العهد المكي الثاني بعد 1300عام على الهجرة / المؤلف : إبراهيم عز ج4
خاص ألف
2017-09-02
لا نريد دولة إسلامية صورية
كان يجب أن يكون هذا القسم ضمن البحث السابق و لكني وجدت أنه وبسبب أهميته أن أُفرد له بحثا خاصا ضمن عنوان واضح.
كما أوضحت في الفصول السابقة عن وضع ما يسمى بالدولة بكل أحولها و طرق الوصل إليها ، وعدم ملائمتها للأوضاع السائدة حاليا في ظل نظام القرية الكونية القائم في العالم الآن وفي ظل توازن القوى العظمى ، وعدم وجود أي فرصة لتأسيس حكم إسلامي حقيقي ، لذا أعود و أكرر أنا لا أرفض دولة الخلافة القوية القادرة ذات السيادة التي يحكمها الخليفة المسلم بالقرآن ، والتي تحكم بمبدأ الشورى وإنما أرفض تلك الدولة الضعيفة التي لا تستطيع أن تحكم بالإسلام ، وإنما ستكون مجرد دويلة مسخ ، لا حول لها ولا قوة وستكون تبعا لدول الاستكبار العالمي في كل شيء ، وكل ما ستفعله هو التدخل و التدقيق في مأكل ومشرب وملبس ونوم و طعام و ... و ... و ... وفي كل جوانب حياة المسلمين.
وباختصار سيكون كل نشاط إنساني تحت أنظار هذا الحكم . و يتحكم بهذه الحكومات قيادات متعطشون للسلطة متشوقون للهيمنة مهووسون بالتدخل بأخص خصوصيات البشر ، ساعون للوصول للسلطة بأية طريقة كانت . كل غايتهم إصدار الأوامر والتسلط على رقاب الناس ، ولديهم آلاف الكتب المتناقضة التي يقولون إن فيها كامل أحكام الشريعة يريدون تطبيقها على الناس وبأي شكل من الأشكال .
وأنا أكتب هذه الفصل كان يوم شم النسيم في مصر أثناء حكم الإخوان وكان هناك حوارا ساخنا عن شرعية الاحتفال به ، تصوروا أن الآبائيين لم يحكموا بعد بشكل كامل وحقيقي يريدون أن يدسوا أنوفهم في هكذا أمر بسيط لا يخالف قرآنا ولا يضر أحدا ، يريدون أن يتدخلوا به ويقولوا للناس إنه ضلال ومحرم وربما وصل عند بعض المتنطعين منهم إلى حد الكفر ، فما بالك إذا حكموا بشريعتهم الآبائية الكاملة ربما فعلوا أكثر مما فعل الحاكم بأمر الله الفاطمي .
سأبين بكل صراحة ووضوح ماذا سيفعل الإسلامويون أقطاب الفكر الآبائي إذا وصلوا إلى السلطة بشكل كامل ، سيشكلون ديوان الحسبة وديوان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وشرطة لكل شيء ، شرطة لجر وشحط الناس إلى المساجد لتأدية الفريضة وخاصة صلاة الصبح وبناء عليه ستنتهي سهرة المسلمين بعد صلاة العشاء ولا أدري هل سيشكلون شرطة خاصة من أجل مراقبة نوم المسلمين بعد صلاة العشاء أو إذا كانوا سيسمونها شرطة النوم أم إنها ستكون من مهمة شرطة الصلاة ، وشرطة لشم أفواه المسلمين في رمضان لمعرفة المفطر من الصائم، وشرطة للتدقيق في ملابس المسلمين والتأكد من كل لباس و مدى ملاءمته للأنظمة والقوانين الواردة في كتبهم وخاصة لباس الأخوات المسلمات ، وشرطة للتدقيق في كل ما يتعلق بالاتصالات من إنترنت وهاتف ثابت ومحمول لمراقبة المسلمين والدخول في أخص خصوصياتهم لمعرفة من شذ منهم عن الطريق القويم ، أما إذا سألت عن تلك الآية التي تنهى عن التجسس في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا }الحجرات12 .
فسيقولون لك إنها تنهى الإنسان المسلم أن يتجسس على أخيه المسلم وهي محددة بالأفراد ولا علاقة لأهل الحكم بها ، بدليل عشرات الحوادث المذكورة في كتب الآبائيين التي تقول إن عمر بن الخطاب كان يتجول في الليل حتى يطمئن على أحوال الرعية ، وهم سيطبقون فعل عمر حتى يطمئنون على أحوال الرعية ويتأكدون أن كل الناس على الصراط المستقيم ، وسيكون هناك شرطة الطعام التي تهتم ماذا يأكل المسلمون وكيف يتناولون طعامهم وسيلاحقون الذين يأكلون ويشربون وهم وقوف ، وحتما سيكون هناك شرطة للتأكد من أن الشقق والمنازل لا تكشف بعضها بعضا ، وبالتالي أية نافذة أو شرفة يمكن أن تشكل خرقا للنظام الإسلامي والشريعة حسب فهمهم سيتم سدها ، فقط من باب الاحتياط وتطبيقا للمثل القائل الباب الذي يأتي منه الريح سده واستريح ، وهناك شرطة للفضائيات كي تدقق و تعرف ماذا يشاهد المسلمون ، وربما وهو الأرجح أن يمنعوا الفضائيات لأن أكثر ما فيها ضال مضل حسب زعمهم ، وسيستعيضون عنها بالمحطات الأرضية التي يبثون فيها ما يناسب المسلمين وطبعا الحكام الإسلامويين الآبائيين ، وسيكون هناك شرطة للحفلات كي تعطي التراخيص اللازمة وتحضر كل التجمعات الاحتفالية حتى يتأكدوا أن لاشيء يخالف شريعتهم قد يحصل وأن ليس هناك أي اختلاط بين الذكور والإناث ، وأما بالنسبة للسياحة بوضعها الحالي فستكون محرمة إلا إذا جاءت النساء الأوربيات والأمريكيات وهن لابسات البرقع للتشمس على شواطئنا الجميلة ، وسيحرمون الربا تحريما تاما على كل أفراد الشعب وسيحاسب حسابا شديدا من يتعامل به أما بالنسبة لهم فسيقفون أذلاء على أبواب البنوك العالمية كي يتسولوا القروض وسيدفعون فوائدها بكامل الرضا حتى يدعموا اقتصادهم المنهار ويستمروا بحكمهم الهذلي ، وأما الرياضة فستحرم كل الرياضات وعلى رأسها كرة القدم التي تُضيع وقت المسلمين و تلهيهم عن الصلاة وسيستثنون منها السباحة والرماية وركوب الخيل ، ونأتي إلى الموسيقى فكل آلاتها محرمة إلا الدف ، وبناء عليه سيُتلف كل شيء فيه موسيقى غير الدف أو فيه صوت أنثى أو كان معنى الكلام فيه خروج عن الآداب العامة . هذا غيث من فيض وإذا أردنا أن نستعرض كافة الدواوين وفروع الأمن والشرطة والمخابرات والمباحث والدوريات الراجلة والمؤللة التي سينشئُها الإسلامويون في حال وصلوا للسلطة لإحصاء كل نفس من أنفاس المسلمين ومراقبة كل رمشه من رمشات عيونهم لما كفانا مجلد كامل .
و بعد كل هذا العرض من أحكام الإسلام الآبائي سيأتي السؤال الأساسي وهو الأهم ماذا سيستفيد المسلمون من هكذا حكم إذا كان القائمون عليه لن يستطيعوا أن يقوموا بالشيء الأول والأهم ، وهو السيادة والتمكين المطلق ، فهم تابعون لدول الاستكبار في كل شيء ، أليس القول الأنسب لهؤلاء القوم أن نقول لهم تباً لكم و لحكمكم و لدولتكم اغربوا عن وجوهنا .
استنتاج: يجب على المسلمين أن يكونوا حاسمين في موضوع الرد على فكرة الدولة الإسلامية وحكم الشريعة في هذا الوقت ، وكل هذه الأطروحات التي يطبل ويزمر لها صبح مساء كل جماعات الإسلام السياسي والجهادي من الآبائيين من أهل السنة والجماعة ، وأن نكون واضحين تماما برفض الفكرة جملة وتفصيلا و بأعلى أصوتنا حتى يسمع من في آذانهم وقرٌ.
***
خلافة داعش
بما إني أتكلم على الخلافة والخليفة فكان لابد من أن أخصص بحثا لخلافة داعش وكيف صعدت وما هي مقومتها السياسية والفكرية والفقهية في سياق عام لكل الحركات الجهادية ذات التوجه السني الآبائي .
سأبدأ من الفكرة العامة لدى الجهاديين وهي أنه من الممكن إقامة دولة إسلامية انطلاقا من مكان ما في دولة ما تصلح للبدء بحرب عصابات ضد الحكومات الكافرة والمرتدة ، ومن ثم التوسع والتوسع وإخضاع مساحات أوسع وعدد سكان أكبر وفي الوقت المناسب تعلن الخلافة الإسلامية وكل من يخالفها مصيره التصفية وأوضح مثال على هذه الطريقة طالبان في أفغانستان ، وحركة الشباب في الصومال ، والقاعدة في مالي ، والإسلاميين في الشيشان ، طبعا سلاح هذه الدولة سيكون عدة مدافع هاون ورشاشات دوشكا و قد يتمكنون من اغتنام بضع دبابات لضمها لعتاد جيوش المسلمين ، واستكمال تحرير العالم الإسلامي الممتد من شمال الصين إلى جنوب فرنسا وفتح بقية دول العالم بهذا العتاد ، أنا لا أمزح ولا أروي مناما رأيته ليلة أمس ، هكذا تفكر التنظيمات الجهادية ، فبكم مدفع هاون وعدة قواذف مضادة للدروع ومئات بنادق الكلاشينكوف سيحاربون هذه الدول المرتدة الكافرة المدعومة من أنظمة الإلحاد والاستكبار العالمي ، ومن ورائها سيحاربون أمريكا وحلف شمال الأطلسي ، وروسيا و الصين ، ومن رائهم منظمة الأمم المتحدة والعالم كله .
هذا الكلام قد كتبه قبل أن أتوقف عن الكتابة فترة من الوقت لأسباب قاهرة ، وقبل أن يعلن تنظيم الدولة في العراق والشام المعروف بداعش الخلافة الإسلامية وتنصيب شخصا مجهولا ملقبا بالبغدادي خليفة للمسلمين بعد أن زكاه شخصا مجهولا آخر يدعى العدناني ، لم يدر بفكري للحظة واحدة أن هذا الكلام الذي كتبته عن طريقة تفكير الجهاديين الآبائيين في كيفية تأسيس الخلافة سيكون حقيقة واقعة بعد عدة أشهر .
عندما أعلن تنظيم الدولة عن إنشاء الدولة الإسلامية في العراق والشام أول ما تبادر لذهني أن هذا خطأ فقهي كبير يناقض الفقه الآبائي السني ، فليس في هذا الفقه شيء اسمه دولة إسلامية وإنما هذا مصطلح جديد جاء بعد سقوط الخلافة العثمانية على يد جماعات الإسلام السياسي ، ولكن تنظيم الدولة أو داعش عاد واستدرك هذا الخطأ لاحقا وأعلن قيام الخلافة الإسلامية ، فإعلان الخلافة يوفر له الأرضية الفقهية للسيادة على كل المسلمين وفي جميع أنحاء العالم .
إذن فعلها البغدادي ونصب نفسه خليفة على أجزاء من العراق وسوريا ، والسؤال الذي يتبادر للذهن كيف يستطيع تنظيم كان في طور الاندثار قبل ثورات الربيع العربي أن يستعيد قوته ويسيطر على مساحات واسعة من دولتين ، مع العلم أن كل القوى المحلية والإقليمية والدولية تزعم أنها ترفض وتعادي وتحارب هذا التنظيم جملة وتفصيلا ، أمريكا وروسيا ، إيران وتركيا ، النظامان العراقي و السوري، دول الجامعة العربية ودول الاتحاد الأوربي ، التنظيمات المسلحة السورية الإسلامية وغير الإسلامية ، جبهة النصرة والقاعدة ، كل هذه الأطراف الفاعلة في المنطقة تقول إنها ترفض وتعادي وتحارب تنظيم داعش !!! ؟؟؟.
إذا كانت كل هذه الأطراف ترفض وتعادي وتحارب تنظيم الدولة فلماذا إذن تنظيم الدولة يزداد قوة وتمددا ، حتما هناك من يكذب من هذه الأطراف ، سأعرض رؤيتي لصعود داعش كتحليل سياسي بناء على قضية أساسية وهي من المستفيد ومن المتضرر من صعود هذا التنظيم المتطرف.
في البداية جاء تنظيم جبهة النصرة بقيادة المدعو أبو محمد الجولاني كفرع من تنظيم الدولة في العراق لنصرة الشعب السوري في حربه ضد نظام الأسد ، وبعد فترة أعلن الجولاني انشقاقه عن تنظيم الدولة ، ومبايعة قائد تنظيم القاعدة مباشرة أيمن الظواهري على اعتبار أن تنظيم الدولة هو فرع القاعدة في العراق ، واعتبر الجولاني نفسه قائد لفرع القاعدة في سوريا ، لم تعجب هذه الحركة البغدادي واعتبر الجولاني منشقا ناكرا للجميل ، وتدخل الظواهري لحل الخلاف فأصبح جزءا منه ، وانشق البغدادي عن الظواهري وأصبح في حل من أي التزام اتجاه القاعدة ، ونتج عن هذا مشاحنات عنيفة بين تنظيم البغدادي من جهة وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة من جهة أخرى ، وأصبح تنظيم الدولة في سوريا محاصرا من جميع قوى المعارضة السورية بعد قيامه بعدة عمليات ضدها لأن تنظيم الدولة الإسلامية لم يأتي لنصرة الشعب السوري ، وإنما جاء ليحكم الناس وتصفية كل من لا يسير على نهجه ولا يبايع زعيمه .
وإذا نظرنا إلى هذا الواقع فمن هو المستفيد الأول من صعود داعش؟ معارضة سورية تعادي طرف واحد بعينه أليس من مصلحة النظام السوري بقاء هذا التنظيم ليكون شوكة في عين المعارضة السورية ، فكل هذا صب في مصلحة النظام السوري وليظهر أمام العالم بأنه كان محقا ، فمنذ البداية كان يقول ليس لدينا في سوريا ثورة بل تنظيمات جهادية دموية تريد الاستيلاء على السلطة ، هذا من حيث المبدأ . ولكن للنظام السوري أولياء أمر في طهران وموسكو ولا يستطيع أن يقدم على أمر من هذا النوع وهو ترك تنظم داعش يتمدد إلا بإذن منهم فجاء الضوء الأخضر من قاسم سليماني وسيرغي لافروف المسؤولين عن الملف السوري وهي خطة بسيطة ، نترك تنظيم داعش ليبتلع الثورة السورية ، وما يسمى المعارضة المعتدلة ، وعندها سيضطر العالم لدعم النظام السوري ضد قوى الإرهاب المتمثلة بداعش ، وجاء التأييد لهذه الخطة من حكومة المالكي عبر إطلاق سراح العشرات من تنظيم الدولة عبر مسرحيات الهروب من السجون ، وبناء على هذا أستطيع أن أقول أن الأبوان الروحيان لداعش هما قاسم سليمان وسرغي لافروف ، والحل الوحيد الذي كان يعملان عليه هو سحق الثورة السورية وبقاء الطائفة العلوية بقيادة عائلة الأسد تحكم سوريا وإلى الأبد ، وقد كانا مستعدان أن يتحالفا مع الشيطان لتنفيذ هذا الهدف ، وبناء على هذا بدأ النظام السوري يترك تنظيم داعش يتمدد في مناطق المعارضة وأحيانا تركه يتمدد في مناطق النظام إذا كان هذا الأمر لا يؤثر على الوضع الإستراتيجي للحرب ، وهناك أشياء لا أملك عليها دليل هل كان النظام السوري وحلفائه يقدمون الأموال لداعش ، فتقديم الأموال هو الأسهل وهو الذي يعطي الفعالية للتنظيمات فعندما يوجد المال يوجد كل شيء من مستلزمات الحرب، ولا شك في أن الكثير الكثير من عناصر الأمن مدسوسة في صفوف داعش تعمل على زيادة تطرف هذا التنظيم ليسهل في النهاية سحقه كما حصل في العشرية السوداء في الجزائر أثناء التسعينيات.
ولكن الذي حصل لم يكن بحسبان هذه الأطرف ، صحيح أن معظم تنظيم الدولة متواجد على الأراضي السورية ولكن أغلبية هذا التنظيم عراقيون و خاصة القيادات ولهم حاضنة هناك ولديهم العدو الأول في بغداد وهو المالكي ، فلم ينسوا حربهم الأساسية ضد شيعة العراق ، ومن هنا انقلب السحر على الساحر فلم يكن بخلد الذين سمحوا لتنظيم داعش بالتمدد أنه سيعود إلى العراق ليواجه خصومه السابقين ، هناك مثل ينطبق على هذا الوضع وهو (الذي يعمل على تحضير العفاريت عليه أن يعرف كيف يصرفهم وإلا فعليه أن يتحمل أذاهم) فسياسية سليماني لافروف قد جاءت بكل عفاريت الجهاد إلى المنطقة ولكن هذان الشخصان لا يعرفان كيف يتم صرف هؤلاء العفاريت ، وبالتالي بعد أن ترك النظام السوري تنظم الدولة يتمدد ، لم يكمل تنظيم الدولة الخطة التي تصورها هؤلاء وهي ابتلاع الثورة السورية ، بل عوضا عن ذلك عاد إلى موطنه في العراق حيث القهر الطائفي الذي ينفذه المالكي ضد السنة ، وليستفيد من ذلك بشكل كامل ويسيطر على أجزاء واسعة من عراق المالكي رجل طهران المخلص والمطيع لمرشد الثورة الإيرانية .
هناك أمر آخر يجب أن لا يفوت ذكره في هذا التحليل هل هناك قوى خليجية دعمت داعش وربما هي من طلبت منه أن يعود إلى العراق ، كما ذكرت هو تحليل ولكن يمكن أن أقول إن تنظيم مثل تنظيم داعش مخترق من كل القوى الاستخباراتية العاملة في المنطقة ، فأي أفكار تأتي ضمن السياق الفكري والفقهي المعتمد لديه يمكن أن تدخل بكل سهولة إلى مخططات التنظيم ، ففكرة مثل فكرة العودة إلى العراق والعمل على الإطاحة بدولة المالكي في بغداد هي مقبولة تماما وتأتي ضمن السياق ، أما فكرة مثل فكرة إلقاء السلاح فهي غير مطروحة على الإطلاق وسيتم تصفية من يطرح هكذا أفكار مباشرة ، ونعود إلى السؤال الأساسي هل هناك قوى خليجية دعمت داعش، باعتقادي نعم وإن كنت لا أملك دليل على ذلك ، ولكن هذا الدعم لم يكن حكوميا برأي ، إنما بعض أجنحة المخابرات، بعض الأمراء ، قوى متنفذة لها مصالح ، وربما هذه الأطرف كانت تقول لقاسم سليماني ولحكومة إيران لا تعتقدوا أنكم وحدكم يمكنكم الاستفادة من وجود داعش للتحكم في المنطقة فنحن يمكننا أيضا أن نستفيد من داعش لإفشال مخططاتكم و إسقاط حكومة المالكي .
وفي النهاية كل الأطراف خسرت و الرابح الوحيد هو تنظيم داعش فبعد أن كانت تصفيته قاب قوسين أو أدنى قبل الربيع العربي ، ها هي جيوشه تحارب من تخوم بغداد إلى تخوم حلب .
وانفجر الوضع في تلك الليلة في التاسع من شهر حزيران 2014 في الموصل عاصمة الشمال العراقي ولتسقط مدينة كبرى تحميها فرقتان عسكريتان من جيش المالكي بلمح البصر وليتضخم أعداد الجهاديين في الثلاث أيام التالية بشكل مذهل ، وبدأت بالتوجه نحو بقية المحافظات العراقية وكان الهدف الزحف نحو بغداد ، ومن هنا بدأ الجميع يستنجد بالولايات المتحدة حتى دولة الملالي في طهران تخلت مؤقتا عن عدائها التاريخي مع الشيطان الأكبر في سبيل مواجهة عفاريت الجهاد السني، وبدأت الولايات المتحدة بشن أولى الغارات الجوية بعد أن أصبح مقاتلو داعش على مقربة من أربيل الكردية، وكان الثمن الذي يجب أن تدفعه طهران هو التخلي عن رجلها المخلص الذي خدم مصالحها بكل أمانة نوري الملكي في مقابل موافقة أمريكا على تشكيل حلف دولي لمواجهة خلافة البغدادي السنية .
كان هذا عرضا سياسيا عن كيفية صعود داعش والآن سأقدم عرضا فقهيا فكريا عن داعش وأمثالها من التنظيمات السنية ، من أين أتت أفكار داعش ، فكل ممن يسمى علماء دين سنة في كل العالم يرفضون ويخطئون داعش وعلى رأسهم شيخ الأزهر ومفتي آل سعود . من أجل الحقيقة والإنصاف والتاريخ أقول:
إن كل ما قامت وتقوم به التنظيمات الجهادية منذ سقوط الخلافة العثمانية حتى اليوم يعتمد على رؤية فقهية أساسية موجودة في الفقه السني ، وبالتالي كل ما تقوم به داعش هو صحيح تماما من وجهة نظر فقهية سنية ويعتمد على مبدأين اثنين:
أولا: مسألة فريضة الجهاد ، ليس هناك حكم فقهي سني معتمد يقول بتحريم الجهاد حاليا ، وهو رفع السلاح باسم الدين بغض النظر عن أي شيء آخر .
ثانيا: لقد كان للمسلمين خلافة فجاءت قوى الاستعمار وقامت بإلغائها ووجوب إعادتها فريضة.
وإذا سألنا أي فقيه أو عالم دين سني هل يجوز استخدام أي طريقة لاستعادة الخلافة الإسلامية بما فيها الجهاد والعمل المسلح بالتأكيد سيقول نعم إذا كان يتبنى المذهب السني ويأخذ إسلامه على محمل الجد ، إذن ما قام به البغدادي وتنظيمه تنظيم الدولة هو صحيح تماما من وجهة نظر فقهية سنية آبائية ، فلا عجب أن نرى الآلاف من الشباب المسلم يلتحق بتنظيم الدولة ، فالأغلبية العظمى من المسلمين وعلى مدى مئة عام من غياب الخلافة الإسلامية كانوا يحلمون باستعادة الخلافة وبسبب التوجيه الفكري في كل الوسائل الممكنة المكتوب والسمعية والبصرية الذي كانت تدعمه كل التيارات الفقهية والفكرية الآبائية ، فعندما يذهب المسلمون إلى المسجد في كل يوم جمعة في أحيان كثيرة تكون الخطبة عن مشكلة ضياع الحكم الإسلامي بشكل مباشر أو غير مباشر ، بشكل مباشر يكون واضحا صريحا وخصوصا إذا كان نظام الحكم في تلك الدولة يتغاضى عن ذلك ، أما بشكل غير مباشر فهو في سرد قصص عن أمجاد الحكم الإسلامي أيام أبو بكر وعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز مع أن حكم هؤلاء لم يدم أكثر من خمسة عشرة عاما ، ولا يقاس بمئات الأعوام التي ساد فيها ملكا جبريا وراثيا كان فقهاء الإسلام الآبائي السني هم العامود الفقري لهذا الحكم الظالم الذي استغل الإسلام .
ومن العجيب أن نرى أن فقهاء أهل السنة مندهشون من بروز التنظيمات الجهادية المتطرفة مثل القاعدة وداعش وبكو حرام وأبو سياف ، مع أن أفكار هذه الجماعات مأخوذة من المراجع الكبرى للفقه الآبائي السني والتي تدرس في كل أصقاع الأرض ، وعلى رأس من يدرس هذه الأفكار جامعة الأزهر و كل الجامعات السعودية ، وأنا مستغرب تماما من موقف الأزهر، فهم يدرسون فقه الجهاد فيها بكل تفاصيله كفريضة وحكم من أحكام الإسلام ، ثم يقولون لهؤلاء الشباب لا تلتحقوا بالجهاد ، إذن المسألة تبدأ من هناك من الجامعات المصرية وعلى رأسها جامعة الأزهر ومن الجامعات السعودية وعلى رأسها دار الإفتاء السعودي ، وإذا لم يحصل تغير جذري في مبادئ ومناهج هذه الجامعات ستبقى تصدر الجهاديين والمتطرفين وسيبقى الأزهر والجامعات السعودية المركز الأساسي لهذه المشكلة.
لقد كانت مسألة الجهاد لعبة في يد الحكام فعندما كان الجهاد يخدم مصالح الحكام كان مباحا ومدعوما منهم كما حصل في أفغانستان ، فقد كان يتم تجنيد الشباب وجمع التبرعات علانية وبرعاية الأنظمة وخاصة في الخليج العربي لأنه يخدم مصالحها ضد المد الشيوعي ، والآن أصبح الجهاد محرما من وجهة نظر سياسية لأنه يتعارض مع مصالح هؤلاء الحكام في الخليج وغير الخليج .
وبعد هذا العرض فمن غير المستغرب أن يكون زعيم تنظيم الدولة خليفة داعش حاصل على دكتوراه في الشريعة كما يقولون ، وكل ما يقوم به هذا الشخص من أفعال قد تعلمه هناك في إحدى جامعات أهل السنة والجماعة الآبائية ، ففي تلك الجامعات يعلمون الطلاب حكم الردة ومن هو المرتد وكيف يستتاب وكيف يقتل إذا لم تنجح عملية الاستتابة ، وأيضا يعلمونهم أحكام الزنا وكيف يجلد أو يرجم الزاني ، وأحكام السرقة وكيف تقطع يد السارق ، وكل أحكام الرق و العبودية ، ومتى يجوز استرقاق الأعداء ، وأحكام وطء الأمة وكيف تستبرأ إذا كانت متزوجة ، فيجب أن لا يستغرب كل أقطاب الفكر الآبائي السني من كل هذه الأحكام التي يطبقها أبو بكر البغدادي الآن فهو قد درسها و تعلمها منكم في الجامعات الإسلامية المنتشرة في كل أرجاء العالم.
والآن بعد كل هذه الأوضاع القاسية والدموية والمعقدة كيف ستنتهي هذه الاضطرابات التي جعلت من حياة الإنسان البسيط تصبح كابوسا لا يحتمل ، إذا بقيت أفكار الإسلام الآبائيية سائدة كما هي الآن فلن يكون هناك مخرجا في المدى المنظور ، فالمشكلة فكرية وفقهية ، وإذا لم يحصل تغيير شامل وحقيقي في بنية الإسلام الحالي فلن يكون هناك حل ، فكل الحلول الأمنية فشلت فشلا ذريعا ، فقد تم قتل أسامة بن لادن ، وقتل واعتقال الكثير من قادة التطرف في العالم ، ويمكن أن نقول إن القاعدة كتنظيم في دور الأفول ، ولكن بدلا عنه برز تنظيمات عدة و على رأسها تنظيم داعش بقيادة البغدادي ، لقد بدأت الحملة العسكري على هذا التنظيم وفي النهاية سيتم تدمير هذا التنظيم ليلحق بالقاعدة وعلى الأرجح ستكون نهاية البغدادي شبيه بنهاية كل قادة القاعدة ، إما مقتولا أو معتقلا أو متخفيا ، ولكن هل ستنتهي المشكلة ؟ بالطبع لا، سيظهر في مكان آخر تنظيم جديد وقيادة جديدة تمشي على نفس المنوال لأن المدارس والمعاهد والجامعات الإسلامية ستبقى تدرس هذه الأفكار والأحكام التي يطبقها البغدادي اليوم .
***
إن نقل أو نشر أي شيء من هذا الكتاب دون تفويضٍ مباشر من الكاتب" إبراهيم عز" يعتبر خرقاً لقوانين الملكيّة الفكرية ويحاسب عليه ضمن القوانين المتداولة.
نهاية الجزء الرابع
ألف / خاص ألف
يتبع.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |