اختلاق موسى التوراتي ومعجزاته من زاوية الحقائق العلمية
بشار خليف
خاص ألف
2017-10-07
ما ينبغي وضعه في نصابه أن لا رابط بين موسى وأسفار التوراة الخمسة الأولى، فهذه الأسفار كتبت بعد زمن موسى الافتراضي بحوالي /600 /
ولعل الحقيقة الدامغة والتي تعطي دلالة على خلفية ولادة موسى ونشأته في التوراة، تتجلى في قصة شاروكين الأكادي التي تعود إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. بما يعطي دلالة على انتحال قصة شاروكين وإسقاطها على موسى التوراتي الذي وُلد في مصر حسب زعم التوراة.
وبغض النظر عن أفكار تميل إلى اعتبار موسى مصرياً اعتماداً على النسق اللغوي، فإن موسى التوراتي لو وضع تحت مجهر التاريخ والحقائق العلمية لتبين أن لا أثر مادياً يدل على وجوده أولاً، وتالياً، تواجده في مصر وثالثاً، خروجه من مصر وتوهان العبرانيين في سيناء لحوالي أربعين عاماً، حيث سيذكر سفر الخروج التوراتي معجزات موسى ومقتل الفرعون / مرنبتاح أثناء ملاحقته لموسى ورجاله /.
يقول توماس طومسون في كتابه " الماضي الخرافي – التوراة والتاريخ ":
" لقد بات واضحاً الآن أن الثقة السابقة في وجهة النظر القائلة بأن كتاب التوراة هو وثيقة تاريخية هي في طور الانهيار. فقد تم التعبيرعن الشك الواسع الانتشار ليس فقط حول تاريخية آباء سفر التكوين بل تاريخية القصص حول موسى ويشوع والقضاة أيضاً ".
وقد شعر هؤلاء المؤرخون بالثقة لأول مرة في التكلم على التاريخ عند معالجة عهد شاؤل وداود وسليمان . أما زينون كاسيدوفسكي فيشير إلى مسألة الخروج من مصر وموسى بقوله:
" إننا لا نستطيع أن نذكر واقعة هروب موسى وقومه من مصر لأن الوثائق المصرية وغيرها من المصادر الأخرى لا تشير إلى تلك الأحداث قط .
ويشير الباحث "سارنا " sarna في معرض نفيه لأسطورة الخروج من مصر:
" إن خلاصة البحث الأكاديمي حول مسألة تاريخية قصة الخروج، تشير إلى أن الرواية التوراتية تقف وحيدة دون سند من شاهد خارجي، كما أنها مليئة بالتعقيدات الداخلية التي يصعب حلها. كل هذا لا يساعدنا على وضع أحداث هذه القصة ضمن إطار تاريخي. يضاف إلى ذلك أن النص التوراتي يحتم محددات داخلية ذاتية ناشئة عن مقاصد وأهداف المؤلفين التوراتيين، فهؤلاء لم يكونوا يكتبون تاريخاً وإنما يعملون على إيراد تفسيرات لاهوتية لأحداث تاريخية منتقاة. وقد تمت صياغة هذه الروايات بما يتلاءم مع هذه المقاصد والأهداف. ومن هنا فإننا يجب أن نقرأها ونستخدمها تبعاً لذلك.
إننا نفتقد إلى المصادر الخارجية التي تذكر عن تجربة الإسرائيليين في مصر أو تشير إليها بشكل مباشر والشواهد الموضوعية الواضحة على تاريخية النص التوراتي مفقودة تماماً بما في ذلك نتائج التنقيب الأثري . كما أن الباحثة البريطانية " كاثلين كينيون "* تنفي وفق المعطيات الأثرية دخول أقوام جديدة إلى فلسطين في فترة بين عصر البرونز الأخير وعصر الحديد حيث تقول:
" لا يوجد في هذه الفترة تغيير حضاري يشير إلى حلول أقدام جديدة في فلسطين سواء في المناطق الهضبية أو غيرها ".
إذن نصل من كل هذا إلى القول أن الحقائق الأثرية والتاريخية تنفي بشكل جازم سفر الخروج التوراتي بحيث أن الأدلة الأثرية فندت :
وجوداً عبرانياً في مصر وبالتالي وجود شخص اسمه موسى يقودهم.
هجرة العبرانيين من مصر إلى بلاد كنعان عبر سيناء.
دخول العبرانيين التائهين في سيناء إلى بلاد كنعان ولاسيما عبر غزو عسكري.
ونعود للقول أن العبرانيين الذي طرأوا على بلاد كنعان نعتقد أنهم جماعات مرتحلة بدوية كانت تجول في قفار شمال الجزيرة العربية وأطراف بلاد كنعان وقد جذبتها معالم الحضارة الكنعانية فدخلت إلى بلاد كنعان بشكل تدريجي وغير منظم واستوطنت في المناطق الهضبية الفارغة على أطراف المدن الكنعانية. ولا بأس هنا من مناقشة ما ورد في سفر الخروج لجهة المغالطات التي فندها العلم الحديث فيما يختص بمعجزات موسى التوراتي:
* الجدير ذكره هنا، هو أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي طردت هذه الباحثة من " إسرائيل " عام 1967 نتيجة لانحيازها إلى ضفة الحقائق العلمية الآثارية في مواجهة المدرسة التوراتية الآثارية.
فقد جاء في سفر الخروج أن موسى التوراتي أخرج من مصر 600 ألفاً من المهاجرين الإسرائيليين عدا الأطفال والنساء، بمعنى آخر فإن العدد الكامل ربما بلغ مليوني نسمة تقريباً.
لكن دراسة علمية قام بها الباحث التشيكي " ألويس موزيل " المختص في شؤون العيش في الصحراء أوضحت أن القبيلة التي تتألف من / 5000 /عائلة تشكل أثناء سيرها خطاً عرضه حوالي 20 كم وطوله أكثر من ثلاثة كيلو مترات.
وعلى هذا يرى أن واحات شبه جزيرة سيناء بقادرة على أن تطعم مليوني إسرائيلي هو افتراض غير واقعي.
وأما رواية التوراة بأن ذلك العدد الكبير عاش في معسكر واحد فهي رواية بعيدة عن المعقول البعد كله.
يروي التوراة أيضاً أن موسى روى للعبرانيين كيف كلّمه الله / يهوه / من العليقة الملتهبة التي لا تحترق. ولكن الدراسات العلمية والعملية أكدت أن هذا النبات موجود فعلاً إلى الآن في سيناء ويسمى عليقة موسى. وتبين أن هذه الشجرة عبارة عن نبات ذي خصائص فريدة يرسل خيوطاً من الزيت في الأثير بحيث تتوهج بسهولة تحت أشعة الشمس.
وقد أخذ بعض العلماء نموذجاً من هذه العليقة إلى بولونيا وزرعوه في محمية، حيث ذكرت الصحف عام / 1960/م أن عليقة موسى اشتعلت في أحد الأيام القائظة ناراً ذات لون أحمر سماوي.
أيضاً ثمة حكاية في التوراة وردت على شكل معجزة حيث أن المنّ ظهر للعبرانيين كمعجزة من يهوه وموسى. والذي تبين بنتيجة دراسات الباحث بودينسهايمر في شبه جزيرة سيناء أن ثمة نوعاً من الأثل يفرز في الربيع سائلاً حلو المذاق سرعان ما يجف ويتحول إلى كرات بيضاء تشبه حبات البَرَد فور تعرضه للهواء، ولاحظ هذا الباحث أن بدو سيناء يهرعون في الربيع لالتقاط هذه الحبات التي لم تكن نتيجة معجزة لموسى ويهوه.
ومن ظرائف سفر الخروج أيضاً قصة طيور السلوى أو السمّان، حيث ثمة معجزة للقوم التائهين بأن جلب موسى لهم عبر يهوه هذه الطيور ليأكلونها وبأعداد كبيرة.
والذي تبين وفق الدراسات العلمية والعملية أن هذه الطيور ترحل من أعماق أفريقيا إلى أوروبا في فصل الربيع وبأعداد هائلة حيث تصل في طريقها إلى سيناء وقد أنهكها الطيران فتحط عادة على طول ساحل البحر خائرة القوى لدرجة أن السكان المحليين يلتقطونها بأيديهم دون استخدام أي وسيلة للصيد. بمعنى آخر أن هذه الظاهرة طبيعية ولا علاقة للمعجزات النبوية أو الإلهية بها.
وثمة معجزة توراتية أخرى تجلت في موسى حين جاع شعبه فضرب صخرة بعصاته عند سفح جبل حوريب لتنبثق المياه العذبة للشرب. وقد تبين بنتيجة دراسة هذه الظاهرة أن سكان المنطقة البدو ما زالوا يقومون بهذا الأمر إلى الآن في المنطقة فهم يعرفون أن مياه الأمطار تتجمع عند سفوح الجبال تحت شريط رملي هش يكفي أن تكسر هذه القشرة الرقيقة حتى تنبجس المياه دون معجزات إلهية أيضاً.
وعلى جري هذه المعجزات فقد ورد في التوراة أن الإسرائيليين وصلوا إلى "مارّة " بعد ثلاثة أيام من المسير في الصحراء دون مياه وشرب حيث خاب أملهم في الحصول على مياه عذبة بحيث أن مياه النبع في هذه المنطقة كانت مرّة المذاق.
وبمعجزة من موسى التوراتي الذي تناول غصن شجرة ورماه في المياه فأصبحت المياه عذبة وحلوة. لكن العلماء البريطانيون الذين درسوا هذا الأمر توصلوا إلى أن هذه المياه المرة تحتوي نسبة من كبريتات الكالسيوم وحين أضافوا إليها حامض الأكساليك ترسبت الكبريتات وفقدت المياه طعمها المر. في حين لاحظوا أن سكان المنطقة كانوا يتخلصون من المرارة بمساعدة أغصان شجرة معينة تسمى ألواح يحتوي عصيرها على حامض الأكساليك.
كما يذكر التوراة أن العبرانيين في طريقهم من جبل سيناء إلى قادش عانوا من نقص الغذاء ما أدى إلى وقوع اضطرابات وقلاقل واحتجاجات لكن غضب موسى ويهوه منهم دفعه إلى الانتقام منهم حيث أكلوا طيور السمّان/ السلوى فمات الكثير منهم كنوع من عقاب يهوه لهم وغضب موسى عليهم.
لكن الأبحاث العلمية دلت على أن هذه الطيور كما توصل البروفسور سرجان كانت تصبح سامة في بعض الأحيان في شبه جزيرة سيناء نتيجة أنه وفي طريقها من أفريقيا إلى أوروبا تمر في السودان وتحط هناك وتأكل حبوباً تحوي مواداً سامة مما يجعل لحومها خطرة على حياة الإنسان.
وأيضاً تذكر أساطير الخروج الهوامية أن الأفاعي السامة بين قادش وخليج العقبة هاجمت العبرانيين.. ولكن تبين أيضاً للرحالة السويسري بورغهات عند زيارته لسيناء أن ثمة هذه المنطقة التي تعج بالأفاعي السامة وكان البدو المحليين يتجاوزون هذه المنطقة أثناء تجوالهم . وفي النتيجة يمكن النظر إلى أن ما كتبه الأحبار في سفر الخروج لا يعدو كونه حكايا وخبرات اختزنوها أثناء تجوال العبرانيين بين شمال الجزيرة العربية وسيناء وأطراف كنعان بحيث أسدلوا عليها رداءاً إلهياً وأسقطوها على شخصية مفترضة هي موسى الذي جعلوه نبياً كتب الأسفار الخمسة الأولى من التوراة.
والغريب أن يرد في سفر التثنية / الإصحاح الرابع والثلاثين – السطر العاشر / أنه " لم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى ". ولكن الحقائق العلمية تؤكد أن كلمة " نبي " لم تدخل قاموس اللغة اليهودية القديمة إلا في زمن متأخر جداً عن عهد موسى المفترض في التوراة !.
إن كل هذا يدفع الباحث كاسيدوفسكي للقول:
" إن مجرد القراءة السطحية للأسفار الخمسة الأولى تبين هشاشة الأساس الذي قامت عليه أسطورة كتابة موسى لهذه الأسفار " .
الجدير ذكره هنا هو أن التقليد الديني في أوروبا أكد طوال قرون طويلة أن موسى هو مؤلف الكتب الخمسة الأولى من التوراة، ولكن عندما تجرأ الفيلسوف اليهودي سبينوزا (1632-1677)م وأعلن عن شكّه في صحة ذلك التقليد تم طرده من الكنيسة / أمستردام / وأعلنته هرطقياً. وقد سبق سبينوزا إلى هذا الكثير من الفلاسفة والعلماء أمثال: فيلون ويوسف فلافي وابن عزرا وأوريل وداكوست وغيرهم.
إذن نصل من مناقشتنا إلى سفر الخروج التوراتي إلى أن ما جاء فيه ليس إلا هواماً أكدته معطيات علم الآثار والتاريخ بالإضافة إلى نفي لكل تواجد عبراني في مصر بزعامة موسى ومن ثم هجرتهم عبر سيناء إلى بلاد كنعان ودخولها غازين ومدمرين.
يقول الباحث الهولندي " هـ.فرانكين ":
" إذا وضعنا النص التوراتي جانباً، فإن علم الآثار لم يتوفر لديه سبب واحد يدفعه للقول بوصول شعب جديد إلى فلسطين تحول إلى أمة مع نهاية القرن الحادي عشر قبل الميلاد، حيث أنه من المتعذر على تقنيات علم الآثار أن تكتشف الشواهد على وصول جماعات إثنية جديدة إلى مكان جغرافي ما إذا لم تترك هذه الجماعات مخلفات مادية تدل عليها، متميزة عن المخلفات المادية للجماعات الأصلية التي حلت بينها أو حلت محلها. وهذا لم نستطع التوصل إليه فيما يتعلق بالجماعات العبرانية " .
وينفي بدوره وليم ديفر روايات الآباء والخروج ويشوع حيث يقول:
" إننا لا نستطيع اليوم أن نبحث عن التاريخ في روايات الآباء والخروج ويشوع. وبصورة خاصة فإن إثبات الفتح العسكري لأرض كنعان / كما ورد في سفر يشوع / قد غدا مجهولاً لا طائل منه بعد أن جاءت كل الشواهد الأثرية مناقضة له ".
الجدير ذكره هنا هو أن سفر يشوع يتحدث عن اقتحام عسكري لبلاد كنعان من قبل العبرانيين، في حين أن سفر القضاة يتحدث عن دخول سلمي لهم إلى كنعان.
خامساً: مملكة داود وسليمان: ( المملكة الموحدة)
إذا ما تحرينا المرويات التوراتية / أسفار صموئيل / سنجد أن الفترة بين حوالي/ 1000- 600 /ق.م تم وصفها على أنها العصر الذهبي لإسرائيل بعاصمتها أورشليم. وقدمت هذه الأسفار وضعاً مغالياً ومبالغاً فيه لوضع العبرانيين الطارئين كبداة إلى فلسطين، حيث عمد كتّاب التوراة إلى وصف مملكة شاؤل وسليمان وداود على أنها ذات فاعلية سياسية تسيطر على المنطقة بين النيل والفرات، كذلك قصة هيكل سليمان الذي قُّدم وكأنه من عجائب الدنيا السبع.
لا بل وأن سفر الملوك الثاني وسفر الأخبار الأُول يأتي على ذكر أن سليمان بنى " تدمر" في البرية !.. والحقيقة أن الخط الذي يحكم التوراة إن كان بأسفاره الخمسة الأولى أو أسفاره الأخرى لا يقدم سوى الدليل على المبالغات والاختلاقات التي توحي وتؤكد على مبلغ المستوى والسوية الأولية التي كان عليها المجموع العبراني في فلسطين.
يقول الباحث الفرنسي " بيير روسي ":
" إن التاريخ المصنوع للعبرانين خارج النصوص التوراتية هو الصمت الكلي المطبق. فلا الكتابات المنقوشة على الآثار ولا القوانين ولا الدساتير تكشف أثراً قليلاً للعبرانيين. فعلى آلاف النصوص المسمارية أو المصرية أو مكتبة أوغاريت أو نينوى، وحتى في النقوش الآرامية. في ذلك كله لا تذكر كلمة عبري وأشهر ملوك التوراة هما داود وسليمان لم يصبحا قط موضوع وقائع تاريخية.
ليس هناك أبداً ذكر للملحمة والوقائع الحربية المعزّوة لعبور العبرانيين. فالعدم كامل، مثلما هو قطعي وجازم ".
بعد هذا، حريّ بنا مثلاً أن نلاحظ أن شيخ القبيلة العبرانية / وليس الملك / شاؤول والذي ألصق به التوراة في حوالي / 1020 /ق.م صفة شيخ بدوي في خيمة قرب بلدة جبعة شمال القدس.. سوف يكون في حوالي/932/ ق.م بانياً للمدن المسوّرة والهياكل الضخمة حسب التوراة، علماً أن هذه الفترة كانت تشهد تشرذم هذه القبائل وتفتتها.
وبدوره الباحث لينش يشكك في وجود المملكة العبرانية لداود وسليمان حيث يقول:
" إنني شخصياً أجد هذه الأفكار غير قابلة للتصديق إلى حد بعيد، حيث لا توجد أي آثار تدل على وجود سليمان وداود أو حدوث أي من الأحداث المرتبطة به " .
وإذا كان كتّاب التوراة قد قدموا على أن هذه الفترة هي فترة تبلور الشخصية العبرانية والدولة العبرانية في فلسطين فإن العالم " ليمكه " يؤكد وفقاً لكافة التحريات والتنقيبات الأثرية التي جرت في فلسطين، انعدام حدوث هجرة مركزية عبرانية إلى فلسطين وتالياً " أنه لا شيء في السجل الآثاري يؤكد وجود كينونة اسمها إسرائيل " .
ويناقش توماس طومسون في كتابه " التوراة والتاريخ – الماضي الخرافي " مرويات المملكة العبرانية لداود وسليمان، بحيث يقول: " أن تلك الصور/ التوراتية / لا مكان لها في أوصاف الماضي التاريخي الحقيقي، إننا نعرفها فقط كقصة وما نعرفه حول هذه القصص لا يشجعنا على معاملتها كما لو أنها تاريخية. ولا يتوافر دليل على وجود ملكية متحدة، ولا دليل على وجود عاصمة في أورشليم أو على وجود أي قوة سياسية موحدة ومتماسكة هيمنت على فلسطين الغربية، ناهيك عن إمبراطورية بالحجم الذي تصنعه الحكايات الأسطورية. ولا يوجد أي دليل على وجود ملوك يدعون شاؤول وداود وسليمان " .
إذن تجاه كل هذه المرويات حول مملكة داود وسليمان، حول عظمة أورشليم، وحول الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، نجد أن علم الآثار قد ساهم بمعول التنقيب في هدم أساسات هذه المرويات المختلقة. وهذا ما دفع بالباحثة والمنقبة " مارغريت شتاينر" بعد أن أجرت دراساتها على اللقى الأثرية في موقع أورشليم للقول: " لم يكن / للملك / داود مدينة ليعمرها في مطلع القرن العاشر ويجعلها عاصمة للمملكة الموحدة، لأن مثل هذه المدينة لم تكن موجودة في ذلك الزمن. كما أن الوصف الذي نجده في أسفار التوراة لمدينة أورشليم لا ينطبق إلا على مدينة القرن السابع " .
إذن نصل من كل هذا إلى عدة استنتاجات:
أولها: انعدام كلي لوجود داود وسليمان في الوثائق واللقى والأدلة الأثرية الأخرى.
ثانيها: انعدام كلي وكامل لوجود مملكة عبرانية موحدة شملت بفاعليتها التاريخية المنطقة ما بين النيل والفرات. وهذا ما سوف يتم التأكيد عليه في فصل المؤرخون الجدد في إسرائيل حيث يعطي ويؤكد بقوة أن مرويات التوراة جديرة بأن توضع على رفّ الروايات والقصص الخيالية.
ألم يقل توماس طومسون:
" باختصار، إن إسرائيل التاريخية الوحيدة التي يمكن الحديث عنها هي شعب دولة المرتفعات الصغيرة التي فقدت حكمها الذاتي السياسي في الربع الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد "
ويضيف: " لا يوجد متسع لملكية متحدة تاريخية أو لملوك كأولئك الذين جرى تقديمهم في القصص الكتابية لشاؤول وداود وسليمان.
إن الحقبة المبكرة التي تؤطر فيها التراثات حكاياتها هي عالم خيالي من زمن غابر لم يوجد على هذا النحو أبداً