Alef Logo
ابداعات
              

هذا الرَّماد... وذاكَ الرَّذاذُ الجميل

محمد مراد أباظة

خاص ألف

2017-03-31

تَشيخُ القلوبُ الطَّريَّةُ قبلَ الأوانِ،
ودونَ عزاءٍ تذوبُ على حافَّة الإنطفاءْ
وتَذوي الزَّنابقُ قبلَ التَّفَتُّح في الوَجَناتِ
بلا لمسةٍ من حرير ندىً أو فراشة عشقٍ تُثير شذاها.
وتكتهلُ الخطواتُ البديلةُ في ابتداء السباقِ،
وتحترقُ الأُغنياتُ النبيلةُ فوقَ الشّفاهِ،
وتهوي كواكبَ أنهتْ مداراتِها في فصول الرّثاءْ
وفي منحنى الوقت تعدو غزالاتُ أرواحِنا فوقَ جمرِ الرحيلْ
وتجثو، وتهذي، وتُحصي انكساراتِها في مدارِ البكاءْ
وثَمَّةَ أسئلةٌ صعبةٌ تحتسي صمتَها في رواقٍ انتظارٍ طويلٍ.. طويلْ
وتهطِلُ كالمرثيَاتِ العتيقةِ في أمسياتِ الحنينِ.
فكيفَ نُصلّي لعَصرٍ يُعِدُّ الكمائنَ للضَحكاتِ النَّديَّةِ بين معابرِ هذي الجراحْ
ونَسهو عن المهرجانِ المفَخَّخِ في مَدِّهِ الهمجيِّ؟
وكيف نراقصُ بينَ يديهِ المخاتلتَيْنِ شظايا هزائمِنا
وصهيلاً يصول، بلا فارسٍ، في مهبّ النُّواحْ؟
وكيف نُجدِّدُ بينَ وَجْسٍ ووَجْسٍ تعاويذَنا في منافي القلوبِ؟
وكيف نكابرُ بين وهمٍ ووَهمٍ فنرفو خرائطَنا بخيوطِ هواءٍ
وشطآنُنا مفتوحةٌ لنوايا الجهاتْ؟
وكيفَ نُصافحُ أوجُهَنا في مرايا الصَّباحْ،
ونَمنحُها ثقَةً بامتلاء النَّهارِ،
ونَمسحُ عنها سَخامَ احتراقاتِنا في الليالي الثقيلةِ،
نَشرَبُ قهوتَنا،
ونَقولُ: (صباحاً سعيداً) لأصحابنا المتعَبينَ؟
وكيفَ نُهدهدُ فيهم مخاوفَنا، ونُهادنُ أنفسَنا في انهياراتِهم؟
وبأَيِّ اللُّغاتِ نُلوّنُ أحلامَنا، ونُزيّنُ أيّامَنا الآتياتْ؟
وكيفَ نُبرّرُ كَبْواتِنا في مضائق هذا الغروبِ الثقيلْ؟
وكيف نُفسّر حاضرَنا الوجعيَّ وما يحدثُ الآنَ
أو ما سيحدث بعد قليلْ
لأطفالنا الواقفين على عتبات غدٍ غامضِ القسماتْ
وبأيّ الطرائق نُوقظُ خارجَ فوضى الكلامِ
وفوضى الوقائع أسماءَنا الرّاهنةْ؟
وكلُّ لغات المواسمِ تسقطُ في هُوَّة العيّ
تُمعنُ في النَّغمة الواهنَةْ؟

تُغادرُنا المفرداتُ الجليلةُ، تَترُكُ حَيّزَها للخَواء الأنيقِ.
تُحايدُنا اللَحَظاتُ المضيئةُ، تحشرنا في الزوايا الصديئة.
والألَقُ المشتَهى يَستَشفُّ فجيعَتَهُ،
ويُناوئ رغبتَهُ في الرَّحيل
ولكنْ .. على شفتيهِ تُصوّحُ شمسٌ،
ومنْ راحَتَيْه يَفرُّ الندى والنشيدُ البليغُ.
ووَهجُ النَّصاعة يذبُلُ في الصَّلَوات،
ويُخفي انكفاءاتِهِ باللُّهاثِ المثابرِ والأُحجياتِ.
وهذا الرَّمادُ الخرافيُّ ينهضُ منْ وَكْرِهِ
شاهراً وقتَهُ مُعلناً سَمْتَهُ في اتّجاهٍ صريحٍ
يُباشرُ مُتعَتَهُ في الهياج وشهوتَهُ في ابتكارِ العَجاجِ الوبيء
يُبيحُ انتهاكَ الجمالِ الفسيحِ... وزهوِ الرَّذاذِ الجميلِ..
وبوحِ القصيدةِ.. والغَيمةِ الممكنةْ.

رمادٌ يَهُبُّ منَ الغربِ والشرقِ والحبرِ واللونِ والنغمةِ الماجنةْ
ويهطِلُ من نَزَواتِ العواصمِ في ليلها الدائميِّ القتامةِ
يعبرُ كلَّ الحدودِ، وكلَّ الحواجزِ، كالمعجزاتِ التي تستخفّ بنا
رافعاً رايةً من صفيحٍ وكَفّاً مُلوَّثةً بالوباء المزَرْكَشِ،
يَدهَمُ كلَّ الشَّواطئِ،
يصعدُ كلَّ السلالمِ،
يدخلُ كلَّ البيوتِ.
رمادٌ يَحُطُّ على الياسَمينِ يُجَرّدُهُ مِنْ قصائدِهِ المشرقيَّةِ
يزحَفُ في الشُّرُفاتِ فَتُصبحُ مُعتقلاتٍ
وفي الخَلَجاتِ فيَخنقُ أمنَ الصّغارِ وتَرنيمةَ الأُمّهاتِ،
وبَوْحَ العجائزِ عبرِ اتّكاءاتهمْ.
ويُباغتُ أجنحةَ العاشقينَ قبيلَ تأهُّبِهِمْ للطيرانِ،
يُزوْبعُ فيهم حكاياتِهمْ
ويُحاصرُ أشعارَهُم في ابتداءِ الفصولِ،
وقبلَ اكتمالِ الجنونِ البديعِ يُكَبّلُ فيهم تأَلُّقَهُمْ والأُوارَ اللذيذَ.
ويَندَسُّ بينَ الشّفاهِ وخَفْقِ القلوبِ فتُمسي المسافةُ تيهاً منَ التأتآتِ.
ويوغلُ في النظراتِ فتغدو العيونُ لُغاتٍ بغيرِ اتّجاهٍ
فكيفَ يُغَنّونَ شوقاً على ضفّة العشقِ
يَختَلسونَ خُلاصةَ لهفتهمْ والرَّذاذَ الشَّذيَّ؟
وكيفَ تُبَرعِمُ في الحَدقاتِ الرُّؤى،
وتُباشرُ في النَّبَضاتِ النُّجومُ رشاقَتَها القُزَحيَّةَ؟
هذا الرَّمادُ يُجيدُ اعتقالَ الشّفاهِ..
ارتداءَ الوجوهِ
اغتيالَ الشُّؤونِ الحميمةِ
سَفْكَ الرَّذاذِ البَهيِّ على القَسَماتِ
فترحلُ كلُّ الملامحِ موغلَةً في الحيادِ البليدِ
وتنداحُ من حولنا يرتديها الجليدُ
فنبقى نُمارسُ غربَتَنا
والطريقَ اليَتيمةَ نحوَ نهاياتِنا الدّاكنَةْ.

رَمادٌ يُجاوزُ وجهَ الرَّماد وحَدَّ الرَّمادِ
يُعايشُنا أُفُقاً يتحايَلُ..
بَرقاً يُخاتلُ.. غَيماً يُماطلُ..
واجهَةً للزخارفِ..
أرصفَةً للضَّياعِ
وُجوهاً نُهاجرُ فيها فلا نلتقيها
تُهاجرُ فينا فتَلقى طُقوسَ الرَّمادِ تُلوّثنا
وتَلوكُ بقيَّتَنا والنَّقاءَ الأخيرَ.
رمادٌ يجوسُ الزَّوايا الخجولةَ،
ينتهكُ اللَّحَظاتِ الخبيئةَ
حينَ نَلوذُ بأنفسِنا ونعوذُ بطعم الرَّذاذِ الجميلِ.
يُشاطرُ فينا تَوَحُّدَنا الوَلَهيَّ
إذا ما اكْتَهَفْنا الجنونَ الأليفَ نُراودُ فيه مواقدَنا المشتَهاةَ
لنقطفَ مِنْ شجرِ الليلِ والشّعرِ نَجمَتَنا النَّبَويَّةَ.
يَلبَسُ دَفْقَ الدَّم المستَثارِ،
ويَنسَلُّ عبرَ الشَّرايينِ ينفثُ فينا احتضاراً ثقيلاً
وشكلاً من الرُّعب يَلهو بنا.
أو يَجولُ صُداعاً غريباً، ويَزرعُ فينا احتمالاتِهِ: جَلْطَةً.. لَوْثَةً..
لحظةً تَتَشَظّى على هامشِ الأزمنةْ.

لهذا الرَّماد اجتياحاتُهُ
لهذا الرَّماد استباحاتُهُ
وبه شهوةُ القَرصَنَةْ

فيا أَيُّها الحالمونَ،
ويا أيها العاشقونَ
ويا أَيُّها الأَصدقاءُ،
ويا أَيُّها المتعَبونَ على مذبحِ الإنتظار
تعالوا نَبُحْ بالذي يُستَباحُ
نُسَمّ الرَّمادَ الذي يَستبيحُ
نُراجعْ دفاترَنا والشُّجونَ وأَحلامَنا
والتفاصيلَ التي تَتَكَدَّسُ فيها انكساراتنا
ونَعُدَّ قُلوعاً نَجَتْ من سُعار الرَّمادِ
لنُبحرَ ثانيةً مَوكباً من قلوبٍ تَجيشُ اخضراراً
وسربَ شفاهٍ تَرومُ الغناءَ على مَوْجَة المستحيلِ.
تعالوا نُوَحّدْ صباحاتِنا باتّجاهِ التأَلُّقِ
نَنْسَ تَفاهاتِنا في مدارِ الفجائعِ
نَنْبُذْ هُتافاتِنا في الكُهوفِ الكَتيمةِ
والثرثراتِ التي تستطيبُ هزائمَها
وتموتُ على الشَّفَة المدمنَةْ.

فهذي الجهاتُ تكادُ تُبَدّلُ أركانَها،
تستقيلُ منَ الممكن والأمكنةْ.

وهذا الرَّمادُ يكادُ يَسُدُّ المنافذَ
يَلْجمُ كلَّ انبثاقة ضوءٍ.. رَفيفَ جَناحٍ..
هَديلَ بنفسَجَةٍ تستبينَ البُزوغَ.
تعالوا نَصُغْ للجمالِ الفسيحِ مدائنَهُ
للرَّذاذِ الجميلِ أناقَتَهُ
للقُلوبِ رشاقَتَها
للنَّصاعَةِ والخُبزِ والحُبِّ أَلوانَها المتقَنَةْ.
لهذا الرَّماد اجتياحاتُهُ، ولهذا الرَّماد استباحاتُهُ
ولَنا الخطوةُ الممكنَةْ
لَنا الخطوةُ الممكنَةْ....

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الصمت.. أحياناً

23-حزيران-2018

حدث ذات ليلة.. قد يحدث كل ليلة

26-أيار-2018

البطل

29-كانون الأول-2017

البطل

23-كانون الأول-2017

تستطيع .. بالتأكيد تستطيع

02-كانون الأول-2017

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow