. وله فوائد: منها الاستدلال به على شهرة الحديث في الصدر الأول وصحتها، وقد وقع ذلك لجماعة من المحدّثين. ومنها إيراده في مجالس الإملاء. ومنها الاستشهاد به في فن البديع: في أنواع العقد والاقتباس والانسجام.
قال المعافى بن زكريا في كتاب الجليس والأنيس: حدثنا محمد بن يحيى الصولي، حدثنا محمد بن سعيد، حدثني أبو ثمامة القيسي، حدثنا محمد بن المنهال، حدثنا يزيد بن زريع، قال: رأيت أبا نواس عند روح ابن القاسم، فتحدث روح عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلّم: القلوب جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. قال يزيد: فقال أبو نواس: أنت لا تأنس بي، وسأجعل هذا الحديث منظوماً بشعر. قلت: فإن قلت ذلك فجئني به، فجاءني فأنشدني:
يا قلب رفقاً أجِدّاً منك ذا الكلفُ ... ومن كلفتُ به جافٍ كما تصفُ
وكانَ في الحقّ أن يهواك مجتهداً ... بذاك خبَّرَ منا الغابر السلف
إنَّ القلوب لأجنادٌ مجنَّدةٌ ... لله في الأرض بالأهواء تعترف
فما تناكر منها فهو مختلف ... وما تعارفَ منها فهو مؤتلف
أخرجه ابن عساكر.
وأخرج الشيرازي في الألقاب، والحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد، والحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق عن محمد ابن شجاع الأحمر، قال: دخلت على أمير المؤمنين المتوكل وبين يديه نصر بن علي الجهضمي، فجعل نصر يحضّ المتوكل على الرفق، ويمدح الرفق ويوصي به، فالتفت المتوكل إلى يحيى بن أكثم القاضي فقال له: أنت يا يحيى حدثتني عن محمد بن عبد الوهاب، عن سفيان، عن الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن عبد الرحمن بن هلال، عن جرير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: من حُرِم الرفق حُرِم الخير. ثمَّ أنشأ يقول:
الرفق يمنٌ والأناةُ سعادةٌ ... فاستأنِ في رفقٍ تلاقِ نجاحا
لا خير في حزمٍ بغير رويّةٍ ... والشّكُّ وهنٌ إن أردتَ سراحا
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن النضر بن شميل قال: كنا نأتي يونس بن حبيب النحوي فنسأله عن غريب الحديث، فحدثته بهذا الحديث، فقلت: حدثنا طلحة بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: يا أبا هريرة، زُر غبّاً تزدد حُبّاً. فأنشدنا يونس بن حبيب في هذا المعنى:
أغْبِبْ زيارتك الصَّدي ... ق يراك كالثوب استجدّه
إنَّ الصَّديق يملّه ... ألاّ يزالَ يراك عنده
وقال:
أقلَّ زيارة الأحبا ... ب تزدد عندهم قربا
فإنَّ المصطفى قد قا ... ل زر غبّاً تزدد حبّا
وأخرج الشيرازي في الألقاب من طريق أبي محمد بن عبد الرحمن بن حمزة بن عمرو بن أعين الخزاعي قال: حدثني أبي عن جدي أنه سمع قتيبة بن مسلم الباهلي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: زر غبّاً تزدد حبّاً. قال أبو محمد: قال جدي عمرو بن أعين بيتاً في هذا المعنى:
إذا شئت أن تقلى فزر متواتراً ... وإن شئت أن تزداد حبّاً فزر غبّا
وأنشد ثعلب في أماليه:
رأيت النَّاس من ألقى ... عليهم نفسه هانا
فزر غبّا ولا تَرْشُن ... وإن ذُرِّعت أحزانا
وقال آخر:
تثقّلُ بالزّيارة كلّ يومٍ ... وتحسب أن شخصك لا يُملّ
وقال العسكري في الأمثال: قد أخذ هذا الحديث غير واحد من الشعراء فقالوا في معناه، أنشدنا أبو بكر بن دريد:
عليك بإغباب الزيارة إنها ... إذا كثرت كانت إلى البحر مسلكا
فإنِّي رأيت الغيثَ يُسأمُ دائماً ... ويُسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
وقال آخر:
وقد قالَ النَّبيّ وكانَ بَرّاً ... إذا زرت الحبيب فزره غبّا
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن عدي بن حاتم الطائي قال: كنت عند علي بن أبي طالب، إذ وردت عليه رقعة من عثمان بن عفان بخطّه:
تجنَّى عليَّ يقارضَني ذنبا ... وأبدي عتاباً فامتلأت له عُتبى
فلو لي قلوب العالمين بأسرها ... لما تركت لي من معاتبةٍ قلبا
معاتبة السِّلْفَين تحسنُ مرّةً ... فإن أكثرا إدمانَها أفسدا الحبّا
وقد قالَ في بعض الأقاويل قائلٌ ... أراد به العُتبى ولم يرد العَتْبا
إذا شئت أن تُقْلى فزُر متتابعاً ... وإنْ شئت أن تزداد حبّاً فزُرْ غبّا
وأخرج ابن عساكر من طريق عمر بن أبي الصهباء قال: مررت بأبي هريرة وهو مستلقٍ واضع ثوبه تحت رأسه وإحدى رجليه على الأخرى وهو يتغنى:
لمَّا رأيتُك لي مُحِبّا ... وإليَّ حينَ أغيبُ صَبّا
أعرضت لا لملالةٍ ... حدثت ولا استحدثْت ذنبا
إلاَّ لقول نبيِّنا ... زوروا على الأيَّام غِبّا
ولقوله من زار غبّا ... منكم يزداد حُبّا
وقال الخطيب في تاريخه: حدثني الأزهري سمعت عيسى بن علي بن عيسى الوزير يقول: أنشدني أبو بكر بن مجاهد عن محمد بن الجهم:
لا تُضْجِرنَّ مريضاً جئت عائده ... إنَّ العيادةَ يومٌ إثر يوميْنِ
بلْ سلْهُ عن حاله وادع الإله له ... واقعدْ بقدر فواقٍ بين حلبينِ
من زار غبّا أخاً دامتْ مودّتُه ... وكانَ ذاك صلاحاً للخليلين
وأخرج أبو محمد عبد الله بن علي التكريتي في كتاب اللباب في مناقب الألباب بسند ضعيف عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لحيّ من الأنصار: من سيّدكم يا بني سلمة؟ قالوا: الجدّ ابن قيس علي بُخل فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وأي دواء أدوى من البخل! بل سيدكم عمرو بن الجموح. فسمع حسان بن ثابت مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال:
يقول رسول الله والحقُّ قوله ... فقالَ لنا من ذا تعدُّون سيّدا
فقلنا له جدُّ بن قيس على التي ... نُبَخِّلُه فينا وقد نال سُؤددا
فقالَ فأي الداء أدوى من التي ... رميتم بها جدّاً وعلَّى بها يدا
وسوّد عمرو بن الجموح لجوده ... وحُقَّ لعمرو ذي النَّدى أن يُسَوَّدا
إذا جاءه السُّؤال أنهب ماله ... وقالَ خذوه إنَّه عائد غدا
فلو كنتَ يا جدّ بن قيس على التي ... على مثلها عمرو لكنت المسوَّدا
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال: إن من الشعر لحكما.
وأخرج الخطيب في كتاب البخلاء، وابن عساكر في تاريخه، عن محمد بن مسعر قال: لما حدّث ابن عيينة بحديث جدّ بن قيس أنشدنا لحسان بن ثابت:
وقالَ رسول الله والحق لازمٌ ... لمن سال منَّا من تسمّون سيّدا
فقلنا له جدّ بن قيس على الذي ... نبخّله فينا وقد نال سؤددا
فقالَ وأي الداء أدوى من التي ... رميتم بها جدّاً وأعلى بها يدا
فسوّدَ بشرَ بن البراء لجوده ... وحُقَّ لبشر بن البرا أنْ يُسوَّدا
فليس بخاط خطوة لدنيَّةٍ ... ولا باسط يوماً إلى سوأةٍ يدا
إذا جاءه السُّؤال أنهبَ مالَه ... وقالَ خُذوه إنَّه عائدٌ غدا
فلو كنت يا جدّ بن قيس على التي ... على مثلها بشر لكنت المسوَّدا
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سلمة بن عاصم قال: دخلت على الفراء أعوده، فأطلت وألحفت في السؤال، فقال لي: ادنُ، فدنوت، فأنشدني:
حقّ العبادة يوم بين يومَيْن ... وجِلسةٌ مثلُ لحظِ الطَّرفِ بالعَيْنِ
لا تُبْرِمَنَّ مريضاً في مسائلةٍ ... يكفيك من ذاك تسأل بحرفَيْنِ
وقال ابن النجار في تاريخه: أنبأنا يوسف بن المبارك ابن كامل أنشدنا والدي، أنشدني أحمد بن أبي سعيد القزويني، أنشدني أبو الفرج عبد الغفار بن غريب القرميسيني:
حقُّ العيادة يوم إثرَ يومينِ ... اقعُد قليلاً كمثل اللّحظ بالعين
فقد روى مندل عن عامر خبراً ... أن لا تُطيل جلوساً فعل ذي الزَّين
بل سَلْه عن حاله وادعُ الإله له ... يكفيك عن ذاك تسْآل بحرفين
وقال بعضهم:
تعلَّمْ وكن واعياً للعلوم ... وما قد نبا علمُه عنك سَلْ
فإنَّ السؤال شفاءُ العييّ ... وكم حيرةٍ نتجت عن كَسَلْ
وقال ابن عساكر في تاريخه: أنبأنا أبو المعالي أسعد بن صاعد بن منصور بن إسماعيل بن صاعد، أنبأنا جدي منصور، أنبأنا أبو عبد الرحمن السّلمي، أنبأنا عبد الله بن الحسين بن محمد الكاتب، حدثنا عبد الله بن نصر، حدثنا أحمد بن يحيى المصاحفي، حدثنا علي بن أحمد بن عمران الخنسي، قال: وجدت في كتاب أبي: حدثنا الهيثم ابن عديّ عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لو لم يكن لابن آدم إلاَّ الصحة والسلامة لكفاه بهما داء قاتلاً. قال الهيثم: فأخذه حميد بن ثور الهلالي رضي الله عنه فقال:
أرى بصري قد رابني بعد صحةٍ ... وحسبُك داءٌ أن تَصِحَّ وتسلما
ولن يلبث العضوان يوماً وليلةً ... إذا اخْتَلفا أن يُدركا ما تيمّما
وقال الخطيب في تاريخه: أنبأنا القاضي أبو العلاء الواسطي، حدثنا أبو القاسم علي الحسين العرزمي المقرئ، حدثنا أبو العباس محمد بن عمر بن الحسين بن الخطاب البغدادي،حدثنا جعفر بن علي الحافظ البغدادي، حدثنا أحمد بن محمد الحماني، حدثنا محمد بن سماعة القاضي، حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة قال: حَجَجْت مع أبي سنة ست وتسعين، فرأيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم يقال له عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، فسمعته يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول: من تفقّه في دين الله رزقه الله من حيث لا يحتسب وكفاه همّه. وأنشد أبو حنيفة من قوله:
مَنْ طلبَ العلم للمعاد ... فاز بفضل من الرشادِ
ونال خُسران من أتاه ... لنيل فضل من العبادِ
وأخرج ابن النجار عن ابن عائشة قال: سَمِعني رجلٌ وأنا أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لو عُزِّي المرءُ في حياته من الأسقام لأفناه الليل والنهار. فقال: هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فقلت: قاتل الله حميد بن ثور إذ يقول:
أرى بصري قد رابني بعدَ صحّةٍ ... وحسبُك داءً أن تَصِحَّ وتسلما
وقال ابن أبي حاتم في كتاب الزهد له، حدثنا محمد ابن عوف، حدثنا أبو المغيرة حدثنا ابن عياش عن عبد الله بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان قاعداً وحوله المهاجرون والأنصار، فقال: أيها الناس، إنما مثل أحدكم ومثلُ أهله وماله وعمله كرجل له ثلاثة أخوة، فقال لأخيه الذي هو ماله حين حضرته الوفاة ونزل به الموت: ماذا عندك في نفعي وفي الدفع عني وقد ترى ما بي؟ فقال: عندي أن أطيعك ما دمت حيّاً، وانصرف حيث صرفْتَني، ومالك عندي نفعٌ إلاَّ ما دمت حيّاً، فإذا متَّ ذُهب بي إلى غير مذهبك، واتّخذني غيرُك. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: هذا أخوه الذي هو ماله، فأي أخٍ ترونه؟ قالوا: لا نسمع طائلاً يا رسول الله.
ثم قال لأخيه الذي هو أهله: قد نزل بي من الموت ما نزل، فما عندك من الغناء في منفعتي والدفع عني؟ فقال: عندي أن أمرِّضَك وأقوم عليك، فإذا متّ غسَّلتك ثم كفَّنتك وحنَّطتك، وأبكيك وأتّبعك مشيّعاً إلى حفرتك، وأثني عليك خيراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أيّ أخٍ هذا؟ قالوا: أخ غير طائل.
ثم قال لأخيه الذي هو عمله: ماذا عندك وماذا لديك في منفعتي والدفع عني؟ قال: أشيّعك إلى قبرك، وأونس وحشتك، وأذهب غمّك، وأجادل عنك في القبر، وأوسّع عليك جهدي، فأي أخ ترون هذا؟ قالوا: خير أخ يا رسول الله. قال: والأمر هكذا. قالت عائشة: فقام عبد الله بن كرز الليثي فقال: أتأذن لي أن أقول في هذا شعراً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: نعم فغدا عبد الله واجتمع المسلمون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: هات يا ابن كرز فقال:
وأهلي ومالي والذي قدَّمَتْ يدي ... كداعٍ إليه صَحْبهُ ثم قائلِ
لإخوته إذ هم ثلاثةُ إخوة ... أعينوا عليّ اليوم أمري بنازلِ
فراق طويل غير ذي مَثْنويّةٍ ... فماذا لديكم في الذي هو غائلي
فقالَ امرؤ منهم أنا الصاحب الذي ... يطيعك في محياك قبل النزائلِ
فأما إذا جدَّ الفراق فإنّني ... لما بيننا من خُلّةٍ غيرُ واصلِ
فخذ ما أردتَ اليومَ منّي فإنني ... سبيلك لي في منهل غير طائلِ
غنائي أنّي جاهدٌ لك ناصحٌ ... إذا جدَّ جِدّ الكرب غير مقاتل
ولكنني باكٍ عليك ومُعْوِل ... ومثنٍ بخير عند من هو سائلي
ومتّبع الماشين أمشي مُشيّعاً ... أعين برفقٍ عُقبةً كلَّ حاملِ
إلى بيت مثواك الذي أنت مُدخل ... وأرجع مهتماً بما هو شاغلي
وقالَ امرؤ منهم أنا الأخ لا ترى ... أخاً لك مثلي عندَ جَهدِ الزلازلِ
لدى القبر تلقاني هنالك قاعداً ... أجادل عنكم في رجال التجادل
وأقعدُ يومَ الوزن في الكفة التي ... تكون عليها جاهداً في التثاقلِ
فلا تَنْسني واعلم مكاني فإنّني ... عليك شفيقٌ ناصحٌ غيرُ خاذلِ
وذلك ما قدَّمت من كل صالح ... تلاقيه إن أحسنت يوم التفاضلِ
أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عساكر قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هذا منكر من حديث الزهري، لا يشبه أن يكون حقّاً. قلت لأبي: ممّن هذا؟ قال من عبد الله بن عبد العزيز.
وأخرج ابن عساكر من طريق صدقة بن سابق عن محمد بن إسحاق قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيما يذكرون والله أعلم في دخوله الغار مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
قالَ النبيُّ ولم أجْزَعْ يوقِّرُني ... ونحن في سُدْفةٍ من ظلمة الغار
لا تَخش شيئاً فإن الله ثالثنا ... وقد توكَّلَ لي منه بإظهارِ
وأخرج الخطيب وابن عساكر عن أبي عبد الله ابن جعفر بن محمد المقرئ قال:
إذا أراد الله أمراً بامرئ ... وكانَ ذا رأي وعلم وبَصَرْ
وحيلة يعملها في كل ما ... يأتي به مكروه أسباب القدر
أغراه بالجهل وأعمى قلبه ... وسله عن رأيه سلَّ الشّعر
حتَّى إذا أنفذ فيه حُكْمه ... ردّ عليه عقله ليعتبر
أخرج الخطيب وابن عساكر عن محمد بن مظهر الكوفي قال: قال أبو العتاهية: قد قلت عشرين ألف بيت في الزهد، وودت أن لي مكانها الأبيات الثلاثة التي قالها أبو نواس:
يا نُواسُّ توقَّرْ ... وتعزّى وتَصَبَّرْ
إنْ يكنْ ساءَل دهرٌ ... فلما سرَّك أكثرْ
يا كثير الذنب عفو ال ... له من ذنبك أكبر
وأخرج ابن الأنباري في أماليه والمعافى وابن عساكر عن ابن صفوان قال: لما حجَّ أبو نواس لبّى فقال:
إلهنا ما أعْدَلك ... مليكَ كلِّ منْ ملك
لبّيك قد لبَّيْت لك ... لبَّيْك إنّ الحمد له
والملك لا شريك له
وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي عن سعيد بن مسلم بن بانك قال: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يقول: حدثني عوف بن الحارث بن الطفيل أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: يا عائشة، إياك ومحقِّرات الذنوب، فإن لها من الله طالباً. قال سعيد بن مسلم: فحدّثت بهذا الحديث عامر بن هشام فقال لي: ويحك يا سعيد، لقد حدّثني سليمان بن المغيرة أنه عمل ذنباً فاستصغره، فأتاه آت في منامه فقال له: يا سليمان:
لا تحقِرَنَّ من الذنوب صغيرا ... إن الصغير غداً يعودُ كبيرا
إنّ الصغير وإن تقادم عهدُه ... عند الإله مسطّرٌ تسطيرا
فازجُرْ هواك عن البطالة لا تكنْ ... صعب القياد وشمّرنْ تشميرا
إنّ المحبَّ إذا أحبَّ إلههُ ... طار الفؤادُ وأُلهم التفكيرا
فاسأل هدايتك الإله بنيّةٍ ... فكفى بربّك هادياً ونصيرا
وقال ابن النجار في تاريخه: أنبأنا أبو الفتوح القرشي عن أبي منصور عبد الخالق بن زاهر النيسابوري، أنشدنا أبو تراب عبد الباقي بن يوسف المراغي، أنشدنا أبو محمد بن أبي علي القاضي التنوخي:
الرفقُ يُمنٌ وخيرُ القولِ أصدقُه ... وكثرةُ المزح مفتاحُ العداواتِ
الصدقُ بِرٌّ وقول الزورِ صاحبُه ... يومَ المعادِ حريٌّ بالعقوباتِ
وقال الخطيب في تاريخه: أخبرني محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي قال: أنشدنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال: أنشدني أحمد بن القاسم المعروف بأخي أبي الليث الفرائضي.
لا تترك الحزمَ في أمرٍ هَمَمْت به ... فإنْ سَلِمْتَ فما بالحزم من باس
العجزُ ضُرُّ وما بالحزم من ضَررٍ ... وأحْزَمُ الحزمِ سوءُ الظنِّ بالناس
وقال أبو بكر بن عبد الله بن أحمد بن محمد ابن روزبه الفارسي في كتاب التبصر والتذكر أنشدنا أبو القاسم إبراهيم ابن إسحاق بن محمد بن هاشم البغدادي الديباجي بهمدان، أنشدنا أبو عصمة محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن خلف بن المهلّب السختياني بالبصرة لنفسه:
أنْبَأنا خيرُ بني آدمٍ ... وما على أحمد إلاَّ البلاغْ
الناسُ مغبونون في نعمتَيْ ... صحة أبدانهم والفراغْ
أخرجه ابن النجّار في تاريخ بغداد من طريق ابن روزبة أنه قرئ عليه هذا في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان أنبأنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن محمد الفقيه بهمدان، أنشدنا أبو القاسم إبراهيم بن إسحاق الديباجي أنشدنا أبو عصمة محمد بن أحمد السختياني لنفسه، فذكرهما.
وقال شمس الدين محمد بن محمد بن الموصلي:
ومنكرٌ قتلُ شهيدِ الهوى ... ووجهُه يُنبئ عن حالِ
اللونُ لونُ الدمِ في خدّه ... والريحُ ريحُ المسك في خاله
وقال أبو الصدر سليمان الحنفي:
دمُ الشهيد يحكي ... ورداً نجدا لتركي
اللونُ لون دمٍ ... والريحُ ريحُ مسكِ
وقال شمس الدين بن العفيف التلمساني:
مثل الغزال نظرةً ولفتةً ... من ذا رآه مُقبلاً ولا افتَتَنْ
أعذب خلقِ الله ثغراً وفماً ... إن لم يكنْ أحقَّ بالحُسْنِ فَمَنْ
في ثغره وخدّه وصدغه ... الماءُ والخضرة والوجه الحَسَنْ
وقال الجمال بن نباتة:
عن خدّه منع الرقي ... ب وبعده داجي عذاره
واهاً لها من جنّةٍ ... حُفَّتْ بأنواع المكارِه
وقال محمد بن إبراهيم التجاني:
قطعت باللحْظ من بُستان وجنته ... تفاحةً ضرّجتها حُمرةُ الخفَرِ
وقلت هذا أمان من قطيعته ... فالشرع قد نصَّ أن لا قطع في ثَمرِ
وقال محمد بن مسعود العشامي الأصبهاني، المعروف بالفخر النحوي:
ولمّا أنْ تولَّيْتَ القضايا ... وفاض الجودُ من كفَّيْك فيضا
ذُبِحْتَ بغير سكِّين وإنّا ... لنرجو الذَّبح بالسكِّين أيضا
وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن حشيشة المقدسي:
طول اللحى زينُ القضاة وفخرُهم ... وتميّزٌ عن غاغةٍ سفهاء
لو كانَ في قصرٍ لها فخرٌ بها ... لم يُرْوَ فيها سُنّةُ الإعفاء
وقال الإمام أبو محمد عبد الحق الإشبيلي، الحافظ، مصنف الأحكام والجمع بين الصحيحين وغير ذلك:
إنَّ في الموت والمعاد لشُغْلاً ... وادّكاراً لذي النُّهى وبلاغا
فاغتنمْ خطَّتين قبل المنايا ... صحّة الجسم يا أخي والفراغا
وقال أبو المعالي رجب بن قحطان الأنصاري الحنبلي المقرئ:
إنَّما المرء خِلاصٌ جائز ... فإذا جرّبْتَه فهو شَبَهْ
وتراه راقداً في غفلة ... وهو حيٌّ فإذا مات انتبهْ
وقال عتاهية بن أبي العتاهية:
قد أفلح الصامت الصّموتُ ... كلام راعي الكلام قوتُ
ما كلُّ نطق له جوابٌ ... جواب ما تكره السكوتُ
وقال أبو الجوائز الحسن بن علي الواسطي:
دَعِ النّاس طُرّاً واصرف الوُدَّ عنهُم ... إذا كنتَ في أخلاقهم لا تُسامِحُ
ولا تبغِ من دهرٍ تظاهرَ رَنْقُه ... صفاء بنيه فالطباع جوامحُ
وشيئان معدومان في الأرض درهمٌ ... حلال وخِلُّ في المودَّة ناصحُ
وقال شرف الدين الحسين بن علي بن مصدق الواسطي:
دمشق في أوصافها ... جنّةُ خُلدٍ راضيه
أما ترى أبوابها ... قد جُعِلتْ ثمانيه
وقال أبو العلاء صاعد بن الحسن اللغوي:
ومهفهفٍ أبهى من القمر ... قمر الفؤاد بفاتن النظرِ
خالسْتُه تفاح وجْنته ... فأخذْتها منه على غَررِ
فأخافني قومٌ فقلت لهم ... لا قطعَ في ثمرٍ ولا كثرِ
وقال أبو الحسن صدقة بن الحسين الواعظ:
أُوصيك يا عمّ خيراً ما استطعت فما ... يبقى عليك سوى ما أنت عاملُهُ
لا المال يدفعُ بأساً إن أتاك ولا ... يردّ عنك الرَّدى إن أنت فاعلهُ
فامهَدْ لنفسِك قبل الموت مُجتهداً ... فعاجل الموتِ في التحقيق آجلهُ
هداك ربُّك للتقوى وبصَّرك الر ... شاد وانزاح عن معناك باطِلهُ
ولستُ أعدِلُ عن قومٍ وإن عدَلوا ... عنّي وشرُّ فريق الحيّ عادلهُ
وإنَّما عدلُهم عنّي لجهلهم ... وفي الحديث عدوُّ الشيء جاهلهُ
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف الكاتب البغدادي:
أتيهُ على الخليفة في نواله ... ويمنعني التعفّفُ عن سؤالهْ
واعلم أنّ رزقَ المرءِ يأتي ... كما تأتي المنيّة لاغتيالهْ
وقال الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي البوشنحي الشافعي:
إنْ شئت عيشاً طيباً ... صفواً بلا مُنازع
فاقنع بما أُوتيته ... فالعيش عيشُ القانعِ
وقال هبة الله علي بن عرام:
إذا حصل القوت فاقنع به ... فإنّ القناعة للمرء كنزُ
وصُنْ ماء وجهك عن بذله ... فإنّ الصيانةَ للوجه عزُّ
وقال أبو الحكم عبيد الله بن علي بن غلندة الكاتب السرقسطي:
آهُ والبينُ قد أجدَّ بصحبي ... لو أفاد العزاء نُكراً رآها
يا لُوات الدّيون من غير عُسْرٍ ... إنّ مطل الغنيّ ظلمٌ تناهى
وقال بعضهم:
إن جهلاً سؤالك الشرع عمّا ... ليس يوماً به عليك خفاءُ
ليس للعاشق المحبّ من العش ... ق سوى لذّة الجماع دواء
وقال الوداعي:
إذا رأيتَ عارضاً مسلسلاً ... في وجنةٍ كجنة يا عاذلي
فاعلم يقيناً أنني من أمةٍ ... تُقاد للجنّة بالسلاسل
وأورد أسامة بن منقذ في كتاب نقد الشعر لبعضهم:
طُفيليٌّ يَؤُمّ الخبز أنَّى ... رآه ولو رآه على يَفاعِ
ولا يروي من الأخبار إلاَّ ... أُجيبُ ولو دُعيتُ إلى كُراعِ
وقال بعضهم:
بُليتُ به فقيهاً ذا جدال ... يجادل بالدليل وبالدلال
طلبت وصاله والوصل حلو ... فقالَ: نهى النَّبيّ عن الوصال
وقال الشهاب أحمد بن موسى بن يغمور بن جلدك:
إنّ حشر العبد فإذلاله ... يوجبه رقّ عبوديّتهْ
وإنْ يقصّر كانَ تقصيرهُ ... بالودّ محمولاً على نيّتهْ
وقال عز الدين بن غانم الواعظ:
كن زاهداً فيما حَوَتْ أيدي الورى ... تَضْحى إلى كلِّ الأنام حبيبا
أو ما ترى الخطّاف حرّم زادهم ... فغدا ربيباً في الحجور قريبا
وقال بعضهم:
ليت شعري كيف الخلاص من النّا ... س وقد أصبحوا ذئاب اعتداء
قلت لما بلاهم صدق خبري ... رضي الله عن أبي الدرداء
وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق محمد بن سعيد بن راشد، حدثنا أبو مسهر، حدثنا صدقة بن خالد عن ابن جابر عن مكحول قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفد من الأشعريين فقال لهم: أمنكم وحرة؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: فإن الله أدخلها ببرّها أمها وهي كافرة الجنة، أغير على حيّها في الجاهلية فتركوها وأمها، فحملتها على ظهرها، وجعلت تسير بها، فإذا اشتدّ عليها الحرّ جعلتها في حجرها وحَنت عليها، فلم تزل كذلك حتَّى استنقذتها من الفداء. قال أبو مسهر: وقال في ذلك بعض الأشعريين شعراً:
ألا أبْلِغَنْ أيها المفتدي ... بنيَّ جميعاً وبلَّغْ بناتي
بأن وصاتي تقوى الإله ... ألا فاحفظوا ما حييتم وصاتي
وكونوا كوحرة في برها ... تنالوا الكرامة بعد الممات
وَقَتْ أمَّها بشواة الرميضِ ... وقد أوقد القيظ نار الفلاة
لِتُرضيَ ربّاً شديد القوى ... وتظفر من ناره بالعلاة
وأخرج الخطيب وابن عساكر من طريق محمد بن إسحاق الرملي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كن لما لم ترج أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران خرج يقتبس ناراً فرجع بالنبوة.
نهاية الجزء الأول
ألف / خاص ألف /
يتبع ..
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |