العهد المكي الثاني بعد 1300عام على الهجرة / المؤلف : إبراهيم عز ج5
ألف
خاص ألف
2017-09-09
رسالة إلى البغدادي
والآن لدي بعض التساؤلات التي أريد أن أوجهها للمدعو أبو بكر البغدادي أو لمن سيسير على نهجه في المستقبل ، أنت تعلم أن لا يجوز إعلان الخلافة إلا في حالة التمكن ، هل وصلت أنت وتنظيمك إلى هذه المرحلة من امتلاك وسائل قتالية مكافئة في العدة والعتاد؟ وهل تعتقد أنك قادر على احتلال العالم بأسلحة فرقتين من جيش العراق؟ وبعد أن تنتهي هذه الذخائر التي بحوزتكم من أين ستأتون بغيرها؟ وعندما تحتاجون قطع غيار للمركبات الأمريكية من سيمدكم بها ؟ لا تقل لي إن لديك مصانع لصناعة هكذا أشياء ، فستكون مزحة سخيفة في وقت ليس وقت ضحك ، من المعلوم أن دولة مثل الدولة الأمريكية التي تحاربها أنت الآن عندما تخسر دبابة أو طائرة فلديها مصانع تنتج بديلا عنها أم أنت فلا تملك ولا مصنع لصناعة عربات الأطفال فخبرنا بالله عليك كيف ستنتصر على أمريكا ، ثم هل يجوز للمسلمين أن يبايعوا شخصا مجهولا مثلك خليفة لهم ، فأنت مجهول الشخصية والتاريخ والإقامة هل نبايع شبحا أطل علينا من جامع الموصل لفترة وجيزة من الزمن ثم اختفى، وهل يكفي أن يزكيك شخصا مجهولا مثلك اسمه العدناني حتى تجب على المسلمين البيعة ، ألا ترى معي أن أهم شرطين في البيعة لم يتحققا لديك وهما التمكن وكونك مجهولا مما يعني انتفاء العلم بك ، لا تقل لي إن هذه المجاميع التي تقودها والتي تقوم بقتل الناس بسبب وبدون سبب إن هذا هو التمكن ، إن هذا عمل إجرامي وقد سبقكم إليه الخوارج والقرامطة فقد كانوا مثلكم يجوبون البوادي في العراق والشام ويقومون بنفس أفعالكم هذه من قتل ونهب واغتصاب ، وباسم الدين أيضا، والمشكلة الأهم هو أنك مجهول ولا يكفي بأي حال من الأحوال ظهورك السريع في جامع الموصل لتصبح معروفا للمسلمين وتتم البيعة لك على أساسها ، أو لعلك تقلد المذهب الإسماعيلي الشيعي في مسألة الإمام المستور فكما تعلم أن الإمام لديهم إن لم تكن الظروف مواتية تماما لظهوره أصبح مستورا ، ولكنك كما تزعم أنك إماما لأهل السنة والجماعة ، فكيف تقلد الإسماعيليين في هذه المسألة أم أن الأمور اختلطت عليك فبت تسير على غير هدى ، وهل يجوز أن يبايع المسلمون شخصا يسير على غير هدى مثلك أيها الإمام المستور .
ولننظر إلى حالة تشبه داعش وإن كانت أقل تطرفا وهي حركة طالبان فبعد أن سيطرت على أفغانستان ماذا كانت النتيجة تأسست دولة قمعية لا تقبل أي نقاش فكل غايتها قهر المواطن الأفغاني ، وجعله أشبه بالحيوان ليس له أي حق أو رأي ، مجرد شيء تتصرف فيه حكومة طالبان كيف تشاء ، بحجة أن الله و الرسول والشريعة يأمرون بهذا ، والكل يعرف بقية القصة حتى أحداث 11 سبتمبر ، عندما انشقت حركة طالبان عن أسيادها في باكستان ، طبعا كان تحالفهم مع الباكستانيين تحالف مصلحة ومؤقت وغايته تسخير غير المؤمنين لخدمة المؤمنين ومشروعهم (وهو أيضا نفس المبدأ أيضا عندما تحالفت القاعدة مع الولايات المتحدة ) وعندما تنتهي مصلحة المؤمنين يقومون بالانقلاب على حلفائهم وداعميهم والهجوم عليهم بأشنع الوسائل وأوضح مثال على ذلك هجمات 11 سبتمبر ، وكلنا يعرف كيف انتهت القصة باحتلال الولايات المتحدة لأفغانستان وانتقال طالبان من الحكم إلى العمل الجهادي السري ، لن أطيل في هذه المسألة فكلنا نعيش هذا الواقع و كيف غاصت الولايات المتحدة في المستنقع الأفغاني دون أن تحقق شيء، أما طالبان فعادت إلى مهاجمة القوات الغربية بالعمليات الانتحارية و شبه الانتحارية دون أن تحقق شيء .
وخلاصة القول إن الولايات المتحدة لم تربح الحرب وحركة طالبان لم تخسرها والخاسر الأكبر في هذه المعمعة هو الإنسان الأفغاني البسيط ، فتارة يقتل بهجوم انتحاري لطالبان بسوق مزدحم و تارة يقتل بهجوم خاطئ لطائرة أمريكية بدون طيار ، وهكذا تسير الحياة في هذا البلد وهذا نتاج أفكار الآبائيين والجماعات الجهادية المتفرعة عنه ، فكل الذي تستطيع فعله هي جعل حياة المسلمين الذين يحكمون من قبلهم بائسة يائسة تعيسة أشبه بالجحيم فلا شيء أرخص من حياة الإنسان في ظل هكذا أوضاع .
استنتاج : هل يعقل أن الله عز وجل يريد لعباده هذا المصير وهذا الطريقة من الحياة عندما يكون المواطن هو الخاسر الأول والمتضرر الأكبر عندما تقرر مجموعة من المسلمين أن يعلنوا الجهاد لاستعادة الخلافة ، فالجهاد هو مسألة تعبدية تحتاج إلى قواعد وشروط وأهم شروطها هو وجود دولة إسلامية تأسست بطريقة دعوية سلمية ، وتكون قادرة فاعلة مهيمنة كما فعل الرسول بالضبط وبغير ذلك لا يوجد جهاد بمعنى العمل المسلح لتأسيس دولة الإسلام .
***
الدستور والفقه
عشنا بعد ثورات الربيع العربي في فترة كتابة الدساتير أو تعديلها ومن أهم مواضع الخلاف التي تظهر دائما دور الشريعة فيها ، فتارة البعض يريد أن يكون أحد بنود الدستور تعبير ( دولة إسلامية ) أو ( الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع الوحيد) أو ( الشريعة الإسلامية من مصادر التشريع ) وتعابير كثيرة جدا من هذا الاتجاه أو ذاك .
كل جماعات الإسلام السياسي المسلحة وغير المسلحة التي تريد أن تستولي على السلطة في كل أنحاء العالم يزعمون أن دستورهم هو القرآن ، تحت هذا الشعار تنبت وتنمو وتكبر هذه الجماعات ، وعند أول آية تصادفهم فيها ( و أطيعوا الرسول ) ينبذون القرآن و يلتفتون إلى كتب الحديث التي تخالف القرآن ، كيف يصح هذا أن يكون دستوركم القرآن ثم تتبنون كتبا أخرى تخالفه والشيء المهم أن الرسول الذين تزعمون أنكم تريدون إتباعه نهى عن دوين هذه الكتب التي أصبحت هي الدين .
أريد أولا أن أناقش ما معنى تضمين تعبير ( دولة إسلامية ) في دستور فيه من المبادئ ما يخالف هذا التعبير جملة وتفصيلا ، وكأن الذين يطرحون هذا التعابير لا يفقهون معناها ، ولسنا بحاجة لكثير من الجهد لنعرف أن الدولة الإسلامية هو مصطلح جديد وبالمصطلحات الفقهية تعني شيء واحد وهو دولة الخلافة القادرة القوية المهيمنة التي يقودها الخليفة ، والتي أولا ستبدأ بحرب أئمة الكفر . على سبيل المثال عندما يوضع في الدستور الليبي أن الدولة الليبية هي دولة إسلامية فمعناه من الناحية الفقهية أنهم أسسوا دولة الخلافة ونصبوا خليفة والذي تقع عليه مسئولية إدارة العالم الإسلامي من مركز إقامة هذه الدولة إلى أقاصي الدنيا التي فيها مسلمون ، وأن تبدأ بغزو دول الاستكبار العالمي وأقرب مكان من المفترض للدولة الليبية غزوه هي مالطا وصقلية ، هل هذا ما يعنيه هؤلاء الذي يطالبون بأن يكون في دستورهم تعبير ( دولة إسلامية ) ؟
أم هل يعنون بذلك أنهم يريدون إنفاذ الأحكام الجنائية الإسلامية ، وإذا فرضنا أنهم يريدون تطبيق الأحكام الجنائية من حكم الحرابة أي الصلب وتقطيع الأوصال ورجم الزاني وقتل المرتد ، هل يريدون أن يفعلوا ذلك لأنهم شكلوا دولة الخلافة التي ستحكم العالم أجمع أم يردون أن تكون هذه الأحكام للدولة المدنية التي ستنتسب للأمم المتحدة ، حتى الآن لم يخبرنا أحد من أقطاب السياسة وأصحاب الفكر الإسلاموي الآبائي ويشرح لنا ماذا يعنون بهذه المصطلحات ، ومن هذه المصلحات أيضا التي يريدون تضمينها في دساتيرهم ( الشريعة مصدر من مصادر التشريع ) أي يفهم منه أنهم يريدون أن يخلطوا أحكام الدين بالأحكام الوضعية ، و هل هذا جائز في الفقه وشريعة أهل السنة والجماعة ؟
أما في مصر ماذا يعني الإسلامويون الداعون للحكم بالشريعة بأنهم يريدون تطبيق حكم الشريعة هل يردون أن ينتزعوا المواطنة من عشرة ملايين قبطي ويحولوهم إلى أهل ذمة ؟ سيقولون لا لن نفعل ذلك ، إذا كنتم لن تفعلوا ذلك ، إذن أخبرونا بالله عليكم ماذا ستفعلون ؟ وما هي الأحكام التي ستنتقونها والتي ستطبقونها على الناس ، ومهما سألنا واستفسرنا لن نجد جوابا ، ففاقد الشيء لا يعطيه .
فهؤلاء الذين يريدون تطبيق الشرع الإسلامي لا يعرفون ما معنى الخلافة والخليفة ، الدولة والحكم ، والأهم أن أيا منهم لا يعي و يجهل جهلا كاملا معنى التمكن في الأرض ( وهو أن تمتلك القوة المكافئة للدفاع عن نفسك ) و يجهل ما معنى السيادة المطلقة التي يحتاجها الحكم الإسلامي ، فهم بجهلهم بهذه المعاني يخلطون الأمور ببعضها ، وكل الذي مستقر في رؤؤسهم بعض القصص عن الجلد والرجم والصلب، ويريدون أن يطبقوها على الناس ، أنا عندما أتكلم عنهم لا أعني هؤلاء العوام وأنصاف المثقفين ، بل أعني بالضبط أكبر الشخصيات التي تتبوأ مراكز الصدارة في هذه الاتجاهات السياسية ، فهم الأكثر جهلا بمعنى الحكم الإسلامي ، وحتى أكون أكثر تحديدا إن حسن البنا زعيم الإخوان المسلمين المؤسس لفكرة الحكم الإسلامي بعد سقوط الخلافة ، كان الأكثر جهلا بهذه الأصول ، إن فكرة تجميع الناس تحت شعار نريد حكما إسلاميا حتى لو بلغوا عشرات أو مئات الألوف أو حتى الملايين لا يغير شيئا في مسألة الحكم إذا فقدوا البند الأول من مسألة السيادة وهو التمكن حسب الصياغة القرآنية ، ولذا ففاقد السيادة بمعناها المطلق لا يحق له أن يدعي أن حكمه حكما إسلاميا مهما حشا في دستوره قوانين وأصول جلبها من الإسلام .
وكل الذي يفعله الفكر الآبائي حاليا أنه يعطل مسيرة الشعوب باتجاه الخلاص من الطغيان وبناء دولة المواطنة والإنسان وعندما يضعون أي عبارة من عبارات الدولة الإسلامية وحكم الشريعة وما شابه ، هم فقط في نيتهم تعطيل حركة المجتمع بدون أي فائدة أو نتيجة ، فقط الاعتراض لمجرد الاعتراض ، فحتى دول مثل دولة آل سعود ودولة الخميني في إيران التي تقطع يد السارق و ترجم الزاني تعاني الأمرين من مواجهة منظمات حقوق الإنسان ، ولولا أن هناك مصالح للدول الكبرى خاصة أمريكا وروسيا في استمرار هذين النظامين لتمت محاسبتهم ومنعهم من ذلك وربما إسقاطهم بشكل نهائي ، فنحن مجرد دول إدارية ضعيفة متخلفة ولا تمتلك السيادة الكاملة والأحكام الجنائية الإسلامية هي أحكام لدولة السيادة الكاملة ، لدولة الخلافة المتمكنة فقط.
ولذلك عندما أطرح أن الدولة المدنية هي البديل الواقعي والممكن حاليا ، وما سواه من مشاريع ما هو إلا الدخول في المجهول ، وهو الذي سيعيدنا إلى عصر الطغيان ، وأي دستور يناسب الدولة المدنية هو الذي لا يكون للشريعة فيه أي دور، فالدين في الدولة المدنية هو مسألة شخصية ، فكل شخص يستطيع أن يصلي ويصوم ويتصدق بقدر ما يريد ، وأما الشأن العام فهو توافقي بما يتناسب الأوضاع الداخلية والخارجية، لسنا في جزيرة معزولة يمكن أن نفعل ما نشاء ، وهنا بالذات نقطة ضعفنا الذي ينعكس في مجمل حياتنا كمجتمع ، إن المجتمع الدولي الذي نحن جزاء منه له قوانينه وأعرافه التي تنطبق علينا أولا ، لأننا الحلقة الأضعف فيه ، نعم هذه هي الحقيقة التي يتعامى عنها أصحاب الفكر الآبائي الإسلاموي .
عندما بدأت الثورة الليبية وتحولت إلى ثورة مسلحة لم تكن قادرة على الانتصار على الطاغية القذافي لولا مساعدة حلف شمال الأطلسي والدول الغربية ، والآن بعضا من هؤلاء الثوار وأخص منهم الإسلامويون الذي شكلوا مليشيات مسلحة لا تختلف عن ميلشيات القذافي في شيء يتمترسون خلف الدشم ويتجولن في الشوارع بكل أنواع المركبات وعليها مختلف أنواع الأسلحة لقمع وسوق أي شخص إلى أقبية التعذيب ولو كان هذا الشخص رئيس الوزراء ، وإذا سألتهم بماذا تختلفون عن الطاغية القذافي ؟ سيقولن نحن نختلف جدا هو كان طاغية علماني ، ونحن مجاهدون إسلاميون ، إذن هو اختلاف في التسمية فقط لا غير ، والمضمون واحد في غياب حكم القانون ، ويتحول مفهوم السيادة إلى قانون سيادة القوة ، وشريعة الغاب ، حيث الذي يحمل سلاح يفرض قانونه على الإنسان الأعزل ، وإذا كان النصر على القذافي قد تم بدعم عسكري من الغرب فما المانع إذا قامت هذه الفصائل المسلحة بتشكيل دولة دينية لا تقبل بالرأي الآخر شبيه بدولة القذافي أن يقوم الغرب بحملة عسكرية أخرى ضدها في حال قمعت مخالفيها كما فعلت مع القذافي .
إن الطائرات الغربية التي هيئت ومهدت الطريق لانتصار الثوار وبالتالي وصولهم سدة الحكم قادرة على خلعهم ، وبالتالي إن فكرة إقامة دولة إسلامية فكرة ساذجة وغبية في هذا الزمن ، والذين يفكرون فيها يعيشون خارج التاريخ والواقع ، بل إنهم لا زالوا يعيشون في كتب فقه أهل السنة والجماعة وكأنهم في منطقة نائية في القرون الوسطى ، ثم هل من المعقول أنهم يريدون فعلا إقامة حكم إسلامي بحماية طائرات حلف شمال الأطلسي!؟ أليس هذا سخف وخفة عقل ، والأهم من هذا هل سيسمح حلف شمال الأطلسي والغرب لهم بإقامة دولة إسلامية تحت إشرافه ، والذي دفعني للكلام في الموضوع الليبي هو الكلام الذي يذكر بأن ميليشيات الفكر المسلح لن تسلم أسلحتها إلا إذا تضمن الدستور عبارة ( ليبيا دولة إسلامية ) عجيب أمر هؤلاء الآبائيون وشروطهم وطريقة فهمهم للواقع ، والفوضى التي ينشرونها بهذه الطريقة بعيدا عن أي حس بالمسؤولية وبعيدا عن أي إمكانية عملية تناسب الواقع الذي يعيشه المسلمون، انظروا كيف آلت الأمور إلى الفوضى والتخبط بسبب تعنت أصحاب الفكر الآبائي ، ودخلت ليبيا في حرب أهلية لا يعرف أحد متى تنتهي .
استنتاج : في ظل غياب الحكم الإسلامي ودولة الخلافة الحقيقية لا يمكن للدستور في أي دولة إدارية أن يتضمن أي إشارة إلى إسلامية الدولة أو حكم الشريعة ، بسبب تناقض الأحكام الإسلامية مع أحكام القانون الدولي والأمم المتحدة الواجبة النفاذ في كل دول العالم ، وإن أي تضمين لهذه العبارات ستكون عامل تعطيل في مسيرة بناء المجتمع الجديد ، وستكون النتيجة كمن يضع الحصان أمام العربة وبالتالي ومع كل قانون وكل قرار سيكون هناك دوامات لا تنتهي من النقاشات والحوارات عن شرعية كل بند وكل فقرة ، فكل كتب الآبائيين مليئة بكل المتناقضات من كل الأحكام ، والتي ستؤدي في النهاية إلى طريق مسدود وتهيئ الأرضية المناسبة لعودة الطغيان والاستبداد مرة أخرى .
***
المسلمون والدولة المدنية
بعد أن تكلمت عن الدولة الإسلامية وغايتها ، وكلنا يعلم كيف كان يدار الحكم في الإسلام بالطريقة الجبرية القهرية ، ولم يُدر الحكم الإسلامي بطريقة الشورى إلا فترات لا تكاد تبدو للعيان في ظل الظلام الدامس الذي أتت به الممالك الجبرية ، ويأتي السؤال الأهم بالنسبة للمسلمين ما هي الطريقة التي يمكن للمسلمين أن يعيشوا فيها في هذا العصر ، عصر القرية الكونية ، التي يتحكم فيها مجلس الأمن ومن وراءه الدول الخمس العظمى ، وهي قوى علمانية لا تؤمن بالأديان ، والدين لديهم مجرد تاريخ وفلكلور وتراث . يقول الله عز وجل في محكم تنزيله :
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }المؤمنون62
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } الأعراف 42 .
كما نرى بلغة عربية فصيحة يقول الله لا تُكلف نفسا إلا وسعها ، وإذا طبقنا هذا الكلام على واقعنا وفي ظل توازن القوى المختل لصالح القوى العلمانية ، نرى أن الله لا يكلفنا إلا وسعنا في مسألة الحكم وإقامة الحدود ، ومن خلال هذه الحقيقة وجب على المسلمين التعايش والاندماج في مجتمعاتهم سواء كانت في داخل ما يسمى الدول الإسلامية أو في الدول غير المسلمة ، وعدم استفزاز هذه المجتمعات بفكرة حكم الشريعة وتطبيق الحدود ، والانخراط بشكل كامل في التنمية والتعليم والثقافة وإثبات أن المسلمين أناس متحضرون يعشون واقعهم ، فأي مجتمع يقوم على أساس دستور وقانون وأعراف وبالتالي وجب على المسلمون احترام هذه المبادئ والعمل ما في وسعهم وبكل الوسائل السلمية والقانونية لتعديلها إذا كانت هذه المبادئ والقوانين فيها خلالا ما ، فالحالة المثلى التي يمكن للمسلمين أن يعيشوا فيها حاليا هي الدولة المدنية الحيادية التي لا تهتم بعقائد الناس ولا أفكارهم ، فكل مهمتها هي إدارة شؤون الناس على قطعة جغرافية محددة ومن خلال هذا الواقع الذي يناسب المسلمين يمكنهم أن يدعوا إلى دينهم وأن يصلوا و يصوموا ، هذه الأمور حرية شخصية بالدولة المدنية وطبعا هذا الأمر له أصول في شريعتنا.
بالنظر إلى مجتمع مكة منذ بداية البعثة ونسأل هل كانت دولة مكة دولة مدنية أم دينية هل كان هناك حرية دينية أم لا ، فإذا تعمقنا وقسنا ذلك الواقع البدائي الذي تحكمه إلى حد ما العقلية القبلية لوجدنا أنه أقرب ما يكون إلى الدولة المدنية ضمن التوافقات القبلية ، وهو ما استفاد منه الرسول في الدعوة فقد كانت الحرية الدينية متاحة للجميع فمنهم المشرك و منهم النصراني واليهودي ، ومنهم الحنفي ومنهم الملحد ، وخلاف قريش مع النبي لم يكن أنه لا يعبد ألهتهم أو يعبد آلهة أخرى، ولكن بسبب أنه عاب هذه الآلهة وسفه عبدتها علنا وبإصرار ومن خلال هذا الاتجاه الذي سلكه تبين لقريش أن هدف الرسول هو هدم دين أهل مكة بالكامل وليس مجرد دعوة لدين جديد وقد جاء في سيرة ابن هشام :
اجتمع أشراف قريش يوماً في الحجر فذكروا رسول الله فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا .
إذن هذا كان الخلاف مع قريش أنه سفه أحلامهم وعاب دينهم وليس أنه ترك دين أهل مكة أو حتى دعا لدين آخر ، فلم يكن في مكة من يحارب الأحناف والصابئة والمسيحيين الذين يتخلون عن دين الآباء ، فإذا قسنا ذلك على الواقع الحالي فهو يشبه الدولة المدنية الذي استفاد منه الرسول في دعوته ، ولكن هذا كان ضمن الوضع القائم في مكة ، أي أن الرسول كان يطعن في دينهم ولكن بشكل سلمي وسأذهب أكثر من ذلك ماذا لو أن أحد المسلمين قام بقتل أحد المشركين باسم الإسلام في مكة أي أنه اعتدى على القوانين والأعراف السائدة ماذا سيكون رد فعل الرسول . سؤال هام لأن الجواب على هذا السؤال في مكة هو نفس الجواب الآن في واقع اللادولة ، أعتقد جازما أن الرسول كان سيُسلم هذا الشخص بيده لدار الندوة حيث كانت قريش تحل وتعقد كل أمورها فيه لتقتص منه وسأستدل على ذلك من فعل الرسول ولكن في المدينة حيث ورد في سيرة ابن هشام :
قال ابن إسحاق : فلما قدم رسول الله المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية ، وكان ممن حبس بمكة ، فلما قدم رسول الله كتب فيه أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي إلى رسول الله ، وبعثا رجلاً من بني عامر بن لؤي ، ومعه مولى لهم ، فقدما على رسول الله صلى بكتاب الأزهر والأخنس . فقال رسول الله : يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر ، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، فانطلق إلى قومك ، قال : يا رسول الله ، أتردني إلى المشركين يفتنونني في ديني ؟ قال : يا أبا بصير انطلق فإن الله تعالى سيجعل ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً.
لندرس هذه الواقعة ، الرسول وقع مع قريش صلح الحديبية ومنه أن يرد المسلمين الذين يلتجئون إلى المدينة إلى قريش ، الرسول يرد أبي بصير إلى مكة التزاما بالعقد بينه و بين قريش . فمن باب أولى أن يسلم الرسول أحد المسلمين في حال قام بفعل القتل باسم الدين التزاما منه بالقانون القائم في مكة . سيقول قائل ولكن لم يكن في مكة عقد موقع ، في كل المجتمعات قاطبة قوانين وأعراف سائدة يلتزم بها الجميع ، لا يوجد مجتمع بدون قوانين ، قد تكون مكتوبة أو غير مكتوبة قد تكون عادلة أو فيها جور ما ، فالكل يلتزم بها ، وفي حالتنا هذه كان الرسول أول الملتزمين بها في مكة والدليل أنه لم يفعل أي فعل خطير ينعكس على المسلمين وعلى الدعوة السلمية التي كان يقودها.
مسألة أخرى تبين مدى التزام الرسول بقوانين مكة وهي مسألة استجارته بمطعم بن عدي بعد رجوعه من الطائف:
رجع النبي من الطائف حزينًا مهمومًا بسبب إعراض أهلها عن دعوته ، وما ألحقوه به من أذىً ، ولم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها ، إنما فضل أن يدخلها في جوار بعض رجالها، خاصة أنه حين خرج الرسول إلى الطائف قد عزمت قريش على منعه من العودة إلى مكة ، حتى لا يجد مكانا يؤويه ، أو أناسا يحمونه .
فلما انتهى الرسول إلى مكة ، أرسل رجلا من خزاعة إلى مُطْعَم بن عدي: أدخل في جوارك ؟، فقال: نعم ، فدعا بنيه وقومه ، وقال: البسوا السلاح ، وكونوا عند أركان البيت ، فإني قد أجرتُ محمداً ، فدخل رسول الله صلى ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام ، فقام المطعم على راحلته، فنادى: يا معشر قريش، إني قد أجرت محمداً ، فانتهى رسول الله إلى الركن، فاستلمه ، وصلى ركعتين ، وانصرف إلى بيته ومطعم وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته .
وأصبح مطعم قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد، فقال له أبو جهل: أمجير أم متابع ؟ قال: بل مجير، قال: قد أجرنا من أجرت.
لنتابع هذا الحدث: الرسول خرج إلى الطائف وعند عودته أزمعت قريش على منعه من الدخول إلى مكة ، رجل منع من العودة إلى داره وأهله لأسباب سياسية ، فلماذا الرسول لم يستغل هذه الحادثة لإعلان العمل المسلح ضد قريش ؟ لم يكن الرسول ليفعل هذا ألبته ، فهذا يعرض دعوته وجماعته وفكرته لخطر أكبر، وبدلا من ذلك استفاد الرسول من حكم الإجارة السائد في أعراف وقوانين مكة ، هذا هو أساس الفكرة في العهد المكي في فترة اللادولة ، أن تستفيد بقدر ما يمكن من الأعراف والقوانين لتجنب الصدام مع قوى الأمر الواقع .
طبعا لم يخلو الأمر من بعض المشاحنات والمشاجرات كما في كل المجتمعات وكل الأزمنة ولكن لم يصل الأمر إلى خرق وتجاوز للوضع القائم واستمر الجميع ملتزما به ، ومنه نستنتج أهمية هذا الموضوع وهو الحرمانية التامة وبشكل قطعي أن يقوم المسلمون سواء كانوا كمجموعات أو أفراد بالقيام بأي تصرف يخرق الوضع القائم ويتجاوز القانون باسم الإسلام في أي بلد يقيمون فيه وبالتالي عليهم المساعدة في توطيد الأمن والاستقرار في الأماكن التي يعيشون فيها تأسيا بسيرة رسولنا الأعظم في مكة .
و بقي الآن أن نوضح كيف يمكن للإنسان المسلم أن يعيش ويتعايش في ظل واقع انتفاء الحكم الإسلامي يبقى الاندماج في الحياة بكل أبعادها في النشاط السياسي والعمل العام لتحسين واقع الناس والأوطان التي يعيشون فيها ، في التعليم والتنمية وفي كل مجلات العلم والعمل ، لإعطاء الفكرة الحقيقة عن الإنسان المسلم . قرأت في أحد المواقع أن في الغرب يتندرون على المسلمين إنهم لا يستطيعون سوى صناعة السيارات المفخخة ، شيء مؤلم أن يصبح واقع المسلمين بهذا الشكل مجرد أناس ينشرون الموت والدمار أينما حلوا ، علينا تغير هذا ونستطيع إذا امتلكنا التصورات الحقيقية والإرادة ، يقول الله عز وجل في محكم تنزيله:
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }يوسف111 .
يخبرنا الله في هذه الآية أن القصص التي تُروى في القرآن بأنها عبرة و يجب علينا الاستفادة منها بقدر ما يتطابق واقع هذه القصص مع واقعنا ومنها قصة نبي الله يوسف عليه السلام . لننظر كيف عمل يوسف عليه السلام كخازن على خزائن الأرض عند ملك مصر ، فقد عمل بواقع يحكم الملك فيه بشريعته ، أي أنه تعايش مع هذا الواقع وحاول أن يكون المثال الأفضل في العمل العام ، وقد تعايش مع هذا المجتمع وحتى أنه هو من عرض على الملك أن يعمل على خزائن الأرض كما ورد في قوله تعالى :
{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } يوسف55 .
فيوسف عليه السلام لم يقم بأي عنف أو عمل مسلح بالرغم من أنه سجن ظلما ، فقد احترام القوانين أي أنه لم يجاهد أو يدعوا إلى الجهاد وهو نبي الله ، هكذا كان الواقع هناك في مصر، واقع اللادولة واقع اللاحكم ، وواقع يوسف عليه السلام مطابقا لواقعنا الحالي ونحن علينا أن نحترم القوانين ونعمل من خلالها وأن ننخرط بشكل كامل في كل الأنشطة السياسية والاجتماعية والثقافية في أي دولة نعيش فيها إلى أبعد حد ، فالدولة المدنية والمواطنة هي الضمانة الأكيدة والبديل الممكن حاليا ، وهو الشيء الواقعي الذي ينسجم مع الدين في ظل غياب دولة الخلافة الإسلامية الحقيقية.
يقول الله تعالى في سورة النحل المكية :
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } النحل125 .
ليس للمسلمين في هذا الوقت سوى الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإن من يقول إنه مسؤول عن الفضيلة وعليه حماية المجتمع من ما يصفه بالانحلال والخروج عن التقاليد والعرف والدين وهذه مسؤوليته وعليه أن يقوم بها ، مكلفا لا ندري ممن !!؟ . نقول له ليس لك في هذا الوقت سوى الدعوة والإصلاح بالحسنى بلا شتم ولا سب ولا استفزاز ولا تحريض ، هي الكلمة الحسنة فقط ولا زيادة على ذلك ، أما الدخول في مهاترات وسباب لا تليق بشخص يدعي أنه يمثل الإسلام فإنها الحماقة بعينها ، ويذكرني ذلك بأحد الشخصيات الإسلامية بمصر من فترة قريبة عندما هاجم إحدى الممثلات ووصفها بأقذع الأوصاف و قد ردت عليه و قاما برفع دعاوي على بعضهم لا أدري ما كانت نتيجتها .
على الجميع في هذا الواقع ، واقع اللادولة ، واقع اللاحكم ، الواقع الشبيه بالواقع المكي ، أن يعي ألا سلطة لأحد على أحد ، كل ما هنالك الكلمة الطيبة أو السكوت ، فلا أحد وصي على أحد ، ولا أحد في هذا الواقع يستطيع أن يدعي ويقول إنه مكلف من الله ليكون حارسا على الأخلاق والفضيلة والعقول، وينصب نفسه وصيا على المجتمع ، لنفرض أن أحدهم ارتد عن الإسلام و أصبح مسيحيا أو حتى ملحدا هل لأحد له الحق بمحاسبته ، أقولها و بوضوح لا لبث فيه إن واقع اللادولة لا أحد له سلطة على أحد بدليل قوله تعالى في سورة الغاشية المكية :
{ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ{21} لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ{22} إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ{23} فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ{24} إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ{25} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ{26} .
توضح هذه السورة المكية بشكل واضح و بين أن الله عليه الحساب ، وحتى الرسول لم يكن عليهم بمصيطر، ففي الآخرة الله هو من يحاسب ، في بعض دولنا التي تسمى دولا إسلامية حكم قضائي اسمه حكم الردة أو التجديف، فيا للعجب دول ليس فيها من الإسلام من شيء تريد تطبيق حد الردة ما هذه السخافة ، وقد يكون القاضي نفسه غير ملتزم دينيا وربما يكون ملحدا ، من أنتم ومن كلفكم بمتابعة عقائد الناس ومحاسبتهم .
في هذا الواقع الفردية هي الأصل ، فنحن أمام حالتين إما واقع الجماعة ودولة الخلافة الحقيقية وإما الواقع الفردي ، فالإنسان المسلم عليه من نفسه ليس مكلفا بجر الناس معه إلى الجنة رغم أنوفهم ، يقول الله تعالى :
{قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ } الأنعام 104 .
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ } يونس 108 .
{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ} النمل92 .
{إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } الزمر41 .
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } الجاثية 15 .
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } الطور21 .
نلاحظ من خلال هذه الآيات تأكيد الله عز و جل على الحالة الفردانية كما في الحالة المكية ، حالة اللادولة ، ومن هنا على العاملين في المجال الإسلامي بمتخلف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم وأهدافهم أن يعوا تماما أن للإسلام حالتان لا ثالث لهما ، إما المسلمون ضمن دولة الخلافة القوية المهيمنة العزيزة ذات السيادة التي لا تأتمر من أحد ولا تهادن أحد ، وأن يكون على رأسها الخليفة العادل الذي يحكم بالقرآن والشورى ، ويقيم كل حدود الله و نواهيه ، وإما أن نعود للعهد المكي ، واقع اللاحكم .
ليس هناك أنصاف وأرباع حلول كما تفعل دول المؤتمر الإسلامي تأخذ حكما من الإسلام وحكما من الجاهلية ، حكما من القانون الفرنسي وحكما من الفقه الحنفي ، إن هذا هو التدليس بعينه ثم يقولون لنا إننا دولا إسلامية ، وهي ليست سوى دول إدارية لا حول لها ولا قوة في ظل النظام العالمي القائم ، أنا لا أعترض على أنها دول ضعيفة جائعة بحاجة لكل مساعدة وهي عالة على الدول المتقدمة وخاصة دول الغرب في كل شيء ، فمنها دول فقيرة بحاجة لمساعدة مالية ومنها دول لديها نفط بحاجة للتكنولوجيا لاستخراجه ومنها دول عدد سكانها قليل تحتاج إلى حماية ، إنما كل اعتراضي على تبجحهم بأنهم يمثلون الإسلام ، ويقومون بحشو دساتيرهم ببعض الأحكام الفقهية التي تناسبهم وتناسب حكمهم ، وأكثر هذه القوانين تستخدم لقمع المواطنين ولتوطيد حكمهم الجائر، ومن هنا يتضح لنا حالة الفردانية التي أقرها القرآن ، وهي مجرد تقديم النصح والعمل الصالح فقط لاغير، وليس هناك من وصاية لأي مسلم على مسلم آخر إلا بالتواصي ، يقول الله تعالى في سورة العصر المكية :
وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3}
إن فكرة التسلط و التأمُر على المجتمع عند الجماعات الإسلامية وكل العاملين في مجال الدين ابتداء من أي مؤذن في أقصى مكان في المعمورة ، مرورا بكل التنظيمات الإسلامية ، وانتهاء بنجوم الدعاة على الفضائيات يعتبرون أنفسهم أوصياء على المجتمع ، ويعتبرون أنهم حراس العقيدة والفضيلة ، وإن كل هؤلاء الذين ولدوا من أباء مسلمين مجرد قطعان تابعة لهم ، وأن عليهم مهمة قيادة هذه الجموع التي لا راعي لها سواهم ، وكأنها منحة من الله ، أقول من الذي كلفكم بهذا بمجرد أن الإنسان ولد من أباء مسلمين آل مصيره بين أيديكم فتمنحون أنفسكم الحق بتسيير كل شؤون حياته .
أخي المسلم حان الوقت لنخرج من هذا الواقع والدائرة المفرغة وننبذ الآبائيين وأفكارهم فليس لديهم أية حلول . لا هؤلاء الذين يتأبطون مشاريعا سياسية لا تُسمن ولا تغني من جوع ، وكل ما ستفعله أنها ستزيد من إرهاق المسلمين بمشاريع لا طائل منها ، ولا هؤلاء الذين يسمون إسلامهم بالإسلام الدعوي الذين يحتلون أكثر من نصف القنوات الفضائية في الأقمار العربية ويبيعون كل شيء قابل للبيع من الدين .
***
إن نقل أو نشر أي شيء من هذا الكتاب دون تفويضٍ مباشر من الكاتب" إبراهيم عز" يعتبر خرقاً لقوانين الملكيّة الفكرية ويحاسب عليه ضمن القوانين المتداولة.
نهاية الجزء الخامس
ألف / خاص ألف
يتبع.