العهد المكي الثاني بعد 1300عام على الهجرة / المؤلف : إبراهيم عز :ج الأخير
خاص ألف
2017-09-23
الرؤية الجديدة للفقه السياسي
بعد مئة عام من سقوط الحكم الإسلامي بشكل نهائي وبشكله الأخير المتمثل بالسلطنة العثمانية ، والذي ابتدأ مع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 والذي كانت تداعياته متصلة حتى اليوم ، فقد كان له تأثيرات كبيرة على العالم الإسلامي بشكل عام ، والتأثير الأكبر كان على العالم العربي الذي دخل في مرحلة انتقالية منذ ذاك الوقت ، قد يقول قائل مرحلة انتقالية مدتها مئة عام؟
نعم هي مرحلة انتقالية طويلة سمتها الأساسية عدم الاستقرار وإن كان هناك استقرارا ما فهو استقرار مزيف تحت فوهات البنادق وبسطار العسكر، قائم على القمع والاستبداد ، وإلغاء الأخر أو استيعابه بطريقة أو بأخرى بعيدا عن أي أسلوب متبع سواء في الشكل الإسلامي الممثل بالشورى الذي هو يشكل الخلفية الفكرية للأغلبية ، أو الحكم المدني الديمقراطي الذي هو سمة الحكم في عصرنا الحالي .
لقد جربت منطقتنا خلال المئة عام كل تجارب الحكم ، من الاستعمار والانتداب إلى الوصاية والحماية ، من الملكية المطلقة إلى الملكية (الدستورية) ، من الجمهوريات الديمقراطية الشعبية الاشتراكية إلى الجمهوريات الملكية ، من الطائفية الحكومية إلى الحكومات الطائفية ، ومن أشكال للسلطة لا يمكن أن ينطبق عليها أي تصنيف إلى حكومات قليلة كانت تحاول أن تضع لبنة في المكان الصحيح ، والقاسم المشترك للجميع ( وإن كان من الصعب إيجاد قاسم مشترك بينها ) هو الفشل ، والفشل الذريع الذي لا يخالطه أي صواب ولا يستر عورته ثوب.
فقد احتلت دول منطقتنا الصدارة في كل قوائم التخلف والفساد والقمع ، واحتلت المؤخرة في كل قوائم التنمية والشفافية وحقوق الإنسان ، وفي ظل هذه الفترة الانتقالية الطويلة لم تكن غاية السلطة مصالح الشعب بأي حال من الأحوال ، بل تحولت السلطة إلى سلاح فتاك من يمسك به يستطيع أن يتحكم بكل مقدرات الدولة لمصلحته الشخصية ، ومصلحة فئة قليلة من زبانية الحاكم وأعوانه ، واستغلال كل ثروات الوطن لمصالحهم تحت شعارات التنمية والتحرير والاستقرار .
إن فكرة التنازل عن الحرية مقابل الآمن سينتج عنها فقدان الأمن والحرية ، لقد كانت حكومات دول منطقتنا تتبجح بأنها قللت من مستوى الجريمة وحققت الأمن الشخصي والعام للمواطن في ظل هذه السياسات القمعية ، وإذا تعمقنا في دراسة هذا الأمن المزعوم لوجدنا أنه لا يمت للأمن الوطني بصلة بل إن كل أجهزة الأمن عبارة عن عصابات للمافيا ومراكزها أوكار للجريمة المنظمة ، وأصبح المواطن يتجنب اللجوء إلى مراكز الأمن حتى ولو كان هو صاحب الحق ، أما صراع الأجهزة الأمنية مع الجريمة المنظمة والغير منظمة ، فهو صراع مافياوي إجرامي تحاول فيه أجهزة السلطة الأمنية إقصاء كل العصابات التي لا تنضوي تحت سيطرة الأجهزة الرسمية للسلطة وإدارتها ، وبالتالي احتكار الجريمة المنظمة في أجهزة الدولة فقط ، فكم من مظلوم قتل في زنزانات سجون السلطة بدون محاكمة وكم من امرأة اغتصبت هناك ، وكم من إنسان لفق له ملف كامل أودى به في السجن سنوات طويلة ، أما خارج السجون والأقبية فحدث ولا حرج عن الابتزاز والرشوة والصفقات المشبوه والفساد الذي يعشش في كل مفاصل هذه الدول . هذا هو الأمن المزعوم الذي تتشدق به حكوماتنا و تمنن علينا به و الذي ضحى المواطن بكامل حريته من أجله .
هذا من الناحية الأمنية أما من الناحية السياسية فكل سياسة الأنظمة وغايتها هو البقاء في السلطة ، فلا شيء آخر هو من أولويات هذه الأنظمة فهي مستعدة أن تبيع نفسها للشيطان وأن تفعل كل شيء في سبيل هذه الغاية.
يجب أن لا نخدع أنفسنا هذا هو الواقع وهذه هي الحقيقة طيلة المئة عام الأخيرة .
بعد انهيار جدار برلين لم يكن أمام دول أوربا الشرقية وروسيا سوى خيار واحد هو التوجه إلى حكم ديمقراطي عن طريق صناديق الاقتراع ، بغض النظر عن خصوصية كل دولة من هذه الدول ، ومدى تعمق الفكر الديمقراطي فيها، ولكن في المحصلة النهائية كانت كلها حكومات ديمقراطية قائمة على تبادل السلطة ، ولقد تم هذا الأمر بنجاح وإن كان بشكل نسبي بين دولة وأخرى ، وهذا التحول حصل في أمريكا اللاتينية بعد انهيار حكومات العسكر والذي ابتدأ من خسارة الأرجنتين لحرب الفوكلاند فكل شعوب أمريكا اللاتينية تذهب إلى صناديق الاقتراع لتغيير حكوماتها ، لا أحد يمكن أن يدعي أن الديمقراطية في أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية في مستوى الديمقراطية في أوربا الغربية والولايات المتحدة ولكن هو الطريق الطويل وأوله وضع القطار على السكة الصحيحة ، والوصول إلى الغاية النهائية من الحكم المدني الديمقراطي يحتاج إلى وقت وجهود كبيرة يشارك بها الجميع .
والسؤال الأساسي الذي سيطرح نفسه لماذا لم تسير الأمور في منطقتنا بعد ثورات الربيع العربي بسلاسة تماثل ما حصل في أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية ، هناك أسباب متعددة ولكن السبب الأهم هو الخلفية الدينية المختلفة لدينا وخاصة بصيغتها الحالية المتمثلة في إسلام أهل السنة والجماعة السائد حاليا ، وعلى أسسه تخرج إلينا كل الأحزاب السياسية الإسلاموية من مختلف اتجاهاتها من مذهبية وسلفية وجهادية وغير جهادية والتي لا أحد يمكن أن يتكهن بطبيعة التحولات داخلها بسبب الاضطراب في خلفيتها الفكرية ومصادرها الفقهية ، فمن الممكن أن أي حزب منها يدعي أنه حزب سياسي ولا يؤمن إلا بالعمل تحت سقف القانون وصناديق الاقتراع أن يتخذ في اليوم التالي قرار بحمل السلاح ضد الكفرة المرتدين من شركائه في الوطن كما كان يسميهم بالأمس ، فكل هذه الأحزاب تعاني من حالة فصام شديد . والأخطر منها جماعات الجهاد والعنف المسلح التي لا تؤمن إلا بإسالة الدم كسبيل وحيد للوصول للسلطة .
وسبب كل هذه التخبط هو اعتماد كل هذه الأحزاب والجماعات والمنظمات على الفقه الآبائي المعتمد لدى أهل السنة والجماعة (و بغض النظر عن صحته) الذي وضع في الأساس في فترة الحكم الأموي والعباسي لدول إسلامية عظمى . وأعود وأقول كما قلت سابقا إن الإسلام يصلح لكل زمان ومكان إذا أعدنا كل أمورنا إلى كتاب الله فقط وتحديد ما يناسب منه لهذا الواقع ، فالصورة واضحة وليست بحاجة لشرح طويل ، إن حكم الجهاد هو من اختصاص الخليفة فقط ، ولا يحق لأحد أن يدعي امتلاك هذا الحق أما أن تدافع عن نفسك أو مالك أو أهلك أو وطنك فهذا مباح تماما وهي تختلف عن مسألة إقامة الخلافة الإسلامية و الجهاد في سبيل الله .
إذن لا تُؤسس الخلافة إلا بشكل سلمي كما فعل الرسول ولا خلافة بدون تمكن وسيادة كاملة وهو غير ممكن حاليا بسبب اختلال مراكز القوى لصالح القوى العلمانية السائدة في هذا الزمن وكما أوضحت سابقا فالبديل الوحيد في واقع غياب دولة الخلافة هو الدولة المدنية التي تؤمن مصالح الناس الدنيوية وترك أمورهم الدينية لأنفسهم كما كان يحصل في مكة قبل هجرة الرسول منها ، ومن خلال هذه الحقائق نجد أن العقبة الأساسية أمامنا هم الآبائيون وفكرهم وفقههم ، فهم الذي يصدرون كل هذه الحركات والأحزاب والجماعات وكل أفكارهم وأحكامهم مبنية على أوهام أحاديث الآحاد ، وفقه وضع لزمن غير زماننا وواقع مختلف عن واقعنا، إن زعماء الفكر الآبائي الذين يتحالفون مع الطغاة ويعتلون المنابر ومنصات الجامعات ويتصدرون كل حلقات العلم في المساجد والصف الأول في كل المناسبات في العالم الإسلامي ثم يدعون أنهم أصحاب الفكر الإسلامي الدعوي والمعتدل ، هم الذي يصنعون العنف من خلال سرد مشوه للفقه والتاريخ الإسلامي ، واستثارة عواطف العوام من الشباب المسلم أن الحل هو في حكم الإسلام بدون أي منهاج أو مخطط واضح لهذا الإسلام.
كم وكم من ذكر في خطب الجمعة وفي الكتب وفي الأبحاث تحدثت عن مزايا وفضائل حكم الخليفة العادل عمر بن الخطاب وأيضا حكم الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، طبعا لا أنا ولا غيري يستطيع أن ينكر أن هاتين الفترتين شهدتا عدلا ورخاء ، ولكن إذا ما قسنا فترة عشر سنوات من خلافة عمر بن الخطاب وسنتين وخمسة أشهر من خلافة عمر بن عبد العزيز إلى ألف وأربعمائة عام من كل أنوع الظلم والاضطهاد والعنف والخلافات السياسية التي أباحت القتل بكل صنوفه وأنواعه ، والاستبداد والحكم الجبري ، وكل أنواع الفوضى التي أتى بها وأدت بنا إلى هذا الوقع المختل ، هل نكون منصفين أو عادلين؟ لم أرى خطيب جمعة يتحدث عن أحداث العنف التي تلت مقتل الخليفة عثمان من موقعة الجمل إلى صفين، ومن موقعة الحرة إلى هدم الكعبة ، و كيف تم تصفية أهل البيت في العهد الأموي و كيف فتك بنو العباس ببني أمية و استحلوا قتل نسائهم و أطفالهم .
فكل هم رجال الفكر الآبائي الدعوي المعتدل هو بيع بضاعتهم وقبض أثمانها وذكر مثل هذه المآسي قد ينفر الناس ، وبالتالي يقل عدد الزبائن وتكسد البضاعة وهذا لا يناسب تجار الدين ، بالرغم من أن هذا الوضع يعود فينقلب عليهم فعندما يبيعون قصة عمر بن عبد العزيز وعدله وحلمه ومساواته بين الناس تجلب الكثير من الزبائن ، ولكنها تدفع بالشباب إلى أتون التطرف والعنف يريدون حكما إسلاميا من كثرة ما سمعوا عن منافع الحكم الإسلامي في عهد العُمرين ، ومادام أقطاب الفكر الآبائي الدعوي المعتدل لا يملكون أي رؤية أو خطة أو منهاج للوصول إلى الحكم الإسلامي الذي هو في الأساس ليس على جدول اهتماماتهم على الإطلاق لأنهم يتحالفون مع الطغاة من الحكام ويجلسون في أحضان جلادي الشعب ولديهم مهمة واحدة وهي إصدار الفتاوي التي تناسب هؤلاء الطغاة والتي تجعل من الشعب مجرد عبيد لا حول لهم ولا قوة في ظل مفهوم طاعة الحاكم بصيغتها الآبائية الذي فرضوه على الناس ، وهنا قمة التناقض من جهة يمجدون بالتاريخ الإسلامي وخاصة في عهد العمرين ويشكلون في العقل الجمعي للمسلمين بأن الخلاص يكون بحكم الإسلام على الطريقة الآبائية ، ومن جهة أخرى هم مجرد أدوات في أيدي الطغاة لتأكيد سلطتهم ، وهذا التناقض لدى الآبائيين المعتدلين يؤكد الحقيقة القطعية إنما هم مجرد تجار دين يستفيدون منه لتدعيم مكانتهم المالية والاجتماعية ، و يطرح نفسه علينا هذا السؤال ، ما هو البديل لكل هؤلاء الشباب المسلم المتحمس لإقامة حكم الله على الأرض والعيش في كنف عدالته ؟ هنا يأتي دور الطرف الآخر من الآبائيين الذين يطلق عليهم أصحاب الإسلام السياسي .
إذن المعادلة تتشكل من طرفين ، طرف يبيع و يشتري بعواطف وأحلام وآمال المسلمين لمصلحته الشخصية ويسمي نفسه بالإسلام المعتدل أو الإسلام الدعوي ، والطرف الآخر يستفيد من الإسلام الدعوي ليتلقف هؤلاء الشباب والنساء والرجال المتحمسين لإقامة حكم الله على الأرض والذي يسمي نفسه بالإسلام السياسي بشقيه المسلح والغير المسلح ، كما نرى شبكة متكاملة يتألف منها الفكر الآبائي رغم اختلافها وعدم تجانسها إلا إنها في المحصلة هي من تشكل المشهد الإسلامي في الوقت الحالي ، فكل المساجد والمدارس والمعاهد والجامعات في كل العالم من مكة إلى الرباط ومن القاهرة إلى جاكرتا ومن موسكو إلى واشنطن تدرس وتعلم نفس الأفكار الآبائية ، ومن حيث المصادر فلا تختلف الكتب التي يعتمدها ابن لادن عن الكتب التي يعتمدها شيخ الأزهر فكلاهما يستقي من معين واحد هي الكتب الآبائية من حديث وسنة وسيرة وملحقاتها من كتب الفقه والمتون والشروح ، ولكن الشيء المختلف أن كل واحد منها يأخذ ما يناسبه من هذه المناهج رغم اعترافهم بصوابية كل المناهج والخلاف فقط في التفاصيل.
فلو قدمنا مئة سؤال عن الإسلام لشيخ الأزهر أو أي واحد من أقطاب هذا التيار وأسامة بن لادن أو أي أحد من أقطاب هذا التيار ثقوا تماما أنهما سيتوافقان في 90% بالمئة من الأجوبة ، فالخلافات التي تتكون من 10% في اختلاف الفهم الشخصي وهي أمور تكتيكية تكون في الفروع والأمور الثانوية فقط أما القواعد والأصول الكبرى فهي نفسها.
وما الخلاف بين إخوان مصر والأزهر بعد انقلاب على مرسي إلا أحد مظاهر هذا الواقع المضطرب والذي يخفي تحته مئات وآلاف المتناقضات ، والتي ستبقى موجودة تظهر وتختفي في حلقة مفرغة لا سبيل للخروج منها إلا إذا اتخذ المسلمون قرار حاسما برفض الفكر الآبائي بكل صوره و أشكاله و مفرزاته .
و للخروج من هذه المعمعة والحلقة المفرغة يجب علينا تجاوز الفكر الآبائي بوجوهه الثلاث :
الإسلام الدعوي المعتدل كالأزهر ومن سار مساره
والإسلام السياسي كالإخوان المسلمون ومن سار مسارهم
والإسلام المسلح كالقاعدة وداعش ومن سار مسارها بمختلف المسميات و التفرعات
والاتجاه نحو فكر مبني على القرآن بما يتماشى مع الواقع بعيدا عن الحقيقة المطلقة التي يدعي الآبائيون امتلاكها والتي لا تقبل أي نقاش حسب رأيهم .
إذن نستطيع أن نقول أن المرحلة الانتقالية التي بدأت مع الحرب العالمية الأولى وسقوط السلطنة العثمانية والتي لا تزال مستمرة حتى الآن ، ومع الأحداث الجارية فيما اصطلح عليه ثورات الربيع العربي ، بعد أن وصل المواطن العربي إلى الحائط المسدود فلم يبقى أمامه إلا حل وحيد وهو الثورة والانفجار ، و ما العمل الذي قام به محمد البوعزيزي من إحراق نفسه في تونس إلا تجسيدا واقعيا للحالة المأساوية التي وصلنا إليها ، ومنذ تلك اللحظة نستطيع أن نقول إننا دخلنا في مرحلة جديدة فإما أن نستكمل المرحلة الانتقالية من الفوضى التي عشناها طيلة المئة عام الماضية وإلى أجل غير معلوم ، أو أن ندخل في مرحلة تأسيسية تصنع واقعا جديدا ومختلفا عن الماضي في كل شيء ، وكل الأسباب والمعطيات مهيأة الآن لهذا التغيير الجديد ، فالمواطن العربي يريد الخروج من هذه الدوامة والحلقة المفرغة إلى واقع يعبر عنه وعن أحلامه و أماله واقع يشارك هو في صنعه كما غالبية البشر تفعل في هذا الزمن ، ولكن نتيجة لعدم وضوح الرؤية فعدد لا بأس به من الدول العربية دخلت في مرحلة الفوضى والحروب أهلية والاضطرابات ذات المنشئ المختلف ولكن كلها قائمة على أمراض الفكر الآبائي وتناقضات المرحلة الانتقالية ، والسؤال الأساسي هو أن أغلبية الناس من مجتمعنا هذا ومن أي مجتمع آخر ماذا يريدون ؟
إنهم يريدون حياة كريمة يستطيعون فيها تأمين الحد المقبول من مسكن وملبس ومأكل لهم ولأطفالهم بغير ذل ولا إهانة ولا ألم ، وأن يتخذوا الخيارات الأساسية المتعلقة بحياتهم بحرية تامة وهذه الأمور مباحة تماما في هذا الزمان وفي كل زمان ، وبما أننا في مرحلة من غياب الحكم الإسلامي أي حكم الخلافة ، فمن حق الناس اتخاذ أي خيار من الخيارات التي يرغبون فيها أولها الخيار السياسي ، بعيدا عن سلطة رجال الدين الآبائيين سنة كانوا أو شيعة ، ففكرة أن طاعة الحاكم واجبة أيا كان هذا الحاكم هي من إفرازات الفكر الآبائي البغيض ، والتي لا أصل لها في القرآن إنما هي تبرير لظلم الحكام وسوء استخدام السلطة الذي ساد فترة طويلة في تاريخنا والله عز و جل يقول في محكم تنزيله في مطلع سورة طه :
طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
إذن الله أنزل القرآن لحياة كريمة لا شقاء فيها ، وأما الشقاء الذي ابتلينا به فمصدره الفكر الآبائي الذي ما زادنا إلا عنتا على عنت وإرهاقا على إرهاق .
على المسلمين تحديد الأطر والقواعد في سبيل الخروج من دوامة الفكر الآبائي بوضوح تام ، لأن أي ضبابية في الرؤية ستعيد إنتاج واقع مريض ومهترئ ، ولتحديد الإطار المفترض لطبيعة التغيير سأعرض عدة نقاط لتحيد ما هو الاتجاه القرآني أو من هو المسلم القرآني أو بتحديد أكثر من هو المسلم كإنسان و كفرد يعيش في هذا الزمن :
أولا : رفض الفكر والفقه الآبائي المبني على ما يسمى كتب السنة والحديث جملة وتفصيلا .
ثانيا : تبني القرآن كمناهج فكري وفقهي بشكل كامل وخاصة فكرة واقع الدولة وواقع اللادولة ، والخصائص المختلفة لكل مرحلة بعيدا عن الغوغائية الآبائية التي تزعم أنهم يتبعون القرآن .
ثالثا : تبني فكرة الدولة المدنية كبديل شرعي قائم على الحاجة ، لأن كل بدائل الدولة المدنية هو إما عودة إلى الاستبداد أو الدخول في المجهول ، وهو البديل الواقعي الوحيد بسبب غياب دولة الخلافة الحقيقية في هذا الزمن .
***
الخاتمة
الموضوع متشعب ومتداخل جدا ، ولكني حاولت أن أسس في هذا الكتاب لفكرة محورية وهي مسألة عودة العهد المكي مرة أخرى ، والتي تتعلق بتغير الأحكام مع تغير الظروف ، وهذا الأمر لم يجري بحثه بشكل دقيق ، وإن كان الكثير قد تحدث عنه ، وهو أمر مستجد نسبيا ، فمنذ هجرة الرسول إلى المدينة وإقامة الحكم هناك بقي الحكم بصيغته المعروفة وكان موجودا بشكل أو بآخر حتى زوال السلطنة العثمانية ، واختفاء السلطة الدينية الإسلامية بشكل كامل ، هو أمر لم يعتد عليه المسلمون ، ولذلك بقيت أحكام تلك الفترة المدنية سائدا بعد غياب مبرراتها وهو الحكم ، وكل المسلمين قد عانوا من تبعات التخبط في إسقاط الأحكام الفقهية على واقع لا يتحملها ، وكان آخرها خلافة داعش التي أوضحت بشكل لا يقبل الشك نتائج هذا الأمر وخطورته على الإسلام والمسلمين ، وبناء على هذا التصور الجديد نرى أننا أمام واقع مختلف تماما ولا يمت بأي صلة للفترة المدنية حيث تأسست دولة الإسلام وطبقت أحكامه .
نعم نحن في عهد مكي جديد بدأ منذ أن دخلت قوات الحلفاء إسطنبول ووضعت يدها على سلطة المسلمين ، أو بالأحرى قامت بنحر الرجل المريض المتمثل في السلطنة العثمانية ، ولكن نحر الرجل المريض ترك لنا رجلا آخرا ، رجلا في حالة موت سريري متمثلا بالفقه السني ، فقد كانت السلطة السنية والتي استمرت ما يقارب من 1300 عام هي الحامل لهذا الفقه ، وهذا الحامل لم يعد موجودا وعلى المسلمون اليوم أن يقروا بهذه الحقيقة وأن يعملوا على تجاوزها لما فيه الخير لهم على أساس الفقه القرآني والعهد المكي الجديد .
وكل ما يجري في العالم من اضطرابات والتي تعود في منشئها لأسباب تتعلق بالدين الإسلامي ، هي محاولة لإعادة هذا الكائن الميت سريريا إلى الحياة ، وكل هذه المحاولات قد باءت بالفشل هذا كان في الماضي ، وستبوء أيضا بالفشل في المستقبل ، الفقه السني انتهى عهده وإلى الأبد ، وبالتالي هذا الفقه الذي يشكل عبئا علينا جميعا ويجب أن تخلص منه وبشكل نهائي ، ويجب أن نبحث عن فقه جديد مبني على القرآن ويتوافق مع حاجتنا في هذا العالم المتغير .
لقد عاش الرسول والمسلمون في مكة ثلاثة عشرة عام في واقع جاهلي تماما وقد كانوا مسلمين ، ولا أحد يستطيع أن يناقش هذه الحقيقة ، ونحن الآن نستطيع أن نعيش عشرات أو مئات أو ربما آلاف السنين بدون سلطة دينية ونبقى مسلمين ، طالما أن موازين القوى ليست في صالحنا ، لقد كلفتنا المغامرات والتجارب لإعادة السلطة الدينية بالقوة غاليا في كل مكان حاول البعض منا ذلك ، وكانت النتائج عكسية تماما فقد أدت إلى قتل ملايين المسلمين وتهديم مدنهم وقراهم واغتصاب نسائهم وبناتهم وتشريدهم في كل مكان ، حان الوقت لنطوي فكرة استعادة الحكم الإسلامي بالقوة المسلحة ، ونفتح صفحة جديدة في العهد المكي الجديد المبني على القرآن فقط .
وفي النهاية أتمنى من كل مسلم قرأ كتابي هذا أن يتذكر بأن الرسول كان يعيش في مكة ويصلي ويطوف في الكعبة وقد كان فيها مئات الأصنام ولم يمنعه هذا من إقامة شعائره الدينية وأن يكون مسلما في مجتمع جاهلي .
***
إن نقل أو نشر أي شيء من هذا الكتاب دون تفويضٍ مباشر من الكاتب" إبراهيم عز" يعتبر خرقاً لقوانين الملكيّة الفكرية ويحاسب عليه ضمن القوانين المتداولة.
نهاية مخلص الكتاب الرئيس
ألف / خاص ألف.
سوف يتم نشر أول جزء من الكتاب الرئيس في أقرب مدّة إن شاء الله تعالى.
إبراهيم عز / فيس بوك