Alef Logo
نص الأمس
              

من أخبار الحلاج تصنيف : علي بن أنجب الساعي البغدادي

ألف

2008-06-04


عن ابن الحداد المصري قال :
خرجت في ليلة مقمرة إلى قبر أحمد بن حنبل ( 1 ) – رحمه الله – فرأيت هناك من بعيد رجلا قائما مستقبلا القبلة. فدنوت منه من غير أن يعلم ، فإذا هو الحسين بن منصور ، و هو يبكي ، و يقول :
يا من أسكرني بحبه ، و حيرني في ميادين قربه ، أنت المفرد بالقدم ، و المتوحد بالقيام على مقعد الصدق ، قيامك بالعدل لا بالاعتدال ، و بعدك بالعزل لا بالاعتزال ، و حضورك بالعلم لا بالانتقال ، و غيبتك بالاحتجاب لا بالارتحال.
فلا شيء فوقك فيظلّك ، و لا شيء تحت فيقلّك ، و لا أمامك شيء فيجدك ، و لا وراءك شيء فيدركك. أسألك بحرمة هذه الترب المقبولة و المراتب المسؤولة ، أن لا تردني إلى بعد ما اختطفتني مني ، و لا تريني نفسي بعد ما حجبتها عني ، و أكثر أعدائي في بلادك ، و القائمين لقتلي من عبادك.
فلما أحس بي ، التفت ، و ضحك في وجهي ، و رجع ، و قال لي :
يا أبا الحسن ، هذا الذي أنا فيه أول مقام المريدين.
فقلت تعجبا : ما تقول يا شيخ ؟ إن كان هذا أول مقام المريدين ، فما مقام من هو فوق ذلك؟.
قال :
كذبت هو أل مقام المسلمين ، لا بل كذبت هو أول مقام الكافرين.
ثم زعق ثلاث زعقات ، و سقط و سال الدم من حلقه . و اشار إليّ بكفه أن أذهب ، فذهبت ، و تركته.
فلما أصبحت رأيته في جامع المنصور ، فأخذ بيدي ، و مال بي إلى زاوية ، و قال :
بالله عليك ، لا تعلم أحدا بما رايت مني البارحة.
و عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبدالكريم الحلواني قال :
خدمت لحلاج عشر سنين ، و كنت من أقرب الناس إليه ،و من كثرة ما سمعت الناس يقعون فيه ، و يقولون : إنه زنديق ، توهمت في نفسي ، فاختبرته.
فقلت له يوما : يا شيخ ، أريد أن أعلم شيئا من مذهب الباطن.
فقال : باطن الباطل ، أو باطن الحق ؟
فبقيت متفكرا!.
فقال أما باطن الحق فظاهره الشريعة ، و من يحقق في ظاهر الشريعة ينكشف له باطنها ، و باطنها المعرفة بالله. و أما باطن الباطل ، فباطنه أقبح من ظاهره. و ظاهره أشنع من باطنه ، فلا تشتغل به.
يا بني أذكر لك شيئا من تحقيقي في ظاهر الشريعة ، و من يحقق في ظاهر الشريعة ينكشف له باطنها ، و باطنها المعرفة بالله. و اما باطن الباطل ، فباطنه أقبح من ظاهره. و ظاهره أشنع من باطنه ، فلاتشتغل به.
يا بني أذكر لك شيئا من تحقيقي في ظاهر لشريعة. ما تمذهبت بمذهب أحد من الأئمة جملة ، و إنما أخذت من كل مذهب أصعبه ، و أشده ، و أنا الآن على ذلكز و ما صليت صلاة الفرض قط إلا و قد اغتسلت أولا ثم توضات لها. و ها أنا ابن سبعين سنة. و في خمسين سنة صلاة ألفي سنة ، كل صلاة قضاء لما قبلها ( 2 ).
و قال إبراهيم الحلواني :
دخلت على الحلاج بين المغرب و العشاء ، فوجدته يصلي. فجلست في زاوية البيت كأنه لم يحس بي لاشتغاله بالصلاة ، فقرأ سورة البقرة في الركعة الأولى، و في الركعة الثانية آل عمران. فلما سلم سجد ، و تكلم بأشياء لم أسمع بمثلها. فلما خاض في الدعاء رفع صوته كأنه مأخو ذ عن نفسه ، ثم قال :
يا إله الآلهة ، و يا رب الأرباب ، و يا من ( لا تأخذه سنة و لا نوم ) ( 3 ) . رد إلي نفسي لئلا يفتتنم بي عبادك ، يا هو أنا ، و أنا هو ، لا فرق بين آنيتي و هويتك إلا الحدث و القدم.
ثم رفع رأسه ، و نظر إلي و ضحك في وجهي ضحكات ، ثم قال :
يا أبا إسحاق ، أما ترى أن ربي ضرب قدمه في حدثي ، حتى استهلكت حدثس في قدمه ، فلم يبق لي صفة القديم ، و نطقي في تلك الصفة. و اخلق كلهم أحداث ينطقون عن حدث. ثم إذا نطقت عن القدم ينكرون علي ، و يشهدون بكفري ، و يسعون إلى قتلي . و هم بذلك معذورون ، و بكل بي مأجورون.
( و قال ) ( 4 ) الحلواني :
كنت مع الحلاج و ثلاثة فر من تلاميذه ، و واسطت قافلتي من واسط إلى بغداد. و كان الحلاج يتكلم ، فجرى في كلامه ، حديث الحلاوة ، فقلنا :
على الشيخ الحلاوة!.
فرفع رأسه ( 5 ) . و قال :
يا من لم تصل إليه الضمائر ، و لم تمسّه شبه الخواطر و الظنون ، و هو المترائي عن كل هيكل و صورة من فغير مماسه و مزاج ، و أنت المتجحلي عن كل أحد ، و المتجلي بالأزل و الأبد ، لا توجد إلا عند اليأس ، و لا تظهر إلا حال الإلتباس ، إن كان لقربي عندك قيمة ، و لا عراضي لديك عن الخلق مزية فائتنا بحلاوة يرتضيها أصحابيز
ثم مال عن الطريق مقدار ميل ، فراينا هناك قطعا من لحلاوة المتلونة ، فأكلنا ، و لم يأكل منه ، فلما استوفينا و رجعنا خطر ببالي سوء ظن بحاله ، و كنت لا أقطع النظر عن ذلك المكان ، و حافظته أحوط ما يحافظ مثله ، ثم عدلت عن لطريق للطهارة، و هم ذاهبون ، و رجعت إلى المكان ، فلم أر شيئا ، فصليت ركعتين و قلت : اللهم خلصني من هذه التهمة الدنية.
فهتف لي هاتف : يا هذا أكلتم الحلاوة على جبل قاف ، و تطلب القطع ها هنا ، أحسن همّك ، فما هذا إلا ملك الدنيا و الآخرة.

هوامش :
1 – ابن حنبل : إمام مذهب الحنبلي ، محدث ثقة ، له كتاب المسند.
2 – ورد هذا الخبر في كتاب : ( الكواكب الدرية ، لعبدالرؤوف المناوي : 125 ).
3 – وردت في الأصل يوم.
4 – ساقطة من الأصل.
5 – وردت في الأصل " رسه ".

صدر الكتاب كاملا مع مقدمة تفصيلية لهادي العلوي ، أكرم أنطاكي ، فائق حويجة ، عن دار الطليعة الجديدة بدمشق ، في طبعة ثانية عام 1997 .
تصنيف : علي بن أنجب الساعي البغدادي المتوفي سنة 674 هـ
تحقيق : موفق فوزي الجبر

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow